أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث زيدان - مساءلة الحكام في الإسلام















المزيد.....



مساءلة الحكام في الإسلام


ليث زيدان

الحوار المتمدن-العدد: 1935 - 2007 / 6 / 3 - 11:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الـــمــــقـــــدمـــــــة
إن أي نظام سياسي وجد او سيوجد في هذا العالم ، سواء كان ديمقراطيا أو اسلاميا او دكتاتوريا او أوليغاركيا أو غيره ، يؤدي بحاكمه – من خلال السلطة التي يتولاها – بأن يمنح قوه(power) يستطيع من خلالها – اذا اراد استغلالها – ان يتمتع بنفوذ يخوله القيام بما يشاء وكيفما يشاء .
وان اي شعب يسعى دائما لتكوين نظام سياسي يقوم على اسس تحظى بإجماعه ، وان يقوم هذا النظام بتنظيم حياة افراد هذا الشعب وادارة اموره ومراعاة شؤونه العامة ، بما يحقق مصلحته الشعبية الجماعية ، بشكل يحقق المساواة بين افراد الشعب ، مانحا لهم حرياتهم بمختلف انواعها ، محققا بذلك كله العدالة والخير العام ولكنني – في نفس الوقت – متأكد بأن هذا الشعب لم يسعى لأن يصبح هذا النظام ، نظاما ناهبا لمقدرات الشعب ، سالبا لحرياته ، مفضلا مصلحته الشخصية على المصلحة العامة ، ناشرا بذلك الظلم بدلا من العدالة ، ساحبا سجادة السيادة من تحت اقدام هذا الشعب ، ولكن ماذ يفعل الشعب ، انه يحتاج للنظام السياسي ، مع علمه الاكيد بأن من سيوصله الى الحكم والسلطة من خلال هذا النظام سيمنح سلطات وقوة قد تستخدم ضده ، فماذا يفعل ؟! انه يحتاج لعملية ضبط للنظام السياسي وتحديده ، فكيف يكون ذلك ؟ كيف سيستطيع هذا الشعب ان يمارس سيادته الشعبية في عملية الضبط هذه ؟ من هنا يأتي مبدأ مساءلة ومحاسبة الحاكم كأحد أهم ادوات عملية ضبط النظام السياسي ، وهو ما يميز النظام الديمقراطي والنظام السياسي الاسلامي من غيرها عن الانظمة الدكتاتورية التي لا تسمح الأخيرة بقدوم هذا المبدأ على ساحتها مهما كلف الأمر فهذا المبدأ ضروري لمنع التضخم في نفوذ وقوة الحاكم ، هذا التضخم – في حالة حدوثه – يهدد بإنهيار النظام السياسي ديمقراطيا كان ام اسلاميا .
سأتحدث في بحثي عن هذا المبدأ في الاسلام الذي يعتبر احد اهم المباديء الدستورية الاسلامية واحد اهم الوسائل التي قررها الاسلام لنظامه السياسي ، فمن خلاله تتحقق الرؤية الاسلامية للنظام السياسي ، ولكن مذا نريد من مبدأ مساءلة الحاكم في ظل النظام السياسي الاسلامي ؟ بالتأكيد اننا نريده معبرا عن سيادة الشعب ، وهنا تبرز اشكالية البحث .
• أشكالية البحث
هل مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام يعتبر من الامور المتروكة للشعب ، حتى ولو كان الاسلام قد وضع القواعد العامة لنظامه السياسي؟ وبالتالي هل مساءلة الحاكم تعكس سيادة شعبية ام سيادة الهية ؟ وكنتيجة منطقية اذا كان يحقق سيادة شعبية فهل يكون بذلك منسجما مع مبدأ المساءلة في النظام الديمقراطي ، هذا النظام الذي يقوم بالاساس على سيادة الشعب ؟ .
• افتراضات البحث
1. من المسلم به ومما لا خلاف عليه عند المفكرين الديمقراطيين ، أن جوهر النظام الديمقراطي يتمثل في أن الشعب يحكم ، وهذا الامر يتحقق من خلال اختيار الشعب لمن يحكمه – ضمن اسس يجمع عليها الشعب – ويدير اموره وان يكون له حق مساءلة ومحاسبة الحاكم اذا اخطأ.
2. كذلك فإن جوهر النظام السياسي الاسلامي يقوم عماده التنظيمي على مجلس شورى منتخب من قبل الشعب ، ينتخب بدوره الحاكم ويكون واجبا عليه مساءلته ومحاسبته اذا أخطأ .
نلاحظ ان هناك انسجاما بين النظامين من حيث اعتماد كليهما على مبدأ مساءلة الحاكم كوسيلة أو كأداة يرتكز عليها كلا النظامين ، ولكن كيف نحقق انسجاما بين المبدأ وبين سيادة الشعب ؟
• فرضية البحث
لا اعتقد بأن الاسلام يمنع ان يكون هناك توافق بين مبدأ مساءلة الحاكم وبين سيادة الشعب ، بل على العكس فالاسلام يوجب ممارسة هذا المبدأ من خلال الشعب او الامة ، ولكن المهم ان نفهم الاسلام من خلال مرجعية فكرية اسلامية صحيحة .
فأنا افترض ان المرجعية الفكرية الاسلامية ( التراثية ) التي تنظر الى الواقع بنظرة سلفية قد يمة هي التي تحول دون تحقيق انسجام وتوافق بين مبدأ مساءلة الحاكم اسلاميا وبين سيادة الشعب ، فأنا ارى انسجاما بين المبدأ والسيادة الشعبية من خلال ممارسة هذا المبدأ من قبل الشعب لتحقيق غاية اقامة الدين وهي التي اختارها الشعب بإرادته الحرة بالاساس من خلال اختياره لنظام حكم اسلامي .
• أهمية البحث واسباب اختياره
تنبع أهمية هذا البحث من الاهمية الخاصة التي يتمتع بها مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام الذي يعتبر –كما قلت- أحد أهم المباديء الدستورية الاسلامية ، وأهم اداة للنظام السياسي الاسلامي ولذلك من الاهمية بمكان ، بحث هذا الموضوع بتعمق وبتحليل ، آملا ان يتم الوصول الى نتائج جديدة قد تعمم ، وقد تكون ركيزة لبناء ابحاث جديدة عليه.
هذه الاهمية تتركز بالاساس حول مفهوم هذا المبدأ ومدى انسجامه مع سيادة الشعب من خلال مرجعية فكرية اسلامية متجددة محاولا تقديم رؤية اسلامية جديدة حول الموضوع .
أما اسباب اختيار هذا البحث فيرجع الى اهتمامي الشخصي بموضوع البحث الذي اجد فيه اختصاصا في حقل الدراسة في مساق الديمقراطية في الفكر الاسلامي ، هذا بالاضافة الى تناول الكثير من الادبيات السابقة لموضوع نظام الحكم في الاسلام ، هذا النظام الذي يرتكز على عدة مباديء اهمها مبدأ مساءلة الحاكم ومحاسبته .
• اسلوب البحث وحدوده .
سأعتمد في جمع معلوماتي وتحليلها في بحثي هذا ، على الاسلوب العلمي التحليلي وفق منهجية علمية قائمة على التحليل المنطقي وسيتضمن جانب تاريخي محدود بأحداث تاريخية معينة ، أما حدود البحث فستكون متركزه على فترة نزول الوحي الإلهي وفترة السنة النبوية وذلك بهدف التركيز على الأصل الشرعي (القرآن والسنة)، وذلك لأنه يخدم البحث ويدعم فرضيته ويحققه الفهم المطلوب وسأتناول الأدبيات السابقة التي تحدث بها المفكرون الاسلاميون المعاصرون او غيرهم، ويعكسون فيها فكرا اسلاميا متجددا حول مبدأ مساءلة الحكام في الاسلام وما يدخل ضمن هذا المبدأ .
• مخطط البحث ( فصوله)
سيتناول هذا البحث ثلاث فصول ، الفصل التمهيدي : وسأتناول فيه مرجعية الفكر الاسلامي وتجديده وسيتضمن قواعد اساسية لتجديد الفكر الاسلامي، الفصل الاول :- وسأتحدث فيه عن مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام ، اما الفصل الثالث : فالحديث فيه سيكون عن انسجام مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام مع سيادة الشعب ، وسيحتوي البحث على خلاصة ونتائج وخاتمة
• تعريف بأهم المصطلحات الواردة في البحث
1- الفكر الاسلامي :- هو التفاعل بين عقلنا المتكيف – بنوع وكمية المعارف والعلوم العقلية والتجارب التي يحصلها في كل زمان - ، المنفعل بالظروف الراهنة – التي تحيط به وبالحاجات التي يحسها الناس وبالوسائل التي تتيحها له ظروف الحياة – مع الهدي الازلي الخالد الذي يتضمنه الوحي والذي بينه الرسول (ص)1.
2- الاسلام :- هو دين مقدس ورسالة سماوية تتضمن مباديء تنظم عبادات الناس وأخلاقهم ومعاملاتهم ، مصدره الوحي الإلهي والذي بينه الرسول (ص).2
3- الأمة في نظر الاسلام : هي مجموعة من الافراد تربطها الرغبة في العيش المشترك ، برابطة الوحدة في العقيدة – أي في الفكرة والوجدان – من اجل تحقيق اقامة الدين الاسلامي الذي من خلاله تتحقق مصالحهم ، ولا يوجد ما يمنع وجود روابط ثانوية أخرى مثل وحدة الوطن والاصل واللغة وغيرها .
4- الشورى في الفكر السياسي الاسلامي :- هي فلسفة نظام الحكم ، والاجتماع ، والاسرة ، لأنها تعني إدارة أمر الاجتماع الانساني ، الخاص والعام ، بواسطة الائتمار المشترك والجماعي الذي هو سبيل الانسان للمشاركة في تدبير شؤون هذا الاجتماع ، وهي السبيل الى الحكومة أي القيادة والنظام والسلطة والحاكم .3
5- أهل الحل والعقد :- مفهوم تاريخي نشأ في صدر الاسلام نتيجة ظروف الهجرة النبوية وتأسيس الدولة الاسلامية الاولى ، وهم من يمثلون الأمة في الدولة الاسلامية من خلال ما يناط بهم من الوظائف والاختصاصات، أهمها اختيار الحاكم ومراقبته ومحاسبته ، وهناك اختلاف بين العلماء حول عددهم وصفتهم ، حيث يعتبر هذا المفهوم من الامور التفصيلية والتنظيمية التي تركت في تحديدها لإرادة الأمة الحرة ، فهي التي تضع من سبل التنظيم لإختيار هؤلاء وممارستهم وظائفهم وانتهاء مهمتهم أو انهائها .4
6- عقد الإمامة :- هو عقد يتم بين الأمة والحاكم ، ويرتب التزامات على كل طرف ، ويرتب شرطا جزائيا على الطرف الذي يخل بإلتزامه ، قد يصل الى خلع الحاكم من منصبه وانهاء عقده ، فهو عقد تنشئه ارادة الامة من خلال ممثليها ، وهو ليس مطلقا فهو مقيد بنصوص الشريعة التي لا تبيح للحاكم إلا ما تبيحه لكل فرد ، ولا تحرم عليه إلا ما حرمته على كل فرد .5
7- الاستشارة :- هي طلب الرأي أو المشورة ممن يكون محل ثقة الطالب ، وطالب الاستشارة هو وحده صاحب الحق في اتخاذ القرار في المسألة التي يطلب الرأي فيها .6

الفصل التمهيدي :- مرجعية الفكر الاسلامي وتجديده :-
أولا:- تحديد المشكلة :-
أرى لزاما علي ان ابدأ حديثي في هذا البحث – قبل الخوض في مبدأ محاسبة الحكام في الاسلام – عن مرجعية الفكر الاسلامي ، فمشكلتنا الحقيقية ليست مع الاسلام كديانة ، وانما بكيف نفهم الاسلام ؟ وكيف نسير امورنا وننظر اليها من خلاله في ظل ظروف وواقع يحيط بنا لا نستطيع ان ننسلخ عنه ؟ فما هي مرجعيتنا الفكرية ، هل هي مرجعية تراثية أم مرجعية تتناسب وواقعنا الجديد المتجدد ؟ وماذا نعني بالاسلام طالما هناك مذاهب فقهية متعددة ، سنية وشيعية ومتصوفة وغيرها ؟1 كيف استطاع الشيخ يوسف القرضاوي من اصدار فتوى تعتبر الديمقراطية من صميم الاسلام وجوهره ، وفتوى أخرى أجاز فيها الاحزاب السياسية ؟2 هل هو بذلك يخالف الاسلام ؟ وبالتالي يعتبر خارج عن ملة الاسلام ومرتد ؟! لماذا لا يحق لنا ان نأخذ ما قد نستفيد منه من افكار وانظمة ووسائل ، طالما انها لا تتعارض مع نص محكم ولا مع قاعدة شرعية ثابتة؟! لماذا هذا التهميش للعقول والاعتماد على المنقول – كما هو- الذي لم يعد يناسب واقعنا الجديد؟ فهل من المعقول ان نبقى متمسكين في أن من شروط الحاكم الاسلامي ان يكون من قريش؟! هذه جملة من التساؤلات وغيرها ، الاجابات عنها تتحدد من خلال مرجعيتنا الفكرية الاسلامية ومدى تجديدها ، فهناك اشكالية تتمثل في الجمود في فهم الاسلام ، فالمجتمع الاسلامي بفكره وواقعه راكدا جامدا ينظر الى الاسلام بنظرة تراثية سلفية في ظل واقع يحتاج الى تجديد الفكر الاسلامي بحيث يتناسب ويتواكب وينسجم مع التطورات العصرية وطبيعة المجتمع الحديث .
فقضية العلاقة بين العقل والتفكير الحر من ناحية والعقيدة الدينية من ناحية أخرى من أخطر القضايا المستعصية وهي جوهر المشكلة الحقيقية في العلاقة بين الاسلام وسيادة الشعب .
فمشكلتنا كما يقول راشد الغنوشي هي "بالغذاء الفكري"،"وهو سبب القصور والعجز والانقسام والهزائم في حياة المسلمين"3 ، فنحن بحاجة الى غذاء فكري يعمل على معالجة قضايانا ومشاكلنا ويتناسب مع واقعنا الجديد ، فكيف يكون ذلك ؟
بالتأكيد أننا بحاجة الى تجديد فكرنا الاسلامي الذي أصبح متقادما وباليا ، هذا الفكر الذي كان بكل تأكيد يتناسب مع ظروف وواقع وحياة المسلمين قديما في فترة من الفترات ، ولكنه لم يعد صالحا لمواجهة التحديات المعاصرة – وانا اقول هنا الفكر الاسلامي وليس الدين الاسلامي- فنحن بحاجة الى فكر اسلامي ينتج عن التفاعل بين عقل المسلمين واحكام الدين الازلية الخالدة ، بشكل يتكيف بالواقع ويتأثر به حتى لا يصبح مجردا ، وبشكل يتكيف بنوع وكمية المعارف العقلية فإذا ضاقت هذه المعارف ضاق واذا اتسعت اتسع، هذا هو الفكر الاسلامي الذي نحن بأمس الحاجة له حتى نستطيع النهوض من جديد. ولكن حتى نستطيع ان نطالب بمثل هذا الفكر لا بد من البحث عن اسباب جمود الفكر الاسلامي ، فالدواء لا يفيد اذا لم نعرف الداء ، بالتأكيد ان الظروف التاريخية وما احتاطت بها من احداث في واقع المسلمين ساهمت بشكل كبير في هذا التأخر والجمود ، ولكن ليس هذا ما يهمنا في هذا المقام ، وانما ما نحتاج الى بيانه هو العلل او الاسباب الجوهرية التي أدت الى جمود الفكر الاسلامي حتى يومنا هذا .
ثانيا :- اسباب المشكلة "الفكر الاسلامي" :-
1- الانقطاع عن الأصل :- فالفكر الاسلامي انقطع عن اصوله ولم يتفاعل معها ، هذه الاصول الشرعية الخالدة المتمثلة بالقرآن والسنة وهي اصل الاسلام ، فقد كان علماء الدين يتناولون هذه الاصول ويشرحونها للناس بطريقة تتلائم مع زمان ومكان معينين وقابلة للتطبيق في ذلك الزمان وفي تلك الظروف ، لدرجة أن هذه الشروحات والتطبيقات امتزجت بالدين واصبحت جزءا منه ، فإذا انتهت هذه الحقبة الزمنية المعينة وجاءت غيرها بظروف وملابسات مختلفة،قام المفكرون الاسلاميون في هذه الفترة الجديدة بأخذ تلك الشروحات والتطبيقات– كما هي- محاولين تطبيقها على زمان ومكان مختلفين بمعزل عن الاصول مما أدى الى جمود الفكر الاسلامي وغربته عن الواقع،فهذا التقليد وهذه السلفية التي ترضى بكل ما هو قديم محاولة تطبيقها في زمن غير زمانها وفي ظروف غير ظروفها ، هي التي أدت الى الابتعاد عن اصل الدين وتغير أمره وفكره واتجهت بمجتمعه الديني للانحطاط – انا لا اقول بأن السلفية غير مهمة ولكن يجب النظر اليها من ناحية تاريخية من حيث كيف طبق المسلمون هذه الافكار – فمثلا الاصول الشرعية تقر بأصل الاجماع من خلال الشورى بين المسلمين جميعا ، ولكن لم يكن ذلك ممكنا حصوله في فترة خلافة ابو بكر الصديق رضي الله عنه لضرورة عملية هي اتساع رقعة وجود المسلمين الجغرافية وعدم وجود آليات الاتصال الحديثة والمواصلات ، ودخول اعداد كبيرة من العوام في الاسلام ، مما اضطر بالعلماء الى ان يجعلوا الشورى بين العلماء وان يجعلوا الاجماع ، اجماع العلماء ، ولكن الاصل ان الاجماع هو اجماع المسلمين ، فجاء المفكرون الاسلاميون من بعد ذلك مقرين بإجماع العلماء مبتعدين بذلك عن الاصول الشرعية ، متمسكين بالتقليد واجتهاد العلماء السابقين.
ومما ساعد في الانقطاع عن الاصل ، الاهتمام بالفروعية في الفقه الاسلامي الموروث ، فتعاليم الاسلام مباديء عامة وقواعد مجملة وأحكام شرعية ، وعند تفصيلها لغرض بيانها ، يتم التمسك بهذه التفاصيل وكأنها الأصل فيتم تفصيل هذه التفاصيل مرة أخرى وهكذا حتى يتدنى الفقه الاسلامي نحو الفروع وترك الاصل ، وهذا الامر ادى الى خلل في ترتيب الأولويات ، فطالما اصبحت الفروع هي الاصل ، اصبح لا يعلم اي الفروع أهم ، ومما ساعد ايضا في الانقطاع عن الاصل ما يطلق عليه حسن الترابي (الشكلية والباطنية) 1، فالفقه الاسلامي يبدأ فقها جوهريا يعبر تعبيرا واضحا عن جوهر الدين ومقاصده ثم يصبح بعد ذلك يتأرجح بين التركيز على الطقوس الدينية ( الشكلية) تارة وبين التركيز على النظر في النيات والمعاني (الباطنية ) تارة اخرى مع انه من المفروض ان يكون هناك توازن بين الشكلية والباطنية.
هذه هي الاسباب التي ادت الى الانقطاع عن الاصول الشرعية المتمثلة بالقرآن والسنة والامر الذي أدى الى انحطاط الفكر الاسلامي وجموده، فدخلت عادات واعراف غير مؤصلة ، واصبح هناك تقليد فقهي ومنهج قياسي احتل مكان الاصل ، وادى الى تمسك الفكر الاسلامي بهذا التقليد الذي كان متأثرا بظروف معينة اثرت على منهجه الاصولي ، ولكن للاسف بعد انتهاء هذه الظروف لم يتم ارجاع الامور الى منهجها الاصولي ، بل بقيت كما هي تتوارثها الاجيال ويتناقلها الفقهاء والعلماء كما هي بدون النظر الى الاصول ، فأفكار السلف الصالح نشأت من أجل القضاء على تحديات وأمراض كانت سائدة في زمانهم وهي ما لا تتناسب مع تحدياتنا وأمراضنا في هذا العصر الحديث .

2- الانقطاع عن العلوم والمعارف العقلية :- يقسم الدكتور حسن الترابي العلم الاسلامي الى قسمين : احدهما العلم الطبيعي الذي يعتمد على العقل وهو ذو أصل دنيوي ، يرجع فيه الى التجارب البشرية العقلية بغض النظر عن مصدرها شرعيا كان ام غير شرعي ، والآخر العلم الشرعي الذي يعتمد على النقل وهو ذو أصل ديني يرجع فيه الى الرسول (ص) بما نقل عنه نقلا صحيحا . 1
فالفكر الاسلامي ينتج عن التفاعل الذي يحصل ما بين العقل بما يحتويه من العلوم والمعارف العقلية وبين العلم الشرعي ، والفكر والفقه الاسلامي يضعف كنتيجة حتمية اذا ضعفت هذه المعارف العقلية التي تؤدي الى ضعف في التفاعل ما بين العلم العقلي والعلم الشرعي ، فهذا الفكر يعتمد على التوازن ما بين العلم العقلي والعلم النقلي وتجاوز احدهما على الآخر يؤثر في الفكر الاسلامي ويؤدي الى تعطيله وجموده بحيث يصبح في حالة ركود تام .
فالفكر الاسلامي كله تقريبا اقتصر على الرجوع الى المأثورات والى النقليات بعد انتهاء حركة الاعتزال التي اتخذت من العلم العقلي مرجعها الاصيل على حساب العلم الشرعي المنقول ، هذا الامر الذي ادى الى اثارة الشبهات في وجه الاسلام ، مما دفع المفكرون الاسلاميون الى اعتماد المنهج النقلي الذي تأسس على علم الحديث والابتعاد عن العلم العقلي ، وتحول علم الحديث بعد ذلك الى علم التاريخ مع مرور الزمان والتطورات التاريخية والاحداث الهامة ، وهذا ادى الى تأخرنا عن علم الطبيعة في الوقت الذي كان الغزو الفكري الاجنبي يورد الينا علومه الطبيعية التي –كما يقول حسن الترابي –(تحمل ورحاً تجافي الدين ، مردها الى الصراعات بين علوم الدين وعلوم الطبيعة او بين رجال الدين ورجال العلم في اوروبا2.)
هذه الروح التي يتحدث عنها الدكتور حسن الترابي ادت الى حدوث شرخ بين العلم الطبيعي والعلم الشرعي الامر الذي أدى الى التأثير سلبا في الفكر الاسلامي الذي يستلزم التفاعل بين هذين العلمين . فالفكر الاسلامي يحتاج العلوم والمعارف العقلية من الناحية الشرعية من اجل تطبيق احكام الشريعة الاسلامية وتنفيذ التكاليف التي يكلفنا بها الله عز وجل فبدونها لا تتم عبادة الله ولا يتحقق الايمان وسأضرب مثلا بذلك من القرآن فيقول الله سبحانه وتعالى "واعدو لهم ما استطعتم من قوة"3 . ففي هذه الآية تكليف من الله عز وجل لا يمكن تحقيقه بعيدا عن المعارف العقلية والعلوم الطبيعية ، هذا بالاضافة الى انه لا يمكن تحقيق الاجتهاد الا اذا تم تعلم علوم الطبيعة الى جانب علم الشريعة فالعلوم الطبيعية هي التي تعرف المجتهد بالواقع والمجتمع الذي يحيط به وما يحتاجه من علاجات فبدون هذه العلوم لا يتحقق الاجتهاد وهذا يؤدي الى الانقطاع عن الواقع . اذن كنتيجة منطقية فالدين لا يقوم الا بالتفاعل بين هذين العلمين بشكل متوازن بدون طغيان لأحدهما على الآخر وبالتالي فالانقطاع عن العلوم والمعارف العقلية أدى الى جمود وترهل في الفكر الاسلامي ، بعدما اتجه الى المنهج النقلي بشكل اساسي الذي تحول الى منهج تاريخي قديم لا يعدو ان يكون اكثر من ذلك وكأنما هذه الدنيا قد توقفت عقارب ساعتها عند هذا التاريخ لم تتجاوزه! .
فالمفكرون الاسلاميون الذين اتخذوا من المنهج النقلي لوحده بعيدا عن المنهج العقلي طريقا لفكرهم الإسلامي، لم يستندوا بذلك الى أي دليل شرعي يعطيهم هذا الحق ، بل على العكس من ذلك تماما فالشرع أوجب استخدام العلوم المعرفية العقلية الى جانب العلم الشرعي حتى يتحقق الفكر الاسلامي الصحيح .
3- الانقطاع عن الواقع :-
ان منهج التفكير الاسلامي لم يوجد بالاساس ليكون مجردا وانما وجد ليستمر ، واستمراريته هذه لا تتحقق الا بتكيفه بالواقع والتأثر به فهو منهج واقعي ، وهذا ما يثبته التاريخ ، فقديما كان الفقه الاسلامي شاملا لكل قضية من قضايا الحياة القديمة ، فالقرآن عندما نزل لم ينزل دفعة واحدة وانما نزل في أوقات مختلفة تتناسب مع وقائع ومواقف واحداث ، فمعظم آيات القرآن لها اسباب لنزولها تنسجم وواقع الحياة التي كانت سائدة في ذلك الزمان ، فكانت هذه الآيات بمثابة تعاليم للمسلمين في ذلك الوقت وبالتالي لم يكن فكرا مجردا منسلخا عن الواقع . ولكن بعد ذلك جاء المفكرون الاسلاميون يتوارثون هذا الفقه القديم وكانهم لا يعلمون ان عجلة الحياة سائرة تهشم من يحاول الوقوف امامها ، فأصيب الفكر الاسلامي بالجمود وأصبح فكرا تجريديا بمعنى الكلمة، لا يستطيع الاجابة على القضايا المعاصرة المطروحة التي تحيط بنا من كل جانب ، وكأنما حصل انفصام بين الدين والواقع ، واصبح هؤلاء المفكرون الاسلاميون المتمسكون بهذا الفقه القديم معزولون تماما عن هذه الدنيا وكأنهم في واد وهذه الدنيا في واد آخر لا يعيشون واقعها ولا يتكيفون ولا يتأثرون بها ، فلماذا كل ذلك ، هل هذا من الاسلام في شيء ؟! ألم يزد ذلك الاسلام تشويها وعداوة من قبل الغرب ؟ كما قلت قبل قليل الاسلام جاء ليستمر ولم يأتي ليتوقف عند محطة زمنية محددة ، فهذا الفقه الذي توارثه المفكرون وورثوه كان مناسبا لواقع المسلمين في زمان ومكان معينين ولكنه لم يعد ينسجم وواقع الحياة لحديثة وهذا الامر لا يعتبر خروجا على الاسلام كديانة ، فالاسلام جاء بدين وهداية من خلال رسالة نبوية ، فجاء بعموميات وكليات وقواعد عامة واخلاقيات، وترك تفصيلها لفكرنا وفقهنا الاسلامي بما يتناسب وواقع المسلمين بدون تحديد هذه التفاصيل لأنه يعلم بأن الحياة في حالة تغير مستمر وتواكبها تطورات كثيرة تستلزم فكر اسلامي يتابع هذه التغيرات وهذه التطورات ضمن منهاج اسلامي، فهذا التمسك بالفقه القديم الموروث ادى الى الفصل بين الواقع وبين الدين وهذا ادى كما يقول الدكتور الترابي الى فصل "بين معاهد شرعية ومعاهد مدنية ، وبين رجال شرعيين ورجال مدنيين ، وبيننا وبين القرآن والسنة التي تمثله الآراء التاريخية الاسلامية"1
هذا الفصل الذي تحدث عنه الترابي سببه جمود الفكر الاسلامي الذي لا يزال ينظر الى الامور بفكر مجرد وبمرجعية تراثية سلفية في ظل واقع مليء بتحديات العصر الحديث، وهذا الامر أدى الى التسبب في حالة من الضياع الواقعي وتشتت فكري وعدم القدرة على تقديم رؤية اسلامية لواقع متجدد، في ظل غزو فكري يقدم رؤية جديدة بطروحات غربية منسلخة عن واقعنا وتاريخنا وتراثنا .
هذه هي الاسباب والعلل الرئيسية التي ادت الى جمود الفكر الاسلامي وخروجه بموقف الضعيف في مواجهة تحديات العصر الحديث ،على الرغم من أن الفكر الإسلامي الحق، يستطيع تجاوز هذه التحديات ومواكبة التطورات اذا استطاع تجاوز محنته المتمثلة بهذه العلل وتقديم رؤية اسلامية جديدة قائمة على فكر اسلامي متجدد ، فكيف يكون ذلك ؟
ثالثا :- قواعد اساسية لتجديد الفكر الاسلامي :- المشكلة – كما قلت – ليست بالاسلام كدين وانما بكيف نفهم الاسلام ونزيل الجمود الذي يحيط بالفكر الاسلامي الذي سببته تلك العلل التي تم شرحها ، وقد قمت بهذا الشرح للوصول الى مجموعة من القواعد التي تساعد على تجديد الفكر الاسلامي ، هذه القواعد التي اعتبرها مقدمة تمهيدية ضرورية قبل الحديث عن موضوع مبدأ مساءلة الحكام في الاسلام ، واظنها تساعدني في الخوض في شرح هذا المبدأ وربطه وتوفيقه وبيان مدى انسجامه في علاقته مع سيادة الشعب ، ولا اعتقد بان في هذه القواعد خروجا على الاسلام في شيء ولا تتعارض معه او مع مبدأ الحاكمية الالهية ، بل على العكس تماما فهي من صلب الاسلام ووجدانه، وهي كما يلي :-
1- ضرورة تفاعل الفكر الاسلامي واتصاله بالاصول الخالدة عند احتكامه في المسائل والقضايا وهو ما يسمى بالتأصيل وهو رد الشيء او الأمر الى أصله ، فأصل الشريعة هو القرآن والسنة . 1ومراعاة ترتيب الاولويات بحيث لا تطغى الفروع على الاصول ، فينبغي أخذ الدين من كلياته ومبادئه وفروعه ، مع ضررة حفظ التوازن بين الشكلية والباطنية التي تم شرحها سابقا .
2- التأكيد على أن الاصل في الاجماع هو اجماع المسلمين جميعا وهم اصحاب الكلمة فيه من خلال اجراءات الشورى التي ينبغي ان يمارسها المسلمون جميعا والتزام الفرد بالقرار الناشيء عن اجراءات الشورى وذلك في الاحكام الفرعية في القضايا المطروحة التي لا يوجد فيها نص ولا تتعارض مع نص مكتوب في القرآن أو السنة .
3- التأكيد على أن التحري عن أمر الدين ليس محصورا في طبقة معينة او من حق طائفة ما ، وانما هو حق لكل مسلم يمارسه من خلال الاجتهاد، والرأي الاخير يعود لإجماع المسلمين من خلال اجراءات الشورى التي ليست بالضرورة ان تتم ممارستها بصورة مباشرة ، فقد تتحول الى شورى نيابية تمثيلية اذا تعسر اجراءها بصورة مباشرة فهذا متروك تقديره للشعب بحسب الظروف .
4- التأكيد على أن الفكر والعلم الاسلامي ناتج عن تفاعل العلوم والمعارف العقلية مع العلم الشرعي المنقول نقلا صحيحا عن الرسول (ص) ، ولا قيام للدين بدون هذا التفاعل بين هذين العلمين مع ضرورة حفظ التوازن بينهما بحيث لا يطغى احدهما على الآخر ، مع التأكيد على ضرورة هذا التفاعل في معالجة مشكلات المجتمع .
5- التأكيد على ان منهج الفكر الاسلامي هو منهج واقعي وليس فكرا مجردا فهو منهج يتكيف بالواقع ويتأثر به من اجل مواجهة التحديات والاخطار والامراض ومعالجتها بشكل يتناسب مع الواقع الجديد من خلال رؤية اسلامية جديدة وفكر اسلامي متجدد، بما لا يتعارض مع اصول الدين .
6- التأكيد على أن الاسلام جاء كدعوة دينية الى الله (جل) ورسالة اصلاح وهداية تتضمن مباديء تنظيم عبادات الناس واخلاقهم ومعاملاتهم ، وان الدولة ليست سوى وسيلة لتحقيق اقامة نظام الدين 2 ، فأصل الاسلام لم يحدد شكل الحكومة او شكل الدولة واكتفى برسم الخطوط العريضة والقواعد الكلية والضوابط العامة للنظام السياسي وترك التفاصيل وتحديد ملامحها بما هو مناسب للناس لان استمرارية وجودها مستمدة من الناس 3 ،فعناصر الدولة التي تمثل نموذج الدولة المعاصرة غير موجودة في اصل الاسلام ولا في تاريخه ولا في فقهه 4، وبالتالي فتحديد هذه العناصر متروكة للناس لتحديدها بما يتلائم معهم ،وبما لا يتعارض مع القواعد العامة التي وضعها الاسلام للنظام السياسي ومن بين هذه العناصر مبدأ محاسبة الحاكم.

الفصل الأول
مبدأ مساءلة الحكام في الإسلام :-
بادئا ذي بدء لا بد من التأكيد على أن اختيار شعب ما لنظام حكم اسلامي او نظام سياسي اسلامي او حكومة اسلامية – سمها ما شئت - ، يعني ذلك بالضرورة ان تتوافر في هذه الحكومة او في هذا النظام صفة "الاسلامية" اي صفة الخضوع لتعاليم الاسلام في جوانبها المختلفة ، بما في ذلك المباديء التي تتصل بنظام الحكم وبالقواعد الدستورية التي يجب مراعاتها في الدولة الاسلامية ومن بينها مبدأ مساءلة الحكام ، بمعنى ان التصور الاسلامي للنظام او للحكومة يخلو من انفصال بين شؤون الدين والدنيا ، ولكن في نفس الوقت بالتأكيد لا يدعو الى التطابق بينهما ، فالحديث عن حكومة اسلامية لا يعني الحديث عن حكومة دينية مسيطرة تحت شعار ( ظل الله في الارض) ، وبالتالي لا بد من التوازن بين الدين والدنيا ، ولكن ما هي الحكومة الاسلامية اذن وما هي غايتها ؟
أولا:- الحكومة الاسلامية وغايتها :-
لم تتأتى الشريعة الاسلامية بنظام حكم معين محدد التفاصيل ، وانما جاءت بقواعد عامة وضوابط كلية توضح بأن هذا النظام ملتزم بشريعة الله ، وهذا مما لا خلاف عليه عند معظم المفكرين الاسلامين المعاصرين ، لدرجة تصل بالمستشار محمد عشماوي ان يتحدث عن لفظ "الحكم" الذي ورد في الآية "ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون" – هذه الآية التي يعتبرها الكثيرون اساس السلطة السياسية – بأنها تعني القضاء على الخصومات وليست لغرض سياسي1، فالشريعة الاسلامية لم تحدد التفاصيل ، وإلا لما دعت الحاجة الى توضيح هذا النظام من قبل المفكرين والفقهاء الاسلامين ، فهذا التوضيح جاء لبيان هذه القواعد العامة لتتمكن الامة من وضع نظامها على ضوء هذه القواعد ، هذا بالاضافة الى خلو المصدر الاصلي للشريعة الاسلامية – القرآن والسنة – لأية تفاصيل محددة للنظام السياسي الاسلامي او للحكومة الاسلامية .
ومن اجل فهم القواعد او المباديء التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية – التي سأتناولها لاحقا في الفصل الثاني من خلال حديثي في هذا البحث – لا بد من معرفة اهداف هذه الحكومة ، فهل تسعى الى تحقيق اهداف سياسية دنيوية فقط ؟ بالتأكيد لا ، والا لكان هناك استغلال للدين الاسلامي لتحقيق هذه الاهداف وبالتالي نقع في شرك الحكومة الدينية المطلقة ، فالحكومة او الدولة في التصور الاسلامي ليست هي الهدف بحد ذاتها وانما وسيلة لتحقيق غاية ذات شعبتين تكمل احدهما الاخرى ، الأولى هي اقامة نظام الدين وهذا ما اكده المصدر الاصلي ( القرآن) ولا خلاف عليه ، فقال الله تعالى :"الذين ان مكناهم في الارض اقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر"2، وقوله:"كنتم خير امة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله"3 وقوله :"ان اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه" 4وغيرها من الآيات القرآنية التي تدل على أن اقامة الدين هي الهدف الاساسي الذي يجب ان تلتزم به الدولة الاسلامية لأنه مبرر وجودها فبدونه لا داعي لوجود نظام حكم يتصف بالاسلامي وهذا منطقي ولا جدال فيه ، اما الشعبة الثانية فهي تحقيق مصالح المحكومين في الدولة الاسلامية- من المسلمين وغير المسلمين – ويرى الدكتور محمد العوا ان هذه الشعبة تحتل مكانا من الاهمية لا يقل عن مكان اقامة الدين ،لأن الله سبحانه وتعالى قد( رتب على طاعته واجتناب معصيته مصالح الدارين ، الدنيا والاخرة ) وان (الحاكم يجب عليه التصرف بما فيه الاصلح للمحكومين لأنه يولى للقيام بجلب مصالح المولى عليهم وبدرء المفاسد عنهم1،) هذا الامر يدفعني الى القول بأن الحكومة الاسلامية جاءت من أجل حراسة الدين ، وتحقيق سياسية الدنيا – ان صح التعبير – ممثلا بتدبير مصالح المحكومين .
ما أود التأكيد عليه ان هذه الغاية في نظام الحكومة الاسلامية هي شرط لقيام هذه الحكومة،وكذلك فهي شرط لإستمراريتها ، فإذا خرجت هذه الحكومة عن هذا الشرط (اقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين ) انتهت ولايتها ، واذا قامت حكومة اسلامية – لظرف عن الظروف – غير ملتزمة بتحقيق هذه الغاية ، فهي حكومة غير شرعية لا يجب على المسلمين طاعتها ، وبالتالي على هذه الحكومة الاسلامية ممثلة بحاكمها ان تحقق هذه الغاية وان تكون ممثلة لسيادة الامة .
ولكن السؤال المطروح هنا ، هل الحاكم الذي يرأس الحكومة الاسلامية ، هو صاحب السلطة والأمر في المجتمع الاسلامي ؟ بمعنى آخر ، كيف يمكن ان نحقق الغاية ( اقامة الدين وتحقيق مصالح المحكومين ) ، هل نتركها لأمانة وأخلاق ودين الحاكم ؟
لقد قرر الاسلام عدة وسائل لتحقيق الرؤية الاسلامية للنظام السياسي وضبط السلطة وعدم تركها بيد الحاكم بشكل مطلق ، ليمنع تحولها الى سلطة دينية مطلقة ، تسعى لتحقيق اهداف سياسية ومصالح خاصة تضر بمصالح المحكومين ، اهم هذه الوسائل – وهي موضوع بحثنا بالطبع – هي وجوب مساءلة الحكام ومحاسبتهم ، فكيف يتم ذلك ؟.
ثانيا :- وجوب مساءلة الحكام من قبل الأمة :-
ان الاسلام لا يدوم بدون وجود محاسبة للحكام ، ومراقبة انحرافهم عن قواعد الاسلام والتأكد من التزامهم بالشرع وتحقيق مصالح المحكومين ، لدرجة ان الاسلام جعل محاسبة الحاكم افضل الجهاد 2، وهذا وارد في السنة ( افضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)، فالاسلام جعل سلطان الامة احد قواعد الحكم الاسلامي ، ومن خلاله جعل مساءلة الحكام واجب شرعي على الأمة بحيث تؤثم وتحاسب امام الله ان قصرت في ادائه ، وهذا الوجوب الشرعي يدل عليه القرآن الكريم والسنة النبوية ، ففي القرآن "ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار"3"وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا" 4 وفي السنة "إن الناس اذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده اوشك ان يعمهم الله بعقاب" ، "اعاذك الله من امارة السفهاء. قال : وما امارة السفهاء؟ قال: امراء يكونون من بعدي ، لا يهتدون بهدي ولا يستنون بسنتي فمن صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم ،ولا يردون على حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني ، وأنا منهم وسيردون على حوضي"، يتضح من النصوص القرآنية والاحاديث النبوية وغيرها مما ورد في القرآن والسنة ، بأنه يجب على الأمة ان تكون رقيبة بإستمرار على الحاكم .
من خلال ما قررته الشريعة الاسلامية من واجبات وحقوق للأمة يجملها فهمي الهويدي بأربعة امور:-
1. بما للامة من حق بوصفها الطرف الاول في عقد الامامة .
2. بما للامة من حق في الشورى .
3. بما هي ملزمة به من وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
4. بما هي مأمورة به من بذل النصح1، وهو ما سأتطرق اليه ، لبيان مسألة وجوب مساءلة الحكام من قبل الامة .
(1) عقد الأمامة :- الامامه او الرئاسة او الحكومة – سمها ما شئت – الاسلامية تنتج عن عقد تنشئة ارادة الامة من خلال ممثليها ( اهل الحل والعقد او اهل الاختيار) ، وهذا العقد يتم بين الامة وبين الحاكم او الامام او الرئيس- بغض النظر عن التسمية -، ويرتب التزامات على كل طرف ، ويرتب شرطا جزائيا على الطرف الذي يخل بالتزامه ، قد يصل الى خلع الحاكم من منصبه وانهاء عقده ، فالغاية من هذا العقد ان يكون هو المصدر الذي يستمد منه الحاكم سلطته ، وبالتالي فالامة – كما يقول الرازي – هي صاحبة الرئاسة العامة ، وما دامت هي صاحبة الرئاسة العامة ، فهي التي لها حق عزل الحاكم ، اي انهاء العقد او فسخه ، لانها المبتدئة له وهي المشرفة عليه وصاحبه الحق الاول فيه 2
(2) حق الامة في الشورى :-
وهذا الحق واضح في القرآن والسنة ، من خلال الآيات والأحاديث ، ففي القرآن الكريم في سورة الشورى (آية 38) ، "والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" ، وفي سورة آل عمران (آية 159) ، "فبما رحمه من الله لنت لهم ، ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ، فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ، ان الله يحب المتوكلين" ، ففي الآية الاولى ، جعلت الشورى خصيصة تكوينية في الامة ، حيث ان هذه الآية جاءت في سورة الشورى وهي مكية ، بمعنى انها تعالج امور العقيدة وهذا يدل على ان الشورى من العقيدة الاسلامية ، هذا بالاضافة الى تفسير "وأمرهم شورى بينهم" فهي تعني ان يتشاورون في الامور ولا يعجلون ، ولا يبرمون امرا من مهمات الدنيا والدين إلا بعد المشورة3 ، اما لغةً فأمرهم شورى هي جملة اسمية ، بمعنى ان ( الامر) يلزم ان يكون ( شورى ) ، وكنتيجة منطقية فشورى المسلمين وما تنتهي اليه من قرار يلزم كل مسلم ، كما ان كلمة امرهم شاملة ومطلقة ، الامر الذي يعني انها شاملة لكل الامور أما الآية الثانية فجاءت في سورة مدنية ، فهي ممارسة لمبدأ الشورى ، في التفسير ( وشاورهم في الامر) شاورهم في جميع الامور ليقتدي بك الناس ، والخطاب موجه الى النبي(ص) ان يشاور الناس في امور لا تتعلق بالوحي في علاقته المباشرة مع الناس المعاصرين لـه4 ففي هذه الآية امر بالماورة يقتضي وجوبه على المأمور بالمشاورة ، فإذن الاسلام من خلال هذه الآيات قرر أمرين اثنين في الشورى هما :
أولا:- الشورى كمبدأ مطلق ، كالايمان بالله ، واقامة الصلاة وإيتاء الزكاة . ثانيا : الشورى كممارسة يومية تتبع الحالة التاريخية التي يعيشها مجتمع ما 1، وفي السنة حديث نبوي ( ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ) ، ( لا تجتمع امتي على ضلالة ) ، فهذه الاحاديث تدل على أن رأي المسلمين
هو الغالب على أي رأي آخر ، وكنتيجة منطقية فحكم الشورى يمكن وضعه في مواجهة الحاكم ، فالحاكم الفرد لا وجود له في الاسلام لا من قريب ولا من بعيد ، فجميع شؤون الناس وسائر الدنيا التي لم يقض فيها الله ، قضاء قطعي الدلالة والثبوت ، هي شورى بين أهل الشورى ، وفي مقدمة هذه الامور دولة الاسلام والمسلمين ، وبالتالي فولاية الامر في الاسلام جماعية ، ولذلك تحدث القرآن عن ( أولي الامر) – اي بصيغة الجمع- ولم يتحدث عن ( ولاية الأمر ) بصيغة المفرد.2
ما اريد ان اتوصل اليه ان الشورى في الاسلام ليست حكما فرعيا من أحكام الدين يستدل عليه بآية او بأيتين او ببعض الاحاديث من السنة ، وانما هي أصل من أصول الدين فهي الاصل الثاني بعد النص ، ولذلك وكما يقول – الشيخ راشد الغنوشي- تعتبر ( الشورى العمود الفقري في سلطان الامة ، ونهوضها بأمانة الحكم على اساس المشاركة والتعاون والمسؤولية ) 3، وكنتيجة منطقية لكل ما تقدم استطيع القول ان الامة تمتلك حق محاسبة الحاكم بما لها من حق - مقرر اسلاميا – في الشورى .
(3) الامر بالمعروف والنهي عن المنكر .
المعروف هو كل ما ينبغي فعله او قوله طبقا لنصوص الشريعة الاسلامية ، سواء اكان النص عليه قد ورد صراحة ، ام كان مأخوذا من روح النصوص الشرعية وفحواها ، اما المنكر فهو كل فعل او قول لا ينبغي فعله او قوله طبقا لنصوص الشريعة . 4
والامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مبدأ قرره الاسلام كفرض عين ، اي بمعنى ان الأصل انه واجب على كل مسلم ، وان جاز – وانا أقول هنا شرعا – ان يقوم بهذه المهمة بعض المسلمين المتخصصين والقادرين على ادائها ، واستنادي الى ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران آية 104 "ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فأولئك هم المفلحون" فهذه الآية جاءت بعبارة ولتكن منكم امة ، اي لتكن من الامة الاسلامية جماعة يدعون الى الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن كما قلت فالاصل ان هذا المبدأ واجب على كل مسلم وهذا ما دل عليه القرآن والسنة والاجماع ، ففي القرآن العديد من الآيات التي تتحدث عن وجوب هذا المبدأ للأمة فقوله تعالى في سورة أل عمران أية 110 "كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" والآية 114 "يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين" وفي سورة النساء آية 114 "لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقه او معروف او اصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" وغيرها الكثير من الآيات التي تتحدث عن المنكر والمعروف ولا مجال هنا لعرضها كلها ، اما السنة ففيها من الاحاديث ما دفع العلماء الى اعتبار اهمال هذا المبدأ ، اهمالا لواجب ديني يأثم التارك له بتركه ، ومن هذه الاحاديث التي لا مجال لذكرها جميعا ما يرويه الأئمة البخاري ومسلم عن الرسول (ص) قوله "من رأى منكم منكرا فاستطاع ان يغيره بيده فليغيره بيده ، فان لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك اضعف الايمان" ، فهذا الحديث موجه الى كل مسلم لأنه يقول من رأى منكم ، اي من كافة المسلمين ، وربط هذا الحديث بين الايمان وتغيير المنكر ، وعندما قال ان التغير بالقلب اضعف الايمان ، بمعنى ان الايمان الامثل يتمثل في التغيير بالفعل ، ومن الاحاديث ايضا ما يرويه الامامان البخاري ومسلم عن قول الرسول (ص) "اياكم والجلوس في الطرقات – قالوا يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها . فقال رسول الله (ص) فإذا أبيتم الا المجلس فأعطوا الطريق حقه . قالوا : وما حقه ؟ قال : غض البصر وكف الأذى ورد السلام والامر بالمعروف والنهي عن المنكر " ، فكما نلاحظ ان السنة تحتوي على العديد من الاحاديث التي تتحدث عن وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، اما في الاجماع وهو المصدر الثالث للشريعة الاسلامية ، حيث اجمعت الامة الاسلامية في جميع عصورها على وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر استنادا الى الادلة الموجودة في القرآن والسنة ، بل اكثر من ذلك ذهب بعض العلماء الى وجوبه عقلا . ما اريد ان اتوصل اليه كنتيجة من خلال اقرار وجوب مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، الى ان من حق الامة مراقبة ومحاسبة الحاكم لما عليها من واجب من خلال هذا المبدأ .
(4) الأمة مأمورة ببذل النصح:-
يستذكرني هذا العنوان بحادثة قرأتها في كتاب وعاظ السلاطين للدكتور علي الوردي ، وتدور حول هارون الرشيد – ذلك الامام المسلم – ووعاظه ، ففي احد الايام ذهب الرشيد الى واعظ اسمه الفضيل بن عياض يزوره في بيته ، فأخذ هذا الواعظ ينهال عليه بالتقريع والتخويف والتحذير من عذاب الله فبكى الرشيد عند سماعه ذلك فأغمي عليه ، فلما افاق طلب من الواعظ ان يزده ، فزاده الواعظ فبكى مرة اخرى واغمي عليه ، ثم افاق وطلب من جديد ان يزده الواعظ ، فزاده حتى اغمي عليه للمرة الثالثة ، فما افاق قال الرشيد: (زدني) فزاده الواعظ . . .. . فبكى الرشيد وقال للواعظ "هذه الف دينار خذها لعيالك ، وتقو بها على عبادة الله . . . . ." وغادر الرشيد 1ومن المعروف عن هارون الرشيد حبه للنساء واسرافه للمال – طبعا مال الامة - ، فهل مناصحة الحكام التي امرت بها الشريعة الاسلامية للامة ، هي ما فعله هذا الواعظ مع هارون الرشيد ، هل هذا ما يقرره الاسلام ؟ بالتأكيد لا ، فمراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – التي جاء بها الحديث "من رأى منكم منكرا- - - -" الذي تحدثنا عنه قبل قليل – ثلاثة ، احدهما اللسان وقد رتبه الفقهاء على ثلاث درجات هي : التعريف ثم النصح بالكلام اللطيف ثم التعنيف 2، فالفرد المسلم مطالب – شرعا – بالتحرك ومسؤول عنه امام الله ، وهذا التحرك ومشاركة المسلم في توجيه السلطة والحاكم ، له درجتان : النصيحة اولا والتصدي ثانيا . فهو مدعو الى توجيه النصح وذلك واضح في الاحاديث "الدين النصيحة .قالوا لمن يا رسول الله؟ قال :لله ، ولكتابه ، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم" وفي حديث آخر "ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم : اخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الامر ، ولزوم جماعة المسلمين " فالنصيحة مأمور بها كل مسلم في هذه الامة ، فاذا لم تجد نفعا لا بد من التصدي للظلم لأن المسلم مطالب به شرعا ، وهناك نصوص تدل على ذلك وتتوعد لمن لا يقوم به ، بعذاب من الله وغضبه 3
ففي الاحاديث قول الرسول (ص) "ان الناس اذا رأوا الظالم ، فلم يضربوا على يديه اوشك ان يعمهم الله بعقاب) وفي حديث آخر "اذا رأيت امتي تهاب ان تقول للظالم يا ظالم ، فقد تودع منهم ، وبطن الارض خير لهم من ظهرها " ، وفي عهد الخلفاء الراشدين – تحديدا في عهد ابو بكر وعمر بن الخطاب – نجدهم يحرضون الناس على التصدي لانحرافات السلطة والحاكم فيقول ابو بكر للمسلمين : قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن احسنت فأعينوني ، وإن اسأت فقوموني ، وكذلك حديث احدهم لعمر بن الخطاب قائلا له : والله لو علمنا فيك اعوجاجا لقومناه بسيوفنا ، فهذه الوقائع وتلك الاحاديث تدلل على وجوب مناصحة الحكام من قبل كل فرد مسلم من الامة .
ما اريد التوصل اليه من خلال شرحي السابق لما قررته الشريعة الاسلامية للامة من حق بوصفها الطرف الاول في عقد الامامة ، ومن حق في الشورى ، ومن واجب في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن واجب في بذل النصح ، بأن هذه الامة يقع على عاتقها واجب شرعي بضرورة مراقبة ومحاسبة الحاكم – اذا اخطأ بالطبع – وما اريد التأكيد عليه انه واجب وليس مجرد حق قد تتنازل عنه ،و لكن قد يسأل احدهم، هل يحق لكل فرد في هذه الامة ان يقوم بمحاسبة الحاكم اذا أخطأ ؟ بالتأكيد ان الشريعة الاسلامية قررت وجوب هذه المساءلة للأمة وليس غيرها ، الا ان وسيلة تحقيق هذه المساءلة تكون من خلال ممثلي الامة ، تقوم بإختيارهم بمحض ارادتها الحرة ، بحيث يقوم ممثلي الامة هؤلاء بممارسة الرقابة والمساءلة والمحاسبة نيابة عن الامة ، ولكنها ليست مقصورة عليهم وحدهم لأن هذه المهمة تشاركهم فيها جموع المسلمين ، فالحكم الاسلامي مسؤولية مشتركة بين ممثلين الامة والجمهور، وممثلين الامة اطلق عليهم الفقهاء اسم اهل الحل والعقد او أهل الشورى ، وحتى لا يشعر السائل بأنني احاول تضليله ، اود ان اطرح السؤال التالي ، هل يستطيع كل فرد في هذه الامة ان يقوم – فيما لو الغينا اهل الحل والعقد – بالواجب المطلوب من مراقبة ومحاسبة ومساءلة ؟ بالتأكيد الجواب سيكون بالنفي، فالديمقراطية مثلاً تعني حكم الشعب ،فهل هذه يتطلب أن يقوم كل فرد من هذا الشعب بعمليه الحكم، حتى نستطيع القول بأن الديمقراطية قد تحققت؟ او هل ممارسة المجالس النيابية لدورها نيابة عن الشعب لا يعتبر ديمقراطيا ؟ بالتأكيد الجواب لا .
فإذن الامة تمارس الواجب المطلوب منها في مساءلة الحاكم من خلال ما اسماه الفقهاء ، واقول هنا الفقهاء ، بأهل الحل والعقد أو اهل الشورى ، ولكن السؤال المطروح من هم اهل الحل والعقد ؟
ثالثا :- أهل الحل والعقد او اهل الشورى:-
أهل الحل والعقد او اهل الشورى هي من الامور التفصيلية والتنظيمية التي لم تتطرق لها الاصول الشرعية المتمثلة بالقرآن والسنة ، فتركت للامة ، لتنظيمها بما يتناسب معها وبحسب ظروفها الزمانية والمكانية وبما يتماشى مع العصر الذي تعيش فيه ، لذلك فهي تحتمل اختلاف الآراء والحلول من مجتمع الى آخر ومن زمان الى زمان ، فأهل الشورى كمصطلح يرجع الى الهيئة الانتخابية التي ابتكرها عمر بن الخطاب والتي تمت خلافة عثمان بن عفان استنادا عليها ، حيث عرفت بعد ذلك بإسم أهل الشورى 1، اما اهل الحل والعقد فهو ترتيب دستوري اسلامي ابتكره علماء السياسة الشرعية المسلمون حيث كان تطبيقا وتطويرا لنظام اهل الشورى 2، وهذين المسميين – كما يقول الدكتور عبد الحميد الانصاري – (لم نجد اي دور او اثر لما يسمى بأهل الحل والعقد في الحياة السياسية بعد الراشدين ) ويضيف الانصاري قائلا ( وأول من كتب في شؤون الحكم والسلطة الامام الماوردي ، فوجدناه يذكر اهل الحل والعقد ويشترط فيهم الشروط ويحدد لهم الادوار ) 1، فإذن وكأنه يقول بأن أهل الحل والعقد هو اجتهاد علماء وفقهاء لتوضيح الرؤية الاسلامية حول هذا الموضوع في زمن ما ، كان يناسبهم هذا الاجتهاد وهذا التوضيح ، فإذا قرر المجتمع الاسلامي من خلال اجماع المسلمين وهو الاصل الثالث للشريعة الاسلامية بعد القرآن والسنة – كما بينا في الفصل التمهيدي من هذا البحث -، العدول عن مبدأ اهل الحل والعقد ، واللجوء الى مبدأ آخر او اللجوء الى الأمة بشكل مباشر فليس في الشريعة ما يمنع ذلك طالما انها لا تخالف الاصول الشرعية المتمثلة في القرآن والسنة وبالتالي فالشروط التي وضعها الماوردي مثلا لأهل الحل والعقد ، ليست ملزمة للأمة فيما لو ارادت تعديلها او الزيادة عليها او حذف بعض من شروطها او حتى تغييرها بالكامل ، ولكن بشرط واحد ، بأن لا تتجاوز بذلك الخطوط التي رسمتها الشريعة الاسلامية ولا تتعارض مع القواعد العامة التي حددتها ، فالمهم في الموضوع هو ارادة الامة واختيارها في ظل اطار اسلامي رسمته الشريعة الاسلامية ، بحيث لا تتجاوزها.
ما يهمني في هذا المقام ، التأكيد على ان اهل الشورى او اهل الحل والعقد او اهل الاختيار او اي مسمى آخر قد توجده وتجمع عليه الامة، ليسوا سوى ممثلين لهذه الامة، وللامة ان تضع سبل التنظيم لإختيار هؤلاء ووضع الشروط التي تراها مناسبة لهم وكيفية ممارستهم لوظائفهم وانتهاء مهمتهم او انهائها ، كل ذلك بحسب ما يراه جمهورها ، اي كثرتها الغالبة بإرادتها الحرة ، محققة بذلك مصلحتها في الزمن الذي توضع هذه القواعد فيه 2، بما لا يتعارض – كما قلت- مع الشريعة الاسلامية متمثلة بالقرآن و السنة ، فإذا اختارت الامة من يمثلها ، اصبح هؤلاء ممثلين للامة ، ومن حق الامة عزلهم متى ارادت ذلك ، فللموكل ان يعزل موكله، فهذه هي القاعدة .
ما اريد التوصل الآن أن اهل الشورى او اهل الاختيار الذين تم انتخابهم واختيارهم من قبل الامة ، يقومون بإختيار الحاكم نيابة عن الامة ومبايعته بأكثرية اهل الشورى ، وهذه المرحلة الاولى التي تسمى بالمبايعة الخاصة ، فبعدها تأتي المرحلة الثانية وهي المبايعة العامة والتي يتم من خلالها مبايعة اكثرية عامة المسلمين للحاكم ، وبنفس هذه الطريقة يتم عزل او خلع الحاكم3، ولكن السؤال المطروح كيف تتم المحاسبة وما هي طبيعتها ومداها ومن يتولاها ، وما هو دور الامة وافرادها ، هل تترك ذلك كله لأهل الشورى ؟
رابعا:- طبيعة المحاسبة، ومداها، ومن يتولاها :-
بداية لا بد من التأكيد على ان مراقبة ومحاسبة ومساءلة الحاكم هو واجب على الامة جميعها ، فعلى المسلمين جميعا واجبا اذا تركه الجميع اثموا جميعا ، وان قام به بعضهم وكان كافيا لإدائه سقط الاثم عن الجميع ، هذا الواجب هو الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تحدثنا عنه سابقا ، ورأينا ان مراتب ادائه متدرجة – بحسب الحديث "من رأى منكم منكرا. . . "- بالفعل والقول والقلب ، الا ان القاعدة في مراتب النهي والامر جميعا – في الفقه الاسلامي – هي البدء بالادنى والأخف والانتقال منه الى الاعلى والاشد ، اي بمعنى بالقلب ثم باللسان ثم باليد ، وفي كل مرحلة هناك مراتب متدرجة ، ففي مرحلة القلب تتدأ بعدم الرضا ثم الرفض ثم كراهية القلب ، وبعدها في مرحلة اللسان – سواء كان امرا بمعروف او نهيا عن منكر – تبدأ بالنصيحة الخاصة ، ثم بالنصيحة العامة ، ثم بإعلان المخالفة والامر بالكف عنها امام الجميع ( وهو ما يسمى بالنقد العلني) ، ثم بالزجر والتعنيف، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة اليد والتي قد تؤدي الى عزل الحاكم عن ولايته ، ولكن من الذي يقوم بهذا الاجراء؟
يرى توفيق الشاوي ان الجهة المخولة باصدار قرار محاسبة الحاكم وتقويمه هي اهل الشورى الذين يمثلون الامة ، حيث يفترض ان هؤلاء الذين اختاروا الحاكم وتقويمه ، هي اهل الشورى الذين يمثلون الامة ،لهم حق تقويمه، ومحاسبته وفسخ العقد وعزله اذا لزم الامر ، اما افراد الامة فلهم ان يتصرفوا في حدود ما يبيحه لهم مبدأ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – الذي تم شرحه سابقا – وعليهم الالتزام بما قررته الامة من تنظيم اجراءات المراقبة والمحاسبة والتقويم ، ولهم ان يدعوا على الحاكم بالانحراف امام اهل الشورى ، الذين يفصلون في هذا الادعاء ويصدرون قرار ملزما فيه ،لكونهم – اي اهل الشورى- الجهة التي اختارتها الامة بالانتخاب الحر 1، والسؤال المطروح الان ، لماذا تتم محاسبة الحاكم ومساءلته التي قد تصل الى حد عزله عن ولايته ؟ بالتأكيد لأنه أتى ما يعتبر اخلالا بواجبات وظيفته ، لكن السؤال الأهم من الذي يحدد هذه الواجبات ، وما هي هذه الواجبات ؟
خامسا :- واجبات الحاكم
لم تحدد مصادر التشريع الاسلامي - في اي مصدر منها- الواجبات الملقاة على عاتق الحاكم ، فلم تحدد التفصيلات الخاصة بالواجبات المطلوبة منه ، وبالتالي فهذه الواجبات تعتبر من الامور التفصيلية والتنظيمية التي تركت للامة لتحديدها بما يحقق مصلحتها ، ويقيم من خلالها الدين الاسلامي ، وقد جاء بحث الواجبات في كتب السياسة الشرعية وفي كتب الفقه ، استنتاجا او استرشادا بما جاء في القرآن والسنة ، وتطبيقا لما وقع ايام الخلفاء الراشدين ومن جاء بعدهم، فلم يوجد نص صريح في القرآن او في السنة يدل على هذه الواجبات بالتفصيل ، فكان عمل هؤلاء الائمة المجتهدين – كما يقول ظافر القاسمي- ( عمل احصاء من جهة ، وتفسير وتأكيد من جهة أخرى)، 2واستطيع ان استنتج من ذلك ان الواجبات العشرة التي تحدث بها الماوردي – من حماية البيضة واقامة الحدود وجباية الفيء وتقدير العطاء. . . .الخ- ليست الا اجتهاد فقيه وغير ملزمة للامة فيما لو ارادت ان تجمع على واجبات اخرى تكلف بها الحاكم ، ولكن بالطبع بشكل لا يخالف القواعد العامة التي اتت بها الشريعة الاسلامية المتمثلة في القرآن والسنة ، فما هي هذه القواعد العامة التي من خلالها نستطيع ان نحدد واجبات الحاكم ؟ هذه الواجبات نستطيع استخلاصها من الغاية التي تقوم عليها الحكومة في الدولة الاسلامية وهي ذات شعبتين تكمل احداهما الأخرى :- اقامة الدين وتدبير مصالح المحكومين – وقد تم شرحها سابقا - ، وبالتالي فواجبات الحاكم يجب ان لا تخرج عن هذه الغاية ، فواجب الحاكم ان يطبق احكام الشريعة الاسلامية كاملة ( ليحقق الشعبة الاولى ) ، وواجبه كذلك العدل بين أفراد الشعب –مسلمين وغير مسلمين- ( ليحقق الشعبة الثانية ) ، اما التفصيلات فهي متروكة للامة لتحديدها بما لا يخالف الغاية التي تقوم عليها الحكومة في الدولة الاسلامية .
ما اود التوصل اليه في هذا الفصل ،من نتيجة مفادها، ان الامة يقع على عاتقها واجب –وليس مجرد حق تستطيع التنازل عنه- ان تكون رقيبة باستمرار على الحاكم ومحاسبته ومساءلته اذا اخطأ ، فالامة – كما رأينا- تمتلك السيادة بما قررته الشريعة الاسلامية من حقوق لها وواجبات عليها ، لتكون بذلك هي الاساس، ولكن ارادة هذه الامة مرتبطة بقواعد الدستور الاسلامي– ان صح التعبير – فلا تستطيع ان تخرج عنه .

الفصل الثاني

مبدأ مساءلة الحكام في الإسلام وسيادة الشعب :-
لا بد من التأكيد بداية على عدم جواز الخلط بين التجارب البشرية التاريخية المحكومة بالإسلام، وبين الإسلام وقيمة المستمدة من الوحي ، فهذه التجارب ليست الا محاولات لتطبيق ما تضمنه الوحي من مباديء واحكام ، ومن غير الجائز منطقيا الحكم على الاسلام وقيمه المستمدة من الوحي يتجارب البشر، فقد يسيئون التطبيق ، ويأخذون الامور بغير مرادها الاسلامي فمثلا الشورى في الاسلام ملزمة ، ويجب على الحاكم مشاورة الامة في الامور العامة ويأخذ بمشورتهم- كما بينا سابقا - ، فهذا مبدأ نص عليه القرآن والسنة ، فهل نستطيع ان نقول ان هذا المبدأ غير موجود في الاسلام ، فقط لأن التجربة التاريخية للأمة جعلت منه مجرد نصيحة وليس فرضا واجبا ؟1 بالتأكيد ان هذا غير جائز وغير مقبول ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر ، هناك فرق بين ما هو موجود وما يجب ان يكون ، فالقواعد القانونية مثلا ليست هي ذاتها قواعد السلوك او الممارسة ، وهذا امر طبيعي ، فلو كان الناس يفعلون بالفعل ما هو مطلوب منهم ، فلن تكون هناك حاجة لقانون يوجه السلوك ، والسؤال هنا اذا كان السلوك يخالف القانون ، فهل نستطيع القول ان القانون غير موجود ، او ان القانون هو السلوك المطبق على الواقع؟ منطقيا الجواب سيكون بالتأكيد لا، فالقانون موجود حتى لو كان السلوك ينتهكه 2 ، ما يهمني توضيحه هنا في هذا الموضوع ان مساءلة الحكام موجودة في الاسلام ومقررة للامة ولا يجوز الحكم بعدم وجودها بالاعتماد على التجربة التاريخية للامة الاسلامية .
وكمدخل لربط العلاقة بين مبدأ مساءلة الحكام في الاسلام وسيادة الشعب ، اجد لزاما علي ان اتحدث عن القواعد التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية -كما يتصورها الإسلام بالطبع- ولو بشكل موجز :-
أولاً : القواعد التي تقوم عليها الحكومة الإسلامية :-
لقد كنت قد تحدثت في الفصل الاول من هذه الدراسة عن الحكومة الاسلامية وغايتها ، وكيف ان الامة هي التي تضع نظامها السياسي وتشكل حكومتها بما لا يتعارض مع الاصل الشرعي (القرآن والسنة) ، فالقواعد التي سأتحدث عنها هي رؤية اسلامية للحكومة لا تتعارض ولا بأي شكل من الاشكال مع الاصول الشرعية – وان كنت قد تناولت معظمها في الفصل الاول بدون تحديد مباشر- وهي كما يلي :-
1- الولاية للأمة :- فهي صاحبة الاختيار ، ورضاها شرط لاستمرار من يقع عليه الاختيار ، فلها وحدها حق اختيار الحاكم ، ولها حق نصحه وتوجيهه وتقويمه ان اساء ، ولها الحق في عزله عن منصبه، فبهذا استطيع القول باننا امام سلطة مدنية منتخبة من ممثلي الامة التي – اي الامة – قامت باختيارهم لتمثيلها والتزامها بشريعة الاسلام ، وهذا لا يحولها الى سلطة دينية مطلقة بالمفهوم الذي كان سائدا في التجربة الاوروبية، فنحن هنا امام ولاية الامة وارادتها3
2- المجتمع مكلف ومسؤول : فالامة يقع على عاتقها مسؤولية اقامة الدين ورعاية المصالح العامة الى جانب السلطة ، فهو فرض على الامة ومقرون بالايمان لقوله تعالى في سورة التوبة ( آية 71) "والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة" ، وبهذا فالمجتمع حاضر ، وحضوره هذا ليس بدعوة من السلطة او اذنا من الحكومة ، وانما بتكليف من الشرع ، اما شكل هذا الحضور ، فالناس هم الذين يحددوه بما يتناسب وظروف زمانهم ومكانهم .
3- الحرية حق للجميع :- الاسلام قرر حرية التعبير من خلال ما اوجبه على كل فرد من الامة الاسلامية فيما يتعلق بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالقضية ليست مجرد اباحة للتعبير عن الرأي وانما واجب يتعلق بإعلان كلمة الحق ، والإسلام كذلك قرر حرية العقيدة والاختيار والرأي من خلال نصوص القرآن ففي سورة البقرة (آية 256) "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" وفي سورة الكهف (آية 29) "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" وفي سورة الاسراء (آية 107) "قل أمنوا به او لا تؤمنوا " وغيرها من الآيات الدالة عى حرية الاعتقاد والاختيار ، كما ان الاسلام قرر الحرية السياسية من خلال اصل اسلامي عام هو حرية الانسان من حيث هو انسان ، وهذا الاصل منصوص عليه في القرآن والسنة ففي الحديث "لا يكن احدكم إمعه ، يقول انا مع الناس ، ان احسن الناس احسنت ، وإن اساءوا اسأت" 1
4.المساواة بين الناس :- وهو من الاصول ، لأن الناس جميعا خلقوا من نفس واحدة ويشتركون بنفس الصفة الانسانية ، لذلك فللجميع نفس الحصانة والكرامة التي يقررها القرآن للانسان ، وذلك واضح في القرآن والسنة ، ففي القرآن في سورة الحجرات (الآية 13) "يا ايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم ان الله عليم خبير" ، والمفاضلة – التي تتحدث عنها الآية – بين الناس من خلال التقوى انما هي في الاخرة امام الله وليس في الدنيا بين الناس .
5.شرعية غير المسلم :- وهذه الشرعية مقررة في القرآن والسنة ، من خلال اقرار الشريعة لوحده الاصل الانساني وثبوت الكرامة والحصانة لكل بني الانسان ، ففي ذلك اعمالا لروح الأخوة الانسانية ، وهذا الأمر ثابت في القرآن من خلال عدة آيات "يا ايها الناس انا خلقناكم . . ." وفي سورة هود (الآيتان 118-119)"ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم " وكأن الله يقول انه خلق الناس ليكونوا مختلفين ، وفي السنة الحديث "يا ايها الناس ان ربكم واحد وإن اباكم واحد ، كلكم لأدم وآدم من تراب" كما ان هذه الشرعية مقررة من خلال ما تقتضيه المشاركة في الوطن من تحقيق مصالح المشتركين معا فيه ، وذلك استنادا الى القاعدة الشرعية ( ان الشريعة مبنية على جلب المصالح ودرء المفاسد" 2، وبالتالي فأهل الكتاب ( اليهود والنصارى) واهل الذمة لهم الشرعية في الدولة الاسلامية .
6.الظلم محرم ومقاومته واجبة :- فالظلم عدوان على حق الله ، وانتهاك لقيمة العدل التي هي هدف الرسالة والنبوة ، وتجب مقاومته شرعا وذلك واضح في القرآن في العديد من الآيات ، اذكر منها الآية 39 في سورة في سورة الحج "أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير" ، وفي السنة الحديث "افضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وغيرها من الاحاديث ، وهذا يدلل على ان مقاومة الظلم ناتج من التزام عقيدي وهو بذلك ضمانة فعالة لتأكيد الرقابة الشعبية .
7. القانون فوق الجميع :- فالحكومة في الدولة الاسلامية تستمد شرعيتها في قيامها واستمراريتها ، بمدى التزامها بالعمل على أعمال النظام القانوني الاسلامي (القرآن والسنة) ، على الجميع وبدون تمييز بين احد سواء كانوا محكومين او حكاما ، وسيادة الشريعة وخضوع الجميع لها يوفر ضمانة في مواجهة طغيان السلطة التنفيذية والتشريعية وتشكل حماية للامة من اي استبداد قد يصدر عن هاتين السلطتين . هذه هي اذن القواعد التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية التي لا يمكن تحقيقها بدون الوسائل التي قررها الاسلام والمتمثلة بالشورى ، ووجوب مساءلة الحكام من خلال ارادة الامة ، وهذا يدفعني الى القول – كنتيجة حتمية – بأن مصدر السيادة هو الأمة وليس الحكومة او الحاكم ، وذلك بما قرره الاسلام من وسائل (الشورى ،ومساءلة الحكام) لتحقيق القواعد التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية ، وربطها بإرادة الامة او سيادة الشعب ، وهذا يقودني الى إقرار الرابطه بين مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام وسيادة الشعب ، ولكن السؤال المطروح ما هي هذه السيادة والى ماذا تهدف؟
ثانيا :- الحاكمية الالهية والسيادة الشعبية
ذكر الدكتور رجا بهلول – وهي مقدمة سأدخل من خلالها الى الموضوع- عندما تحدث عن سلطة الشعب في الاسلام قائلا ( فإننا لا نزال بصدد موقف لا يعترف بأن الشرعية تنبع من موافقة الشعب ، بل انها تنبع من شرع لله ، وهو وحده، المحدد للصواب والخطأ ، للظالم والعدل، لما يجب ان يكون ، وما لا يجب ان يكون ، وما على الانسان ، الناقص ، محدود العقل ، الا ان يؤمن ، ولا يخرج بعقله المحدود عن الحدود التي يرسمها شرع الله )1، نعم الشرعية تنبع اساسا من شرع الله ، ولكن لمن ؟ انها في حقيقة الامر للناس وبالناس، فالحاكمية الالهية – اذا كانت موجودة بالفعل – لا تنتظر الاعتراف بها من احد فهي موجودة سواء كان نظام الحكم اسلامي او ديمقراطي او اي نظام حكم آخر ، فحق الله مكفول ولا جدال فيه ولا يحتاج لأن يقرره احد ، بمعنى انها حاكمية لا ارادية تتعلق بحاكمية كونية قدرية ، اما الشرع الاسلامي فهو نوع آخر من الحاكمية ولكنها ارادية هذه، المرة بمعنى ان الشعب يستطيع ان يقرر ان يتخذها منهاجا لحياته او لا ، فالمشكلة الحقيقية ليست بحق الله او حكمه فهو مكفول – سواء كان اراديا او لا اراديا – انما المشكلة بحق الناس وضمان مشاركة الجماهير في السلطة ، وتثبيت دورها في تقرير مصائرها ، سواء في ظل نظام اسلامي او في ظل نظام ديمقراطي، ودعني اوضح هذه المسألة من خلال طرحي للمعادلات التالية :-
1- تنطلق السلطة الدينية (الثيوقراطية) – وهي ما شعرت ان الدكتور بهلول يتحدث عنها – من مبدأ ان الحاكم ظل الله في الارض وخليفته على خلقه ، بحيث يصبح تسلسل السلطة هو : الله – الحاكم – الامة (وهذا ما لا نؤيده) .
2- الديمقراطية تنطلق من مبدأ أن الأمة مصدر السلطات ، بحيث يصبح تسلسل السلطة هو : الأمة –الحاكم .
3- اما الاسلام فينطلق من مبدأ ان الله مصدر السلطة، والناس يقيمون شريعة الله في تنظيم امور حياتهم ومن بينها اختيار الحاكم ، بحيث يصبح تسلسل السلطة هو: الله-الامة – الحاكم1 .
اشعر من هذه المعادلات بأنه يوجد نقص في معادلة الديمقراطية يجب اكمله ، وتفسير في معادلة الاسلام يجب ان اوضحه، ففيما يتعلق بالديمقراطية ، اريد ان اسأل السؤال التالي: هل الأمة تستطيع ان تسير حياتها بدون دستور يحكمها وينظم امورها، حتى لو كان هذا الدستور وضعيا ومصدره الأمة ؟ بالتأكيد انها تحتاج الى دستور –حتى لو كانت الأمة تملك سلطة تغييره او تبديله بآخر ، ففي النهاية لا بد لها من دستور او قانون اساسي تخضع له الدولة والامة – وهذا يدفعني الى استكمال النقص في المعادلة بحيث تصبح كما يلي : الدستور الوضعي –الامة- الحاكم ، اما فيما يتعلق بالاسلام ، فأريد ان أسأل السؤال التالي :- حكم الله ، هل يتم بصورة مباشرة على الامة اي بمعنى هل يمارس الله سلطته بنفسه ، ام من خلال تشريعاته؟ بالتأكيد ان الله لا يمارس سلطته بصورة مباشرة ، وانما من خلال تشريعاته المتمثلة بالقرآن والسنة (القانون الاعلى) او – ان صح التعبير – يمكن تسميته بالدستور الشرعي الاسلامي ، وهذا يدفعني الى تفسير المعادلة بحيث تصبح كما يلي :- الدستور الشرعي – الامة – الحاكم .
وقد يعترض احدهم فيقول ان الدستور الشرعي لا يمكن التغيير فيه ، كما هوالحاصل في الدستور الوضعي الذي يمكن التغيير فيه اذا ارادت الامة ذلك ، وانا اقول ان هذا صحيح ، ولكن في نفس الوقت ، تستطيع الامة اذا رأت ان هذا الدستور الشرعي لا يناسبها ، ان تتخلى عنه بالكامل ، وتتخذ دستورا آخر بدلا عنه ، ولكن في هذه الحالة نصبح امام نظام لا يمكن وصفه بالاسلامي ، فكما قلت قبل قليل ، فالشرع الاسلامي يمثل نوع آخر من الحاكمية ولكنها ( ارادية ) .
الأن وبعد صياغة هاتين المعادلتين ، لا بد من وسيلة لتحقيقهما ، هذه الوسيلة تتمثل بما أقره النظام الاسلامي وبما اقره النظام الديمقراطي من مبدأ مساءلة الحكام وارتباطه مباشرة بسيادة الشعب ، فهو – اي الشعب- الذي يختار الحاكم بالاساس.
والسؤال المطروح –لإستكمال الحلقة- الى ماذا يسعى كل من النظام الاسلامي والنظام الديمقراطي من إقرارهما لمبدأ مساءلة الحكام من خلال الشعب او الأمة ؟
ثالثا :- الصالح العام بين النظام الاسلامي والنظام الديمقراطي
يسعى النظام الديمقراطي الى تحرير مفهوم الحكم من الاستبداد عن طريق خضوع الدولة للقانون وسيادة الشعب باعتباره مصدرا للقانون ، ويتم ذلك من خلال مبدأ مساءلة الحاكم ومحاسبته ومراقبته بإعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية 2 ، وذلك كله بهدف تحقيق ما يسمى بالصالح العام الذي يتميز بأمرين :-
أولا: انه دنيوي بمعنى ان العنصر الديني لا دخل له في تحديد فكرة الصالح العام .
ثانيا : ان مضمون فكرة الصالح العام يحدد من خلال الحياة الاجتماعية والسياسية في الدولة ، من خلال الالتزام بآراء الناخبين والرأي العام 3 نلاحظ هنا ان الغاية في هذا النظام مجرد عنصر سياسي من عناصر توجيه سياسة الحكومة وهي قابلة في مضمونها للتغيير بحسب ارادة الشعب او ارادة الناخبين ، فهي بذلك تختلف عن الغاية التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية ، فالنظام الاسلامي يسعى الى تحرير مفهوم الحكم من الاستبداد – بلا شك – عن طريق خضوع الدولة للقانون الاسلامي وسيادة الشعب من خلال مبدأ مساءلة الحاكم ومراقبته ، ولكن بهدف تحقيق الغاية التي قامت عليها الحكومة الاسلامية وهي من شقين : اقامة الدين ، وتحقيق الصالح العام للمحكومين ، فإذن تحقيق الصالح العام مرتبط بإقامة الدين بمعنى ان العنصر الديني موجود هنا ، كما ان الغاية في الدولة الاسلامية – كما كنت قد بينت سابقا – شرط اساسي لقيامها واستمراريتها وشرعيتها وبالتالي فهي غير قابلة للتغيير فهي من ثوابت نظام الحكم الاسلامي ولا تتحدد برغبة القوى السياسية او ارادة الناخبين ، فإذا اراد الشعب تغييرها، ففي هذه الحالة تفقد الحكومة وصف الشرعية وذلك بمجرد تخليها عن تلك الغاية بحيث نصبح امام نظام او حكومة لا يمكن وصفها بالاسلامية .
استطيع القول الأن أن مساءلة الحاكم في الاسلام تعكس سيادة شعبية هدفها تحقيق الغاية التي قامت عليها الحكومة الاسلامية ، ومساءلة الحاكم هذه ، منسجمة مع مساءلة الحاكم في النظام الديمقراطي، ولكن إجرائيا أو من الناحية الاجرائية فقط ، فهما لا يلتقيان بالغاية او بالهدف كما رأينا .




الــخــلاصـــــة والـخــاتــمـــــــة
إذن مشكلتنا ليست في الاسلام ، وانما كيف نفهم الاسلام ، وهذا ما دفعني الى الشعور بإشكالية البحث التي صغتها على صورة سؤال (هل مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام يعتبر من الامور المتروكة للشعب حتى ولو كان الاسلام قد وضع القواعد العامة لنظامه السياسي ؟ وبالتالي هل مساءلة الحاكم تعكس سيادة شعبية ام سيادة الهية؟ وكنتيجة منطقية اذا كان يحقق سيادة شعبية ، فهل يكون بذلك منسجما مع مبدأ المساءلة في النظام الديمقراطي ، هذا النظام الذي يقوم بالاساس على سيادة الشعب؟).
وقد جاءت فرضيتي كحل مؤقت لهذه الاشكالية حيث افترضت ان المرجعية الفكرية الاسلامية التراثية التي تنظر الى الواقع بنظرة سلفية قديمة هي التي تحول دون تحقيق انسجام وتوافق بين مبدأ مساءلة الحاكم اسلاميا وبين سيادة الشعب ، وقد افترضت ان هناك انسجاما بين المبدأ والسيادة الشعبية من خلال ممارسة هذا المبدأ من قبل الشعب لتحقيق غاية اقامة الدين ، وهي التي اختارها الشعب بإرادته الحرة بالاساس من خلال اختياره لنظام حكم اسلامي ، وقد جعلت فرضيتي قابلة للفحص من خلال الربط بين المعلومات وتحليلها في الفصل التمهيدي من هذا البحث الذي يتناول مرجعية الفكر الاسلامي وتجديده ، ففي هذا الفصل حاولت توضيح المشكلة التي يعاني منها الاسلام والمسلمين من خلال تحديد هذه المشكلة وحصرها في الفكر الاسلامي الذي ينظر الى الامور من زاوية تراثية سلفية بحتة ، وقد بينت اسباب هذه المشكلة المتمثلة في الانقطاع عن الاصل (القرآن والسنة) ، والانقطاع عن العلوم والمعارف العقلية ، والانقطاع عن الواقع ، وقد وضعت بعض القواعد الاساسية لتجديد الفكر الاسلامي بشكل لا يتعارض مع الاسلام في شيء ، فدعوت الى ضرورة تفاعل الفكر الاسلامي مع الاصول الخالدة (القرآن والسنة) ، والتأكيد على ان الاصل في الاجماع هو اجماع المسلمين جميعا ، والتأكيد على أن التحري عن أمر الدين هو حق لكل مسلم يمارسه من خلال الاجتهاد ، والتأكيد على ان منهج الفكر الاسلامي هو منهج واقعي وليس فكرا مجردا ، والتأكيد على ان الاسلام جاء كدعوة دينية ورسالة اصلاح وهداية ، وان اصل الاسلام لم يحدد شكل الحكومة او شكل الدولة اكتفى بوضع القواعد العامة ، وترك التفاصيل للامة لتحديدها بما يتلائم معها ومتطلباتها ، ومن بين الامور التفصيلية مبدأ محاسبة الحكام .
وقد توصلت من خلال الفصل الاول الذي يتحدث عن مبدأ مساءلة الحكام في الاسلام والفصل الثاني الذي يتحدث عن مبدأ المساءلة وسيادة الشعب ، من خلال التحليل العلمي المنطقي للمعلومات المستقاة من الادبيات السابقة والادلة النابعة من المصدر الاصلي للشرع الاسلامي ( القرآن والسنة )توصلت الى جملة من النتائج يمكن تلخيصها بما يلي :-
1- ان الشريعة الاسلامية لم توضح بشكل محدد نظام الحكم الإسلامي فلم تحدد شكل الحكومة
الاسلامية وانما وضعت القواعد الاساسية وتركت التفاصيل للامة لتحديدها بما تراه ملائما لطبيعة مجتمعها وظروفها الزمانية والمكانية ، بما لا يتعارض مع الغاية التي انشأت من اجلها الحكومة الاسلامية ، هذه الغاية المتمثلة بشعبتين ، الاولى اقامة الدين الاسلامي والثانية تحقيق مصالح المحكومين ، ومن بين الامور التفصيلية التي تركت للامة مبدأ مساءلة الحكام ، ووضع الآليات لمراقبتهم .
2- ان مراقبة ومساءلة الحاكم اسلاميا ، هي فرض وواجب على الامة، قبل ان يكون حقا لها ، وذلك
بما لها من حق بوصفها الطرف الاول في عقد الامامة ، وبما لها من حق في الشورى ، وبما هي ملزمة به من وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وبما هي مأمورة به من بذل النصح .
3- ان اهل الشورى او اهل الحل والعقد او اي مسمى آخر قد يوجد ، ليسوا سوى ممثلين للامة وللامة
وبإرادتها الحرة ان تضع سبل التنظيم لإختيارهم ووضع الشروط لهم وبيان كيفية ممارستهم لوظائفهم وانتهاء مهمتهم او إنهائها ، على اعتبار ان اهل الشورى من الامور التفصيلية التي تركت للامة .
4- ان الجهة المخولة بمساءلة الحاكم اسلاميا ، هي اهل الشورى على اعتبار انهم يمثلون الامة ،
حيث يفترض ان هؤلاء الذين اختاروا الحاكم نيابة عن الامة ، لهم حق تقويمه ومحاسبته وعزله اذا لزم الأمر .
5- ان موضوع مساءلة الحاكم في الاسلام يمر بعدة مراحل وبحسب طبيعة الخلل او الخطأ او الفعل
الذي ارتكبه الحاكم والذي يعتبر إخلالا بواجبات وظيفته ، فتبدأ بالقلب ثم بالقول الذي يشمل النصيحة العامة والخاصة ، والنقد العلني ، والزجر والتعنيف ، ثم بالفعل الذي قد يصل الى حد عزل الحاكم .
6- ان واجبات الحاكم ، امر متروك تحديده للامة ، بما لا يخالف القواعد العامة ، والغاية التي
اقيمت من اجلها الحكومة الاسلامية ، فواجبات الحاكم مستقاة من هذه الغاية ولا يجوز معارضتها
7- ان مصدر السيادة في الحكومة الاسلامية هو الامة وليس الحاكم ، وذلك بما قرره الاسلام من وسائل
(الشورى ، مساءلة الحكام) لتحقيق القواعد التي تقوم عليها الحكومة الاسلامية ، وربط هذه الوسائل بإرادة الامة او بسيادة الشعب .
8- ان الحاكمية الالهية نوعان يجب التمييز بينهما ، الاولى :حاكمية لا ارادية تتعلق بحاكمية كونية
قدرية ولا يوجد علاقة بينها وبين سيادة الشعب ، الثانية : حاكمية ارادية تتعلق بالشريعة الاسلامية ، وللشعب ان يقرر بإرادته الحرة ان يتخذها منهاجا لحياته أو لا ، فإذا قرر اتخاذها ، اصبح يمارس سيادته الشعبية من خلالها لتحقيق مصالحه العامة .
من خلال تحليلي للنتائج آنفة الذكر ، والتي توصلت اليها من خلال فصول هذا البحث ، استطيع ان استخلص استنتاج مفاده : ان مبدأ مساءلة الحاكم في الاسلام يحقق سيادة كعبية غايتها اقامة الدين الاسلامي الذي يؤدي الى تحقيق المصالح العامة للمحكومين ، في حين ان مبدأ مساءلة الحاكم في النظام الديمقراطي يحقق سيادة شعبيه ولكن غايتها تحقيق الصالح العام للمحكومين ، وهذا يدفعني االى القول بأن هناك انسجاما وتوافقا بين المبدأين في كلا النظامين الاسلامي والديمقراطي ولكن هذا الانسجام وهذا التوافق لا يتعدى ان يكون اجرائيا اي من الناحية الاجرائية فقط فهما لا يلتقيان في الهدف او الغاية .
ما أود قوله ككلمة اخيرة ان المطلوب الأن من الفكر الاسلامي ان يكون متجددا ومتلائما مع طبيعة الظروف الراهنة والمتغيرات السريعة التي تمر بها هذه الحياة ، فيلزم تجديد الفهم والفقه والاجتهاد الاسلامي ، بالالتزام بالاصول الشرعية لمواجهة التحديات المعاصرة.



#ليث_زيدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي
- مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي - التربية المواطنية
- عوائق تكوين المجتمع المدني في الدول العربية


المزيد.....




- ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح ...
- أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ليث زيدان - مساءلة الحكام في الإسلام