|
قراءة في فكر هانس كينغ2 الديانات تناقضات قواسم أخلاقيات
سلطان الرفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 05:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقترح الديانات مفاهيم نظرية وعملية متغايرة ومتناقضة تماماً ؟ أفلا تظهر اختلافات سواء اكانت في عقائدها وكتاباتها أم في طقوسها ومؤسساتها وفي النهاية في أخلاقها وأنظمتها ؟ إن أتباع الديانات المختلفة يعرفون معرفة جيدة في أغلب الأحيان ما يميزهم عن غيرهم في الحياة العملية . يعرف المسيحيون ، على سبيل المثال ، أنه ينبغي للمسلمين والبوذيين أن يمسكوا عن كل شكل من أشكال الكحول . وبالمقابل يعرف هؤلاء في الوجه العام أن المسيحيين يسمحون بها . كما يعرف المسلمون واليهود أنه بإمكان المسيحيين أن يأكلوا لحم الخنزير ، في حين يعرف المسيحيون أن الخنزير عند اليهود والمسلمين حيوان نجس . وينبغي للسيخ واليهود الأرثوذكس ألا يقصوا شعرهم أو لحاهم ، أما الهندوسيون والمسيحيون والمسلمون فيمكنهم أن يحلقوا أو لا يحلقوا شعرهم وأن يتركوا أو لا يتركوا لحاهم . ويُسمح للمسيحيين أن يقتلوا الحيوانات أما عند البوذيين فقتلها محظر . ويحق للمسلم أن يتزوج عدة نساء أما المسيحي فلا يحق لهى الا واحدة-------- ولكن هل يعرف أتباع الديانات المختلفة بالطريقة عينها ما عندهم من قواسم مشتركة في المجال الأخلاقي ؟ كلا. لذا ، يجب أن نعمل على كل الاصعدة استناداً الى المصادر من أجل إبراز ما يوحد الديانات الكبرى . إنه عمل مهم ومفرح لعلماء الديانات المختلفة . ولكن في مرحلة البحث الحالية ، يمكن أن نعرض باقتضاب بعض النقاط المشتركة . فلا يهمنا العمل على اظهار الاختلافات والتناقضات والنفور والحصريات بين الديانات الكبرى . بل التشديد مهما يكن على ما يجمعها ، عملا بمبدإالمسؤولية يمكننا صياغة هذا السوال: كيف تتمكن الديانات ، على الرغم من أنظمتها العقائدية والرمزية المتباينة بشكل كبير ، من تنمية الأخلاق؟ وما الشيء الذي يميزها عن الفلسفة والبراغماتية السياسية والمؤسسات الدولية والأعمال الإنسانية في كل أشكاله؟ . 1 في الواقع كانت الديانات وما زالت دوما محمولة على إيجاد هدف يضمن قوة مؤسساتها وقوانينها وتراتبياتها ، مكتفية بذاتها . إلا أنه باستطاعتها ، على الرغم من ذلك ، حينما ترغب ، من خلال قوة أخلاقية أخرى تفوق عدداً كبيراً من المؤسسات الدولية ، أن تبين للعالم أنها تريد خير الإنسان . وتقترح الديانات الكبرى كلها انطلاقاً من سلطتها القوية توجهاً دينياً أساسياً ، كالعون والمساعدة إزاء آلية المؤسسات الإنسانية كلها ، وإزاء مصلحة الأفراد والجماعات الخاصة المختلفة وإزاء التضخم الإعلامي . كل من يندرج في تقليد محمد ويؤمن حقاً بالله ، ينبغي له أن يضع نُصب عينيه الحياة العملية كنتيجة منطقية لخير الإنسان . هذا هو المعنى المزدوج لمحبة الله وحب القريب في الوصية اليهودية والبعد الراديكالي الذي تحمله (حتى حب العدو) في عظة يسوع على الجبل . وينبغي أن نذكر في السياق نفسه التعليم البوذي وسيطرته على الألم الانساني ، وكذلك التوق الهندوسي من أجل إتمام (الذرمة) والتوق الكونفوشيوسي الى الحفاظ على النظام العالمي ، وبالتالي على الإنسان . إن خير الانسان وكرامته يبرزان في كل مكان كمبداأساسي وكهدف جدير بالأخلاق الإنسانية ، وذلك من خلال سلطة مطلقة ، ليس بوسع أحد أن يمارسها مثل الديانات . ويتلخص هذا الخير في الاستقامة والحرية والتضامن في واقع عملي كلياً . فكرامة الإنسان وحرية الإنسان وحقوق الإنسان لا تنجم كلها عن الفكر الوضعي فحسب ، بل تجد في الدين أساساً له عمق لا يضاهى . 2 كانت الديانات وما برحت دوماً محمولة على الاكتفاء بتقاليد خاصة وعقائد غريبة وقواعد طقسية ، وبالتالي على الانطواء على ذاتها . وبوسع هذه الديانات ، حينما ترغب ، بسلطة مغايرة وحجة إقناع تفوق حجة السياسيين ورجال القانون والفلاسفة ، أن تبرز حِكماً أساسية أولية للإنسانية . وتفرض هذه الديانات قواعد أخلاقية أساسية وحِكم توجه السلوك الانساني ، مستندة الى شيء مطلق يمكن أن يطبق على مئات الملايين من البشر . هناك خمس وصايا إنسانية تقر بها الديانات العالمية الكبرى ، حتى في المجالين الاقتصادي والسياسي . 1)لا تقتل 2)لا تكذب 3) لا تسرق 4)لا تستسلم الى الفسق 5)أكرم الأهل وأحب الأولاد . وقد تبدو هذه الوصايا للكثيرين مبادئ عامة . ولكن كم من الشياء تتغير وينبغي أن تتغير. إذا أخذت وصية لا تسرق مثلاً مكانها من جديد في ضمير البشر ووجهت ضد آفة الفساد . هذه الوصايا التي تفرض ذاتها بطريقة عير مشروطة تخالف الفجور الذي لا مبدأ له ن هذا الفجور الذي يعيش في اللحظة ويتكيف في آخر المطاف مع الظروف . ولا ينبغي بالمقابل أن نستخدم القواعد الأخلاقية بعقلية شرعوية لا تهتم بالحالة الواقعية وتكتفي بحرفية القانون . ليس من السهل أن نجد في الكتاب المقدسر وفي أي كتاب مقدس آخر أجوبة جاهزة على مسائل معقدة كوسائل منع الحمل ووقف الحمل والقتل الرحيم . علينا إذاً أن نوضح دوماً أن الأخلاق ليست نظرية ولا تكتيكية ، وليست سيطرة القانون وحده (أخلاق مبنية على القانون ) ولا سيطرة الحالة الظرفية وحدها (أخلاق مبنية على الظرف) . القواعد الأخلاقية من دون حالة ظرفية تبقى جوفاء ، والحالة الظرفية من دون قاعدة أخلاقية تبقى هي أيضاً عمياء . فقد وجدت القواعد الأخلاقية لتهدي الحالة الظرفية ، وعلى الحالة الظرفية أن تحدد القواعد الأخلاقية . ما هو صالح وما هو أخلاقي ليس الخير المجرد أو الصلاح المجرد ، بل الخير الواقعي والصلاح الواقعي . هذا هو الشيء المناسب . وبتعبير آخر ، لا يتحول الإلزام الأخلاقي الى واقع إلا في حالة محددة . ولكن في حالة محددة لا يمكن الحكم على الإلزام الأخلاقي إلا من قبل الشخص المعني به ، إذ يتحول الإلزام الأخلاقي الى إلزام مطلق ، هذا يعني أن واجبنا منوط دوماً بالحالة ، إلا أنه في هذه الحالة المحددة يصبح الواجب مطلقاً ، أي من دون استثناء . فلا مكان للشرط أو الممكن . على كل قرار أخلاقي واقعي أن يأخذ بعين الاعتبار القوانين العامة الثابتة والحالات الخاصة المتقلبة. 3 كانت الديانات وما برحت محمولة على تبني مواقف متشددة ومتطرفة ، ضمن رؤية شرعوية ، سواء أكان في الأخلاق الفردية أم الاجتماعية ، أم في الأخلاق الجنسية والاقتصادية والدولية . فبإمكانها ، إن رغبت ذلك ، أن تشد مئات الملايين من الناس على هذه الأرض الى طريق حكيم معتدل يجمع بين الفسق والشرعوية . وفي الواقع تشجع ديانات العالم الكبرى كلها نمطاً من السلوك الإنساني ينجم عن طريق معتدل ، مهما بلغ الوضع من تعقيد في الميول والانفعالات والمصالح الفردية والجماعية . يستقيم هذا الطريق في الواقع بين الجشع الى الملكية واحتقارها ، بين المتعة والزهد ، بين هيجان الحواس والعداء لها ، بين عبادة العالم ونفيه . فسواء أكان هذا الطريق في الواجبات الطقسية والاجتماعية التي تنظم حياة الهندوسي أم رزانة البوذي في علاقته مع العالم ، أم تعاليم كونفوشيوس التي تطمح الى الحكمة ، ام وصايا التوراة والتلمودة التي ترشد الإنسان أمام الله الى معرفة واجباته في العالم ، أم رسالة يسوع العظيمة ، وغيرها من التوجيهات السديدة في التزامات التعليمات التوجيهية اليومية للقرآن ، فالمطلوب ، في كل هذه الحالات هو تصرف واع تجاه الذات وتجاه العالم . لا تكتفي الديانات كلها بفرض قوانين ، بل تحدد تصرفات ومواقف وفضائل معينة ، قادرة على توجيه طريق الانسان من الداخل ، إذ إن الأنظمة القانونية المحضة غير كافية . أن نترجم الطريق السديد المعتدل في وضع مجتمعنا الحالي ، هذا يعني إيجاد طريق بين العقلانية الجاهلة واللاعقلانية المبكية ، بين الإيمان الاعمى بالعلم ولعنه ، بين النشوة إزاء التقنية والعداوة للتقنية ، بين ديمقراطية شكلية وديمقراطية شعبية كليانية . 4 كانت الديانات وما برحت دوما محمولة على الضياع في أدغال لا نهاية لها من الوصايا والأنظمة والقوانين والبنود والشرائه . وبوسع هذه الديانات ، إن رغبت ذلك ، أن تبرهن بسلطة تفوق أية سلطة فلسفية أن استخدام قواعدها الأخلاقية لا يذوب في كل حالة على حدة ، بل يحمل قيمة مطلقة . وبوسع الديانات أيضا أن تفدم للبشر ، قاعدة أخلاقية سامية للضمير ، أي أن تفدم الأمر المطلق ، الذي هو مهم جداً لمجتمعنا الحالي ويلزم من خلال بُعد آخر . ويشكل مبدأً أساسيا . وتعرض الديانات كلها مبدا يسمى بالقاعدة الذهبية وهو ليس قاعدة افتراضية أو شرطية بل قاعدة مطلقة أكيدة ، وغير مشروطة ، قابلة للتطبيق في الحالات المعقدة جداً ، بحيث ينبغي للأفراد والجماعات أن يتعاطوها . 5 كانت الديانات وما برحت محمولة على فرض سلطتها على البشر وعلى المطالبة بطاعة عمياء ، وعلى اغتصاب الضمائر . وبوسع هذه الديانات ، ان رغبت ذلك ، أن تقدم حوافز أخلاقية مقنعة . فإزاء الحرمان والسبات والخمول المتزايد ، ولا سيما في الأجيال الشابة اليوم ، بوسع الديانات من خلال تقليد قديم أن تقدم حوافز للمسلك الإنساني بشكل يتناسب وزمننا الحالي ، لا على غرار الفلسفة في أفكارها الأزلية ومبادئها المجردة وقوانينها الأخلاقية العامة ، بل من خلال تجسد حي لموقف جديد إزاء الحياة ولنمط حياة جديد . في الواقع لم تفقد الأمثلة الحياتية الممثلة بحياة زعماء الديانات الكبرى في العالم وتعاليمهم --ولا يتعرف الفرد الى الخير وقواعده وطرقه وعلاماته الا من خلال العمل الاجتماعي . هناك فرق كلي بين التعليم المجرد لنمط جديد من الحياة والدعوة الى التطابق مع نمط حياتي محدد ، استناداً الى نموذج واقعي ، له طابع إلزامي ، كالدعوة الى اتباع يسوع المسيح أو بوذا أو كونفوشيوس أو لاوتسي أو محمد . 6 كانت الديانات وما برحت دوماً محمولة على تبشير الآخرين بمستلزمات أخلاقية مزدوجة من دون أن تمارسها على ذاتها أولاً ضمن نقد ذاتي . وبوسع هذه الديانات ، إن رغبت ذلك ، اليوم، أو بطريقة جديدة ، اليوم، أن تظهر أفقاً صادقاً للمعنى وتحديداً نهائياً للهدف على هذه الأرض من خلال عقائدها وقيمها الأخلاقية وطقوسها لمئات الملايين من البشر . وبحجة إقناع فريدة ضد الفراغ وغياب المعنى . في الواقع تجيب الديانات كلها عن سؤال المعنى الكلي للحياة والتاريخ من خلال رؤية لحقيقة نهائية تبدأ الآن ، سواء أكانت هذه الحقيقة (القيامة) في اليهودية الكلاسيكية أم (الحياة الأبدية ) في المسيحية أم (الجنة) في الاسلام أم (الموكثة) في الهندوسية ، أم (النرفانا البوذية ) أم (الخلود) في التاوية . فبوسع الديانات ، إزاءالحرمانات واختبارت الألم والفشل الكثيرة ، أن تقدم العون وتقود الإنسان الى أبعد مما هو عليه وأن تقدم معنى يتخطى الموت ، وأن تعطي معنى الآن ، خصوصاً حيث فشلت الأخلاق . دمشق 30-5-2007
#سلطان_الرفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في فكر هانس كينغ 1-أخلاق بلا دين؟
-
انخفاض في نسبة الشعور القومي
-
اليكم كيف كان الوضع ؟
-
ملحق فتاوى الارضاع ع ع
-
حرام يا لبنان
-
رضا الله من وطء رسول الله وغضب الله من احتقان رسول الله
-
الأمة التي فقدت أعز ما تملك للمرة الألف
-
يعتزمون بناء كنيسة دون ترخيص ، يا لوقاحة هؤلاء المسيحيين
-
الهي الهي لماذا تركتني صرخة شعب
-
شالوم اورشليم الطريق الى السلام ج2
-
شالوم اورشليم طريق السلام ج1
-
قلقنا وخوفنا على سوريا يزداد اليوم
-
نعم نعم ماع ماع الله الله .
-
الخطر الذي يُهدد المسيحيين في سوريا
-
بث مباشر للمبارة المرتقبة بمناسبة طلة تباشير الديمقراطية على
...
-
تحذير : يمنع نقل أو ترجمة أي فقرة من هذا الكتاب العلمي البول
...
-
مجلس النعام والنيام –مالنا وما علينا
-
رد على وزير اعلام سوري سابق-
-
تهميش المسيحيين في قوائم الجبهة لمصلحة من ؟
-
وسأنتخب بوش؟؟
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|