|
الاعلام و الديمقراطية
مازن درويش
الحوار المتمدن-العدد: 1932 - 2007 / 5 / 31 - 11:42
المحور:
الصحافة والاعلام
لعبت عالمية تكنولوجيا الاتصالات دورا حاسما في تعظيم دور الإعلام وتنويع وظائفه في المجتمعات، فقد شهد الإعلام نقلة نوعية من الوظيفة الكلاسيكية في نقل الأخبار وتغطية الأحداث، إلى المساهمة في إعادة إنتاج الموروث الثقافي للمجتمعات و المساهمة في تشكيل الرأي العام، وصولا إلى مفهوم الإعلام التنموي من خلال الشراكة بين الإعلام و التنمية في نشر وتجذير مفاهيم وقيم إنسانية حضارية عالمية. زاد في أهمية هذا الدور سهولة وسرعة الانتشار التي حققتها وسائط الإعلام المتعددة فقد استغرق الراديو 38 سنة للوصول إلى 50 مليون مستخدم بينما لم يحتج الانترنت لأكثر من 4 سنوات للوصول إلى نفس العدد من المستخدمين.
وقد مرت البشرية بمراحل طويلة حتى أصبحت حرية الرأي والتعبير – الحاضن الرئيسي لحرية الإعلام - إرثا إنسانيا راسخا وغير خاضع للمساومة اختلفت درجاتها بحسب اختلاف تركيبة المجتمعات و بنيتها الاقتصادية و تطورها السياسي تجلت أولى إرهاصاته الدستورية في وثيقة "الماغنا كارتا"(ميثاق العهد الأعظم) في بريطانيا عام 1215 و التي تقّيم حقوق وواجبات الملك وأتباعه من رجال الإقطاع وترسم حدودها وانعكاسها على حقوق المواطنين والتي تطورت لاحقا إلى لائحة الحقوق في بريطانيا عام 1688 و أسهمت كتابات العديد من المفكرين في تطوير مفهوم حرية الرأي و التعبير بما انعكس ايجابيا على حرية الصحافة التي اكتسبت اسم السلطة الرابعة من تعليق اللورد ادموند يورك المتوفى عام 1797 الذي قال في مجلس العموم البريطاني :( توجد سلطات ثلاث و لكن عندما ينظر الإنسان إلى مقاعد الصحفيين يجد السلطة الرابعة ) . و شكل الإعلان الفرنسي لحقوق المواطنة عام 1789 نقلة نوعية على الصعيد الفكري حيث نص على أن (حرية التعبير هي من الحريات الأساسية للإنسان ) وبذلك نقلها من حيز الحقوق المكتسبة إلى حيز الحقوق الأصلية التي توجد مع وجود الإنسان و تشكل جزءا لا يتجزأ من كيانه ولا يجوز الانتقاص منها بأي حال من الأحوال . ومع إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام 1945 وضعت الأسس الأخلاقية و القانونية للالتزام بحرية التعبير على الصعيد الدولي و التي أثرت في معظم دساتير الدول الأعضاء فقد جاء في قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة في أول اجتماع لها بتاريخ 14-12-1946
( إن حرية المعلومات هي حق أساسي للإنسان و حجر الزاوية لجميع الحريات الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة - القرار 59 د-أ ) وصولا إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 10-12-1948 و الذي جاء في المادة 19 منه:
(لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير. ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية).
وكما أن حرية الرأي والتعبير إرثا إنسانيا كلف البشرية قرونا من النضال و الثورات إلا أن محاولة السيطرة عليها أيضا ظاهرة عالمية تمتد من كوريا الشمالية إلى الولايات المتحدة و قد تنبهت السلطة الدينية باكرا لخطورة الإعلام فقامت الكنيسة بتحريم اختراع الطباعة الذي أنجزه يوحنا غوتنبرغ في عام 1452 و لعنته ولم تعد الكنيسة الاعتبار لغوتنبرغ حتى عام 1995. ولم يجد عمرو بن العاص أي سبب يمنعه من إحراق مكتبة الإسكندرية عندما فتح مصر بعد مباركة السلطة الدينية لهذه الخطوة . ومع تطور معايير حرية الصحافة و إدراك المجتمعات الديمقراطية ضرورة استقلال الإعلام عن سيطرة الدولة ظهرت اتجاهات فكرية عديدة بهذا الخصوص، عبّر التعديل الدستوري الأمريكي الأول في عام 1791 عن أقسى درجات استقلال الإعلام عن الدولة حيث حرم التعديل الدستوري واجتهادات المحكمة العليا على الحكومة امتلاك أو المساهمة بأي وسيلة إعلام داخل حدود الولايات المتحدة أو فرض أي نوع من الرقابة على الصحف أو إعاقة وصولها إلى المعلومات و جاء فيه " إن الكونغرس سوف لن يصدر أي قانون يحد من حرية الرأي أو من حرية الصحافة " .
وقام الاتجاه الأوروبي على اعتبار الإعلام خدمة عامة حيث ينظر إلى الصحافة على أنها صحافة رقابة شعبية بمعنى أنها تراقب الحكومة و السلطة بشكل عام لحساب الجمهور العام استنادا إلى الاعتقاد بأن مراقبة الحكومة هي الوظيفة أو الدور الأساسي للصحافة الذي يفوق كل وظائفها الأخرى في الأهمية وبناء على هذا الدور شرعت قوانين تكفل عدم تدخل الحكومة سياسيا أو ماليا في الصحافة على اعتبار أن هذا التدخل سيؤثر على وظيفة المراقبة حيث يدفع المواطن ضريبة مباشرة تعود حصيلتها إلى وسائل الإعلام العامة التي يشرف عليها مجلس وطني للإعلام منتخب و مستقل عن الحكومة - التي لا يوجد فيها وزارة إعلام – يقوم بتعيين مدراء وسائل الإعلام العامة و الإشراف عليها كما في بريطانيا و فرنسا و ألمانيا .
أما في النظم الاشتراكية الشمولية فقد نظر إلى الصحافة على أساس أنها أداة للتوجيه و التعبئة والدعاية الإيديولوجية وانتفى مفهوم الصحافة المستقلة أو صحافة المعارضة وذلك نتيجة حظرها قانونا واعتبرت الصحافة المعارضة تقع ضمن جرائم خيانة الثورة وجزء من الثورة المضادة لسيطرة الطبقة العاملة فقد حرم الدستور الفدرالي لاتحاد الجمهوريات السوفيتية الصادر في عام 1936 المعارضة ونقد الدولة السوفيتية وقصر حرية الصحافة على الدولة و طبقتها العاملة وحدد مهمة الصحافة في تأييد الحكم الاشتراكي .
وفي العالم العربي لم يعد هناك بلد في وقتنا الحاضر لا توجد فيه صحافة وإعلام خاص إلا أن ذلك لم يتطور بعد ليشكل إعلاما مستقلا بمعنى الكلمة حيث لا تزال السمة الأساسية هي سيطرة الدولة على الإعلام سواء بشكل مباشر أو غير مباشر مما يشكل عمليا إفراغا حقيقيا لدور الإعلام و لوظائفه إن توجه دول العالم العربي نحو الإصلاح الديمقراطي الحقيقي و الشامل يجب أن يترافق بتحرير الإعلام من سيطرة الدولة ، فاليوم لا يمكننا الحديث عن مفاهيم مثل الديمقراطية والشفافية والتعددية دون الحديث عن حرية الإعلام، ورغم محاولات البعض الفصل ألقسري بينهما ، إلا انه يوجد بينهما ترابط عضوي يجعلهما متحدين ومتكاملين وكل واحد منهما يشكل مؤشرا ومعيارا لوجود الآخر ومن غير الممكن تصور وجود إصلاح ديمقراطي شامل وحقيقي في المجتمع دون وجود حرية للرأي والتعبير يكون عمادها الإعلام المستقل المتحرر من سيطرة الدولة .
ولابد من توفر شروط أساسية في أي مجتمع لقيام حرية الرأي و التعبير التي تشكل الحاضن الرئيسي لنمو إعلام حر و تتمثل هذه الشروط ب:
- وجود نظام ديمقراطي يقوم على أسس المواطنة والحكم الرشيد و التداول السلمي للسلطة في كافة مستوياتها.
- بنية تشريعية تضمن حرية الحصول على المعلومات وحرية تداولها بكافة الطرق تتوافق مع المعايير العالمية لحرية الرأي و التعبير مدعومة بنظام قضائي مستقل.
- بيئة مجتمعية تحترم الاختلاف والتنوع و حرية الاعتقاد والرأي الآخر وتنبذ عقلية الانغلاق والتحريم.
وعلى الرغم من كون فكرة وجود إعلام مستقل تماما عن الحكومات أو عن رأس المال تقترب لتكون فكرة طوباوية في عالم اليوم إلا انه لا بد من الوقوف مطولا عند تجربة إعلام الانترنت الذي نجح في حالات كثيرة بتشكيل مجتمعات إعلامية حرة و مستقلة عن تبعية رأس المال نتيجة للكلفة القليلة ولإمكانية التحرر من الرقابة المباشرة مما مكنه من تحمل العبء الأكبر في نشر الفضائح وقضايا الفساد و كسر سيطرة الدولة على الخبر .
إن السعي المتواصل من اجل تحرير الإعلام من سيطرة الدولة يشكل واحدة من مجموعة الأهداف الأساسية من اجل التحويل الديمقراطي الحقيقي و الشامل في العالم العربي ولابد من وضع الخطط و الإجراءات الكفيلة بذلك ومنها تلك التوصيات التي مازلنا نرددها وندورها من عام إلى آخر ومن منبر إلى أخر حيث لابد من :
- التزام الدول بالمصادقة على الإعلانات و المعاهدات الدولية التي تصون حرية التعبير و الإعلام وإدخالها حيز التنفيذ والمباشرة في تبني وتنقيح وتعديل وإصلاح تشريعاتها حتى تتوافق مع هذه المعايير.
- وضع الضمانات الدستورية الكفيلة بحماية حرية الرأي والتعبير والإعلام المستقل وأن لا تقر قوانين وأنظمة تنتقص وتتغول على المعايير الدولية لحرية الإعلام والضمانات الدستورية.
- المباشرة فورا بوضع قانون حق الوصول للمعلومات واعتماد مبدأ الكشف الأقصى للمعلومات وحماية المسربين الحكوميين بما يتفق مع المعايير الدولية .
- أن تتبنى الحكومات الإعلان صراحة عن منع التدخل المباشر و غير المباشر بوسائل الإعلام وأن تضع الآليات القانونية لمسائلة و تجريم من يقوم بذلك من موظفيها العموميين و الأجهزة التابعة لها .
- إطلاق حرية التملك لوسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة والاكتفاء بنظام الإخطار لغايات التأسيس ووضع آليات لأعمال ذلك في التشريعات القانونية و وضع تشريعات قانونية تحول دون سيطرة الحكومات و تملكها لوسائل الإعلام.
- التزام الحكومات بتمويل صحف وإذاعات و قنوات تلفزة مجتمعية من الموازنة العامة للدولة وفق معايير وآليات شفافة على أن تدار من مجالس مستقلة .
- التزام الحكومات باقتطاع نسبة مؤية من إيرادات الإعلانات الحكومية و الخاصة لغايات تطوير الحالة المهنية والتدريب للإعلاميين .
- وضع آليات واضحة وفعالة تكرس الشراكة بين الحكومات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني بما يضمن تقدم وتطور واقع حرية الإعلام .
#مازن_درويش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غشاء البكارة ... مرة أخرى
-
الى سلوى الاسطواني
-
رسائل أمنية
-
ليـس بالخـبـز وحـده . . . ولـكــــــــــن
-
لن ندفع حياتنا ثمنا لأرباحكم لن يحكمنا البنك الدولي عالم آخر
...
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|