|
عوائق تكوين المجتمع المدني في الدول العربية
ليث زيدان
الحوار المتمدن-العدد: 1931 - 2007 / 5 / 30 - 11:59
المحور:
المجتمع المدني
المقدمة لو كنت طبيباً سياسياً ، لإستطعت من خلال الكشف الاولي على الدولة العربية ، أن اشخص مرضها ، ديمقراطياً ، بأنه عسر هضم لمفهوم المجتمع المدني ، فالدولة العربية استطاعت أن تدخل في احشائها العديد والعديد من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المجتمعية والأحزاب السياسية وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني ، بدون أن يسمح نظام الحكم فيها بتغلغل اياً منها في شرايين الدولة والمجتمع ، لتسقط بذلك فائدة وجودها اصلاً ، ففي الدول العربية آلاف المنظمات غير الحكومية والمؤسسات المجتمعية المختلفة ، فهل بذلك نستطيع القول بأن مفهوم المجتمع المدني قد تحقق بالفعل داخل الدولة العربية ! ، من الواضح أن هناك خللاً ما أدى إلى عسر الهضم هذا ، مما أدى إلى عدم تحقيق المفهوم داخل الدولة العربية . ولكي نشخص المرض بشكل موضوعي وبدون اتخاذ مواقف مسبقة او إصدار أحكام عشوائية ، لا بد من تحديد الإطار النظري لهذه الدراسة ، فعندما نتحدث عن مجتمع مدني في الدولة العربية ، يجب أن نحدد ماذا نقصد بمفهوم المجتمع المدني . الإطار النظري للبحث :- بدايةً أقول انه من الخطأ الاعتقاد بأن هناك ثمة تعريف جامع مانع للمجتمع المدني يظل هو ذاته صالحاً لكل زمان ومكان ، فهو ليس بالحل الناجز لكل المشكلات التي تواجه أي مجتمع بحيث يمكن له استدعائه متى شاء ، وهو ما يثبته نشأة وتطور هذا المفهوم تاريخياً في الغرب ، فمفهوم المجتمع المدني تدرج في مدلولاته ، وتغير في مضمونه عبر التاريخ ، وكانت له تجسيدات وأهداف مختلفة باختلاف السياق التاريخي الذي كان يوجد ويطرح فيه ، حيث كان مرتبطاً بشكل مباشر بالمشكلات التي كانت مطروحة في المجتمعات الغربية في هذه السياقات التاريخية المختلفة وما كان يدور من مناظرات فكرية بين المثقفين لمواجهة هذه المشكلات بدءاً من هوبز وانتهاءً بغرامشي مروراً بـ لوك وتوكفيل ومونتسكيو وروسو وهيجل وماركس ، فالمجتمع المدني في مرحلة معينة كان يقصد به المجتمع الإنساني – السياسي الذي انبثق عن المجتمع الطبيعي وفي مقابلة ، وفي مرحلة آخرى تطور المضمون إلى فصل العلاقة بين الدولة – السلطة والحق الإلهي وبين الدولة – السلطة والمجتمع على قاعدة انتزاع الحقوق المدنية وفي مركزها حق المواطنة ، حيث كان الفرد يتفرد داخل المجتمع ويتواجد فيه بصفته كياناً حراً مستقلاً وذاتاً فاعلة وليس مجرد عضو في عشيرة او أمة او أي تجمع آخر ، وهنا كان المجتمع المدني ( بمفهومة الجوهري ) هو قاعدة المواطنة والفردية والحقوق المصاحبة لها في مقابل الدولة وغيرها أيضا ، وقد تعمق المفهوم وتوسع عبر تقدم التاريخ وإغتنى بمضامين جديده سياسية واجتماعية ، حتى وصل إلى عالم اليوم ( بمفهومة الإجرائي ) متجسداً بآخر تجلياته – التي كان للمفكر غرامشي اكبر الاثر على المفهوم – المتمثله بالمؤسسات المجتمعية او ما يسمى بالمنظمات غير الحكومية او مؤسسات المجتمع المدني (1) مما تقدم نستطيع القول بان مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم نسبي وتاريخي ، ألا أن ذلك لا يعني انه من غير الممكن استخلاص سمات عامه مشتركه بين المجتمعات يمكن بموجبها تحديد الملامح العريضه لهذا المفهوم. فالمجتمع المدني هو ذلك الحيز المستقل نسبياً عن الدولة والذي يحتوي على نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين افراده من جهه وبينهم وبين الدولة من جهه آخرى ، وهي علاقات سلمية تقوم على تبادل المصالح والمنافع والتعاقد والتراضي والتفأهم والاختـلاف والحقـوق والواجبات والمسؤوليات ومحاسبة الدوله في كافة الاوقات التي يستدعى فيها الأمر محاسبتها. ومن جهه إجرائية ، فإن هذا النسيج من العلاقات يستدعي ، لكي يكون ذا جدوى ، أن يتجسد في مؤسسات طوعيه سياسيه واجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعدده ، تشكل في مجموعها القاعدة الاساسية التي ترتكز عليها مشروعيه الدوله من جهه ، ووسيله الضغط عليها ومحاسبتها اذا استدعى الامر ذلك من جهه آخرى . إلا أن هذه المؤسسات تكون خاويه المضمون والفاعليه إن لم تقترن بشروط تحقيقها وتظل شكليه بدونها ، والمتمثلة بتمتع الفرد بحق المواطنه بما تنطوي عليه من حق التعبير والاعتقاد والحياة وكل ما يؤدي إلى تفتح قواه العقليه والمعرفيه والفنيه والعاطفيه ، والارتقاء به بوصفه ذاتاً فرديه انسانيه مستقله ، وحق المواطنه يشمل حق المساواه امام القانون ، وحق الاجتماع والتنظيم في احزاب او اتحادات والمشاركة في الحياة العامة ومراقبة مسيرتها والمسأهمة في تصحيح الخلل الذي قد يحدث فيها ، والأهم من ذلك أن تتفكك الجماعات العضويه القائمة على العرق او العشيرة او المذهب او الطائفه او غيرها ، إلى مواطنين لهم شخصياتهم الحقوقيه والسياسيه والاجتماعية والثقافيه ، بوصفها كائنات انسانيه مستقلة ذات سياده ومتعاضده ، وتنتمي إلى معاييرها الانسانيه وليس إلى معايير تلك الجماعات التي كانوا مندمجين عضوياً فيها . فالمجتمعات الغربيه لم تصل إلى آخر تجليات المجتمع المدني ( المنظمات غير الحكوميه ) ولم تنجح فيها ، إلا بعد مسيره تاريخية انسانية صعبه العراك ، نضج وترسخ من خلالها حق المواطنه الذي يعتبر أحد أهم أركان المجتمع المدني . إشكالية البحث :- لاحظنا مما سبق بإن المؤسسات المجتمعيه او ما يسمى بالمنظمات غير الحكوميه ، هي آخر تجسيدات مفهوم المجتمع المدني غربياً ، ولكن في نفس الوقت ، يلاحظ وجود وتزايد لآلاف المنظمات غير الحكومية في الوطن العربي ، والسؤال المطروح هنا – الذي يمثل إشكالية هذه الدراسه – هو :- لماذا لم يتحقق مفهوم المجتمع المدني عربياً على الرغم من وجود هذا الكم الهائل من المنظمات غير الحكومية في الدول العربيه ، على افتراض أن المنظمات غير الحكوميه هي آخر ما توصل اليه المفهوم من تجليات ؟ ، او بمعنى آخر ، ما هي العوائق التي منعت تكوين المجتمع المدني عربياً ؟ فرضية البحث :- تقوم فرضيه هذا البحث ، على أن ما جرى عربياً لم يكن اكثر من مجرد إستدعاء حرفي لآخر ما إنتهى اليه المفهوم في الغرب – المنظمات غير الحكومية – بشكل خاوي المضمون والفاعليه ( كمفهوم اجرائي شكلي ) ، فلم يقترن بتلك الشروط التاريخية لنشوء فكره المجتمع المدني ( التي تشكل جوهر المفهوم ) ، او بمعنى آخر لم يرتكز على خلفية فلسفيه تؤسس نظرياً له ، فلم يكن الاهتمام بتأصيل المفهوم بقدر الاكتفاء بإستدعائه في آخر صيغه له ، فالمجتمع العربي افتقر إلى وجود أهم الاركان التي يقوم عليها المجتمع المدني ، الا وهو المواطنه وما يترتب عليها من حقوق اساسيه ، كالمساواه والحريه والاستقلال الذاتي للفرد وحمايتها من الانتهاك ، وبذلك لم يتحقق المفهوم الجوهري للمجتمع المدني . صحيح أن هذة المنظمات غير الحكوميه مهمة بحد ذاتها ، وقد تقوم بدور هام جداً ، لكن اذا قصرنا مفهوم المجتمع المدني عليها ، فإننا نكون بذلك قد اخلينا الساحه لنظام الحكم ليفعل بها ما يشاء وفتحنا له الباب على مصراعيه للتفرد في صنع القرارات . وبالاضافة إلى عدم تحقيق المفهوم الجوهري للمجتمع المدني ،فقد عجزت هذه المنظمات الغير حكومية أيضاً عن تحقيق المفهوم الاجرائي للمجتمع المدني لاسباب تتعلق بالمنظمات نفسها ،ولاسباب تتعلق بطبيعة المجتمعات العربية ولطبيعة النظام السياسي الشمولي فيها ، وهي اسباب ادت إلى إهدار حق المواطنة . أهمية البحث واسباب اختياره : تنبع أهمية هذا البحث من الأهمية الخاصة التي يتمتع بها مفهوم المجتمع المدني ،الذي يعتبر شرطاً ضرورياً لتحقيق الديمقراطية ،بل انه - كما يقول عزمي بشاره - " يقود إلى الديمقراطية لانه هو عملية تطور الديمقراطية ذاتها " (2) ،كما انه يعتبر الشرط الجوهري للإرتقاء المعرفي والعقلـي والقيمـي والاجتماعي والثقافي والسياسي للافراد ،كأساس لتمكين المجتمع الذي هم اعضاء فيه من السيطرة على نفسه والتحكم بمقدراته ،وبالتالي فمن المهم بحث هذا الموضوع بتعمق وبتحليل ،لمحاولة معرفة الخلل والمعوقات التي تقف امام المجتمع المدني في دولتنا العربية ،وتقديم الحلول المناسبة لها ، آملاً أن يتم الوصول إلى نتائج جديدة قد تعمم ،وقد تكون ركيزة لبناء ابحاث جديدة عليه . أما أسباب اختيار هذا البحث ،فيرجع إلى اهتمامي الشخصي بموضوع البحث ، الذي اجد فيه إختصاصاً فى حقل الدراسه فى الديمقراطيه وحقوق الانسان ، هذا بالاضافة إلى تناول الكثير من الادبيات السابقه لموضوع المجتمع المدني في الدول العربيه . أسلوب البحث وحدوده : سأعتمد في جمع معلوماتي وتحليلها في بحثي هذا ، على الاسلوب التاريخي ( الاستردادي ) ، لان مفهوم المجتمع المدني هو مفهوم تاريخي مرتبط بتاريخ نشأته وتطورة ، وبالتالي لا يمكن سلخ السياق التاريخي عن المجتمع المدني ، إلا أن هذا البحث سيعتمد ايضاً على الاسلوب العلمي التحليلي وفق منهجيه علميه قائمة على التحليل المنطقي . أما حدود البحث المكاني فسيكون في إطار الوطن العربي بدون تحديد دوله عربيه بعينها ، فالدول العربية وان كانت تنتمي إلى مجال سياسي وثقافي واحد بصورة عامة ، إلا أن هناك تباين بينها ، من حيث المتغيرات كالبيئة الطبيعية ودرجة تطور الدولة والنظام السياسي والبنية الطبقية والثقافية السياسية ، ومستويات النمو الاجتماعي والاقتصادي والمجتمع المدني ، ولا يمكن لبحث صغير الحجم كهذا ، تناول كل دوله عربيه على حدى – وإن كان من الممكن الحديث عن بعض الدول كأمثله – وبالتالي فسيكون التركيز على القواسم المشتركة الرئيسية لمفهوم المجتمع المدني في كل الدول العربيه ، اما الحدود الزمانيه ، فستكون من تاريخ ظهور هذا المفهوم في الدول العربيه في ثمانينيات القرن العشرين ، حتى آخر تطور وصل اليه هذا المفهوم عربياً ، ومن الممكن تناول فتره تاريخيه سابقه لظهور هذا المفهوم عربياً ، بشكل موجز لأغراض البحث . تقسيمات البحث : - مما تقدم فإن هذا البحث سيقسم إلى أربعة عوائق رئيسية تواجة تكوين وتحقيق المجتمع المدني عربياً ، وهي : العائق الأول : مرجعية المجتمع المدني في الفكر العربي المعاصر ، العائق الثاني : الدوله العربية التسلطية ، العائق الثالث : المجتمع العربي التقليدي ، العائق الرابع : المنظمات غير الحكومية بين مطرقه الدوله وسندان المجتمع ، وسيحتوي البحث على خلاصه تتضمن مجموعة من التوصيات .
العائق الأول : مرجعية المجتمع المدني في الفكر العربي المعاصر : إن مفهوم المجتمع المدني الذي دخل بإسمة الصريح حيز التداول في الوطن العربي متآخراً جداً – بدءاً من ثمانينات القرن العشرين – لم يرتكز على خلفية فلسفية تؤسس نظرياً له فقد جاء التعرف على المفهوم ( عبر الاهتمام المتزايد الذي لاقته مؤلفات غرامشي في العالم العربي بعد السبعينيات ) (3) ، فليس فقط انه لم يكن احد المفاهيم المتداولة في الخطاب النظري السياسي او في الخطاب الايديولوجي العربي سواء الفكر القومي الاشتراكي او الفكر الماركسي – الشيوعي او الفكر الاسلامي ، وليس فقط ان الاسباب الرئيسيه التي ادت إلى ظهوره هي اسباب سياسية واجتماعية اكثر من كونها اسباب فكرية تعود إلى جذور الأمة العربية إستلزمت حضوره في هذا الوقت تحديداً ، وإنما الأهم من ذلك – ومما يدلل على ان الفكر العربي لم تكن لدية الخلفية المذكورة – هو انقسام الفكر العربي إلى تيارات متعدده في التعامل مع هذا المفهوم ، ادت إلى حرب عقيمة بين هذه التيارات الثقافية العربية ،بينما ظل الواقع يرزخ بتخلفة متنظراً فكراً يستجيب لحاجات انتقاله إلى مجتمع مدني حقيقي ،والأبلى من ذلك أن هذا الخلاف الحاد حول المجتمع المدني لم يكن مجرد خلاف حول مضمون المفهوم وتاريخيته او مجرد خلاف حول الصواب والخطأ في حقل الفكر والثقافة ، بل كان في جوهره صراعاً سياسياً ، وهو ما يثبته نتيجة هذا الصراع ، كما سنرى لاحقا. وقبل الخوض في الحديث عن هذه التيارات الفكرية وموقفها من هذا المفهوم ، لا بد من الحديث عن أسباب ظهور مفهوم المجتمع المدني في الوطن العربي في هذا الوقت تحديداً، وهذا النمو الكمي في عدد المنظمات غير الحكومية العربية في الوطن العربي ،من أقل من 20 ألف في منتصف الستينيات إلى حوالي 70 ألف في اوآخر ثمانينات القرن العشرين (4). 1 –أسباب نشوء وانتشار المفهوم في الوطن العربي على شكل منظمات غير حكومية :- أ- أسباب سياسية : انتشر مفهوم المجتمع المدني بوصفة تعبيراً عن ميلٍ معارضٍ لدى البعض للسلطة السياسية في الوطن العربي ، فقد تزامن البحث عن البديل للدولة التسلطية العربية ،مع النقاش الدائر غربياً منذ ثمانينات القرن العشرين ، بدءاً من الأزمة البولندية (حركة التضامن ) (5) ، حول دور المجتمع المدني في مواجهة الدول الشمولية ،فتم إستحضار هذا النقاش إلى الساحة العربية بعد نفاذ صبر فئات واسعة في المجتمعات العربية من تحمل الاوضاع القائمة دون أن يقدم بديلاً سياسياً ديمقراطياً في العمل السياسي ،وذلك بعد الإخفاقات على المستوى القومي العربي ومسلسل الهزائم والإنكسارات العربية في مواجهة الكيان الصهيوني ،وحرب الخليج الثانية ،وتنامي قوه الحركات الأصولية ،بالإضافة إلى التطورات الدولية التي حدثت مع نهاية الثمانينيات واوائل التسعينيات التى شملت إنهيار الإتحاد السوفياتي والمنظومة الإشتراكية ككتلة وحلف ،وما تبع ذلك من اختلالات في طبيعة وتركيب المجتمع والنظام الدولي وتفكك اوروبا الشرقية إلى دول عديدة بنيت على اسس ديمقراطية (6) ، فكان لهذة الأحداث أكبر الأئر في جلب هذا المفهوم إلى الساحة العربية ،أملاً في أن يكون الحل السحري لمواجهة الدولة العربية التسلطية ،على غرار ما حصل في اوروبا الشرقية . ب - تراجع دور الدولة في التنمية الوطنية وتلبية احتياجات الأفراد والجماعات المحلية : لقد أدى خضوع الدولة العربية لسياسات المؤسسات الرأسمالية والدولية ( صندوق النقد والبنك الدولي ) من اجل الحصول على مساعدتها في إعادة جدولة المديونية الخارجية وإخراجها من أزمتها الاقتصادية ، إلى انسحاب الدولة الوطنية من مجالات الانتاج والخدمات وارتفاع أسعار السلع والخدمات وظهور المشكلات الاجتماعية مثل البطالة والفقر، في الوقت الذي كان فيه تزايد للاحتياجات بالنسبه للطبقتين الدنيا والمتوسطة الصغيرة والمتمثلة بالاساس في الخدمات الاجتماعية والاقتصادية ، فجاءت الجمعيات الاهلية والمنظمات غير الحكومية لتسد الفراغ الذي احدثته الدولة في انسحابها عن تقديم هذه الخدمات (7) ، وبالتأكيد أن الدولة لم يكن لديها ما يمنع من إنشاء هذه المنظمات - ان لم تشجع على إنشائها أصلاً - للتخلص من هذا العبء الذي يقع على عاتقها . ج- المطالبه بالتعدديه السياسية والثقافية :- كانت هناك احتياجات متزايده بالنسبه للطبقتين المتوسطة والعليا في المجتمعات العربية ، خصوصاً بعد اتساع نطاق التعليم وازدياد عدد الأكاديميين والمثقفين ، تتمثل في المطالبة بالتعددية السياسية والثقافية وحرية التعبير وحق المواطنين في إقامة تنظيماتهم السياسية والنقابية والاجتماعية والثقافية للدفاع عن مصالحهم وتحسين احوالهم المعيشية (8) ، والدولة ايضاً في هذه المره لم تمانع من إنشاء مثل هذه التنظيمات - طالما انها لا تمس بشرعية وجودها - حيث نظرت إليها كتعويض - قد يكون مرضيا لطبقات المجتمع - عن إنسحابها من دورها السابق في الانتاج والخدمات ، من اجل تلطيف حدة المشاكل الاجتماعية ومحاوله إعاده تعزيز شرعيتها التى باتت على حافة الهاوية . هذه الأسباب وعلى رأسها مواجهة الدولة التسلطية العربية ، ادت إلى ارتباك وإنقسام وقع فيه الفكر العربي عند تعامله مع مفهوم المجتمع المدني . 2- موقف الإتجاهات الفكرية العربية من مفهوم المجتمع المدني : - الإتجاه الأول : الإستدعاء الحرفي لآخر ما إنتهى اليه المفهوم في الغرب : وبسبب عزوف أنصار هذا الاتجاه عن تأصيل المفهوم وإعراضهم عن إستنباته عربياً وإكتفائهم بإستدعائه في آخر صيغه له توصل إليها الغرب (المنظمات غير الحكومية )، فقد أقاموا تعارضاً قاطعاً بين المجتمع المدني والدوله على أساس ان ضعف الثانيه شرط قيام الاول ، وهو ما يتنافى مع نشأه وتطور المجتمع المدني في الغرب الذي كان بموازاة الدوله القويه وبمواجهتها (9 ) ، بمعنى ان المجتمع المدني ليس نتاج هدم او تراجع الدوله او زعزعتها ، وانما هو نتاج تحديد العلاقة بينها وبين المجتمع المفترض فيه ان يكون مصدر شرعيتها ، وإعراض أنصار هذا التيار عن قراءه الواقع واكتفائهم بالرجوع إلى مرجعيتهم وحدها ( استدعاء المنظمات غير الحكومية بالمنظور الشكلاني ) ، ومحاولتهم إدخالها إلى حيز التطبيق ، في ظل مجتمع تشكل الجماعات العضوية القبلية والطائفية والمذهبية وغيرها لحمته وبناءه الاساسي ، ادى ذلك إلى تكريس الطبيعة العضوية لتلك الجماعات ، وتدمير حقوق المواطنة التي تعتبر شرطاً ضرورياً لقيام المجتمع المدني ، وبالتالي فعدم تأصيل المفهوم عربياً ، او بمعنى آخر عدم ربطة بمركباته الآخرى التي تشمل المرور بعمليات كثيرة منها ، تفكيك الجماعات العضوية وتكريس حقوق المواطنة ، وحقوق المشاركة في الشؤون العامة ، وكذلك الحقوق الاجتماعية للمواطنين ، ادى إلى فقدان المنظمات غير الحكومية لمضمونها وفاعليتها في محاولتها لتحقيق المجتمع المدني ، فالخطاب الاسلامي المعتدل حول الديمقراطية مثلاً ، حاول تأصيل مفهوم الديمقراطية اسلامياً بأنها " قيمه اسلاميه بدليل الشورى التي هي جزء من العقيده " (10) ، بغض النظر عما واجهه من انتقادات . الإتجاه الثاني : الرافض للفكر الغربي : وأنصار هذا الاتجاه حاولوا إيجاد مفاهيم وتصورات بديلة للمجتمع المدني ، تستمد مشروعيتها في نظرهم من كونها تنتمي إلى تجربة هذه الأمة ، مثل المجتمع الاهلي محل المجتمع المدني، والجماعة بدلاً عن المجتمع ، والمؤمن في مقابل المواطن ، والإجماع بدلاً من الرأي العام . وحقيقة الأمر أن علاقات المجتمع الأهلي تشتمل على السمات التي تميز المجتمعات التقليدية – التي لم تدخل الحداثة الراسمالية الكليه – من طائفيه وقبلية وإثنيه ومذهبية وعائليه وغيرها ، وهي علاقات اجتماعية تراتبيه قسرية ، حيث لم تتفكك هذه البنى في نطاق دوله قائمة على المواطنيه (11) ، وترتب على ذلك منظومة قيم معينة ، رتبت حقوق وواجبات وامتيازات ومسؤوليات بحسب التقسيمات الاجتماعية الموجودة في المجتمعات الاهليه التاريخية ، التي يقسمها د. صادق العظم إلى اربعة تقسيمات كبرى ( الحر والعبد ، الرجل والمرأه ، المسلم وغير المسلم ، الخاصة والعامة ) (12) ، وهذا يناقض تماماً المجتمع المدني الذي تتمركز العلاقات الحاسمة فيه حول علاقات المواطنة التي تميل لأن تكون مدنية ، طوعية ، تعاقدية ، حقوقية ، مساواتيه ، وبذلك يلغي المجتمع المدني التقسيمات الاربعة التي يختص بها المجتمع الأهلي . وقد يقول أنصار هذا الإتجاه بأن المجتمع الاهلي كان قد تميز بإستقلال نسبي كبير عن الدولة ومؤسساتها ، وقيامه بأدوار التنظيم الاجتماعي والتعليم وتقديم بعض الخدمات الصحيه والاجتماعية وغيرها عبر مؤسساته المتجذره في التاريخ مثل الوقف والزكاه والجوامع وغيرها ، مما يعني انه وفر نوعاً من الحماية والامن للمواطن الفرد وحماه من تعسف السلطه ومنحه قدراً من الحرية ، إلا أن ذلك يرد عليه بالقول ، من جانب اول ، ان هذه المؤسسات كانت خيريه الطابع وبالتالي فهي تختلف عن العمل غير الحكومي الذي يهدف إلى التأثير على السياسه والتخطيط ، ومن جانب ثاني ، فإن القول بأن المجتمع الاهلي وفر الحريه ، هي مقوله مغلوطة لأن هذه الحرية مورست " بشكل غير واعٍ وخارج الدوله وفي غيابها " ، " أما حيث وجدت الدوله فتتآكل الحريه وممارستها ويزداد الوعي بها " (13) ، وهو ما يتنافى مع المجتمع المدني الذي دخلت الحريه فيه المجال السياسي ، مجال الدوله . وبالتالي إن ما قام به أنصار هذا الاتجاه هو مجرد تعويض وهمي ، لان المجتمع الاهلي ، من جانب ، يفتقر إلى وجود أهم الاركان التي يقوم عليها المجتمع المدني ، الا وهو المواطنة ، وما يترتب عليها من حقوق اساسيه كالمساواه والحريه والاستقلال الذاتي للفرد ، ومن جانب آخر ، إن ما حصل في إطار المجتمع العربي في القرن الأخير من تغير شامل في نظم الانتاج والاستهلاك وفي طرق التعبير ونظم الاخلاق والمطامح والآمال وغيرها ، يجعل التفكير في المجتمع الاهلي كوعاء لإستيعاب هذا التغير ، تفكيراً لا يمت للواقع بأيه صله . الإتجاه الثالث : التوفيق بين التراث العربي والمجتمع المدني الحديث : يذهب أنصار هذا الاتجاه التوفيقي إلى التفتيش في التراث العربي ، علهم يجدون فيه ما يوازي مفهوم المجتمع المدني الحديث (14) ، وقد توقفوا عند بعض البؤر والمؤشرات الجزئيه ، والتي تعتبر " وثيقه المدينه " او " الصحيفة " من اكثرها تعبيراً ، حيث تنطوي على تنظيم للعلاقة التي تجمع كافه الفئات والاديان التي كانت متواجده في المدينه المنورة ، إضافة إلى المهاجرين والانصار الذين شكلوا النواه الاولى للمجتمع العربي في ذلك الوقت . وتعود أهميه هذه الوثيقة – بنظرهم – إلى ما تحمله من عناصر عامه ، قد يكون في إعادة قراءتها من جديد أن تفصح عن دلالات معاصره ، تصلح لأن تكون إرهاصاً لمجتمع مدني عربي معاصر ، وهذه العناصر الهامة تتمحور في ثلاث نقاط – بحسب رأي د. كريم ابو حلاوه – " 1- الإقرار المتبادل بوجود الآخر وبشرعيته الكامله ، 2- التعـاهد عـلى عـدم الاعتداء من قبل احد الاطراف على الآخر 3- الاتفاق على بناء مجتمع لا يتحدد الإنتماء اليه على أسس دينيه فقط " (15) أما الدلالات المعاصرة التي قد تفصح عنها هذه العناصر فهي ، قدرة الاسلام على إداره شؤون الحكم والمجتمع ، وإداره التحالف والصراع وفق صيغ وقوانين وضعيه ، وإمكانيه قراءه التجربة الاسلاميه وتاويلها من مواقع فكريه وإجتماعيه متعدده بعيداً عن الإدعاء بإحتكار الحقيقه او أحاديتها . أما البؤره الأخرى التي أشار إليها أنصار هذا الاتجاه ، فهي التي وجدوها في " السياسه المدنيه" عند ابن خلدون ، بالإضافة إلى فتره الازدهار العربي في عهد المأمون ، وبعض افكار المجتمع المدني التي طرحها مفكروا عصر النهضة من دون استخدام الاسم الصريح له.(16) اعتقد بأن تبني مثل هذه الطريقة في التوفيق لن يكون ذا فاعليه في تأسيس مجتمع مدني عربي ، لان هذه البؤر والمؤشرات كانت مختلفة الدلالات ، ومتباينه المعاني وتفتقر إلى الترابط الزمني والمكاني وبالتالي لن تتمكن من تشكيل تيار متجذر ومنسجم سياسياً وفكرياً في داخل فكر عربي واحد . ما أريد التوصل اليه ، أن الوطن العربي يعاني من إشكالية حقيقية في مرجعيته الفكريه العربيه المعاصرة حول مفهوم المجتمع المدني ، هذه الإشكالية التي تعتبر عائقاً اساسياً امام تكوين المجتمع المدني العربي ، فمما تقدم شرحه ، يتضح لنا بأن مجتمعاتنا العربيه في ظل هذه المرجعيه الفكريه ، تواجه خيارين لا ثالث لهما ، إما استدعاء جاهز لنماذج المنظمات او المؤسسات المدنيه في الغرب ، وإما الاعتماد على المؤسسات او البنى التقليدية الموجودة في مجتمعاتنا العربيه ، وبالتأكيد انه في كلا الخيارين لا مجال لتكوين المجتمع المدني ، ففي الخيار الاول ، فكما لا يمكن إستيراد الأمة كذلك لا يمكن استيراد المجتمع المدني ، على إفتراض أن الأمة هي – كما يقول عزمي بشاره – " الوجه الآخر للمجتمع المدني " (17)، وفي الخيار الثاني لا يمكن انشاء مجتمع مدني من خلال مؤسسات وبنى تقليدية ، لانها لم تدخل الحداثة الرأسماليه التي تعتبر من الشروط التاريخيه لعمليه بناء المجتمع المدني في الغرب . العائق الثاني :- الدولة العربية التسلطية :- كنت قد أشرت سابقاً الى أن المجتمع المدني الغربي لم ينشأ من ضعف الدولة ، وانما كان وليد قوتها وحداثتها ، فالدولة ظهرت الى الوجود بإزاء مجتمع زراعي تقليدي ، وبعد ذلك تطورت الى دولة حديثة من خلال مرورها بمجموعة من العمليات مثل ، بناء الجيش ، الجهاز الاداري ، نظام التعليم ، الانتاج الحديث ، الخدمات الحديثة ، التحول الرأسمالي ، التصنيع ، البرجوازية ، روابط اجتماعية جديدة ( نقابات ، اتحادات ، منظمات .. الخ ) ، الطبقة الوسطى وغيرها من العمليات ، قادت في النهاية الى خلق المجتمع (18) ، بمعنى ان المجتمع المدني كان بموازاة الدوله الحديثة ، يسيران جنباً الى جنب ، وبالتالي فهناك علاقة جدليه بين المجتمع المدني والدولة لا يجوز التفكير في فك الارتباط فيما بينها ، فنفي المجتمع المدني للدولة وإقصاؤها لا يقل خطورة عن نفي الدولة للمجتمع المدني وتهميشة ، فكلاهما يشكلان معادلة الوجود الاجتماعي ، فالدولة ( المجتمع السياسي ) يوجة قطاعات المجتمع المدني المختلفة عبر الآلية القانونية والقضائية للدولة ، بما يكفل حق افراده وحريتهم في المبادرة والعمل وفقاً للدستور ، وفي نفس الوقت يمنح المجتمع المدني المشروعية للمجتمع السياسي أو السلطة السياسية بما يعني بقائها واستمرارها. وبالتالي فإن إقصاء أحد اطراف معادلة الوجود الاجتماعي ( المجتمع المدني ،المجتمع السياسي ) للآخر ، يؤدى بالضروره ، إما الى حرب اهليه بوجوهها الطائفيه والعشائريه والقبليه وغيرها فـي حالة إقصاء المجتمع السياسي ، وإما الى الاستبداد المطلق بشؤون المجتمع وبناه ومؤسساته في حاله إقصاء المجتمع المدني ، وهذا يعنى أن المهم هو تنظيم العلاقه بين المجتمع المدنى والمجتمع السياسى بما يخدم ويطور المجتمع ككل (19) . إن ما حصل عربياً وبكل بساطه ، كان عباره عن عمليه إقصاء وتهميش لاحد اطراف الوجود الاجتماعي ( المجتمع المدني ) من قبل الدوله العربيه التسلطيه من خلال تحكمها بالمجتمع ككل فقد بات من المعروف للجميع بان التركيبه التسلطيه – القمعيه ، هي تركيبه تشترك بها معظم الدول العربيه - إن لم تكن جميعها - ، وما ترتب على ذلك من تقيد لحركه المجتمع وتنظيماته المختلفه - ان سمح بوجودها اصلاً - ، والحد من حريات الافراد المدنيه والسياسيه ، وانتهاك لحقوق المواطنه ، وحقوق الانسان الاساسيه ، وغيرها من الممارسات القمعيه التى كانت تتم بالعاده بإسم القانون والامن والنظام العام والمصلحه الوطنيه والقوميه وغيرها من ألاغطيه الزائفه ، وهكذا كما يقول د .جورج جقمان " تبتلع الدوله المجتمع وتهيمن عليه وتكبح جماحه وتقيد أنفاسه " (20) . وبهذه التركيبه التسلطيه ، اصبحت الانظمه الحاكمه العربيه تملك (السلطه والثروه ) ، فزادها ذلك - للمحافظه على وجودها الغير شرعي أصلاً - إستبداداً وقمعاً . لن أخوض فى تفاصيل أصبحت معروفه لكل من يعنيه الواقع العربى - على الرغم من أهميتها - فيما يتعلق بولادة الدول العربيه الجديده - على يد القوى الاستعماريه الغربيه - وما رافقها من مشاكل وتحديات داخليه وخارجيه ، والنمو المشوه للدوله العربيه ، وإدارتها الفاشله للصراعات الداخليه والخارجيه (21 ) ، وإنما الأهم من ذلك وهو ما يعنينا فى هذا المقام - من وجهة نظري - هو معرفة كيف إستطاعت الدوله العربيه التسلطيه أن تكون عائقاً أمام تكوين المجتمع المدنى عربياً ، أعتقد بأن القول أن القوه البوليسيه والإرهاب المباشر الذى مارسته الدوله التسلطيه على المجتمع كان عائقاً أمام تكوين المجتمع المدني ، هى مقوله صحيحه بلا شك إلا أنها غير كافيه لمنع تكوين المجتمع المدني ، فهناك عوائق أساسيه أخري فرضتها ممارسة الدولة لدورها التسلطي تتمثل فيما يلي : 1- فشل الدوله العربيه فى بناء الأمة : - لابد بدايةً من إعادة التذكير بأن المواطنه كانت الشرط الضروري لبناء المجتمع المدني في الغرب ، على اعتبار " انها الثمن الضروري والحتمي لتكوين ولاء جديد يمحو الولاءات العصبويه السابقه " (22) ، وفى نفس الوقت مثلت المواطنه أساس الفكره القوميه الحديثه (الأمة ) ، وهذا ما يجعلنا دائماً نقول بأن الأمة هي الوجه الآخر للمجتمع المدني ، فمفهوم الأمة غربياً - التي هي تعبير عن أكبر تطور وصلت له الدوله ، أي الدوله القوميه المعبره عن الأمة - لم يكن في الإمكان أن يتبلور إلا بالقضاء على مفهوم السلطه الابويه (اساس الدوله الاقطاعيه ) الذي كان يقوم على اخضاع الافراد لهذه السلطه (كرعايا ) وليس (كمواطنين ) ، على إعتبار أن هذه السلطه هى مصدر السياده وليس الشعب أو الأمة (23) ، وبالفعل تم القضاء على هذه السلطه بفضل البرجوازيه الاوروبيه ، وإرتبطت سيادة الدوله -الأمة ، بسيادة الطبقه البرجوازيه ذات الإحساس بالحريه التي مهدت الطريق امام التعبيرات الاجتماعية المناقضه للدوله ، حيث انتقلت من حرية السوق الي حرية سياسيه وايديولوجيه ، وهذا ادى الى نشوء الاختلافات بداخل الدوله التي استطاعت التحكم بها عبر السماح بتعبيراتها العلنيه أو بمعنى آخر نما على هامش المجتمع السياسي البرجوازي ، التنظيم المدني للمجتمع . وبالتالي فمفهوم الأمة تحقق من خلال تعميق الولاء للدوله القوميه (المعبره عن الأمة )هذا الولاء القائم على أساس المواطنه وما ترتبه من حقوق ، وليس الولاء للملك أو الكنيسه ، وذلك بعد إعاده رسم العلاقـة بين الدولة والمجتمع والفرد بحيث تصبح " الفرد – المجتمع – الدوله " (24) ، وهو ما أدى الى بناء الدولة الديمقراطية القائمة على " السيادة الشعبية ، التعددية السياسية والمعارضة ، الفصل بين السلطات " (25) . الدوله العربيه لم تسر وفق النموذج الاوروبي ( الديمقراطي ) في التطور ، فظلت تنتمي الى عالم ما قبل البرجوازية وسيادتها ( السلطة الابوية ) ، وأنشات الدوله الوطنية – الشمولية التي كانت امتداداً سياسياً وواقعياً لـ " الاستبداد الشرقي " ( 26) ، وتحولت الدوله العربيه الي أداه لكبح التعبيرات الاجتماعية المناقضة للدوله ، معتبرهً نفسها الممثل الكلي للمجتمع ، ونظرت إلى كل من يعارضها بأنه يعارض المصالح النهائية للمجتمع ، فعمت ايديولوجيتها الشموليه لتكبح حرية المجتمع وحقه في التعبير عن الاختلاف ، وهكذا وحدت على نحو كلي المجتمع السياسي بالمجتمع المدني ، وذلك بحجة قيامها بدور اجتماعي واقتصادي توسعي ، وتحقيق طموحات قومية ( الوحده العربيه وتحرير فلسطين ) ، فتم إستغلال الايديولوجيات القومية والاشتراكية والوحدويه ( والاسلامية في بعض الاحيان ) للدعاية والتعبئة السياسية تأييداً للنظم الحاكمة (27) ، وكان هذا كله على حساب بناء الأمة وتحقيق المواطنه ، فلا أمة بنيت ولا مواطنة تحققت ، وفي نفس الوقت لم تقم الدوله بدورها الاقتصادي والاجتماعي وفشلت في تحقيق الطموحات القوميه التي كانت تنادي بها ، وانتشر الفساد والتخلف والتجزئه والتبعيه ونزعت السياسيه من المجتمع ( 28 ) ، وكرست الولاءات التقليديه التى وجدت فيها الدوله أفضل من يقدس مبدأ الطاعه والإمتثال ، فأعطتها الحيز الكافي لتكسب ثقتها وتهيمن عليها ، وبالتالي فالولاء لم يكن للأمة لانها لم تبنى اصلاً ، فأساسها المتمثل بالمواطنة لم يتحقق في ظل الدولة التسلطية ، وبالتالي فالنهوض بمشروع الأمة العربيه يمكن الاجابه عليه بكلمه واحدة ( فشل ) ، وهذا ادى الى عبادة وتقديس الدوله او بالأحرى السلطة وايديولوجيتها ، عوضاً عن الولاء للأمة وإرادتها الواحده ، والسبب في ذلك بكل بساطة ، يجيب علية د. برهان غليون في معرض حديثة عن سلوك النخبـة البرجـوازية الجديـدة ( الاشتراكيون والشيوعيون ) التي اعتمدت الثورة مشروعاً للتحديث والنهوض بالأمة ، بقولة أن هذه النخبة " ارادت أن تحقق هذا الولاء (ولاء الافراد والمجتمع للدوله ) من خلال تحويل المجتمع ذاته وتحديثه بما يتفق مع الدوله الحديثه التي أتت بتصورها ومفهومها من خارج المجتمع وفرضتهما عليه " (29) ، وهو ما أدى الي ولادة الدوله الشمولية . 2- تحكم الدوله العربية بالإقتصاد الريعي ( الدوله الريعية ) :- يعتبر الاقتصاد الريعي ، الذي يعتمد بشكل اساسي على الريع الذي يأتية من الخارج ( تحويلات مـن الاقتصاد الخارجي دون أن يفترض وجود قطاعات انتاجيه محليه مهمه ) ، أحد أهم القواعد الاساسيه التي تستند عليها الدوله العربيه في استبدادها السياسي ، وإحتكارها للإقتصاد ، وهيمنتها على المجتمع ككل ، ومنع تحقيق المجتمع المدني ، لما يعطيه هذا الاقتصاد من قوه ، للدوله الريعيه بحيث يمنحها مجالاً واسعاً للمناوره في علاقتها مع المجتمع ، فالدوله الريعيه التي تتحكم بها فئة محدودة من المجتمع ، تحصل بشكل مباشر على عناصر الثروه ( الريع الخارجي ) وتعيد توزيع او استخدام هذه الثروه الريعيه على الغالبيه من السكان ، بمعنى أن دور الغالبيه العظمى من السكان يقتصر على استخدامات هذه الثروة ، وبالتالي فتركيز هذه القوة الاقتصاديه في يد عدد محدود ( الحكومة ) ، يمكّنها ذلك من الاستحواذ على السيطره السياسه ، وهذا بدوره ينعكس في أنماط خاصة بالسلوك الاقتصادي والاجتماعي لمختلف الفئات الاجتماعيه (30) . أن الحقبة النفطية في السبعينات ، كان لها دوراً اساسياً في إبراز وتطور الصراع بين المراكز الانتاجيه والمراكز الريعية في المنطقه العربيه ، والتي إنتهت لصالح المراكز الريعية ، مما إنعكس على أنماط السلوك في القطاعات الانتاجية ذاتها ، وهكذا فإن حقبة النفط خلقت اقتصاداً نفطياً ريعياً ، شمل معظم الدول العربيه ، سواء كانت المنتجة للنفط او الغير منتجة له وبهذا اصبحت الوظيفة الاساسية للدوله العربيه الريعيه هي تقديم الخدمات وتوزيع المزايا والمنافع على افراد المجتمع ، وهذا أثر بدوره على تشكيل علاقات المجتمع على نحو يسمح للمصالح الخاصة والفئات الاجتماعية المختلفة بالحصول على أكبر قدر من إعادة توزيع الريع المتحقق لدى الدولة ، فلم تكن المواطنة هي المعيار الاساسي في تشكيل هذه العلاقات ، كما أثر على نظرة الافراد ( المستهلكين ) لحقوقهم في المشاركه السياسيه حيث اصبحوا أقل تشددأ في المطالبة بهذه المشاركة ، فهي إن وجدت كانت منحة من الحاكم. أن خصوصية الدولة الريعية تكمن في تضخيم جهاز الدولة ، وتخفيض إعتمادها على المجتمع ، وقد أدى وجود النمط الريعي للدوله إلى " إنشاء حلقات من الشرائح الريعيه " (31) ، التي تتبادل الكسب لمجرد توزيع المزايا ، فلم يكن هناك فصل بين الحيز الخاص لهذه الشرائح ( الحاكم وعائلته واقربائة وكبار الموظفين ….الخ ) والحيز العام للدولة ، وبالتالي كان هناك انعدام العلاقة مجتمع مدني – دوله . وإمتد تأثير الدولة الريعية ( الدول العربية المنتجة للنفط ) الى الدول العربية الأخرى ، بواسطة الدعم المالي الذي قدمتة الدول الخليجية ، ومن خلال عائدات العمال العاملين في الخليج ، ومن خلال ما عرف بريع المواقع " الأهمية الاستراتيجيه للدول المجاورة للدول النفطيه ودورها في حفظ الاستقرار والامن" (32 ) ، والمعونه الاجنبيه ، وهذا كله أضفى صفة الدوله شبه الريعيه على الدول غير النفطيه ، والتي كان لها نفس آثار الدول الريعية . إذاً في الدول الريعيه وشبه الريعيه ، كان هناك سيطرة قسرية للمجتمع السياسي على الاقتصاد ، وترتب على ذلك تبعية المجتمع ككل لعلاقات القسر السياسيه التي تملك الدوله جميع خيوطها ، وهو ما يتنافى مع الشروط التاريخيه الخاصة بتكوين المجتمع المدني في الغرب ، الذي يخلق إلا بعد تحرير النشاط الاقتصادي من السياسي ومن التبعية لعلاقات القسر السياسية ، " فأقام شكلاً جديداً للسلطة الاجتماعية نقلت بموجبه العديد من وظائف الدوله الى الخاص أو بمعنى آخر خصخصة السلطــة العـامة ". (33) 3- البيئة القانونية في الدول العربية التسلطية :- اذا كان المجتمع المدني هو ذلك الحيز المستقل نسبياً عن الدوله والذي يسمح للافراد بممارسة نشاطاتهم ، فإن القوانين هي التي تضمن هذا الاستقلال النسبي وتنظيم العلاقة بين المجتمع المدني والدولة ، هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، فهي التي تضمن وجود هذا الحيز وتوسيعة أو تضييقه ، وبشكـل أكـثر دقـة ، مضمون هذه القوانين من حقوق وحريات ، فهذا المضمون بما يحتوي من حقوق وحريات مستقره يجعل حيز المجتمع المدني مستقراً ، ويساعده في ذلك مبدأ الفصل بين السلطات ، الذي يضمن هذه الحقوق والحريات وإستمرارها الى جانب القضاء المستقل والنزية ، كما أن منظومة الحقوق ( المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ) تعزز وتسهم في تعميق الانتماء الوطني ، هذا الانتماء الذي يؤدي الى تحقيق المواطنة التي تعتبر الشرط الضروري لبناء المجتمع المدني (34) ، وبالتالي فالقوانين مهمة والأهم منها هو مضمونها لان الاعمدة التي يقوم عليها المجتمع المدني هي الحقوق التي تمنح الحريات . عربياً ، يمكننا توصيف البيئة القانونية فيها بأنها لم توفر شروطاً قانونية كافية لحماية الافراد او الجماعات المختلفة ، اذ تسيطر على الحكم فئات إجتماعيه إنفصلت مصالحها عن مصلحة الشعب ، وباتت تعبيراً صارخاً عن اللاقانونية واللاشرعية ، لذلك نراها تعطل الدساتير وتعلق القوانين ، بالاحكام العرفية وبقوانين الطوارئ وبالاعراف العشائرية(35) ، ونراها تشرع القوانين التي تكرس البنى التقليدية للمجتمع (36) . لن ادخل في تفاصيل انتهاكات وتقييد الانظمة العربية. للحقوق والحريات ( فهي كثيرة والحمد الله وباتت معروفة للجميع ) ، وإنما سأثير ما قد يكون غائباً عن الاذهان لدى الكثير من المثقفين العرب ، بأن الكثير من هذه القيود والانتهاكات للحقوق والحريات وتجاوز القوانين ، التي تقوم بها هذه الانظمة ، تكون بالاستناد الى القوانين نفسها ، وعلى رأسها الدستور ، فمعظم الدساتير العربية تضم فصولاً خاصة بالحقوق والحريات الاساسية لمواطنيها ، فهل هي بذلك وفرت – على الاقل – الحماية التشريعية لهذه الحقوق ؟ ، لا بد من توضيح ركيزة مهمة ، يؤدي إهمالها الي عدم توفير الحماية التشريعية – وبالتالي عدم توفير الحماية العملية – لحقوق المواطنين وحرياتهم ، حتى لو تم تضمين الحريات والحقوق في الدستور . تتمثل هذه الركيزة بالصياغة الدستورية للضمانات المتعلقة بحقوق الافراد وحرياتهم ، فحتى يضمن الدستور حماية فعلية لهذه الحقوق والحريات ، يجب أن تكون هذه الصياغة بشكل دقيق ، وواضح ، وبشكل قانوني محدد ، تعبر عن مفاهيم يمكن الإستناد إليها أمام القضاء في مواجهة السلطة وتعسفها وانتهاكاتها لحقوق المواطنين وحرياتهم ، فإستخدام لغه ومفردات يسهل تاويلها والتلاعب بها أو وضع شروط تؤدي الى فرض قيود من داخل الضمانات الدستوريه نفسها ، يحول دون تمتع الافراد بحقوقهم وحرياتهم ، لان مثل هذه اللغة او الصياغة – كما هو الحال في الدساتير العربية – تعطي الانظمة الحاكمة وبشكل قانوني ، مجالاً واسعاً من الحرية في التحكم بهذه الحقوق والحريات وانتهاكها (37) . بقي أن نقول انه في ظل دوله تسلطية استبدادية – وهي حالة الدولة العربية – تمس جوهر وصلاحيات السلطات التشريعية والقضائية ، ينتج عن ذلك تغييب المراجعه القضائية المستقلة لاعمال الادارة وهذا يسأهم بشكل كبير في فقدان الحقوق والحريات ، هذا بالاضافة الى عدم خضوع التشريعات التي تصدرها الدولة ، للرأي العام المتكون عبر النقاش العقلاني الحرالذي يسعى الى تحقيق الموازنة بين المصلحة العامة والمصلحة الخاصة .
العائق الثالث : المجتمع العربي التقليدي : لست بحاجة الى القول بأن علاقات المجتمع العربي تشتمل على الخصائص التي تميز المجتمعات التقليدية ( ما قبل الحداثة ) من عشائرية وقرابية ودينية وعرقية … ، فهذا القول اصبح من المسلمات ، ولكنني بالتأكيد بحاجة الى القول ، بأنة قد ترتب على ذلك ، أن علاقات المواطنة في داخل هذا المجتمع ، هي علاقات تراحمية ، عضوية ، قرابية ، دينية ، قبلية ، وليست علاقات مدنية ، طوعية ، تعاقدية ، حقوقية ، مساواتية ، لذا فدلالات المواطنة كرابطة لم تزيل روابط الدين والعرق والايديولوجا ، وبالتالي لم تتفكك هذه البنى العضوية الى مواطنين لهم شخصياتهم الحقوقية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، بمعنى آخر لم تتحقق المواطنة الضرورية لقيام المجتمع المدني ، في ظل البنى العضوية التقليدية . فرابطة المواطنة العربية – إن صح التعبير – اصبحت تقوم على منافع وحقوق مادية محدده ، يطالب بها المواطن في مجالات الصحة والتعليم والخدمات الأخرى ، أي بمعنى انه تم التركيز على الحقوق وليس الواجبات ، وهذا عمق من دور الدولة في التوزيع السلطوي للقيم ( المادية والمعنوية ) ، على افراد المجتمع والجماعات المختلفة فيه (38 ) ، وبذلك اصبحت البنيات الوظيفية للمجتمع تقوم على الطاعة والامتثال والرعاية ، وهي أسس تناقض الحق والديمقراطية والاستقلال الذاتي . ما اود التركيز عليه في هذا الموضوع ، هو تلك الاسس التي يقوم عليها المجتمع العربي التقليدي ، وما تتضمنه من قيم ومبادئ تتناقض مع القواعد الاساسية التي يقوم عليها المجتمع المدني ، ، فالمجتمع العربي التقليدي يقوم – بتقديري – على ركيزتين اساسيتين ، هما :- الركيزة الاولى : العقلية البطركية ( الابوية ) : على الرغم من ان الوطن العربي قد مر بتحولات اجتماعية واقتصادية واسعة خلال العقود الاخيرة ، إلا أن العقلية البطركية لا تزال تتحكم بالكثير من حلقات ودوائر المجتمعات العربية ، فعلى الرغم من التفاوت النسبي في درجة إمساك هذا العقل بالبنية الاجتماعية من بلد عربي الى آخر ، ومن وسط ثقافي معين الى وسط ثقافي مختلف ، إلا أن سمات هذا العقل ما زالت هي الواضحة على اكثر من صعيد اجتماعي وثقافي وتربوي (39) . وترى د. فهمية شرف الدين ، أن السبب الرئيسي لهذه العقليه الابوية ، هو المنظومة التربوية السائدة في المجتمعات العربية والتي تعني هنا " نظام القيم الذي يخترق العلاقات الاجتماعية وينعكس في نظم التربية والتعليم وقواعد الضبط والسلوك الاجتماعي " (40) ، بمعنى ان العقلية البطركيه تتشكل بالاستناد الى القيم الابوية التي تبدأ جذورها في الاسرة التي لا توافق على الحق المتكافئ لكل اعضائها في التعبير عن الذات ، ففي الاسرة تبنى علاقات ( المراتبية ) بحيث يمارس الذكور والاعضاء الاكبر سناً السلطة على الاناث وصغار السن ، فتغيب المشاركة والتكافؤ في صياغة واتخاذ القرارات ويسود منطق التلقي والتنفيذ ( الطاعة التي ينتج عنها التبعية ) ، فهذه العلاقات داخل الاسرة لا تسمح بإنتاج فرد مستقل قادر على المحاورة والمطالبة ، والأمر لا يتوقف عند حدود الاسرة ، بل تتصاعد وتيرة هذه البنية الابوية وتنتقل الى المدرسة والجامعة ومكان العمل والعشيرة … الخ ، فلا يسمح بحق الاختلاف والمعارضة ويمنع الفرد من التعبير عن نفسة ، وتتشكل النظرة السلبية نحو المرأة في التعامل معها من منطلق ( المقدس والمحرم ) ، وبالتالي فهذه القيم التربوية الابوية ، التي تنطلق من افكار الطاعة والتبعية كأساس للتنشئة الاجتماعية والتي تنبني عليها شبكة العلاقات الاجتماعية والسلطوية ، تلعب دوراً فعالاً في إعاقة بناء المجتمع المدني الذي يقوم على الحوار والاستقلال الذاتي . الركيزة الثانية : المؤسسة الدينية الرسمية وغير الرسمية :- بدايةً لا بد من توضيح فارق مهم بين الوظيفة الاخلاقية للدين ، - والتي هي ضرورية لاي مجتمع إنساني - التي تعمل على خلق الحوافز والروادع الذاتية للافراد ، وبين المؤسسه الدينية الرسمية التي هي مجموعة من البشر والقواعد والشعائر والطقوس ، والتي تدعي هي ، أو تسند اليها الدولة ، مهام الحراسة أو الوصاية على تطبيق صحيح الدين ، كما تراه هذه المؤسسة الدينية . حديثنا سيكون عن هذه المؤسسة الدينية ، التي تعتبر أحد أهم المرجعيات التي يعتمد على رايها افراد المجتمع العربي في علاقاتهم ومصالحهم وفي التعبير عن أراءهم وحرياتهم … الخ ، وهناك تناقض صارخ بين القيم والممارسات التي تعتبرها المؤسسة الدينية من صحيح الدين ، وبين قيم وممارسات المجتمع المدني ( كفضاء للحرية ) ، يجعل من تكوين الأخير في ظل هذه المؤسسة الدينية ، أمراً مستحيلاً ، فمثلاً المجتمع المدني يقوم على التعددية التي تنطوي على القبول بمشروعية إختلاف الآراء والمعتقدات وتنوعها ومشروعية الاطر التي تعبر عنها (41) ، وبالتالي ليس للمجتمع المدني قيم مطلقة – فحتى القيمة الاساسية للمجتمع المدني وهـي الحرية ، لا بد من تقنينها إجرائياً ، حتى لاتكون حرية فرد او افراد على حساب حرية فرد او افراد آخرين في المجتمع نفسة – فالحقيقة في المجتمع المدني هي دائماً نسبية ومتغيره ويتم إكتشافها مرحلياً بالحوار وتبادل المعلومات ، ولأن الحقائق متغيرة ، فإن المجتمع المدني بتنوعة ونسبيتة يعتمد على التسامح الذي يصبح احدى القيم والممارسات الشائعه ، وبعكس ذلك ،نجد أن المؤسسة الدينية حريصة على اعلاء شأن القيم المطلقة ، فالدين – في نظر تلك المؤسسة – هو المطلق الذي يستبعد كل ما هو نسبي وكل ما يختلف عنه او معه ، فكل دين يدعي إحتكار الحقيقة المطلقة ، وبالتالي فهو يستبعد من مجتمع المؤمنين به ، كل من يؤمنون بأديان آخرى ، وبالتأكيد أن هذه النزعة الاستبعادية ليست من صميم أي دين ، ولكنها تفسير المؤسسه لصحيح الدين . من المهم ان نذكر هنا ، بأن هناك صور من التدين الشعبي مثل الصوفية ، والتي تكون ممارساتها طوعية اختيارية ، وهناك التنظيمات الدينية المسيسه مثل حماس في فلسطين والتي ايضاً عضويتها اختيارية ، متغلغلة في المجتمع العربي – ولكنها لا تنتمي الى المؤسسة الدينية الرسمية – وتتحدث بإسم الدين ، وهناك من يعتبرها من ضمن تنظيمات المجتمع المدني لكونها مكتسبة أي غير إرثيه ، وعضويتها إختيارية ، إلا أنني أخالف هذا الرأي واعتبرها عائقاً أمام تكوين المجتمع المدني لسببين ، الأول : أنها تجنح لإستخدام العنف لتحقيق اهدافها السياسية ، وتلك مخالفة لأحد شروط المجتمع المدني وممارسته ، وهو اداره الصراع بشكل سلمي ، والثاني : إن هذه الفئات تستبعد فئات اجتماعية أخرى من التمتع بالحقوق الكاملة للمواطنة – مثل النساء وغير المسلمين - ، وهو ما يخالف قيم المجتمع المدني وممارساتة والتي تحترم التنوع والاختلاف ولا تجعل التجانس والتطابق من شروط المواطنة الكاملة (42) ما أريد التأكيد علية ، أن الركائز التي يقوم عليها المجتمع العربي وما يترتب عليها من قيم وعلاقات عشائرية ودينية وابوية … الخ ، تؤدي الى التعصب بكافه اشكاله وتجلياته ، وهو ما يتناقض مع مبدأ التسامح الذي ينطوي على فكرة التفأهم والعقلانية وأهمية الحوار والنقاش . فالتعصب الذي في جوهرة " نفي للآخر وإقصاء لرأية وصوتة ، وتمركز حول العقيدة او الايديولوجيا او الذات " (43) يؤدي فكرياً ، الى حجب حق التفكير ومصادره حرية الاعتقاد والتعبير ، ويسوغ سياسياً ، الانفراد بالحكم ومصادرة الرأي المختلف ، ويعني دينياً ، منع الاجتهاد وتحريم أي رأي مختلف .
العائق الرابع : المنظمات غير الحكومية بين مطرقة الدولة وسندان المجتمع :- اذا كانت الوظيفة الاساسية للمنظمات غير الحكومية ( تنظيمات المجتمع المدني ) ، هي الضغط على الحكومة للمسأهمة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، أو إذا كان الهدف الاساسي لها – كما يقول د . جورج جقمان –يكمن في " العلاقة بين تنظيمات المجتمع المدني وبين العمل على الحد من السلطة القسرية للدولة ، وتقييدها وإخضاعها للمساءله " (44) ، فإن المنظمات غير الحكومية العربية ( التي من المفترض أنها تشكل المجتمع المدني ) – والتي لم تحد من السلطة القسرية للدولة ولم تقيدها ولم تستطيع اخضاعها للمساءلة - ، قد عجزت عن تحقيق وظيفتها ، وبالتالي فشلت في أن تكون أو تمثل المجتمع المدني العربي ، فهي لم تستطيع أن تحقق مبدأ المواطنة أو بمعنى آخر لم تستطع أن تتعامل مع الفرد بصفته وحده حقوقية حره مستقلة امام الدولة ، ففقدت بذلك قيمتها وفاعليتها المنشودة ، ولا استطيع أن أجد وصـف لهذه المنظمات غير الحكومية ، افضل من ذلك الوصف الذي تحدث عنه د. عزمي بشارة بانها " الشرط الكافي لوجوده ( أي وجود المجتمع المدني ) الذي يكمل الشرط الضروري وهو وجود الفرد كذات حقوقية أمام الدولة " (45) ، وبما أنها فشلت في تحقيق هذا الشرط الضروري فلا يمكن القول بأننا امام مجتمع مدني عربي . ولكن السؤال المطروح هنا ، لماذا فشلت هذه المنظمات في تحقيق هذا الشروط الضروري ؟ أعتقد بأن هذه المنظمات غير الحكومية قد وقعت في صراع مرير بين الدولة العربية التسلطية من جهة ، وبين المجتمع العربي التقليدي الذي تمثلة الجماعات القرابية ( مثل الاسرة والعشيرة ) من جهه آخرى . ان المنظمات غير الحكومية ، متنوعة وليست على درجة واحدة من التبلور او القوة او الاستمرار او الأهمية ، لذلك فعندما تتساهل الدولة والجماعات القرابية مع بعض المنظمات ، فإنهما يفعلان ذلك ليس حباً بهذه المنظمات أو لكونها تشكل المجتمع المدني ، بل لان نشاطها الاهلي من المسموح به من وجهة نظرهم ، فلو كانت من تلك المنظمات – ذات النشاط السياسي الغير مسموح به – التي تحدث عنها د. جورج جقمان " الاحزاب والتنظيمات والاطر واللجان التي لها امتداد جماهيري وقاعدة تنظيمية تمنحها قوة كافية للوقوف امام السلطة " (46) لما تساهلت معها لا الدولة ولا الجماعات القرابية في المجتمع . وللتوضيح أكثر أقول ، مثلما أن الفرد لا رأي له في عضويتة لأسرته وعشيرته التي يولد فيها ، بل ولا رأي له في ما تورثة له الاسرة مثل ديانته ولغته وطبقته وتعليمة ، في المراحل الاولى ، فإنه كذلك لا رأي له في إختيار الدولة التي ستكون مسؤوله عن مواطنتة – طبعاً نحن لا نتحدث عن اكتساب مواطنة دولة أخرى - ، فهو ايضاً يولد فيها او تفرض عليه فرضاً بحكم مواطنة والديه ، فإذا كان هذا هو الحال ، فإن العلاقة بين الدولة والجماعات القرابية ، هي علاقة تقوم على اقتسام ولاء الفرد ، وهنا يدخل المجتمع المدني بمنظماتة المختلفة ليكون الفضاء الحر بين الجماعات القرابية والدولة ، والذي يدخلة الفرد ويخرج منه بملء ارادتة وحريتة ، ويمكن للدولة او للجماعات القرابية او لكليهما معاً ، أن يقوما بضغط هذا الفضاء او المجال الى أضيق الحدود ، من خلال مثلاً الاستحواذ على وقت الفرد او تحجيم حريته ، ولكن في نفس الوقت ، لا يمكن الغاؤة تماماً ، فيظل هناك هامش للحرية ، مهما كان ضئيلاً ، أمام الفرد يمكن له أن يفكر وان يشعر وأن يتحرك فيه . إذاً فضاء أو مجال الحرية حول الفرد ، هو ساحة للتنافس بين الدولة والمجتمع التقليدي الذي تمثلة الجماعات القرابية ( تحديداً الاسره والعشيرة ) والمنظمات غير الحكومية ، وهنا يبدأ الصراع بين هذا المثلث ، الذي يحاول كل ضلع فيه التأثير على الفرد لإجتذابة نحوة لكسب ولائة ، فالاسرة والعشيـرة تشكل للفرد رمز الحب والحنان ، وهي الأقرب الى قلبة ووجدانه بحكم النشأة والرعاية والذكريات المبكرة ، والدولة بالنسبة للفرد هي رمز السلطة ، وتوحي له بالحماية والامان ، وبالتالي فمن مصلحتة أن يحترمها أو يخافها وأن يلتزم بقوانينها ، أما المنظمات غير الحكومية او منظمات المجتمع المدني ، ففيها شيء من الاسرة ، وشيء من الدولة ، فيها من الاسرة بقدر ما تقدم للفرد من الالفة والرعاية ، وفيها من الدولة بقدر ما تقدم للفرد من المصلحة والحماية والخدمات ، والاهم من ذلك أنها الوحيدة التي توفر فضاء للحرية والجماعات القرابية ( الاسرة والعشيرة ) والدولة ، لا تمانعان من وجود مثل هذه المنظمات ، بل على العكس تشجعان على قيامها (طالما انها تحت رقابة الاسرة والدولة ) ، بشرط أن يكون نشاطها اهلي مسموح به ( أي المنظمات ذات الطبيعة الثقافيـة والرياضيـة والخدماتية والخيرية والتطوعية … ) ، ولكن يبدأ الشعور بالمنافسة والصراع مع نوع آخر من منظمات المجتمع المدني ( مثل احزاب سياسية ، نقابات مهنية ، حركات عمالية ) ، الاقرب الى المنطقة الحيوية لنشاط الدولة أو بمعنى آخر تلك التي تمارس نشاطاً سياسياً – غير مسموح به من جانب الدولة التسلطية طبعاً – بهدف الضغط على الدولة والحد من سلطتها ونقدها ومراقبتها ومساءلتها ، وهنا تحديداً تقع هذه المنظمات ، " التي تقوم بوظيفة العمود الفقري للمجتمع المدني " (47) ، بين مطرقة الدولة التسلطية وبين سندان المجتمع التقليدي ( الاسرة والعشيرة ) ، فتقوم الدولة بممارسة الضغوط على هذا النوع من منظمات المجتمع المدني ( تقيدها بالانظمة والقوانين ، إغلاق مكاتبها ، مصادرة املاكها ، … الخ ) ، وعلى اعضائها ( بالتهديد والوعيد ، والاعتقال والسجن ، والاعتداء الجسدي والاغتيال … الخ ) ، وهنا تدخل الجماعات القرابية أيضاً في ممارسة الضغوط على أبنائها المنتمين الى هذا النوع من المنظمات ، لينسحبوا منها ، ليس حباً في الدولة او دعماً لسياستها بالضرورة ، ولكن حرصاً على سلامة أو حياة ابنائها بالدرجة الاولى ، وفي المقابل ، هؤلاء الافراد اذا لم يجدوا في هذه المنظمات حامياً ونصيراً لهم يحميهم من تعسف وبطش الدولة ، فسيضطروا الى اللجوء لجماعاتهم القرابية ، وانا بتقديري أن الدولة في هذه الحالة ستمنح هذه الجماعات القرابية حيزاً واسعاً لإستيعاب وحماية افرادها ، لتقنعهم بأن لا سبيل امامهم إلا الولاء لمجتمعهم التقليدي ، العشائري ، العائلي … ، هذا المجتمع المبتلع أصلاً من قبل الدولة . في ظل هذا الصراع بين اضلاع المثلث ( المجتمع المدني ، الدولة التسلطية ، المجتمع التقليدي ) ، تصبح المنظمات غير الحكومية غير قادرة على إعادة انتاج ذاتها ، لا اجتماعياً " أي عدم تعبيرها عن قوى اجتماعية حقيقية " (48) ، ولا مادياً كإحدى مظاهر السوق المحلية ، وتصبح غير قادرة على تقديم الحماية للأفراد أمام تعسف الدولة ، وهي بذلك لا تستطيع تحقيق الشرط الضروري لقيام المجتمع المدني – الذي بينته سابقاً – والمتمثل بالمواطنة ، وبالتالي فطبيعه الوظائف والأدوار التي تقوم بها المنظمات غير الحكومية – بحسب وجهة نظر الدولة – هي خيرية الطابع ، وبحجة هذا الطابع الخيري ، فقد أخضعت هذه المنظمات غير الحكومية العربية ، قانونياً ، لإشراف وزارات الشؤون الاجتماعية في الدول العربيه (49) ، بمعنى أن الدولة العربية إستطاعت إختراق هذه المنظمات . ولا أعرف والحال هذه ، ماذا بقي من هذه المنظمات لنقول انها تشكل المجتمع المدني العربي!
الخلاصة والتوصيات تبدو الصوره مظلمة بعض الشيء ، والحقيقة انها كذلك في ظل هذه العوائق ، المستحيل معها تكوين المجتمع المدني عربياً ، وهذا ما دفعني الى الشعور بإشكالية البحث التي صغتها على شكل سؤال ( لماذا لم يتحقق مفهوم المجتمع المدني عربياً على الرغم من وجود هذا الكم الهائل من المنظمات غير الحكومية في الدول العربية ، على إفتراض أن المنظمات غير الحكومية هي آخر ما توصل اليه المفهوم من تجليات ؟ ) . وقد جاءت فرضيتي كحل مؤقت لهذه الاشكاليه ، حيث إفترضت أن ما جرى عربياً لم يكن اكثر من مجرد استدعاء حرفي لآخر ما توصل اليه المفهوم في الغرب ( المنظمات غير الحكومية ) بشكل خاوي المضمون والفاعلية ، فلم يرتكز المفهوم – عربياً – على خلفية فلسفية تؤسس نظرياً له ، وبالتالي إفتقر الى وجود أهم أركان المجتمع المدني ، ألا وهو المواطنة وما يترتب عليها من حقوق اساسية ، كالمساواه والحرية والاستقلال الذاتي للفرد ، هذا بالاضافة الى عوائق تتعلق بطبيعة الدولة العربية التسلطية ، والمجتمع العربي التقليدي ، والمنظمات غير الحكومية ، وهي عوائق أدت ايضاً الى إهدار مبدأ المواطنة. وقد جعلت فرضيتي قابلة للفحص – من خلال الربط بين المعلومات وتحليلها – في العائق الاول من هذا البحث الذي تناولت فيه مرجعية المجتمع المدني في الفكر العربي المعاصر والذي وضحت فيه إنقسام الفكر العربي الى ثلاث اتجاهات ، الاول : الإستدعاء الحرفي لآخر ما توصل اليه المفهوم في الغرب ، دون الاهتمام بتأصيل المفهوم عربياً ، مما ادى الى فقدانه لمضمونة وفاعليته ، وبالتالي عدم مقدرتة على تحقيق مبدأ المواطنة ، الثاني : الرافض للفكر الغربي ، ومحاولة تعويضة بالعودة الى مجتمع ما قبل الحداثة الذي يفتقر اصلاً لمبدأ المواطنة ، والثالث : التوفيقي ما بين التقليدي والحديث ، من خلال التفتيش في التراث العربي عن عناصر يمكن أن تفصح عن دلالات معاصره لمجتمع مدني عربي ، بعد إعادة قراءة هذه العناصر من جديد ، وقد رأينا عجز هذا الاتجاه عن تشكيل تيار فكري عربي واحد . وقد بينت في العائق الثاني – والمتمثل في الدولة العربية التسلطية – كيف استطاعت هذه الدولة بتسلطها وقوتها وتحكمها بالمجتمع ككل ، أن تقوم بإقصاء وتهميش المجتمع المدني وفشلها الذريع في بناء الأمة ، لان الولاء لم يكن على أساس المواطنة وما ترتبه من حقوق ، وانما كان للحاكم وسلطتة ، وبالتالي حلت عبادة الدولة مكان الولاء للأمة ، وقد رأينا كيف استطاعت هذه الدولة أن تعزز من سلطتها وجبروتها وأن تفرض تبعية المجتمع ككل لها ، من خلال تحكمها بالاقتصاد الريعي ، والقوانين المفرغة من الحقوق والحريات . وقد حاولت توضيح أن علاقات المواطنة في المجتمع العربي التقليدي ، قائمة على التراحمية والعضوية والقرابية والدينية والقبلية ، وليست علاقات قائمة على المدنية والطوعية والتعاقدية والحقوقية والمساواتية ، من خلال شرحي للعائق الثالث المتمثل بالمجتمع العربي التقليدي القائم على أساسين هما ، العقلية الابوية ، والمؤسسة الدينية ، الذين أديا الى التعصب بكافة أصنافة . ومن خلال شرحي للعائق الرابع والمتمثل بالمنظمات غير الحكومية ، حاولت أن أبين كيف استطاعت الدوله العربيه التسلطية والمجتمع العربي التقليدي ، أن يجعلا من المنظمات غير الحكومية ، مجرد شكل بلا مضمون ، وكيف أدى ذلك الى فشل هذه المنظمات في التعامل مع الفرد كذات حقوقية مستقلة ، وعدم مقدرتها على توفير الحماية له من تعسف الدولة وبطشها . ومن خلال ما تقدم شرحة في هذا البحث ، يمكنني الوصول الى نتيجة مفادها ، أن هذه العوائق الرئيسيه الاربعة – التي تشترك بها معظم الدول العربيه – كانت ولا زالت هي السبب الرئيسي في إفشال تكوين المجتمع المدني في الدول العربيه ، على الرغم من وجود هذا العدد الكبير من المنظمات غير الحكومية في العالم العربي ، وأستطيع من خلال تحليلي لهذه النتيجة ، أن أخرج بإستنتاج يقوم على أن ، العنصر المفقود في هذه العوائق الاربعة ، يتمثل في إفتقارها وإهدارها لمبدأ المواطنة ، الذي طالما قلنا انه الشرط الضروري لتكوين المجتمع المدني ، هذا الشرط ، الذي يكملة وجود المنظمات غير الحكومية ، وبالتالي إذا ما اردنا البدء في عملية بناء لمجتمع مدني عربي – في أي دوله عربية - ، علينا أولاً أن نحقق هذا المبدأ من خلال القيام بمجموعة من الخطوات الهامة وهي :- اولاً : تجديد الفكر العربي في التعامل مع مفهوم المجتمع المدني ، بحيث يتم ربطه بأهم مركباته الاساسية ( المواطنة ) وما يتبع ذلك من التعامل مع الفرد بصفته كياناً حراً مستقلاً ، وذاتاً فاعلة ، وتكريس حقوقة بأجيالها الثلاثة وبخاصة الحقوق السياسية . ثانياً : إن المجتمع المدني المطلوب في الدول العربية لا يستهدف حذف الدولة ، بل الفصل بينها وبين السلطة من جهة ، وبينها وبين المجتمع من جهة أخرى ، وإعادة تحديد بنية السلطة ودورها وموقعها في المجتمع ، بحيث لا يشكل الاخير – كما هو حاصل في الدولة العربية التسلطية – مجرد لاحقة ذيليه للسلطة ، وبهذا الترتيب الجديد يتم تعميق الولاء للدولة القومية ( المعبره عن الأمه ) والقائم على أساس المواطنة وما ترتبة من حقوق ، وليس الولاء للسلطة أو الحاكم . ثالثاً : تحرير النشاط الاقتصادي من تبعيته لعلاقات القسر السياسية المفروضة من قبل الدولة التسلطية ، وإعتماد مبادئ الاقتصاد الحر والخصخصة ، لمنع السيطرة القسرية للمجتمع السياسي على الاقتصاد وبالتالي على المجتمع ككل . رابعاً : توفير الضمانات القانونية المتعلقة بحقوق الافراد وحرياتهم ، من خلال قوانين – وعلى رأسها الدستور - حديثة ودقيقة وواضحة المضمون وتعبر عن إرادة الشعب ، ومن خلال قضاء مستقل وعادل ونزيه ، ومن خلال إقرار مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ، ومركزية السلطة التشريعية ورقابتها على السلطتين التنفيذية والقضائية . خامساً : إعادة النظر بدور المؤسسات التقليدية والتربوية الموجودة في المجتمع العربي التقليدي ، وإعادة بنائها على أسس علمانية وديمقراطية ، لتحقيق التسامح والسلام الاجتماعي الديني والمذهبي والطائفي في المجتمع ، وتفكيك الجماعات العضوية القائمة على العرق او العشيرة أو الدين او المذهب او غيرها ، الى مواطنين لهم شخصياتهم الحقوقية المستقلة . سادساً : إستقلالية منظمات المجتمع المدني عن هيمنة السلطة ، ولا سيما تلك التي تمارس نشاطاتها بهدف الضغط على الدولة والحد من سلطتها ومراقبتها ومساءلتها ، مثل الأحزاب السياسية ، والنقابات المهنية ، والحركات العمالية ، والصحافة ، ولجان حقوق الانسان وغيرها . فبهذه الخطوات وتحقيقها على أرض الواقع ، يمكننا القول بأننا وضعنا الأساسات الاوليـه لعملية بناء المجتمع المدني في الدول العربيه ، ولكن يبقى السؤال مفتوحاً ، هل واقعنا العربي يسمح لنا بتحقيق هذه الخطوات الضرورية لتحقيق المواطنة العربية ؟! .
قائمة الهوامش :- 1- برهان غليون ، نشأة مفهوم المجتمع المدني وتطورة ، ( 2001 ) شبكة الانترنت موقع www . mafhoum . com : ، ص 1 – 6 2- عزمي بشارة وآخرون ، إشكاليات تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي، ( 1997 ) ، ص393 3- كريم ابو حلاوة ، إشكالية مفهوم المجتمع المدني ، ( 1998 ) ، ص99 4- سعد الدين إبراهيم ، " المجتمع المدني ومستقبل التحول الديمقراطي في الوطن العربي " في صامويل هانتنجتون ، الموجة الثالثة ، ( 1993 ) ، ص26 . 5- أنشأ عمال بولندا نقابتهم المستقلة ( تضامن ) عام 1980 ، وبعد عشر سنوات نجحت هذه النقابة في اسقاط النظام الشمولي بقيادة الحزب الشيوعي البولندي ، واستطاعت أن تصل الى السلطة سلمياً وبإنتخابات حره محل الحزب الشيوعي ، وهذه التجربة شجعت مبادرات مماثلة في بقية بلدان الكتلة الشرقية مثل تشيكوسلوفاكيا . انظر في ذلك ، سعد الدين ابراهيم ، المثقفون العرب والتخريب الحالي لمصطلح المجتمع المدني ، شبكة الانترنت موقع : www . democracy – egypt . org 6- متروك الفالح ، المجتمع والديمقراطية والدولة في البلدان العربية ، ( 2002 ) ، ص21 7- عبد الغفار شكر ، اختراق المجتمع المدني في الوطن العربي ، مجلة الطريق ، ( 2001 ) ، ص19 8- سعد الدين إبراهيم ، " المجتمع المدني ومستقبل التحول الديمقراطي في الوطن العربي " مرجع سابق ، ص26 9- برهان غليون ، مرجع سابق ، ص2 10- برهان غليون وسمير امين ، ثقافة العولمة وعولمة الثقافة ، ( 1999 ) ، ص122 11- وجية كوثراني وآخرون ، المجتمع المدني في البلدان العربية ، مجلة شؤون الاوسط ، ( 2001 ) ، ص11 12- صادق العظم ، العلمانية والمجتمع المدني ، ( 1998 ) ، ص13 13- عزمي بشاره وآخرون ، حول الخيار الديمقراطي : دراسات نقدية ، ( 1993 ) ، ص88 – 89 14- تبدو صورة المجتمع الاهلي العربي متوغلة في التاريخ ، حيث كتب بعض الباحثين ، عن ظهورها في اولى التنظيمات المدينية ، كالمجالس السومرية ، وشريعة حمورابي ، وبعض التنظيمات المصرية والتدمرية وغيرها . انظر في ذلك ، اسد عبيد ، المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي ، مجلة الفكر السياسي ، ( 1998 ) ، ص279 –282 15- كريم ابو حلاوه ، مرجع سابق ، ص106 16- كريم ابو حلاوة ، مرجع سابق ، ص108 17- عزمي بشارة وآخرون ، إشكاليات تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي ، مرجع سابق ، ص402 18- فالح عبد الجبار ، الدولة والمجتمع المدني ، مجلة النهج ، ( 1994 ) ، ص222 19- كريم ابو حلاوة ، مرجع سابق ، ص114 20- جورج جقمان وآخرون ، الديمقراطية الفلسطينية : اوراق نقدية ، ( 1995 )، ص105 21- انظر في ذلك ، سعد الدين ابراهيم ، مرجع سابق ، ص16 – 22 . 22- برهان غليون ، نشأه مفهوم المجتمع المدني وتطورة ، مرجع سابق ، ص8 . 23- سعيد بنسعيد وآخرون ، الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي ، الجزء الاول ، (1989 ) ، ص141 24- عزمي بشارة وآخرون ، اشكاليات تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي ، مرجع سابق ، ص400 25- برهان غليون ، نفس المرجع ، ص7 – 8 . 26- محمد شكري سلام ، بعض معوقات " المجتمع المدني " في التجربة العربية ، مجلة ابواب ، ( 1998 ) ، ص76 . 27- سعد الدين ابراهيم ، نفس المرجع ، ص22- 23 . 28- توفيق المديني ، المجتمع المدني والدولة السياسية في الوطن العربي ، ( 1997 ) ، ص814 . 29- برهان غليون ، نفس المرجع ، ص9 30- حازم الببلاوي وآخرون ، الأمة والدولة والاندماج في الوطن العربي ، الجزء الاول ، ( 1989 ) ، ص283 . 31- حازم الببلاوي وآخرون ، مرجع سابق ، ص287 . 32- عزمي بشارة وآخرون ، نفس المرجع ، ص416 . 33- الين مكسينزوود وآخرون ، المجتمع المدني والصراع الاجتماعي ، (1997 ) ، ص35 . 34- فهمية شرف الدين ، الواقع العربي وعوائق تكوين المجتمع المدني ، مجلة المستقبل العربي ، (2002 ) ، ص43 . 35- توفيق المديني ، مرجع سابق ، ص829 . 36- فمثلاً نجد قانون الانتخاب الاردني المؤقت لعام 1993 – والذي وضعته الحكومة الاردنية بدون العودة الى مجلس الأمة – يقر بمبدأ " الصوت الواحد للناخب الواحد " وهو مبدأ يكرس العشائرية والبنى العضوية التقليدية في مجتمع تقليدي مثل المجتمع الاردني ، فهذا المبدأ يمكن أن يطبق في الدول التي استقرت فيها الحياة الحزبية ، فالناخب فيها يتقدم لإنتخاب البرامج الحزبية وليس الاشخاص . انظر في ذلك ، طالب عوض ، التحولات الديمقراطية في الاردن( 1989-1999) ، ( 2000 ) ، ص39 – 45 37- أنظر في ذلك ، فاتح عزام ، ضمانات الحقوق المدنية والسياسية في الدساتير العربية : دراسة مقارنة ، ( 1995 ) ، ص30 – 62 38- هبة عزت ، المواطنة … بين مثاليات الجماعة واساطير الفردانية ، ( 2002 ) ، شبكة الانترنت ، موقع : www .islamonline . net / arabic / mafaheem ص2 39- احمد الامين ، إعادة بناء العقلية العربية ، مجلة دراسات عربية ، ( 1998 ) ، ص11 40- فهمية شرف الدين ، مرجع سابق ، ص46 41- عزمي بشارة وآخرون ، حول الخيار الديمقراطي : دراسات نقدية ، مرجع سابق ، ص89 42- سعد الدين ابراهيم ، المجتمع المدني والمؤسسه الدينية والمطلقات في العالم العربي ، شبكة الانترنت ، موقع : http://www. Democracy - egypt . org 43 – كريم ابو حلاوة ، مرجع سابق ، ص115 44 – جورج جقمان ، مرجع سابق ، ص112 45- عزمي بشارة وآخرون ، حول الخيار الديمقراطي : دراسات نقدية ، مرجع سابق ، ص90 46 – جورج جقمان ، مرجع سابق ، ص112 47 – جورج جقمان ، مرجع سابق ، ص112 48 – عزمي بشارة وآخرون ، اشكاليات تعثر التحول الديمقراطي في الوطن العربي ، مرجع سابق ، ص397 49 – عزمي بشارة وآخرون ، نفس المرجع ، ص398
#ليث_زيدان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|