|
الخطاب النسوي في المجتمع
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1930 - 2007 / 5 / 29 - 12:25
المحور:
الكتاب الشهري 4: دور المرأة في عراق ما بعد التغيير, حرية ومساواة المرأة بالرجل جزء أساسي من قيم المجتمع المدني الديمقراطي
تعكس تصرفات وسلوك الرجل والمرأة في المجتمع صوره المتخلفة أو المتحضرة، وتلك الصور يحكمها الموروث من الأعراف والقيم الاجتماعية والدينية. وتحرر المجتمع من موروثه السيىء ينعكس إيجاباً على مكوناته الأساس من الرجال والنساء، لتسود العدالة والمساواة في المجتمع. إن قضية المرأة وحقوقها، قضية اجتماعية أكثر منها سياسية. لكن معظم الكيانات الحزبية اتخذت منها شعاراً لاستقطاب أكبر عدد من النساء في صفوفها. وبنفس الوقت خلت قياداتها من العناصر النسوية، وتم اختزال قضية المرأة من كونها أزمة تنخر ذات المجتمع إلى شعار سياسي تتبناه الكيانات الحزبية لزجها في أتون الصراع السياسي مقابل وعود فارغة بتبني قضيتها في المطالبة بالعدالة والمساواة. يعاني الخطاب النسوي المطالب بالعدالة والمساواة للمرأة من ضعف التشخيص لمسببات الانتهاك لحقوق المرأة أو من دوافع الحط من قدرها وشأنها الاجتماعي، فهو ينهل مفرداته من الخطاب السياسي العام دون مراعاة لخصوصية قضية المرأة من كونها قضية اجتماعية وتتطلب حلولاً اجتماعية أكثر منها سياسية. كما يشوب الخطاب النسوي سمة التبسيط ( وأحياناً السذاجة!) في تحميل الرجل ما تعانيه المرأة من انتهاك لحقوقها في المجتمع، ويتم إغفال دور الموروث من الأعراف والقيم الاجتماعية والدينية الفارض لتوجهاته على كافة فئات المجتمع. إن تحرير المجتمع من موروثه السيىء، كفيل في تحرر كافة مكوناته وإحقاق العدالة والمساواة. ولمناقشة أعمق لمفردات الخطاب النسوي، نبحث في المحاور أدناه: 1-حقوق المرأة والمجتمع: يعكس التخلف الاجتماعي صوره على كافة مناحي الحياة ولايقتصر ذلك على المرأة دون الرجل، فالنظرة الدونية للمرأة في المجتمع لاتعود إلى تخلف الرجل فقط وإنما لتخلف المرأة التي لاتعي دورها ومساهمتها في تغيير الواقع الاجتماعي. وحين تنخر الأمية بنية المجتمع، تأسر مكوناته وتفرض توجهاتها وسلوكها على العلاقات الإنسانية بين فئاته المتعددة وتنحدر تلك التوجهات نحو الحضيض، حين تقدم على طبق من ذهب مبررات الحط من قدر إحدى مكوناته. تعد الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية المتعارضة مع مسار العالم المعاصر السكة التي يسير عليها قطار التخلف وما لم يتم تصحيح مساره بالاتجاه الصحيح، لايحيد عن مساره بالاحتجاج والشجب. إن المجتمع ليس كيانات معزولة تمارس حياتها بشكل مستقل، وإنما سلسلة من العلاقات المتشابكة تُكبل كافة مكوناته وتحدد توجهاته ابتداءً من الأسرة وانتهاءً بأبسط رابط اجتماعي تتعاطى من خلاله الكائنات الإنسانية لتبادل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية........وغيرها. بهذا فإنه لايصح القول: إن النساء متخلفات أو الرجال متخلفون في المجتمع، فهما مكوناته الأساس ويعكسان صوره المتخلفة أو المتحضرة. والعلة تكمن في موروث المجتمع من الأعراف والقيم لا في المكونات المؤلفة له لأن سلوكها وممارساتها مستمدة منه. إن تحرر المجتمع من تخلفه ينعكس إيجاباً على كافة مكوناته، وهذا التحرر بحاجة للحرية التي لاتعرف التجزئة في كشف ستر مظلومية إحدى مكوناته وفرض نهج المساواة والعدالة الاجتماعية. يقول ((إنعام رعد))"إن التخلف الذي تعاني منه المرأة هو حصيلة تخلف المجتمع، فإذا ما تحرر المجتمع تحررت المرأة من ظلمها". إن الحرية نهج تحرري وليس مطلبياً، فالحقوق لاتطلب بل تنتزع من مغتصبها وما لم تكون هناك إرادة حقيقية تفرض توجهاتها بآليات واعية ومعاصرة لايمكن أن تحشد المناصرين لها. وتلك الآليات يجب أن تنطلق من المجتمع وتنتهي به، فمنظمات المجتمع المدني المستقلة يجب أن تخوض حربها على جبهات مختلفة لانتزاع الحقوق ولاتكون واجهات دعائية للكيانات الحزبية للمطالبة بالحقوق. إن مبدأ قيام منظمات المجتمع المدني على أساس هدف وتوجه واحد لانتزاع الحقوق، يعني تحشيد الطاقات الفعالة في إطار تنظيمي يسعى لتحقيق مصالح فئة اجتماعية وعدم تشتيت الجهود والطاقات في قنوات متعددة تخدم أهدافاً سياسية أكثر منها حقوقية!. وقد أثبتت التجارب المعاصرة لمنظمات المجتمع المدني جدواها وفعاليتها في العديد من بلدان العالم، وحققت انتصارات مذهلة أجبرت الكيانات الحزبية على تبني مطالبها. تعتقد ((أمل كابوس))"أن المرأة قادرة على أن تعكس صورة واضحة للأمة في تقدمها وتخلفها، فإذا كانت شخصية المرأة متكاملة نفسياً وعقلياً وثقافياً تكون الأمة التي تنتمي إليها أمة متقدمة ومتطورة....وعندما يُضيق عليها يكون ذلك أحد المظاهر الواضحة لتخلف الأمة ومؤشراً على اختلال بنية المجتمع لأنه من غير الممكن أن يكون نصف أعضاء المجتمع (النساء) غير مكتملي الشخصية والتكوين الفكري والعلمي ويكون المجتمع سليماً لأن النساء والرجال أعضاء في مجتمع واحد". لايأتي وعي المرأة بحقوقها من الشعارات واليافطات الذكورية المرفوعة على واجهات معظم الكيانات الحزبية، وإنما من حضورها المتميز والواعي بالدفاع عن مصالحها ككيان إنساني يسعى لانتزاع الحقوق لا المطالبة بها من موقع الضعف والترجي المطلبي وتمنح لها كترضية للمشاركة في الأداء العام. إن الأداء الضعيف والشعور بالدونية النآخرة لذات النساء الناشطات في العمل النسوي، هو السبب المباشر في عدم النظر بصورة جدية لحقوقهن في معظم الكيانات الحزبية التي تخلو معظم قياداتها من النساء أو تتواجد فيها لكنها منزوعة القرار!. ترى ((كوندرسيه))"أن النساء كالرجال كائنات عاقلة قادرة على أن تسهم بمبادراتها الفكرية في إصلاح المجتمع والنوع". بالرغم من التحرر من الأعراف الاجتماعية والقيم الدينية المتعارضة مع مسار التقدم، هي من خاصة كافة فئات المجتمع. والحرية لايمكن تجزئتها لحرية فئة اجتماعية دون آخرى فإنها بذات الوقت مرتبطة بالعناصر الفعالة للفئة الاجتماعية الساعية للتحرر وانتزاع الحقوق، فكلما أفرزت الفئة الاجتماعية نخبها الواعية والمدركة لمديات الصراع الاجتماعي وتوجهاته، كلما انتزعت الحقوق والمكاسب لها. إن الوعي الذاتي بماهية الحقوق يشخص آليات العمل الفعال لفرض التوجهات على المغتصبين لها ويجبرهم على التخلي عن توجهاتهم المتعارضة مع مسار التحرر والتقدم الاجتماعي، فمجتمعات العيب لن تتخلى عن توجهاتها الموروثة بالشعارات المطلبية وإنما بإحداث خلخلة في بنيتها الأساس للكشف عن مدى الخراب الذي ينخر ذاتها ويعطل مسار تقدمها وتطورها الاجتماعي. 2-المرأة والكيانات الحزبية: يكشف التناقض بين المعلن والمخفي في معظم الكيانات الحزبية بوضوح مدى الهوة بين الادعاء والتطبيق، فالمنظمات النسوية الملحقة بالكيانات الحزبية تقودها النساء شكلياً وقراراتها تصدر في الغالب عن الرجال والادعاء بـ (التقدمية) لايتعارض والهيمنة الذكورية على قيادة كافة المنظمات الحزبية. وتبقى المرأة أداة الزينة، للاجتماعات العامة واللقاءات الحزبية، وشعاراً للتعبير عن مساواتها بالرجل!. ارتضت معظم (المناضلات) الحزبيات بهذا الدور الهامشي الذي منح لهن، وعمدن أحياناً بوعي على تحجيم دورهن من خلال سعيهن لطلب المساعدة في إنجاز المهام الحزبية من الرجال وبذلك رهن دورهن وحجمن ذاتهن وقللن من مكانتهن في الكيان الحزبي وانعكس ذلك على مجمل عملهن السياسي في المجتمع!. وقد يستغل الرجل الحزبي حالة عدم الثقة بالنفس وما تعاني منه إحدى المناضلات في الحزب وحاجتها الماسة للمساعدة لتأكيد دورها داخل التنظيم الحزبي ويجعل منها عشيقة ورفيقة في آن واحد، تنقذه من كبته الموروث وينقذها من حالة الإرباك في أداء مهامها الحزبية!. ومع الزمن يختفي دور الرفيقة المناضلة ليحل محله العشيقة المناضلة الساعية أبداً لإثبات دورها كمرأة ليس من خلال اعتماد سُبل النضال لتحقيق المساواة، وأنما من خلال استخدام جسدها لتحقيق ذاتها!. يعتقد ((نقولا الشاوي))"أن الرجل الحزبي مازال غارقاً في لا وعيه الذكوري، وإن كان مستيقظاً أحياناً في وعي سياسي إجمالي. على أن المرأة تحت ستار مساواتها بالرجل تتحول بالنسبة له إلى إطار يستطيع من خلاله أن يُنفس عن كبته الوجداني الطويل دون أن تحوز المرأة بالكامل على هذا الامتياز لأن ظل الرذيلة والسقوط ما يزال يلاحقها في ذهنها وفي ذهن (رفيقها)". وهذا الأمر لاينفي وجود نساء مناضلات عن حق يفرضن وجودهن في القيادات الحزبية، بل أن البعض منهن أصبح رقماً صعباً لايمكن تجاوزه في اتخاذ القرارات الحزبية بالرغم من حجم الضغوط الذكورية للمناضلين داخل الحزب لتحجيم أدوارهن. إن الكيانات الحزبية ليست دوراً مقدسة للعبادة (كما يحلو للبعض تصوريها!) إنها منظمات حزبية تضم في صفوفها كائنات مختلفة التربية والانحدار الطبقي لكل منهم ظروفه الخاصة وحياته الشخصية وحالته النفسية ودوافعه في الانتماء للكيان الحزبي، والمرجل الحزبي ليس بوسعه صهر كل تلك الكائنات وسباكتها في قالب (كائن) خالي من الشوائب الاجتماعية!. إن العلاقات الإنسانية داخل الكيان الحزبي توفر الأجواء المناسبة لعلاقات الحب والعشق بين الرفاق والرفيقات، فالكيان الحزبي ليس مكاناً لممارسة طقوس النضال الحزبي فقط وإنما لممارسة كافة العلاقات الإنسانية الآخرى. لكن عملية الخلط بين العلاقات النضالية والعلاقات الإنسانية، سبب إساءة بالغة لكلا المهام خاصة بعد أن تتعكز إحداها على الآخرى ونالت من مكانتها ودورها المفترض. تعاتب ((غادة السمان)) مناضلاً حزبياً قائلةً:"لقد أتقنت معي حياكة وجه المناضل وربحت الكثير منه، ووثقت علاقاتك التجارية عبره وأنا لا أداري". غالباً ما تسفر عملية الخلط بين العلاقة الحزبية والعلاقة الإنسانية عن أضرار بالغة بالكيان الحزبي، فكلا الطرفين (الرجل والمرأة) يمكن أن يتخذ من المشاجب الحزبية أداة لتعليق خسارته أو فشله في إدامة علاقة الحب. وبدلاً من أن يتم مناقشة الأسباب الحقيقية وراء فشل علاقة الحب، تناقش مسألة المبادئ (الحزبية) باعتبارها أساس العلاقة وليس بمعزل عنها وكأن العلاقات الإنسانية لايمكنها أن تتم إلا إذا اتخذت من المبادئ الحزبية سبيلاً لها!. تتحدث ((غادة السمان)) على لسان الرفيق الحزبي الذي أنهى علاقته مع رفيقته الحزبية قائلةً:"كنتِ تعشقين جسدي وتغطين تلك الصلة المخزية في نظرك بقشرة (عقائدية) حيث تتبنين فكري، ثم تضخمين لنفسك أخطائي لتبرير هجرك لي فكرياً. بعدها هجرتك أنا!. اعترف لكِ بأنني أُفضل عاهرة حقيقية على مفكرة (عقائدية) هيولية تخلط بين ذورتها الجسدية وفرحتها الفكرية". هذا الزعم النضالي-الحزبي الذي يبني توجهاته المساواتية للمرأة ويتخذ من جسدها جسراً (أو تتخذ من جسده جسراً) للفوز بالزوج أو العشيق لتحقيق مصالح ذاتية أكثر منها نضالية أساءت بشكل كبير لقضية المرأة ذاتها. وهناك العشرات من الأمثلة الحية تكشفت من داخل الكيانات الحزبية لتؤشر عن حالة الخلط بين العلاقة الحزبية والعلاقة الإنسانية. فقد أصبح بعض قادة الكيانات الحزبية (زيراً للنساء!) متخذاً من المنح الدراسية شباكاً للإيقاع بـ (المناضلات) أو ملوحاً بالمكانة الحزبية لهن، ومن خلال هذا السلوك الشاذ تحول الكيان الحزبي من كيان سياسي إلى ماخور للدعارة وتم تحويل بعض المناضلات إلى عاهرات يبعن أجسادهن لقاء تحقيق مصالحهن الذاتية. وتبقى العلاقة الغرامية شأن ذاتي سواءً داخل الكيان الحزبي أو خارجه بالنسبة للرجل أو المرأة، لكن أن يتم اتخاذها وسيلة للفوز بمصالح ذاتية وعلى حساب المهام النضالية فإنها تثير العديد من الأسئلة!. أبان الحرب العراقية-الإيرانية وجه الاتحاد العالم لنساء العراق كتاباً (نشرت نصه معظم مواقع الانترنيت) لفروعه في المحافظات طالباً إرسال عدداً من أعضاء الاتحاد تتراوح أعمارهن بين 18-25 سنة (بدون مرافقة ذويهن) لحضور حفلة ترفيهية لمدة ثلاثة أيام تقام على شرف كبار ضباط الجيش العراقي العائدين من الجبهة وستنال العضو المشارك مكافئة مجزية تبعاً لنشاطها في الحفلة!. ما هي التسمية المناسبة التي يجب أن تطلق على الاتحاد العام لنساء العراق حين يمارس دوراً يحط من قدر المرأة؟. أصبح من الصعب الفصل بين القضية السياسية والقضية الشخصية وبين المساواة كمبدأ إنساني وعبودية الجواري، وبين هذه وتلك فقد النضال السياسي بريقه كقضية اجتماعية تطالب بالحرية والمساواة لجميع فئات المجتمع. تتحدث ((غادة السمان)) على لسان بطلها المناضل قائلةً:"أنا لم أتخل عن القضية، هي التي تخلت عن نفسها. أنا لم أهرب إلا حين وعيت أنني لست أكثر من حجر شطرنج على رقعة اللاعبين الكبار...كنت دائماً أحاول أن أنجو بنفسي واستمر، كان ذنبي الوحيد أنني أكثر ذكاء من الذين ماتوا ضحايا وهم يتوهمون أنفسهم أبطالاً وأنني وعيت الآتي قبل سواي". إن الوعي الكامل بالقضايا الاجتماعية والإدراك لحدودها ومهامها الأساس يجنب الوقوع في شراك التداخل الذي يضعف القضية ومهامها. كما أن مستوى الوعي للفرد، له الدور الأساس في الدفاع عن المصالح الذاتية فلا يجوز للمرأة الركض حتى اللهاث وراء الرجل للمطالبة بحقوقها، وكأن الرجل هارباً بالحقوق ومطلوب القبض عليه حياً أو ميتاً. إنها قضية اجتماعية تنخر ركائز المجتمع، وتتطلب حلول جماعية تساهم النساء بها بشكل فعال بعيداً عن شعارات وادعاءات الكيانات الحزبية الكاذبة الساعية للكسب الحزبي أكثر من سعيها إلى المساهمة لإيجاد الحلول اللازمة لها. 3-الخطاب النسوي بين الواقع والحقيقية: إن الارتقاء بلغة الخطاب النسوي من مستوى خطاب ساذج يحجم الصراع بين الموروث من القيم والأعراف الاجتماعية لمستوى صراع بين الرجل والمرأة، يعني بكل المقاييس المعاصرة عدم تشخيص حقيقي لمسببات الصراع. وتشتيت الجهود في صراعات ثانوية لاعلاقة لها في الصراع الأساس الذي يتوجب أن تخوضه كافة فئات المجتمع لنيل العدالة والمساواة، لأن الحرية ذاتها غير قابلة للتجزئة إلى حرية المرأة وحرية الرجل فمسعى النضال الحقيقي هو لنيل المجتمع حريته. وهذا الأمر منوط بنضال الفئة الاجتماعية، فكلما كانت أكثر نشاطاً كلما حازت على مكاسب لقاء نضالها. ولايجوز بأي حال من الأحوال اعتبار النضال لنيل الحقوق ذا مجرى واحد وإنما مجموعة من الروافد النضالية التي تصب في المجرى العام لانتزاع الحقوق، وكل رافد ينال نصيبه بالمحصلة على قدر رفده النضالي. إن مشاركة فئة اجتماعية في النضال بشكل هامشي متعكزةً على الآخرين لإنصافها في نهاية المطاف، هو مسعى لايخدم مصالحها بالأساس ويضر بمصالح الآخرين ويفتقر لوجه الإنصاف والعدالة في نيل الحقوق المتساوية أسوة بالمشاركين الفعليين في النضال. إن نضال المرأة لنيل حقوقها يجب أن يكون واضحاً ومميزاً، لا أن يكون جزءً من خطاب الآخر وبالتالي فإنه يخرج من براثن الموروث الاجتماعي ليسقط في براثن المجتمع الذكوري. لـ ((إملي نصر الله)) رأي في هذا الصدد تلخصه قائلةً:" لقد قالوا في المرأة أقوالاً كثيرة بعضها يطابق الواقع ويصح عليها كما هو على الرجل والبعض الآخر يرجمها بحجارة رجال خائبين. وكانت هي مثل البكم والعبيد والأطفال قاصرة عن الدفاع، قاصرة عن الهجوم، راضخة للأحكام تصوب عليها من كل صوب ومن الشفاه والأقلام بالحبر كما بالدم. تحملت الكثير من الجور ومازالت تتحمل لا عن نفسها، بل عن الرجل وعن ذريته من بعده". وبخلافه في المجتمعات الأوربية اجتازت المرأة عتبة الصراعات الهامشية بين الرجل والمرأة من خلال نضالها الذي استمر لعشرات من السنيين. وأصبح خطابها المساواتي لاينطلق من الهوامش المبسطة باعتبارها أنثى مقابل الذكر، وإنما باعتبارها كائن إنساني مشارك في الحياة مع كائن آخر يسعى وإياها للمزيد من التشريعات والقوانين المنصفة لكافة فئات المجتمع. وبغض النظر عن اختلاف الأجناس والقوميات والفئات الاجتماعية خاصة أن المجتمعات الأوربية لاتعاني من موروث الأعراف والقيم الاجتماعية، الآسرة لذهنية فئات المجتمع في الحط من إحدى مكوناته الأساس. كما أنها أسقطت من ذهنها الخصائص والاختلافات الجنسية وأصبحت تتصرف من وعي جنسها باعتبارها مكون اجتماعي لايقل أهمية عن الآخر، ولايشعر بالدونية تجاه الآخر من حيث الجنس أو العمل أو العلم لخدمة المجتمع. وهذا الأمر منحها المزيد من الثقة بالنفس في المطالبة بعلاقات إنسانية متكاملة مع الآخر. ومع الزمن تلاشت الكثير من المفردات المطلبية الفضفاضة من خطابها وسعت مع الآخرين لانتزاع الحقوق من المجتمع ليس لذاتها فقط وأنما لسائر فئات المجتمع. تعتقد ((إملي نصر الله))"أن المرأة الأوربية وصلت إلى محو الحدود بينها وبين الرجل، وأن كل واحد منهما يحمل خصائص جنسه ويحتفظ بها لنفسه. أما الذي يربطه بالآخر، فهو علاقة إنسانية متكاملة، إنها نسيت قضية المطالبة بالمساواة بل دفنتها منذ سنين بعيدة بعدما زال التحدي وتلاشت التفرقة الجنسية بين المرأة والرجل". إن التعويل على خطاب نخب المجتمع في التصدي للموروث الذي ينال من استحقاقات كائن إنساني في المجتمع، يجب أن لاينهل من الموروث مفرداته وإنما يرتقي بالمستوى والمفردات لثقافة إنسانية جديدة بعيداً عن التبسيط والسذاجة لتفسير مسببات الصراع الذي يحجمه لدرجة تقزيم الأهداف والغايات الأساس التي لاتتناسب وسُبل النضال المعتمدة لانتزاع الحقوق. تناقش ((سحر خلفية)) مع ذاتها واقعها قائلةً:"أنت نفسك، لاتتمنين أن تكوني ذكراً لايخاف من مقص الشهر ولا من غشاء البكارة، ولا من الوقاحة والقتل! لاتضحكي ألا تتمنين أن يدللوك ويخدموك ويجعلوك الحارس والمحروس ويضيئوا لك الشموع والمبخرة ويرقوك من عين الحسود". إن إشكالية الخطاب النسوي في مجتمعات العيب، ينهل من الخطاب السياسي العام الذي يهيمن عليه (في الغالب الأعم) ثلة من الأميين والجهلة ومدعي الثقافة الساعين أبداً لتحقيق مصالحهم وعلى حساب مصالح المجتمع. وعلى مدى أكثر من خمسين عاماً وللوقت الراهن، اتسعت الهوة أكثر بين خطاب الادعاء الفارغ للسياسيين وموجبات الخطاب الواقعي وما يتوجب أن ينأى بنفسه عن الخطاب السياسي الساذج!. تقع لغة ومفردات الخطاب النسوي الواعي على عاتق النخب النسوية العلمية والثقافية الشاغلة، لمواقع مرموقة وما يفتخر بمساهمتها المجتمع. والمغيبات قسراً عن واجهات التمثيل النسوي في المنتديات العالمية لصالح خطاب وتمثيل نسوي هزيل، لايعبر عن حقيقية الواقع للنخب النسوية الحقة في المجتمع!.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنسنة الإنسان ونبذ السياسة
-
موجبات الاختلاف في العمل السياسي
-
الدولة والأمة
-
سوق المزايدة السياسية على التاريخ والوطن والأمة
-
الهوية وعقدة الهوية
-
الوطن والأمة
-
طواطم وديناصورات الكيانات الحزبية
-
الأشرار في حكومة المحاصصة القومية والطائفية
-
المسؤول والمستشار
-
الرئاسات الثلاث من الفشل إلى الفضيحة
-
المثقف ووعلاظ السلاطين
-
المثقف والدين
-
فن الرسم
-
مواصفات المترجم
-
فن الترجمة
-
الصداقة والعداء في الوسط الثقافي
-
علاقة المثقف بالكتاب والمكتبة
-
الكاتب وعالم العزلة
-
الصفوات والمجتمع
-
علاقة المثقف بالمجتمع
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
|