حلمي موسى
الحوار المتمدن-العدد: 68 - 2002 / 2 / 18 - 15:34
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
آلاف من دعاة السلام وأعضاء في الأحزاب اليسارية يتظاهرون في تل أبيب أمس الأول (رويترز
بعد غياب طويل عن الساحة يعود اليسار الإسرائيلي الى الميادين. فقد تظاهر آلاف الإسرائيليين يوم أمس الأول في ميدان متحف تل أبيب تحت شعار ((الخروج من المناطق والعودة لذاتنا)). ورغم ان العملية الاستشهادية في مستوطنة ((كارني شومرون)) وقعت بعد دقائق معدودة، إلا ان المتظاهرين وقفوا دقيقة صمت وواصلوا التظاهرة.
وقالت المديرة العامة لحركة ((السلام الآن)) التي نظمت المسيرة، نوريا شلوموت ان ((هذه مجرد بداية لحمة شعبية تؤيد الانسحاب من المناطق والعودة الى حدود آمنة ومعترف بها)). وقالت ان حركتها تخطط لمسيرة في القدس ولتظاهرة كبرى في بداية الصيف في ميدان رابين في تل أبيب.
وحاولت هذه التظاهرة تحريك واقع اليسار الإسرائيلي الذي اصيب، كما المجتمع الإسرائيلي عموما، بدرجة عالية من الارتباك والاحباط. وتميزت عن تظاهرات أخرى سابقة بكونها الأكبر من ناحية، والأوسع لجهة الأطر التي شاركت فيها. وقد حضرها زعيم المعارضة يوسي ساريد إضافة الى يوسين بيلين وشخصيات فلسطينية.
وتحدث منظمو التظاهرة عن أنها ضمت عشرات الآلاف، في حين أشارت تقديرات الشرطة الإسرائيلية ان الحضور تجاوز بقليل عشرة آلاف شخص. ومع ذلك فإن القيمة الحقيقية لتواجد مثل هذا العدد في هذه الظروف تكمن في تجاوز هؤلاء لدوافع الخوف التي تحرم الإسرائيليين حاليا من التجمهر، من ناحية، وتجاوزهم أيضا لدواعي ((الوحدة الوطنية)).
وقد أعلن ساريد في هذه التظاهرة ان ((في إسرائيل اليوم ديموقراطية أقل وإجماع أكبر. ولكن تقف هنا الآن إسرائيل أخرى. ان شارون يجر معه لبنان الى كل مكان. ونحن نطالب حزب العمل بترك الحكومة فورا ومن دون تأخير)).
أما يوسي بيلين فشدد من منبر التظاهرة على ان الانتفاضة نشبت بعد يوم واحد من زيارة شارون الاستفزازية للحرم القدسي. وأضاف ((لقد سمعنا أنه منذ أقيمت حكومة شارون لقي 213 إسرائيليا وأكثر من ذلك من الفلسطينيين مصرعهم، ولكن منذ بدأت الانتفاضة قتل 273 إسرائيليا. وعلينا ان لا نميز بين الرقمين. فالانتفاضة بدأت بعد يوم واحد من زيارة شارون الاستفزازية للحرم القدسي. لقد كان يعرف ماذا يفعل وما الذي يريد. وهذا الأسبوع تم كشف النقاب عن مباحثات طابا، ورأيتم كم كنا قريبين، وأنا أقول لكم انه ما زال بالامكان العودة الى هناك)). وأكد بيلين ان ((البيوت التي نهدمها تنهار علينا. وكل من وعدنا بالسلام والأمن منحنا انعدام أمن لم نعش مثله أبدا)).
وعرض مسؤول ملف القدس في منظمة التحرير الدكتور سري نسيبة في التظاهرة وجهة نظره الداعية الى اقامة ((دولتين لشعبين، وان تكون القدس عاصمة موحدة لهما)). وكرر نسيبة أمام المتظاهرين دعوته للتخلي عن حق العودة بالاعلان عن وجوب ((تمكين اللاجئين الفلسطينيين من العيش في دولتهم وتمكين اليهود من العيش في دولتهم وذلك من أجل منع ((حرب سلامة المستوطنات والمناطق)). وخاطب نسيبة الحاضرين بالقول: ((انكم الأمل في إسرائيل للسلام وثمة من تتحدثون اليهم.... والجواب على ماذا نتحدث هو: دولتان لشعبين وحدود الخط الأخضر عام 1967)).
ومعروف ان ارتباك اليسار كان واضحا منذ بدء الانتفاضة وسقوط ايهود باراك، وشعر اليمين الإسرائيلي بنشوة عالية خاصة عندما كان يؤكد انه ليس في صفوف الفلسطينيين من يقبل برؤية السلام الذي يطرحه قادة اليسار. وأدت الرواية الإسرائيلية التي قدمها ايهود باراك ورجاله لمفاوضات كامب ديفيد وطابا دورا بارزا في هذا الارتباك.
كما ان الميل الواسع للجمهور الإسرائيلي نحو اليمين أفقد اليسار الإسرائيلي صوابه، واندفع هذا اليسار في محاولة لإعادة النظر في جميع مواقفه السياسية. ويمكن القول ان قلة قليلة من قادة اليسار الإسرائيلي المعروفين ظلوا على مواقفهم. غير ان النكسة الكبرى التي مُنيت بها شعارات اليمين واستمرار الانتفاضة، وجلاء الثمن الذي باتت إسرائيل تدفعه دفع الجمهور الإسرائيلي نحو رفض استمرار الواقع الراهن.
ويحاول اليسار الإسرائيلي استغلال الوضع الراهن لإحداث توازن يرفض استمرار السياسة الحالية لشارون، ويؤكد على مواصلة المساعي لتحقيق تسوية مع الفلسطينيين. وقد استمدّ هؤلاء التشجيع من حركة الضباط رافضي الخدمة العسكرية في المناطق المحتلة. كما استمدوا التشجيع من استطلاعات الرأي التي باتت تتحدث عن فقدان حكومة شارون زمام السيطرة على الوضع.
ومنذ شهور تجرى محاولات جادة في صفوف اليسار الإسرائيلي لبعث الحياة فيه. وكانت شولاميت ألوني من بين أبرز الأصوات في هذا الميدان. ومعروف ان ألوني حملت ايهود باراك مسؤولية خاصة عن تدمير اليسار الإسرائيلي. وهي تقول مع ذلك ان على اليسار ان ينهض ويعترف بأن ((المسؤولية عن الوضع الراهن تقع علينا فقط وليس على الفلسطينيين، لأننا نحن قوة الاحتلال)).
تظاهرة السبت تشكل خطوة مهمة على صعيد التحركات المناهضة للاحتلال ولحكومة شارون، غير ان العبرة الأساسية تتمثل في قدرة منظمي هذه التظاهرة على تشكيل قوة شعبية ضاغطة حقا على الحلبة السياسية الإسرائيلية، وقدرة هؤلاء على التناغم مع الأوساط الفلسطينية المؤيدة للتسوية.
...
©2002 جريدة السفير
#حلمي_موسى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟