|
الموت في الإسلام
مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 1928 - 2007 / 5 / 27 - 11:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يستفز الموت حالة انفعالية رهابية عند الإنسان فهو يمثل الثقب الأسود للحياة بداية العدم و نهاية الحياة..و تستمد الأديان مشروعيتها عادة من هذا الكم الانفعالي الهائل المرتبط بالموت أحجية الحياة فتسعى أن تفسر و تفك غموض عالم الموت و ما بعد الموت و تعطي الأمل باستمرار الحياة بعد الموت بالخلود..يبدو عالم الموت و ما بعده وفق النص المقدس عالما مشحونا بالأهوال و المواقف المرعبة التي تقبل عموما بسبب هول حادثة الموت نفسها و بسبب هول الانتقال من الوجود إلى العدم لكن هذا العالم في نفس الوقت يمثل مرحلة الانتقال من عالم الشهادة في الحياة الدنيا إلى عالم الغيب حيث يمكن معاينة الحقائق الكونية المغيبة وفق المقدس حيث يوجد شكل آخر من الحياة إن شئتم وفق قواعد مختلفة تماما حيث يكون الإنسان وحيدا و قد انفصل عن مجموعة الأحياء في مواجهة قوى و كائنات فوق بشرية أقل ما يقال فيها أنها مرعبة تم تشكيلها لكي تكون أكثر الأشكال هولا و إثارة للرعب و كثير من هذه الصور تعتمد الضخامة الهائلة في الأبعاد و الأحجام و الوقت هي بهذا التصوير تستخدم لإبهارنا كبشر نحيا في الحياة الدنيا..روي عن الرسول الكريم أنه ذكر الموت و غمه و كربه فقال :" هو أشد من ثلاثمائة ضربة بالسيف "..و كان كعب الأحبار قد وصف الموت بغصن كثير الشوك أدخل في جوف الرجل حتى أخذت كل شوكة بعرق ثم جذبه رجل شديد الجذب..و روي عن الرسول الكريم :" أكثروا ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات و توسدوه إذا نمتم و اجعلوه نصب عينيكم إذا قمتم و اعمروا به مجالسكم فإنه معقود بنواصيكم "..و روي عنه أنه قال :" ليوم القيامة مائة ألف هول كل هول أعظم من الموت مائة ألف مرة "..قال الرسول الكريم :" و كفى بالموت واعظا " و في هذا المجال كثير من الأحاديث التي تدور حول ذات المعنى حول مركزية صورة الموت بالنسبة للمقدس و حول درجة الرعب أو الأهوال المرتبطة به..اللافت أن هذه الأهوال لا تقتصر على الإنسان بل تشمل جميع الكائنات بما في الملائكة المقربين و الرسل و يذهب النص تارة إلى أن عذابات هؤلاء لا تقل شدة عن عذابات الناس العاديين لكن هنا كما هو حال النص في مواقف كهذه تذهب بعض النصوص إلى أن الموت يكون بداية نعيم المؤمن كما يكون بداية عذاب الكافر و أن العذاب يهون على الإنسان في القبر و عالم البرزخ بسبب تصرفات و سلوكيات خاصة التزم بها في حياته , هكذا النص كما في أغلب مواقفه حيث يزاوج بين موقف رهابي تجاه الحادثة المقصودة الموت هنا حتى الحد الذي يتمنى فيه صحابة كبار أن لو لم يكونوا و بين موقف إيجابي يقوم على نجاة المؤمن من العذاب أولا و من الأهوال التي يقتصر وقوعها في هذه النصوص على الكافر بالمقدس أو العاصي له و فاتحة لنعيم دائم يفوق الوصف , هكذا نجد في حديث كعب الأحبار في مجلس عمر بن الخطاب عندما سأله أن يخوف القوم فيرد عليه أنه لو كان لكل آدمي عمل مائة ألف نبي و مائة ألف صديق و مائة ألف شهيد لحقر عمله و لظن أنه لا ينجو منها و في نفس المجلس يقول أيضا أن رحمة الله واسعة بحيث أنه يظن ألا يبقى إنسان خارج حدود هذه الرحمة..إن هذا الموقف الإيجابي ضروري للغاية للخطاب الديني لأنه مع حاجته إلى تلك المشاعر الانفعالية الجياشة لا يمكنه تأسيس موقف إيجابي وجودي يتجاوز عدمية الموت إلا بوعد صريح بنعيم دائم يرتبط بالالتزام باشتراطات المقدس التي ترتبط أساسا باشتراطات اجتماعية و أخلاقية و مادية و غيرها تأخذ الشكل العقيدي..هنا يصبح الهدف خلق موقف قائم على الاستسلام المطلق لوصفة أخلاقية طقسية تصبح السبيل للفوز بهذا النعيم الدائم..هذا الموقف الذي يتبدى اليوم في إقدام المؤمنين بالمقدس على قتل أنفسهم طمعا بهذا النعيم الدائم..مقابل هذا الموقف المزدوج من الموت و ما بعده الذي يمثله المقدس و من يلح عليه خاصة مدرسة ابن حنبل و تلاميذه نجد موقفا عدميا اتخذه العديد من المثقفين خاصة في الفترة السابقة على انتصار مدرسة ابن حنبل عندما كانت الساحة الفكرية ما تزال تتقبل أفكار هرطقية بالنسبة لأصحاب مدرسة ابن حنبل جرت ملاحقتها اعتبارا من انتصار هذه المدرسة بهمة بعد وصمها بالكفر..كان المعري و عمر الخيام أبرز ممثلي هذا الموقف العدمي المعارض للمقدس..كان هؤلاء المثقفين يرون مع النهاية المحتومة للإنسان أن الحياة عبارة عن جهاد غبي بلا طائل..كانوا يرون أن الإنسان غير مخير في اختياره الوجود و بالتالي خوض تجربة الحياة و الموت على العكس من النص الذي ذهب إلى أن الإنسان ليس أمامه سوى خيارين أي الخلود في النار أو الجنة و هو هنا مخير في حدود القدرة الإلهية و من خلالها و وفق علم الإله نفسه عن نتيجة هذا الاختيار الشخصي مع إصرار مدرسة ابن حنبل على أن إرادة الله هي التي تحدد هذه النتيجة , هذه القضية التي شكلت و تشكل معضلة كبيرة في الفكر الإسلامي ليس هنا محل تفصيلها..هناك اختلاف كبير بين عدمية الرجلين المعري الذي اعتمد مرجعا وحيدا هو العقل هذا العقل الذي حرمه من قبول عزاء المقدس و فرض عليه مواجهة حقيقة مأساته الإنسانية أن الحكم على الإنسان بالموت هو بلا معنى و يفقد الحياة أي مغزى و زعمت لنا معادا ثانيا ما كان أغناها عن الحالين و معاناة البشر في هذا العالم تستوقفه بحثا عن حكمة هذا العذاب المفروض على الإنسان لو أني كلب لاعترتني حمية لجروي أن يلقى كما يلقى الإنس انتهى المعري إلى اعتزال الناس و أن اعتبر نفسه رهين المحبسين السواد الذي غطا عالمه و الجسد الذي كان يتأفف منه , يوجد على قبر المعري بيت يلخص إحساسه بعدمية الوجود الإنساني بلا جدوى الحياة التي لا تتجاوز كونها معاناة متواصلة تنتهي بحكم نهائي لا راد له لا معنى له هذا ما جناه علي أبي و ما جنيت على أحد الخيام كان ذا رؤية مختلفة..واجه الخيام إحساسه بلا جدوى التجربة الوجودية الإنسانية بالاستغراق في الحياة و الجمال كان لتأثر الخيام بوحدة الوجود و رهافة حسه أن خرج من الشك و الإحساس بلا جدوى الحياة و عدمية غايتها إلى الانغماس في تجربة الوجود اليومية القائمة على التفاعل الصميمي مع العالم مع الكائنات..كان الخيام ذكيا لدرجة لافتة و كان في قلب صراعات عصره السياسية الفكرية فقد كان الداعية الاسماعيلي الحسن بن الصباح و الوزير نظام الملك من أقرب أصدقائه لكن الرجل فضل الانصراف إلى عالمه الخاص ساعده في ذلك المكانة التي تمتع بها الفلكيون يومها كمنجمين في حاشية السلاطين..سؤال الخيام الوجودي هو ذاته سؤال المعري لقد أكرهت على نزول ساحة الحياة فما زادتني زيارتها إلا حيرة... و ها أنا ذا أهجرها مكرها.. فليتني أعلم القصد من رحيلي , و من مقدمي و إقامتي !! أن تكتشف لا جدوى هذا العالم أنه عبارة عن عدم أو وجود محكوم بالعدم يعني بالنسبة للخيام الاستغراق في لذة الوجود بعمق أن تتماهى مع هذا الوجود المؤقت المحكوم بالعدم و النهاية بشدة أيها ( الغافلون ) هذا الذي نسميه جسدا هو لا شيء و هذه السموات و قبابها المثمنة , هي – أيضا – لا شيء فما لنا لا ننعم بالملاهي و الملاذ في هذه الدنيا التي لا يربطنا بها إلا نفس واحد , هو في الحقيقة لا شيء !! ابن الراوندي صاحب المقاربة العقلانية هذه المقاربة التي انتهت به إلى نفي الغيبيات قدم تفسيرا عقلانيا ماديا للموت يريد به أن ينفي و يستوعب الطاقة الانفعالية التي ترتبط بالموت و أن يحيده في مشروعه لنفي المقدس..فابن الراوندي يرى أن "الناس جميعا لا يعلمون كيف يموتون و لو جرب الإنسان الموت ما أدركه أو عرفه حق المعرفة و إن معاينة موت الآخرين لا تعلم الإنسان شيئا عن أسرار الموت" ف"لا يسع أحدا أن يعد نفسه ميتا لأن هذه الحالة تستحيل مع الحياة لأن المرء لو ظن أو تخيل بأنه ميت كان هذا التخيل أو الظن في حد ذاته دليلا على أنه حي و ليس بميت" حيث "أنه لا يسع أحدا أن يشعر بعد موته بأنه جسد ميت لأن هذا الشعور يتنافى مع الموت الحقيقي الذي يموت معه أي شعور أو إحساس" كما أنه "لا يسع الميت أن يتصور نفسه في العالم قبل الموت و لو مات أبو الحسن ( كنية ابن الراوندي ) و وضع في قبره لم يتأت لهذه الجثة الهامدة أن تتصور نفسها في عالم ما قبل الموت أو أن تشعر بأنها أبو الحسن"...يرى ابن الراوندي في تفسيره المادي لواقعة الموت أن قناعة الإنسان بحياة بعد الموت مردها إلى " كون الإنسان عاجز عن إقناع نفسه بأنه سيموت و بأنه سينعدم من هذا الوجود فلدى الإنسان شعور بأنه لن يموت أبدا و أنه حين يثوي في قبره سيعيش و يبقى حيا و إن يكن ذلك بطريقة أخرى و نشأة تختلف عما كان عليه في هذه الدنيا".." إن الإنسان قد يرى نفسه ميتا في الحلم في حين هو حي فيزيده ذلك اعتقادا بأن حالة النوم لا تختلف عن الموت في شيء..و بأن الإنسان الراقد في سبات الموت يعرف نفسه و يرى ما حوله و يدرك ما يجول بخاطره و لكن الواقع غير ذلك لأن الجسم البشري متى فارقته الروح و أدركه الموت يفقد كل شعور و إحساس ثم تدب فيه عناصر البلى شيئا فشيئا و يتحول إلى عناصر و أجسام أخرى "..
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لا لبشار الأسد !!
-
مصير النظام و خياراته
-
الخلاف على صفات الله بين الخطابات الدينية المختلفة
-
تعليق على إعلان تجمع اليسار الماركسي في سوريا
-
قراءة في قضية الحرية
-
أمام التراجعات و حروب أمريكا و إسرائيل نعم للإنسان
-
اليسار و الإسلاميون
-
في البحث عن طريق التغيير
-
الإنسان و التعذيب بين السلطة و الدين
-
الحرية و الطائفية و كبار الزعماء
-
الآخر
-
النظام و البديل و الديمقراطية
-
السياسة و الفكر مرة أخرى
-
قمة عربية أخرى
-
في شرعية الحاكم المطلق - الملك العضعوض
-
خطاب مدرسة النقل و السلف
-
من دروس الحروب الأهلية
-
رد على مقال الأستاذ زهير سالم : المجتمع المفكر و نظرية المعر
...
-
إلى عبد الكريم سليمان
-
عن تحولات الجسد
المزيد.....
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|