أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عبدالله - التعصب وسنينه















المزيد.....

التعصب وسنينه


عصام عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 1928 - 2007 / 5 / 27 - 11:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حاول الفلاسفة في الغرب منذ القرن السابع عشر أن يبدلوا مدنية تستند على فكرة "الواجب" : الواجبات نحو الله، والواجبات حيال الملك ؛ بمدنية تقوم على فكرة "الحق" : حقوق الضمير الفردي، حقوق النقد، حقوق العقل، حقوق الإنسان والمواطن.
وإذا أردنا إجلاء الشخصية الأساسية للحضارة الغربية، أو الحداثة الغربية من خلال الفلسفة – كما يقول جورج زيناتي - سنجد أن هذه الفلسفة سواء كانت مثالية أم واقعية، نقدية أم تجريبية، وضعية أم برجماتية، روحية أم مادية، تخضع لدينامكية داخلية خاصة بها، هي : الصراع المستمر من أجل انتزاع الحريات المجسدة للفرد من كل السلطات التي كانت تتحكم في مصيره وتحاول أن ترسم له مسبقاً خط سيره، فقد ناضلت الفلسفة ضد السلطة العليا الترنسندنتالية، والسلطة المدنية المتمثلة بالملك، والسلطة الأبوية. ويبدو هذا النضال من أجل الحريات المجسدة للفرد في موقف هذه الفلسفة تجاه الطبيعة والعلم والفرد.
ومفهوم التسامح كما نفهمه اليوم هو محور مفاهيم الحداثة الغربية، وهو دارج في بنية "الحقوق والواجبات" للدولة الحديثة، وكان اجتراحه وتأسيسه حاجة وجودية وفلسفية ملحة للخروج بالمجتمعات الغربية من أتون حروب التعصب الديني التي دامت نحو قرن ونصف القرن، من القرن السادس عشر إلى منتصف القرن السابع عشر، ونشرت الموت والخراب والمجاعات والأوبئة.
ولم يكن من مخرج من جنون هذه الحروب الدموية إلا باجتراح -"معادلة عقلانية" - يحتكم إلى منطقها في فصل المقال فيما بين الدين والسياسة من اتصال. ولعل رسالة "الفيلسوف" الانجليزى جون لوك في "التسامح" التي نشرها دون توقيع ؛ والذي دعا فيها للقضاء على بنية التفكير الأحادي المطلق وروح التعصب الديني المغلق، وإقامة الدين على العقل، وبناء منظومة حقوق تؤسس لمفهوم التسامح تعتمد مبدأ فصل المهام بين دور الكنيسة ودور الدولة ؛ قد ساهمت بالنصيب الأكبر في تأصيل التسامح الديني وتقنينه على مدى قرون عصر الحداثة.
وإذا كان التسامح يعرف بضده وهو "التعصب" Fanaticism، فإن التعصب في تاريخ الاجتماع البشرى هو عصب الفكرة الشمولية الأحادية سواء كانت دينية أم وضعية، كما كان الحال في أنظمة التعصب الكنسي في العصور الوسطى، ثم أنظمة التعصب الايديولوجى في العصر الحديث (الفاشية والشيوعية والنازية والصهيونية)، واليوم الحركات الأصولية فى الشرق والغرب : إسلامية ويهودية ومسيحية وهندوسية وسنهالية وتاميلية وصربية ونازية جديدة.. والبقية تأتي .
والتعصب في اللغة هو عدم قبول "الحق" عند ظهور الدليل بناء على ميل إلى جهة أو طرف أو جماعة أو مذهب أو فكر سياسي أو طائفة. وهو من "العصبية" وهى ارتباط الشخص بفكر أو جماعة والجد في نصرتها والانغلاق على مبادئها. والشخص المتعصب Fanatical هو الذي يرفض الحق الثابت والموجود ويصادر الفكر الآخر أو الدين الآخر، أولا يعترف بوجود كل ما هو آخر أصلاً، سواء فى الدين أو المذهب أو الطائفة أو العرق أو الحزب، وإن ارتبط التعصب في أذهان الناس بـ "الدين" أساساً ربما لخطورته، لذا انصب "هم" الفلاسفة على تقويض التعصب أساسا حتى يفسحوا المجال للتسامح. وبدأ الاشتباك الفلسفي اللاهوتي (السياسي) منذ "اسبينوزا" في أواخر القرن السابع عشر، ولم يفض تماماً إلا بانعقاد المجمع الكنسي المشهور باسم "الفاتيكان الثاني" بين عامي 62-1965، ثم بإعلان الأمم المتحدة سنة 1995 سنة عالمية للتسامح، وأصدرت في 16 نوفمبر في ختام المؤتمر الدولي للتسامح إعلان مبادئ كونياً، أكد على الالتزام بمواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات المتصل به. ودعا الدول إلى تأصيل سياسة التسامح في قوانين وثقافة المجتمع لمكافحة مظاهر التعصب الديني والقومي والعرقي وكراهية الأجانب، والإقصاء والإبعاد والتهميش والتمييز ضد الأقليات الوطنية والدينية والعمال الأجانب والمهاجرين واللاجئين، وأفعال العنف ضد حرية الأفراد في إبداء الرأي والتعبير الحر وكل ما يهدد الديمقراطية والسلام.
كان اسبينوزا من أوائل الفلاسفة الذين حاولوا "تفكيك" الأصولية الدينية التي تقدم نفسها باعتبارها الحقيقة الإلهية المقدسة المطلقة، بالكشف عن طابعها البشرى أو الأرضي من خلال الحفر عن الأصول التاريخية للعقائد الدينية، ليخلص إلى القول بتاريخية كل العقائد والمذاهب ونسبيتها في كتابه العمدة "البحث اللاهوتي السياسي" الذي وجه أول ضربة قاسمة لمزاعم الأصوليين عبر كل العصور، مدشناً أفقاً جديداً للحداثة في الغرب، وعلى هذا النحو استطاع أن يجد أهم ثغرة فى الجدار المسدود للتاريخ وللعقيدة من خلال الفلسفة. وتضمن كتابه محاولة مفصلة لعرض الكتب المقدسة _ في اليهودية على الأخص – من حيث هي تعبير عن ظاهرة تاريخية واجتماعية، ولربط تعاليمها بطبيعة العصر التي ظهرت فيه، وإنكار وجود أية دلالة مطلقة لها، تسرى على كل عصر.
وأدى هذا الربط بين الظاهرة الدينية وبين الظروف الاجتماعية والتاريخية، إلى نوع من سعة الأفق في النظر إلى هذه الظاهرة، بحيث استطاع اسبينوزا أن يتأمل في تسامح كل العقائد ويفهم مغزى كل منها في ضوء ظروفه الخاصة.
وعبر عن ذلك في مراسلاته مع "ألبرت بيرج" Albert Burgh، الذي كان يمثل وجهة النظر الدينية المتعصبة. ففي الرسالة رقم (76) يرد اسبينوزا على أسئلة "بيرج" وعلى انتقاداته قائلاً : "أما أنت، يا من تظن أن عقيدتك خير عقيدة، فكيف عرفت ذلك ؟ هل اطلعت على كل العقائد، الشرقية منها والغربية، ما ظهر وما سيظهر ؟ أليس لكل صاحب عقيدة أخرى نفس الحق في أن ينظر إلى عقيدته على أنها أفضل العقائد ؟
هكذا كان اسبينوزا يضيق بالتعصب لأي نص ديني بعينه، أو أية تعاليم على وجه الخصوص، وهو ما جعله من أنصار حرية الفكر على مر العصور، بل أن التسامح والحرية عنده وجهان لعملة واحدة. فالتعصب والعنف والقهر والاستبداد، توائم متشابهة ومتوالية، وأخطرها جميعا الاستبداد السياسي، فهو أشبة بالكتاليست في المفاعل النووي، أو المولد الأساسي لكل المساوئ والجرائم والخطايا.
" فأن للمرء الحق في مخالفة الحاكم في تفكيره كما يشاء. ففي مجال التفكير، وفى مجال العقل – مادام صادراً عن العقل لا الانفعال – ينبغي أن تسود الحرية التامة، على ألا تتنافى مع القانون. أما كبت حرية الفكر فلن تؤدى إلا إلى الرياء والنفاق والخوف، وهو صاحب أشهر حكمة في التاريخ الحديث : "ما لا يمكن منعه يجب السماح به". يقول : "هب أن الحرية قد سحقت، وأن الناس قد أذلوا حتى لم يعودوا يجرأون على الهمس إلا بأمر حكامهم. رغم ذلك كله فمن المحال المضي في هذا إلى حد جعل تفكيرهم مطابقاً لتفكير السلطة السائدة، فتكون النتيجة الضرورية لذلك هي أن يفكر الناس كل يوم في شيء ويقولوا شيئاً آخر، فتفسد بذلك ضمائرهم. ويكون في ذلك تشجيع لهم على النفاق والغش والجريمة.
أما إذا كانت الوسيلة إلى كبت الحريات هي ملء السجون بالأحرار، فانه يعلق علي ذلك بقوله : "أيستطيع المرء تصور نكبة تحل بالدولة أعظم من أن ينفى الأشراف وكأنهم مجرمون، لا لشيء إلا لأنهم يؤمنون بآراء مخالفة لا يستطيعون إنكارها".
وبمثل هذا الدفاع المجيد عن حرية الفكر يختتم اسبينوزا كتابه "البحث اللاهوتي السياسي" الذي بدأه بالحملة على التعصب الديني.



#عصام_عبدالله (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تفكيك الأصولية والهوس الديني
- الأصولية .. هنا وهناك
- الهوس الديني والفتن الطائفية
- الإيمان والعلم
- موت الحداثة في مصر
- اختفاء البكوش
- الفعل التواصلي
- جزيرة العقلاء
- يوتوبيا ما بعد الحداثة
- لا وعي اليوتوبيا الباطن
- اليوتوبيا ويوتوبيا الضد
- الانتماء - ما قبل - الوطني
- العولمة والهوية الثقافية
- اللعب في الثقافة
- الجسد بين الثقافة والإعلام
- دريدا وصديقه الياباني
- صداقة المفاهيم
- نظرات علي عالم اليوم
- شباب وأحزاب‏..‏ ولغة سرية وعولمة
- دعوة إلي كتاب الحوار المتمدن


المزيد.....




- مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف ...
- مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي ...
- الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز ...
- استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
- كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به ...
- الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي ...
- -التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
- أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
- سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ ...
- منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عصام عبدالله - التعصب وسنينه