عبد المجيد راشد
الحوار المتمدن-العدد: 1927 - 2007 / 5 / 26 - 08:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مستقبل سياسة "الإصلاح الاقتصادى" بمصر
فى ظل نظام العولمة
فى كلمته أمام المؤتمر السنوى الثاني للحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم في مصر أكد الرئيس مبارك على أن "المرحلة الجديدة التي نعيشها، وما نواجهه من تحديات ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية، لا تتطلب فقط تعزيز المشاركة المجتمعية، وإنما تقتضى أيضاً تحولاً جوهرياً في إعادة توصيف دور الدولة، في مقابل دور المواطن والمجتمع وكياناته المختلفة، إجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية، ففى المجال الاقتصادى، حددت فلسفة هذا التحول في مبادئ واضحة، أولها ألا تقتصر عملية الإنتاج أو إمتلاك الموارد على الدولة، وأن يتزايد الإعتماد على القطاع الخاص للقيام بدور متنام في إطار تضعه الدولة، وتضمن من خلاله توفير موارد متزايدة للمنتجين ليشاركوا بدورهم في دفع عجلة التنمية، وفى تحمل نصيب عادل من مسئولية البعد الاجتماعي للإصلاح، وقد طرح الحزب كذلك - بالتنسيق مع الحكومة الجديدة - خطة طموحة لتطوير السياسات المالية والنقدية، تعتمد على إعادة هيكلة القطاع المصرفى وتبنى المزيد من الإصلاحات المالية والنقدية لكى تتزامن مع الإصلاحات الضريبية والجمركية، وتعزيزاً لهذا التوجه، فقد طرحنا مؤخراً فلسفة جديدة لدفع الإستثمار، تقوم على وجود كيان مؤسسى جديد، يجمع كل الكيانات التي من شأنها العمل على زيادة الإصتثمار، وتحقيقاً لهذا الهدف، فقد فتحنا مؤخراً أبواباً إضافية، تسمح بدخول القطاع الخاص في مجالات حيوية كانت حكراً على الحكومة في مراحل سابقة، منها توليد الطاقة والإتصالات وإدارة الموانئ والمطارات، وذلك بهدف إستيعاب الموارد الإضافية التي أتاحتها - وستتيحها الإصلاحات الجمركية والضريبية، في توجه جديد - لا رجعة فيه - للإستفادة من إمكانيات القطاع الخاص سيواء في الإستثمار أو إدارة المؤسسات الحيوية ورفع مستوى الخدمات التي تقدمها، وفى هذا الإطار، فلابد من الإستمرار في تنفيذ برنامج الخصخصة، وإعتماد سياسات صناعية جديدة تقوم على رؤية منفتحة، تستثمر الطاقات المعطلة، وتضاعف الكفاءة الإنتاجية والخدمية في الاقتصاد المصرى، بما في ذلك صناعة السياحة التي يجب أن يكون تطويرها توجهاً إستراتيجياً للمجتمع بأسره ...... إلخ. [1]
وفى نفس المؤتمر جاء خطاب الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء موضحاً برامج الحكومة في 10 برامج وهى تطوير الأداء الاقتصادى، والإستثمار والتشغيل، والدعم وضبط الأسواق، وتوفير الخدمات الضرورية للمواطن ...... إلخ.
وقد تناول في شرحه لبرنامج الحكومة فيما يتعلق بتطوير الأداء الاقتصادى تأكيده على إعادة هيكلة البنوك العامة مالياً وإدارياً مع تطوير الموارد البشرية وإدخال التكنولوجيا المتقدمة وإدارة مخاطر الإئتمان وبيع مساهمات البنوك العامة في البنوك المشتركة والإعداد لخصخصة أحد البنوك العامة وتخفيض عدد البنوك من خلال عمليات إندماج، وفيما يتعلق بالإستثمار والتشغيل، تعمل الحكومة على إعداد برامج لتصدير خدمات العمالة المصرية إلى الدول العربية والأجنبية وتنشيط دور الصندوق الاجتماعي في تشجيع المشروعات الصغيرة وتشجيع الشباب على العمل الحر والإبتكار .... إلخ. [2]
بإختصار شديد يمكن القول بأن ما جاء على لسان السيد رئيس الجمهورية وما تلاه على لسان السيد رئيس الوزراء يضعنا مباشرة في صلب الإجابة على سؤال مستقبل الاقتصادى المصرى، فنحن إذا أما م تأكيد على إستمرار نفس النهج ونفس السياسة، حتى وإن كانت هناك محظورات في السابق من قبيل خصخصة البنوك وإعادة هيكلة القطاع المصرفى طبقاً لتوصيات مؤسسات السيطرة الاقتصادية الدولية كأدوات لنظام العولمة أو من قبيل التوجه الذي لا رجعة فيه والمتعلق بقيادة القطاع الخاص قاطرة التنمية ودخوله في مجالات حيوية كانت حكراً على الحكومة فضلاً عن الإستمرار في تنفيذ برنامج الخصخصة رغم النتائج التي أضرت بالاقتصاد المصري في أبعاد مختلفة كتأثير الخصخصة على البطالة أو الإستثمار أو إهدار المال العام والفساد أو سيطرة رأس المال الأجنبى والأمن القومى المصرى.
وهنا يبرز السؤال محل هذا المبحث وهو : ما هو مستقبل سياسة الإصلاح الاقتصادى في ظل نظام العولمة؟
فى محاولة للإجابة على هذا السؤال وضع الفريق المركزى لمشروع "مصر 2020" الصادر عن منتدى العالم الثالث التابع للبرنامج الإنمائى للأمم المتحدة سيناريوهات رئيسية تعبر عن خيارات مطروحة في الساحة المصرية من جانب القوى السياسية المختلفة، وهذه السيناريوهات هي :-
1- سيناريو مرجعى أو إتجاهى يعبر عن المحافظة على الإتجاهات العامة الراهنة.
2- ثلاثة سيناريوهات تدعى الإبتكارية في عنصر أو أكثر من العناصر الحاكمة لحركة المجتمع المصري وهى : سيناريو "الدولة الإسلامية"، وسيناريو "الرأسمالية الجديدة"، وسيناريو "الإشتراكية الجديدة".
3- سيناريو "التآزر الاجتماعي" أو "السيناريو الشعبى" المعبر عن حل وسط يمكن أن تلتف حوله قطاعات عريضة من الشعب المصرى. [3]
وما يهمنا في هذا الإطار هو السيناريو المرجعى والذي يطلق عليه السيناريو الإتجاهى أو الإمتدادى، وذلك لإعتباره أن الوضع القائم مستمر في خطوطه العامه ولإفتراضه إستقرار المجرى الرئيسى لحركة المجتمع نحو المستقبل، ومن ثم فليس مطروحاً في هذا السيناريو ظهور تغيرات جوهرية في النمط الحالى لرود فعل السلطة الحاكمة والفواعل الإجتماعية الأخرى إزاء التغيرات المحلية والإقليمية والعالمية، كذلك يظل هيكل القوى الإجتماعية السياسية الغالبة على الحكم، وكذلك هيكل النخبة السياسية الحاكمة المرتبطة بها محتفظاً بسماته الرئيسية، وذلك بالرغم من إحتمال تغير الوزن الخاص بقوة أو أخرى من القوى الداخلة في التحالف المسيطر أو النخبة الحاكمة عبر الزمن.
ومن اهم سمات هذا السيناريو، التسليم بالعولمة، مع غياب إستعداد كاف للتعامل الإيجابى معها والإستفادة منها - الإعتماد على القطاع الخاص وعلى آليات السوق في التنمية - مع حصر دور الدولة في تنمية البنية التحتية والخدمات الإجتماعية الأساسية - ديمقراطية محدودة وتعددية شكلية مع إجراءات تكفل إستمرار نفس القوى الإجتماعية السياسية في السلطة - تبعية تكنولوجية وهشاشة اقتصادية وهامش ضيق للتحرك السياسي المستقل - تشتت للموارد على جبهة واسعة دون بروز أولويات واضحة في تخصيصها - تقدم يحرز في بعض النواحى، ولكنه مرتفع التكلفة ومصحوب بمستوى مرتفع لإهدار الموارد - فساد على نطاق واسع، وإنخفاض ملحوظ في كفاءة إدارة شئون المجتمع والدولة. [4]
وهذا السيناريو يقبل العولمة قبولاً كاملاً، ولكن قبوله إياها غير مرتبط بإتخاذ إجراءات جادة للإستفادة مما تتيحه من فرص ولتفادى ما تؤدى إليه من مخاطر، وبخاصة إجراءات إعادة ترتيب البيت من الداخل لتقوية القدرة التنافسية، ومفهوم الإستقلال هنا مرتبط بالجوانب الأمنية والعسكرية أكثر مما هو مرتبط ببناء قدرة ذاتيه اقتصادية وعلمية وتكنولوجية، والتنمية في هذا السيناريو تعتمد في الأساس على مبادرات القطاع الخاص الذي لا يبدو أنه يمتلك مشروعات متكاملا للتنمية، وعلى إجتذاب رأس المال الأجنبى الذي يعامل على قدم المساواة مع رأس المال المحلى، كما تعتمد التنمية بصفة رئيسية على آليات السوق، وفى هذا السيناريو يتراجع دور الدولة في مجال الإستثمار والإنتاج، ويكاد ينحصر في مجال البنية الأساسية والمرافق العامة شاملة مشروعات الرى والصرف وإستصلاح الأراضى على نطاق واسع والتي لم يعد بعضها حكراً على الحكومة، والتي سمح للقطاع الخاص بالإستثمار فيها كالموانئ والمطارات، ويرحب بأى نشاط خاص في هذا السيناريو دون تمييز بين المجالات (إنتاج سلعى - خدمات) ودون تمييز بين طبيعة النشاطات (إنتاجية - طفيلية) وتستمر الدولة في تصفية القطاع العام، بينما يتنامى النشاط الاقتصادى المدنى وتزداد أهميته داخـل المؤسسة العسكرية. [5]
ويدور الاقتصاد في بداية هذا السيناريو في دائرة إنتاجية العمل المنخفضة والصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، وهذا مرتبط بإنخفاض معدلات الإدخار والإستثمار، وتواضع دور العلم في الإدارة، وحالة التعلم والتكنولوجيا، وإستمرار إعتماد الصناعة بصفة أساسية على الصناعات التجميعية وعلى تصنيع الخامات المحلية، وكذلك تصدير نسبة عالمية من المواد الأولية دون تصنيع وتعانى الصناعات التقليدية (كالمنسوجات والغذاء) في بداية السيناريو من المنافسة الأجنبية غير المتكافئة المترتبة على تحرير الاقتصاد وتطبيق إتفاقات منظمة التجارة العالمية. [6]
وفى ظل هذا السيناريو فإن المنطق الحاكم لتعامله مع مشكلة الفقر هو أن النمو الاقتصادى كفيل بحل هذه المشكلة على المدى الطويل، وإلى أن يتحقق ذلك، فإن الدولة تقدم عوناً محدوداً للفقراء من خلال برامج الدعم والضمان الاجتماعي ومشروعات الصندوق الاجتماعي وغيرها مما صار يطلق عليه شبكات الأمان، وفيما يتعلق بقضية البطالة، فإن ضعف معدلات النمو الاقتصادى وغياب ضوابط على التكنولوجيا الوافدة (وبخاصة من حيث قدرتها على تشغيل الأيدى العاملة) يقلصان كثيراً من قدرة هذا السيناريو على مواجهة رصيد البطالة القائم والإضافات الجديدة إليه، أما فيما يتعلق بالفساد، فمن غير المتوقع حدوث مواجهة تذكر معه، وذلك بالنظر إلى تقليص فرص المشاركة وغياب آليات فعاله للتصحيح وقصور الآداء الإدارى في الجهاز الحكومى وإستمرار الأنشطة الطفيلية في هذا السيناريو وأخيراً، وفيما يتعلق بنوعية التعامل مع الإساءة المحتملة للشعور الوطنى، فإن النظام الحاكم يتفادى أي صدام مع "إسرائيل" ويتغاضى عن إستفزازتها في بعض الأحيان "إن لم يكن اغلبها" كما يستمر الموقف المساير للقوى الكبرى "وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية" وهكذا فسوف يستمر الشعور بالتبعية للقوى الكبرى "وبخاصة أمريكا" والهشاشة إزاء ضغوطها.
ومن اهم سمات نسق القيم في مثل هذا السيناريو إعلاء شأن الفردية، والقدرة على الكسب السريع بغض النظر عن مشروعية الوسائل، وتقوية النزعات الإستهلاكية، وتراجع الإهتمام بالعلاقات الأسرية، والإستهانة بالقوانين وإعتبار القدرة على التحايل عليها أقرب إلى الفضيلة منها إلى الرذيلة، كما يغلب على هذا السيناريو الشعور بضعف الثقة في النفس، والإستهانة بالقدرات المصرية والعربية، والتسليم المطلق بتفوق الشمال، واليأس من اللحاق بركب التقدم، ومن ثم التسليم بالوضع الهامشى لمصر على خريطة الاقتصاد والسياسة العالمية كما لو كان قدراً محتوماً لا سبيل إلى الفكاك منه. [7]
والمفارقة المدهشة حقاً، أن هذا السيناريو قد تم الإنتهاء منه في عام 1998، وبقراءة ما جاء على لسان رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء في المؤتمر السنوى الثاني للحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم (سبتمبر 2004) فإن المفارقة هنا تكون، على الرغم من دهشتها، مآساوية حقاً، إذ أن التوقعات في السيناريو المرجعى "أو الإتجاهى أو الإمتدادى" قد أصابت كبد الحقيقة وكأنها تقراأ في كتاب مفتوح، سطوحه واضحة، وكلماته مضيئة.
وفى النهاية فإن مستقبل سياسة "الإصلاح الاقتصادى" في ظل "نظام العولمة" ستؤدى إلى عدم مشاركة مصر على نحو متميز في جهود إعادة صياغة النظام العالمي، أو في تعديل الإتفاقات الدولية لصالح الجنوب، خاصة مع تراجع نشاط مجموعة الدول الخمس عشرة في أعقاب الأزمة الآسيوية، واختلاف ردود فعلها تجاه الأزمة، بل أن مصر ستبتعد كلياً عن إستراتيجية مواجهة الجنوب للشمال، وتستمر العلاقات قوية مع الولايات المتحدة مع إحتمال ترجعها بعض الشيئ مع تنامى العلاقات مع أوروبا - "والصين" - كما تستمر العلاقات النشطة وإن كانت غير متكافئة مع الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية، وأخيراً، يتزايد خضوع مصر طبقاً لهذا السيناريو للآليات الدولية للرقابة والضبط والتفتيش والمراجعة في مجال البحوث والتطوير والأنشطة ذات الطبيعة المزدوجة (مدنياً وعسكرياً) وذلك إضافة إلى المراجعة والرقابة من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - جريدة الأهرام ,, الجمعة 24 سبتمبر 2004 ,, السنة 129 ,, العدد 43026
[2] - جريدة الأهرام ,, الخميس 23 سبتمبر 2004 ,, السنة 129 ,, العدد 43025
[3] - أوراق مصر 2020 ,, بدايات الطرق البديلة إلى عام 2020 ,, العدد 2 ,, ديسمبر 1998 ,, إعداد الفريق المركز للمشروع د. إبراهيم العيسوى وآخرون ,, منتدى العالم الثالث ,, مركز الشرق الأوسط ,, القـــاهــرة ,, صـ 17
[4] - أوراق مصر 2020 ,, بدايات الطرق البديلة إلى عام 2020 ,, العدد 2 ,, ديسمبر 1998 ,, إعداد الفريق المركز للمشروع د. إبراهيم العيسوى وآخرون ,, منتدى العالم الثالث ,, مركز الشرق الأوسط ,, القـــاهــرة ,, صـ 18
[5] - أوراق مصر 2020 ,, بدايات الطرق البديلة إلى عام 2020 ,, العدد 2 ,, ديسمبر 1998 ,, إعداد الفريق المركز للمشروع د. إبراهيم العيسوى وآخرون ,, منتدى العالم الثالث ,, مركز الشرق الأوسط ,, القـــاهــرة ,, صـ 24 ، 25
[6] - أوراق مصر 2020 ,, بدايات الطرق البديلة إلى عام 2020 ,, العدد 2 ,, ديسمبر 1998 ,, إعداد الفريق المركز للمشروع د. إبراهيم العيسوى وآخرون ,, منتدى العالم الثالث ,, مركز الشرق الأوسط ,, القـــاهــرة ,, صـ 25
[7] - أوراق مصر 2020 ,, بدايات الطرق البديلة إلى عام 2020 ,, العدد 2 ,, ديسمبر 1998 ,, إعداد الفريق المركز للمشروع د. إبراهيم العيسوى وآخرون ,, منتدى العالم الثالث ,, مركز الشرق الأوسط ,, القـــاهــرة ,, صـ 25 ، 26 ، 27
#عبد_المجيد_راشد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟