|
مبادرة الحكم الذاتي للصحراء
محمد بوبوش
الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 11:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مبادرة الحكم الذاتي للصحراء المضمون والإشكالات
منذ استقالة المبعوث الأممي في الصحراء الأمريكي جيمس بيكر في يونيو 2003 والنـزاع يراوح مكانه، بعدما فشل وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في الحصول على تأييد كافة الأطراف لمخططاته المقترحة للحل والتي حملت اسمه، مما عزز لدى مختلف القوى الدولية المتدخلة في الملف -واشنطن وباريس ومدريد- قناعة بأن أي حل خارج الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية مآله الفشل وللخروج من المأزق والنفق الذي أصبحت تعيش فيه قضية الصحراء تبنى المغرب استراتيجية هجومية بدل الوقوف وانتظار الحلول، لذلك شن المغرب حملة دبلوماسية الكثيفة شملت حوالي 30 دولة، عربية وأوروبية وإفريقية وأمريكية لاتينية لشرح مضامين المقترح المغربي ونجحت الدبلوماسية المغربية من خلال هذه الحملة في كسب تأييد و"تفهم" العديد من العواصم وفي مقدمتها مدريد وواشنطن وباريس..
أولا: مضامين" مبادرة الحكم الذاتي للصحراء نشير في البداية أن المبادرة المغربية للحكم الذاتي لجهة الصحراء لا تختلف كثيرا عن اتفاق- الإطار لسنة 2001 الذي وافق عليه المغرب وعارضته الجزائر وجبهة البوليساريو لأنه يساعد على إدماج الصحراء بسهولة ضمن المغرب. وتتكون نص المبادرة من 35 نقطة توزعت على ثلاث محاور كبرى كل منها يحتوي على مجموعة من النقط. أول المحاور "التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائي" ويتضمن مجموعة النقط المرقمة من 1 إلى 10. تبتدأ بالمنطلقات الدولية التي دعت إلى انخراط "المملكة المغربية في دينامية إيجابية وبناءة وملتزمة بتقديم مبادرة للتفاوض بشأن الحكم الذاتي لجهة الصحراء، في إطار سيادة المملكة ووحدتها الترابية الوطنية". وتؤكد المبادرة في النقطة الرابعة على أن المملكة المغربية تكفل من خلال المبادرة، لكافة الصحراويين، سواء الموجودين في الداخل أو الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء". ووجهت المبادرة في نقطتها التاسعة "نداء إلى باقي الأطراف من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة". وعبرت النقطة الأخيرة في هذا المحور عن استعداد المملكة "للتعاون التام مع الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي". 1- العناصر الأساسية للمقترح المغربي أما المحور الثاني من النسخة فيضم النقط من 11 إلى 26 والتي تعتبر "العناصر الأساسية للمقترح المغربي". وينقسم إلى قسمين الأول: "أ ـ اختصاصات جهة الحكم الذاتي للصحراء"، والثاني "ب ـ هيئات الجهة". وتنص المبادرة في النقطة 12 على أن "يمارس سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيآت تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولاسيما في الميادين التالية:الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة. على المستوى الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة. وميزانية الجهة ونظامها الجبائي. والبنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل، وعلى المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، والتنمية الثقافية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني، والبيئة. 2- موارد الحكم الذاتي في النقطة 13 تتحدث المبادرة على موارد جهة الحكم الذاتي للصحراء وتتكون هذه الموارد من: الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيآت المختصة للجهة، والعائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة، وجزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة، والموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني، وعائدات ممتلكات الجهة. وتنص النقطة 14، والتي يمكن اعتبارها تفصيلا للنقطة السادسة، على أن "تحتفظ الدولة المغربية باختصاصات حصرية، خاصة منها ما يلي: مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، والمقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية، والأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، والعلاقات الخارجية، والنظام القضائي للمملكة. وتباشر الدولة المغربية العلاقات الخارجية، وفق النقطة 15، بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات. 3- هيئات جهة الصحراء وحدتت المبادرة في ثمان نقط (19-26) طبيعة الهيئات والمجالس وسلطها والمحاكم ومهامها. فتكلمت النقطة 19 عن البرلمان وجاء فيها "يتكون برلمان الحكم الذاتي للصحراء من أعضاء منتخبين من طرف مختلف القبائل الصحراوية، وكذا من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من طرف مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة ملائمة من النساء". فيما تكلمت النقطة 20 عن رئيس حكومة الجهة إذ "يمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان الجهوي وينصبه الملك". والذي يعتبر هو "ممثل الدولة في الجهة". ويتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء، وفق النقطة 21، تشكيل حكومة الجهة، ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكولة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة". وجاء في النقطة 22 أنه" يجوز للبرلمان الجهوي أن يحدث محاكم تتولى البت في المنازعات الناشئة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيآت المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك". كما نصت المبادرة في نقطتها 25 بأن "يتمتع سكان الجهة بكافة الضمانات التي يكفلها الدستور المغربي في مجال حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها دوليا". 4- مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله والمحور الأخير حسب "نيشان" هو "مسار الموافقة على نظام الحكم الذاتي وتفعيله"، ويتضمن باقي النقط الخمس والثلاثين. وتعِد المبادرة في النقطة الأولى من هذا المحور بأن "يكون نظام الحكم الذاتي موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. وبعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير". وتعَهَّد المغرب في النقطة ما قبل الأخيرة من المبادرة بالتفاوض بحسن نية وبروح بناءة، منفتحة وصادقة، من أجل التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول من جميع الأطراف، لتسوية هذا الخلاف". وفي النقطة 35 تختم المبادرة بالتأكيد على "أن الدينامية التي أفرزتها هذه المبادرة تتيح فرصة تاريخية لحل هذه القضية بصفة نهائية". ثانيا: الإشكالات المرتبطة بتطبيق المبادرة يثير مفهوم الحكم الذاتي، في التطبيق، مشكلات عديدة، نظرا إلى غموضه وعدم تحدده، ونسبية مفهومه وافتقار نص واضح بشأنه يمكن الاحتكام إليه عند الضرورة، الأمر الذي يجعل من المفهوم موضوعا للتأثر بعلاقات القوى والرؤى الإيديولوجية. ومن خلال تتبع بعض أنماطه، وتطبيقاته المتعددة، يمكننا استخلاص بعض المشكلات الهيكلية التي تصاحب تطبيقاته على أرض الواقع.
1- صراع المصالح: كثيرا ما ينشب نزاع في المصالح بين الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي، سواء أكانت أقاليم أم مناطق وبين الدول صاحبة السيادة، أو بين هذه الأقاليم وبين الدول المستعمرة. ففي حالة الأقاليم والمناطق والصراع بينها وبين الإدارة المركزية والدولة صاحبة السيادة، ينصب الصراع على تعارض المصالح الخاصة بالإقليم مع المصالح الوطنية العليا التي تحظى برعاية الدولة. وفي حالة الأقاليم الخاضعة للاستعمار ينصب هذا الصراع حول الاستقلال والأمن والعلاقات الخارجية وغيرها من القضايا ذات التأثير المباشر في مصالح الطرفين كما يراها كل منهما على حدة: وتتخذ معالجة هذا الصراع أشكالا ثلاثة: *حل سياسي: ويتم اللجوء على هذا الحل في حالة أن تكون الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي ذات وضعية دولية وتخضع لنظام دولي ، كما هو الحال بالنسبة إلى إقليم "السار" الذي منحته المعاهدة الألمانية-الفرنسية حكما ذاتيا مضمونا من ثماني دول، وهي اتحاد أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، وكان اتحاد دول أوربا الغربية أصدر قرارا في 11 ماي 1955 ينص على أنه في حالة خرق وضع الإقليم من أية جهة، فإن للمفوض الأوربي أن يدعو إلى عقد جلسة طارئة لاتحاد دول غرب أوربا، وعليه اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة، لمعالجة الموقف وبالمثل حالة إقليم تريست ، حيث نص على تسوية من طريق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. *حل قانوني: ويتم استخدام هذا الحل بكثرة في إطار الدولة الاتحادية، إذا ما نشب نزاع بين بعض الولايات الاتحادية، إذ إن المحكمة الاتحادية هي الجهة المختصة في الفصل في هذا النزاع. *التحكيم: يقوم على أساس تشكيل مجلس تحكيم للبت في المشكلات المثارة على غرار المعاهدة الفرنسية التونسية التي أنشأت مجلس تحكيم من سبعة أعضاءه لاتخاذ القرارات اللازمة. 2- مشكلة الشخصية الدولية: إن الدولة كوحدة للقانون الدولي تتمتع بالشخصية الدولية، مع مراعاة ما يرافق ذلك من حقوق والتزامات، فهي تتمتع بالسيادة على إقليمها، وتشارك في الأنشطة التي تهم الجماعة الدولية ككل، ولها الحق في تقرير سياستها الخارجية .ويقصد بالشخصية القانونية الدولية التمتع بصفة شخص للقانون Sujet de droit في نطاق القانون الدولي l ordre juridique international فهي الفكرة التي تدل على الوضعية القانونية التي يتمتع بها أشخاص القانون الدولي، والتي تؤهلهم لاكتساب الحقوق والالتزامات الدولية . ويترتب عن الاعتراف للدولة بالشخصية القانونية كل الآثار القانونية المرتبطة بالدولة من زاوية حقوقها والتزاماتها ومسؤولياتها عن الأفعال والتصرفات التي تقوم بها على المستوى الدولي ، غير أن مختلف تطبيقات الحكم الذاتي سواء كان داخليا أم خارجيا، لم تتمتع الأقاليم الخاضعة له بالشخصية الدولية، فمثلا تونس في الإطار الاستعماري و "بورتوريكو" و"غرينلاند" ، لم تحظ، طبقا للحكم الذاتي، الممنوح لها، بحق تقرير الشؤون الخارجية والدفاع.فبورتوريكو ترتبط بالولايات المتحدة الأمريكية باتحاد حر، وتقوم هذه الأخيرة بتقرير شؤون الدفاع والخارجية. وفي "غرينلاند" تقوم حكومة الدانمرك بتقرير سياستها الخارجية، مع استشارة "غرينلاند" عندما يتعلق الأمر بقضايا تخصها كالعلاقة مع دول الإتحاد الأوربي، أما تونس، فكانت فرنسا هي التي تتولى إدارة شؤونها الخارجية وتمثيلها على المستوى الدولي، أما اسبانيا، فلا يختلف الأمر،إذ تتمتع المناطق المحكومة ذاتيا بصلاحيات تشريعية وتنفيذية محدودة بنطاق الإقليم، بينما احتفظت السلطة المركزية في مدريد بتقرير السياسة الخارجية،، وشؤون الدفاع والأمن والخارجية، وتقرير السياسات المالية العامة والأنظمة المصرفية المعمول بها في البلاد، وكذلك عقد المعاهدات، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو سياسية. والنتيجة المترتبة على ذلك، أن وحدات الحكم الذاتي، سواء كانت في الإطار الداخلي أو الدولي، وسواء تعلق الأمر بالأقاليم أو الجماعات القومية، لا تحظى بالشخصية الدولية، ومن ثم فليست موضوعا للقانون الدولي وإنما موضوعا للقانون الداخلي وشخصا له . وبالتالي يمكن القول أن منطقة الصحراء لن تتمتع بشخصية دولية على المستوى الدولي، كما لأن صلاحيات الرئيس التنفيذي لمنطقة الصحراء ستكون صلاحياته الدبلوماسية محدودة بنطاق خطة الحكم الذاتي، فهو لن يستطيع إقامة علاقات دبلوماسية مع الخارج أو توقيع اتفاقيات ومعاهدات سياسية، فهذه من صلاحيات السلطة المركزية في الرباط، اللهم بعض الاتفاقيات ذات الطابع الاقتصادي والثقافي حيث يتم توقيعها باستشارة مع الحكومة المركزية في العاصمة. ويمكن للحكومة المركزية في الرباط استشارة سلطة الحكم الذاتي في المسائل والقضايا الاقتصادية التي تهمها على المستوى الخارجي كالعلاقات مع الاتحاد الأوربي في مجال الصيد البحري او اتفاقيات الاستثمار الأجنبية مثلا. وإذا كانت الحكومة المغربية احتفظت بصلاحيات سيادية مقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، و المقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية،الأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية،العلاقات الخارجية،النظام القضائي للمملكة،إلا أن المبادرة لم نشر إلى نظام البريد(الطابع البريدي) الذي يعد رمزا للسيادة المغربية. هناك إشكال آخر وهو متعلق باستعمال المبادرة لمصطلح "الجهة"،فهذا المصطلح في غير محله، لأم قانون الجهة الصادر في 2 أبريل 1997، لن يطبق على الصحراء لأنها لن تعود جهة من الجهات 16 التي تتكون منها المملكة، وبالتالي يفضل استعمال مصطلح "منطقة" أو " إقليم".
3- استغلال الموارد الطبيعية: تتفاوت سلطة الحكومات الذاتية على مواردها الطبيعية واستغلالها بتفاوت طبيعة ونوعية الحكم الذاتي ودرجته التي تتمتع بها ففي الحكومات الفيدرالية القوية نجد أنها تنزع إلى السيطرة على هذه الموارد واستغلالها، خصوصا في قطاع المناجم والمعادن، وتحظى كثير من الوحدات الذاتية بالسيطرة على مواردها الطبيعية، كإريتريا و"غرينلاند" نظرا لأهمية هذه الموارد الطبيعية في هذه الأخيرة، فقد تشكل مجلس مشترك بين حكومة الإقليم والحكومة الدانمركية للإشراف على هذه الموارد واستغلالها. وفي حالة إقليم الصحراء، فإن للحكومة المركزية لها الصلاحية المطلقة فيما يتعلق بحق إصدار التشريعات الأساسية الخاصة في الميادين التالية التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة،ميزانية الجهة ونظامها الجبائي، البنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل،السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني، والبيئة. 4- مشكلة توزيع الصلاحيات: تسود هذه المشكلة في كافة نظم الحكم الذاتي، وتتلخص في كيفية توزيع الصلاحيات التنفيذية، والتشريعية، بين الأقاليم المحكومة ذاتيا، وبين السلطة المركزية، وهناك ثلاثة طرق لتوزيع هذه الصلاحيات، هي: أولا، تعيين الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين الوحدات الذاتية والسلطة المركزية، وتتمثل عيوب هذا الحل في وجود فجوات في الممارسة، نظرا إلى تداخل العديد من الصلاحيات والمجالات في التطبيق، فضلا عن أنه نظري أكثر منه عملي، ثانيا،الاقتصار على توزيع وتعيين صلاحيات الوحدات الذاتية في مجالات محددة، كما في إسبانيا وإيطاليا وكندا، ثالثا، الاكتفاء بتعيين الصلاحيات والمجالات التي تقتصر على الدولة والسلطة المركزية ذات السيادة .
5- مشكلة الإقليم: تتوقف إثارة مشكلة الأراضي في الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي وفقا لطبيعة المشكلات المنوط به معالجتها، وكذلك طبقا للسياق التاريخي، بجوانبه القومية والثقافية. ففي حالات عديدة لا تمثل الأراضي مشكلة محورية، إذ غالبا ما يتقرر وضع الأراضي طبقا لما كانت عليه في السابق، أي قبل قيام سلطة الحكم الذاتي (تمثل الحالة الفلسطينية استثناء من ذلك)، أي أنها تمثل جزءاً لا تجزأ من إقليم الدولة، وإذا ما أثيرت فإنها تثار تحت صيغة تحويل أو تفويض سلطة الحكم الذاتي إدارة الأراضي الداخلة في نطاق الخدمات والنشاطات التي تمارسها. وعلاوة على ذلك، غالبا ما يتم الإشارة أو النص في تقرير صيغة الحكم الذاتي حول المساواة بين مواطني إقليم المتمتع بالحكم الذاتي والمواطنين الآخرين في الأقاليم المختلفة للدولة المعنية في تملكها وشرائها والانتقال من الإقليم وإليه من دون حواجز ثقافية أو لغوية أو عنصرية، وذلك إعمالا للمساواة بين المواطنين التي تكفلها الدولة وتدخل ضمن صلاحياتها، وكذلك تأكيدا لسيادة الدولة على الأراضي والأقاليم كافة الخاضعة لها. وهذا يعني أن المواطنين المغاربة المقيمين خارج حدود إقليم الصحراء متساوون في الحقوق والواجبات ويشكلون الأمة المغربية الواحدة تحت علم واحد وجنسية واحدة، وتجمعهم بأمير المؤمنين رابطة البيعة والتقاليد الإسلامية المغربية الضامنة لوحدة الأمة المغربية وتماسكها في الداخل والخارج.
6- المسائل الأمنية: تقتصر المسائل الأمنية في تطبيقات الحكم الذاتي على الأمن الداخلي المحدود بنطاق الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي، ذلك أن قضايا الأمن القومي تدخل في عداد صلاحيات الأجهزة المركزية للدولة، وطبقا لذلك فإن معظم الوحدات المتمتعة بالحكم الذاتي لها صلاحية تشكيل قوة شرطة محلية، وتعتبر هذه القوة جزءا من سلطات الحكومة الذاتية. وحتى في المجالات التي لا ينص فيها على ذلك فإن الإقليم المتمتع بالحكم الذاتي بإمكانه تشكيل قوة شرطة محلية تضمن تنفيذ التشريعات في مجال الضرائب والتجارة، وحماية البيئة، كما هو الحال في جزيرة غرينلاند وفي إقليم الباسك . وبالتالي يمكن لسلطة الصحراء تشكيل قوة شرطة محلية لحفظ الأمن والنظام بالتنسيق مع القوات الأمنية المغربية. 7- السياسة الاقتصادية والمالية العامة: تمثل وحدات الحكم الذاتي ، بدرجات متفاوتة، جزءا من اقتصاد قومي موحد وسياسة مالية موحدة على الصعيد القومي، إذ تحتفظ الحكومة المركزية بحقوق وصلاحيات لا تقبل المنازعة في تقرير السياسة المالية، وسك النقود، وتحديد معدلات الصرف، والإشراف على نظام قومي للجمارك والضرائب،كذلك في وضع خطط التنمية الاقتصادية، وعقد الاتفاقيات المالية، والقروض مع الدول الأجنبية ومع ذلك، فقد تسمح الدولة في بعض الحالات للحكومات الذاتية، بفرض وتجميع بعض الضرائب المحلية، أو تفويضها في ذلك. إن قيام هيئات الحكم الذاتي بإدارة الشؤون الخاصة للإقليم، وتحقيق أهدافها في تطويره وتقدمه، لابد أن يكون معتمدا على موازنة مستقلة لها، من حيث التمويل والإنفاق الذاتي، غير أن هذا الاستقلال المالي ليس مطلقا، بل ترد عليه عدة قيود تحد منه: 1- إن قيام هيئات الحكم الذاتي بإعداد وتنظيم الموازنة الخاصة بها، تكون ملزمة بالتقيد بالقواعد الدستورية، فلا يستطيع مخالفة المبادئ التي قررتها التشريعات المركزية في هذا الشأن. 2- تنص الدساتير التي أخذت بفكرة الحكم الذاتي على منع هيئات الحكم من فرض الرسوم الجمركية على دخول أو خروج للبضائع التي تمر في حدود الإقليم، كما تنص على عدم حرمان أي مواطن في الدولة من الإقامة في أراضيه ، وهذا الوضع يتفق مع فكرة الوحدة السياسية للدولة. 3- القيد الثالث يقضي بأن الحكومة المركزية هي التي تحدد أسعار الضريبة، لكن هذا لا يمنع هيئات الحكم الذاتي حقها في مباشرة بعض الاختصاصات المالية، وذلك على الأسس الآتية : - اشتراك هيئات الحكم الذاتي مع الحكومة في إدارة وتحديد وتحصيل موارد الضرائب وفقا للتشريعات المرعية. - سلطة فرض ضرائب ورسوم إقليمية، مع تخويلها حق إصدار تشريعات لازمة لتحصيل الأموال العامة في حدود ما يتقرر لها من اختصاصات. وتجدر الإشارة إلى أن الموازنة المخصصة لإقليم الحكم الذاتي، قد لا تكفيه لسد حاجاته، وهو الأمر الذي قد يضطره إلى طلب الإعانات والقروض من الحكومة المركزية، وقد تقرر هذه الأخيرة من تلقاء ذاتها منح مساعدات للإقليم. وليس هناك ما يخشى من تقديم هذه الإعانات من الحكومة المركزية وذلك لسببين: أ- نلاحظ أن اختصاصات هيئات الحكم الذاتي محددة على سبيل الحصر في كل الأحوال، سواء أشار الدستور المركزي إلى اختصاصات الحكومة المركزية أم لم يشر، فإزاء الاختصاص المقيد لهيئات الحكم الذاتي تكون الحكومة المركزية هي المختصة في جميع ما لم يرد به النص، وترتيبا على ذلك فهي منطقيا ليست في حاجة إلى توسيع اختصاصاتها على حساب إقليم الحكم الذاتي. ب- الغرض من هذه الإعانات محدد، لأن المشرع يحدد الغاية والغرض من تلك الإعانات التي تمنح لتكون في صالح الإقليم، ولتغطية ميزانيته التي بها ينمو ويتطور ليتساوى مع بقية أقاليم الدولة، وبناء على ذلك فلا تعتبر هذه الإعانات وسيلة للتدخل في شؤون الأقاليم، بل لصالحه.
8- أصل السلطة في الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي: إن الأصل في سلطة الحكم الذاتي أي المنشئ لها، لا يصدر عن الوحدة المتمتعة بالحكم الذاتي، بل عن سلطة خارجة عنها تنتمي لها، ويتميز هذا العمل بإنكار الحرية الدستورية للوحدة الذاتية، فسلطتها ليست ناشئة عن إرادتها. وتتفاوت أنماط هذا الوضع المفروض من حالة لأخرى، ففي بعض الحالات، قد يكون معاهدة دولية، والأمثلة على ذلك عديدة، كمدينة "دانزيغ Dantzig"، الحرة والتي حددت وضعيتها معاهدة "فرساي" ، وإقليم "السار" الذي حددت وضعيته المعاهدة الألمانية الفرنسية، ومدينة "كرا سوفي Cracovie" لمعاهدة فيينا ، وإقليم تريست Treiste طبقا لمعاهدة السلام مع إيطاليا في 10 فبراير عام 1947 ، وتوصف هذه المدن والأقاليم في إطار أنماط الحكم الذاتي بأنها ذات نظام دولي. إن سلطة الحكم الذاتي ليست سلطة ذات سيادة، وتتميز عن سلطة الدولة إذ هي سلطة أصلية، بينما تتميز سلطة الحكم الذاتي عن السلطة في الوحدة اللامركزية، فالأولى يمكنها إدارة شؤونها بنفسها، وتعتمد على صلاحياتها الخاصة، بينما لا تستطيع ذلك الثانية، بل لا تملك هذه السلطة. وفضلا عن ذلك، فإن النظام القانوني في الوحدة المحكومة ذاتيا هو نظام تابع لنظام قانوني آخر، قد تشارك الوحدة الذاتية في السلطة صاحبة السيادة والمنشئة لصلاحياتها، ولكنها ليست سيدا مطلقا لوضعها، فالوحدة الذاتية تختلف عن الدولة، فهي ليست جهاز سيطرة وردع، ولا تملك قدرة على الاستقلال، في حين أن الدولة هي قوة رادعة وجهاز له القدرة على التنظيم الذاتي والسيطرة، وتملك الاستقلال ولا يغير من واقع وحدة الحكم الذاتي ممارستها للوظيفة التشريعية وذلك حتى لو امتلكت نظاما قانونيا مستقلا وقدرة قانونية منشأة ومستقلة، وإذا امتلكت هذه القدرة فإنها تفتقد لكامل الحرية الدستورية ذلك لأن وضعها ينبغي أن يتلاءم مع القاعدة العامة للنظام القانوني المعمول به في إقليم الدولة. وإذا كان الفعل المنشئ للوحدة الذاتية في بعض الحالات يمكن أن يكون معاهدة دولية كالحالات التي أشرنا إليها وحالة تونس، فإن هذا الفعل في بعضها الآخر يكون قانونا كما في حالة إسبانيا وإيطاليا خاص بإنشاء أقاليم ومناطق محكومة ذاتيا وفي حالات أخرى يمكن أن يكون هذا الفعل تعديلا دستوريا تشارك الوحدة الذاتية في المطالبة به وصياغته. هذه بعض الإشكاليات التي قد تصاحب تطبيق الحكم الذاتي على أرض الواقع، و على المغرب توخي الحذر والحيطة عند تطبيق مشروع الحكم الذاتي، فقد علمتنا التجارب السابقة لبعض البلدان العربية التي سبقتنا في هذا المجال أن الحكم الذاتي لم يكن سوى مجرد جرعة مسكنة قليلة الفعالية، ذاك أنه ثبت عمليا قصور هذا النظام على تحقيق الاستقرار السياسي والقضاء على مشكلة عدم التكامل كالسودان الذي عانى طوال 30 سنة من حرب أهلية انتهت بتوقيع اتفاقية مع الجنوب لتوزيع السلطة والثروة، والعراق الذي عانى فيه اقليم كردستان من طغيان النظام السابق والتدخل التركي من الشمال، والفلبين الذي عانى فيه المسلمون من تراجع حكومة مانيلا من تطبيق بعض بنود الحكم الذاتي .
#محمد_بوبوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل حان الوقت لأمين عام أسيوي؟
-
قضية الصحراء ومفهوم الاستقلا الذاتي
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|