|
العِبَارة .. فى العبَّارة!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 13:02
المحور:
حقوق الانسان
مثل كل برلمانات الدنيا .. قام مجلس الشعب المصرى بتشكيل لجنة لتقصى الحقائق فى كارثة غرق العبارة "السلام 98"، التى راح ضحيتها أكثر من ألف إنسان مصرى لفظوا أنفاسهم فى قاع البحر الأحمر. ورغم أن عمل هذه اللجنة ، التى رأسها النائب حمدى الطحان، استغرق فترة طويلة ناهزت ستة عشر شهراً .. فإن عملها انتهى بإصدار تقرير بالغ الأهمية. وأكد حمدى الطحان ان هناك أسباباً كثيرة وراء الكارثة تحمل فى مجملها معنى الفساد، لكن الفساد الأكبر هو عدم الاعتراف بهذا الفساد. والعجيب أن مجلس الشعب وجه التحية للنائب حمدى الطحان رئيس لجنة تقصى الحقائق حول غرق العبارة "لحيدته وشفافيته المطلقة عند تناوله إعداد التقرير". ومع ذلك فإن هذه الإشادة جاءت مصحوبة بأمور مناقضة. من هذه الأمور غياب رئيس مجلس الوزراء عن مناقشة هذه القضية رغم خطورتها. فإذا لم تكن هذه الكارثة تستحق حضور رئيس الوزراء إلى مجلس الشعب للاستماع إلى رأى النواب وأسئلتهم واستفساراتهم فماذا يمكن أن يقنعه أكثر من ذلك بأهمية التواجد فى البرلمان؟ ولعل هذه المسألة، التى يجب النظر إليها باعتبارها مسألة شكلية، هى التى استفزت الدكتور فتحى سرور رئيس مجلس الشعب وجعلته يحذر نظيف " لا تلومن إلا نفسك نتيجة غيابك عن جلسة العبارة". النقطة الثانية هى العصبية غير المألوفة من الدكتور مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية الذى شن هجوماً شديداً على نواب المعارضة الذين تقدموا باستجوابات بشان كارثة العبارة لرئيس الوزراء ووزراء الدفاع والنقل والطيران، ووصفه لهم بأنهم "يهولون ويبالغون لاثارة مشاعر الناس الطيبين لنشر البلبلة" بناء على "اتهامات باطلة" حسب قوله. فاذا كانت هذه اتهامات باطلة فما هو تفسير إثبات تقرير لجنة تقصى الحقائق لها؟ وإذا كان الجزع من مقتل 1033 شخصا يعد تهويلا ومبالغة مقصود بها إثارة مشاعر الناس الطيبين، فما هو رقم الموتى من المصريين الذى لا يكون الغضب عليه تهويلا ومبالغة، علماً بأن عدد ضحايا العبارة يكاد أن يكون أكبر من ضحايا حرب إسرائيل على لبنان فى يوليه الماضى؟! النقطة الثالثة أن كارثة العبارة ليست من بين تلك القضايا التى ينقسم فيها النواب بين "موالاة" و"معارضة". لأن المفترض ان الجميع يقفون صفاً واحداً فى مواجهة مثل هذه المصائب بصرف النظر عن الانتماء السياسى أو الموقف الحزبى. بل إن المفترض أن يتسابق الأعضاء من مختلف الفصائل للكشف عن أسباب الكارثة والمسئولين عنها والمطالبة بحسابهم واتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكرارها. ولهذا كان من المستغرب أن يلجأ الحزب الوطنى إلى الأغلبية الجاهزة التى يمتلكها فى المجلس من أجل إغلاق ملف هذه المصيبة، بما يعنى – عملياً – ان نواب الحزب الوطنى يعطون الفرصة للمسئولين عن هذه الكارثة للنجاة بفعلتهم وجريمتهم. وفى رأيى أن هذه إساءة للحزب الوطنى اولاً وقبل كل شئ، ولم يكن من الحصافة السياسية الوقوع فى مثل هذه السقطة. فماذا يضير الحزب الحاكم أن يتمسك بنتائج تقرير لجنة تقصى الحقائق الذى يوجه أصابع الاتهام إلى جهات حكومية متعددة، جنباً إلى جنب مع الشركة المالكة للعبارة المنكوبة؟! وماذا يضيره حتى ان يسحب الثقة من الحكومة التى تمت هذه البلوى فى عهدها، خاصة وأن الكحومة التى ستخلفها ستكون حكومة الحزب الوطنى أيضاً وليست حكومة المعارضة؟! إن مثل هذه المواقف العصبية والمتعجلة وقصيرة النظر تسئ إلى الحزب الوطنى وتنال من شعبيته وتعطى حججاً إضافية لخصومه ومنتقديه. وهو لا يسئ إلى نفسه فقط، بل إن لجوءه المتعجل إلى الأغلبية الجاهزة التى يمتلكها، يسئ إلى مجلس الشعب أيضاً، ويفقده ثقة الناس، وهى ثقة مزعزعة أصلاً. ومثل هذه المواقف التى تفتقر إلى الحساسية إزاء الكوارث التى تهز ضمير المجتمع، تصيب الناس باليأس والاحباط وهم يرون المؤسسات التى يفترض فيها أن تأتى لهم بحقوقهم تغلق الملفات وكأن شيئاً لم يكن. هذا وضع بالغ الخطورة لأنه يهزر ثقة الراى العام فى القنوات الشرعية وجدوى اللجوء إليها والاحتكام إلى آلياتها. فاذا كانت هذه القنوات عاجزة عن القصاص لدماء أكثر من ألف من المصريين الغلابة الذين أغتالتهم أيدى الاهمال والتواطؤ والتسيب والجشع .. فإلى من يلجأ "الناس الطيبين" على حد تعبير الدكتور مفيد شهاب؟! ثم أن الخطير فى هذه القصة المحزنة هو تهوين الحكومة من هذه الكوارث المروعة، بدليل إصرارها على أنها لا تستحق ردود فعل أكثر من إغلاق الملف وكأن شيئاً لم يكن. هذا التهوين، وتلك الاستهانة ، تعنى أننا إزاء تدهور فى نسق القيم ، لاحظنا مثالا له الأسبوع الماضى فى مصيبة القمح المسرطن، وها نحن نرى نموذجاً مروعا له فى مأساة العبارة. ومرة ثانية .. إذا كانت أرواح 1033 مصرياً ماتوا غيلة وغدراً لا تستحق استنفاراً قومياً ومحاسبة على مستوى يتناسب مع الحجم الكارثى لهذه "المذبحة" .. فماذا يمكن أن يحرك مشاعر أولئك الذين قرروا إغلاق الملفات؟!
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتبهوا أيها السادة: مؤامرة لاغتيال عقل مصر!
-
تعارض المصالح .. للمرة الألف
-
البيئة .. والسياسة
-
نهاية الرئيس العاشر للبنك الدولى
-
إلا رغيف العيش
-
الدين .. والبورصة
-
إنها الفتنة ! بالله عليكم.. لا تقولوا أن الوحدة الوطنية بخير
-
صحة المصريين... وروشتة الجبلى (2)
-
أمريكيون أكثر من الكونجرس الأمريكي!
-
ساركوزى دخل الاليزيه بفضل أسامة بن لادن!
-
أمريكيون أكثر من الكونجرس الأمريكي
-
ساركوزى دخل الاليزيه بفضل أسامة بن لادن
-
(صحة المصريين .. وخطة الجبلى (1
-
مسلمون بالإكراه
-
نوبة دوت كوم
-
.. وأخيراً تحدث أحمد عز!
-
وصف مصر.. بالأرقام 5
-
وصف مصر.. بالأرقام 3
-
الإسرائيليون يحاولون إعادة احتلال سيناء.. بالاستثمار
-
لوغاريتمات راجى عنايت!
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|