أكد الأعلان العالمي لحقوق الأنسان الصادر في 10/12/1948 بموافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ليؤكد الأتفاقيات الدولية السابقة ويدعو الى حماية الحقوق المشروعة للأنسان ، ومن بين أهم هذه الحقوق هي حق الأنسان في تحقيق عادل لايمس كرامته ووفق أسس قانونية ومحاكمة عادلة تضمن له العدالة في الأجراءات القانونية وحقه في الطعن والتمييز بهذه القرارات والأحكام الصادرة .
وقد جاءت الأتفاقية الأوربية لحماية حقوق الأنسان والحريات الأساسية التي صدرت عام 1950 لتؤكد أيضاً على ضمانات هذه الحقوق والتمسك والعمل بها لذا فأنها أتفاقية مؤكدة وتعتبر أمتداداً للأعلان العالمي لحقوق الأنسان .
مثلما أعطت اللائحة لهذا الأنسان الحق في المطالبة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقته من جراء التدخل التعسفي وحجز حريته أو حجز أمواله وأنتهاك حريته أذا ثبتت برائته من التهمة المسندة اليه وفق القانون ، كما منحت الأتفاقيات اللاحقة للمواطن المطالبة بالتعويض أذا ماتمت الأجراءات بحقه بشكل غير قانوني وتعسفي يفتقر للسند القانوني .
ومن المباديء العامة التي أكدت عليها الدساتير ونصت عليها القوانين الجنائية في أبواب المباديء العامة ، كون المتهم بريء حتى تثبت أدانته ، وهذا المبدأ يرفع صفة الأدانة عن أي متهم مهما كانت تهمته الا بعد التحقق وثبوت التهمة أو توفر الأدلة التي تكفي لأحالته للمحاكمة أو التي تكفي لأدانته من قبل المحكمة المختصة وبعد صدور قرار ويكتسب هذا القرار الدرجة القطعية بأن يصبح باتاً أكتملت جوانب التدقيقات التمييزية عليه .
وبعد كل هذا فقد سارت الجمعية العامة للأمم المتحدة ومن خلال مؤتمراتها اللاحقة لتؤكد على هذه المباديء وتعتبرها من المباديء العامة التي لايجوز مخالفتها أو خرقها ، وذلك من باب توفير الضمانات الأكيدة لحقوق الأنسان ، ووصل الأمر لأصدار التوصيات التي تعتبر أن الحصول على الأدلة والأعترافات نتيجة التعذيب وأستعمال الأساليب المتمثلة بالقسر والأكراه والضغط أو أستعمال أية وسائل مادية أو معنوية غير مشروعة وأستعمال التخدير والتنويم جميعها وسائل غير مشروعة وتلغي مشروعية الدليل المادي المطروح للمناقشة أمام المحكمة وتعتبره ليس له قيمة بين الأدلة المعتبرة قانوناً .
وأعتبرت الدول التي لاتلتزم أو تخرق هذه المباديء من الدول التي تعتبر من الدول التي تخرق حقوق الأنسان ويتم تسجيل مؤشر على أنتهاكاتها وخروقاتها الأنسانية .
وألتزمت الدساتير للعديد من الدول الأعضاء بماورد بهذه التوصيات والمباديء العامة التي وردت فيها ، ومن بين هذه الدساتير ماورد في الدساتير العراقية المتعاقبة .
ومع أن نصوص هذه المواد بقيت حبراً على الورق ليس لها علاقة بالتطبيق الحقيقي فلم تكن السلطة في العراق في الزمن الصدامي البائد تحترم جميع ماورد بنصوص دستورها المؤقت ، لابل لم تحترم ماورد بنصوص اللائحة الأنسانية التي أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة والعراق من بين الدول الموقعة عليها ولاتتقيد بها رغم الأدانات المتعاقبة والأستنكار المتكرر وتسجيل السلطة العراقية ضمن الدول التي تخرق حقوق الأنسان ولاتلتزم بالمباديء الأنسانية العامة ، الا أنها أستمرت بهذا النهج حتى سقوطها وخروجها من دائرة السلطة والحكم في العراق .
وبلغ أن السلطة العراقية في الزمن البائد خرقت أغلب النصوص الخاصة بحقوق الأنسان لعدم أيمانها بحق الأنسان في العراق ، فتم تجريد الأنسان من حقه في المحاكمة وفي سرية المواصلات البريدية والهاتفية ومن حقه في توكيل محام للدفاع عنه في التحقيق أو المحاكمة ، ومن حقه في معرفة التهمة المتهم بها أصلاً ، ومن تطبيق المبدأ الذي يقول أن المتهم بريء حتى تثبت أدانته ، وكذلك ألغاء قدسية الدفاع وعدم الألتزام بالمبدأ العام الدستوري القائل أن لاجريمة ولاعقوبة الا بقانون ، ومخالفة مبدأ شرعي مهم وهو أن (( لاتزر وازرة وزر أخرى )) ، وتمت ممارسة أبشع أنواع التعذيب النفسي والمادي بحق المتهمين وأجبروا على الأعتراف الكاذب والظهور في التلفزيون لتأكيد أتهام أنفسهم تخليصاً لأرواحهم من العذاب الجسدي أو تخليصاً لعوائلهم من التنكيل والأعتداء .
وبلغ الأمر أن تقدم السلطة على أصدار الأحكام بالموت على المتهم حال ظهوره في التلفزيون دون محاكمة أو تدقيق للأحكام .
وأنتهكت السلطة حرمة المنازل بدخولها الكيفي وفي الساعات التي تختارها دون سند أو قرار قضائي ، كما قامت السلطة بالقبض على المواطنين دون صدور قرار من قاضي حتى ولو كان بشكل شكلي ، وأنتهى العديد من الناس تحت التعذيب قبل أن يتم تدوين أقوالهم وأفاداتهم ومعرفة تهمتهم ، وتم تغييب جثثهم وأجسادهم عن أهاليهم ودون أن يتم تحقيق أصولي في هذا الأمر ، ومارس أفراد المؤسسات الأمنية والمخابراتية والأستخبارية أبشع أنواع التعذيب بحق الناس خلافاً لأبسط قواعد الدستور وحقوق الأنسان .
وفي حالات عديدة ومستمرة لايلتزم أفراد جهاز الأمن والمخابرات حتى بقرارات القضاة ، ولايتم أخلاء سبيل المتهم المفرج عنه حتى بعد أكتساب قرار الأفراج الدرجة القطعية مالم يصدر أمراً من رئيس جهاز الأمن .
وفي قانون أصول المحاكمات الجزائية يكون عنصر الأمن أما عضواً في الضبط القضائي أو محققاً يعمل تحت أمرة قاضي التحقيق ، وهو يمثل السلطة التنفيذية التي تقوم بتنفيذ قرارات القضاء وفق القانون ، لكن الذي صار أن هذا العضو القضائي أو المحقق كان هو الذي يختزل القرار القضائي ويصدره ويقوم بتنفيذه .
وأن عدم ألتزام هذا العنصر بكل هذا يضعه تحت طائلة المسؤولية القانونية ، وقد أشارت المادة ( 40 من قانون أصول المحاكمات الجزائية ) الى عمل هؤلاء تحت أشراف الأدعاء العام وخضوعهم في عملهم لرقابة قضاة التحقيق ، وبأمكان قضاة التحقيق أحالة من يرونه مخالفاً لهذه النصوص الى المحاكمة ، في حين أنه لم يصدر قراراً واحداً يقضي بأحالة عنصر أمن واحد الى المحاكمة ، بسبب عدم عرض الأوراق التحقيقية على قضاة التحقيق أولاً ، وعدم أعتبار القرار الصادر من القضاة العاملين في مجال التحقيق ذات قيمة من قبل عناصر الأمن ثانياً ، وأستقلالية العمل الأمني والمخابراتي في العراق عن سلطة القضاء العراقي ثالثاً .
ويقيناً أن للأدعاء العام سلطة قانونية على أعمال كل هذه الجهات ، ولكن المنع والغلق والسرية في العمل يمنعان أي عضو من أعضاء الأدعاء العام تدقيق ألأوراق التحقيقية أو مقابلة المتهمين ومعرفة تهمتهم وقضاياهم .
ومع أن قانون الأدعاء العام الصادر عام 1979 أعطى الحق لعضو الأدعاء العام مراقبة التحريات وعمليات جمع الأدلة وطريقة جمعها ، وعد القانون أن آية مخالفة تعرض مرتكبها للمسائلة الجنائية .
وبالتأكيد يستطيع عضو الأدعاء العام أذا ماشعر بمخالفة صريحة أثناء عمل عضو الضبط القضائي أو المحقق من مفاتحة قاضي التحقيق والرئيس المباشر لهذا العضو أو المحقق يبين فيها أرتكابه للمخالفة أو الخلل في العمل ، لكن الذي يحدث في زمن غياب القانون أن العنصر الأمني من يستطيع محاسبة عضو الأدعاء العام أذا ما تجرأ وحاول أن يمارس تطبيق هذا النص على العنصر الأمني .
وخارج الاختصاصات المحددة في القانون من ناحية الاختصاص المكاني فقد جرى خرق هذه الجهة بشكل سافر ومتكرر في العديد من القضايا ، وقد يستغرب البعض حين تحضر مفرزة من جهاز أمني الى منطقة من مناطق العراق لتقتاد مواطن لاتعرض أمره على قاضي تحقيق المنطقة ، ولاتتم أنابته بتنفيذ أمر قبض أو أجراء تحري للقبض عليه وفق القانون ، ويكون قاضي التحقيق وربما حتى جهاز الشرطة في المنطقة آخر من يعلم بهذا الأجراء .
ولم يرد نص في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي النافذ يبيح للمحكمة في دور التحقيق أن تقوم بتوكيل محام للمتهم أذا لم تكن لديه المقدرة المادية لتوكيل محام للدفاع عنه أو من المتهمين الذين يرفض المحامين التوكل عنهم لأسباب شتى ، على أن تقوم الدولة بدفع المصاريف المترتبة على هذا الأمر بعد أنتهاء القضية التحقيقية أما بأحالة المتهم على المحاكمة أو بالأفراج عنه لعدم كفاية الأدلة للأحالة أو ببرائته من التهمة المسندة اليه وفقاً لنص المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بفقراتها ، انما أقتصر الأمر على المحاكمة أذ أعطى القانون الحق للمحكمة بأنتداب محام للمتهم الذي لايستطيع توكيل محام للدفاع عن نفسه في القضايا الجنائية .
مع أن نص المادة 57 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أعطى الحق للمتهم في مرحلة التحقيق بتوكيل محام والحضور معه عند أستجوابه ، الا أذا كان التحقيق سرياً يتطلب أن ينفرد قاضي التحقيق بالمتهم لضرورة يقدرها القاضي المختص فقط .
وكذلك لم يرد في نصوص قانون أصول المحاكمات الجزائية نص يبيح للمتهم المفرج عنه أو الذي ثبتت برائته أو لم تكن الأدلة في القضية التحقيقية المعروضة تكفي لأحالته على المحاكمة ، أن يطالب بالتعويض عما لحقه من ضرر مادي ومعنوي ، مع أن القانون المدني العراقي منح الحق للمتضرر بالمطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر ، ولكن هذا الأمر يلزم المتضرر أقامة الدعوى المدنية على المخبر الكاذب أو مقدم الشكوى الكيدية ، لكن الأمر لايتعدى الى مطالبة المحقق أو عضو الضبط القضائي بالتعويض عن الخروقات والأخطاء الحاصلة أثناء العملية التحقيقية ، كما أن الأمر لايتعدى الى مطالبة المواطن الدولة بالتعويض عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت به جراء حجزه وتعطيله عن عمله ومالحقه من أساءة لسمعته ومكانته التجارية أو الأجتماعية .
مما يستلزم الأنتباه بدقة الى هذه الحالات في مسألة أعادة النظر في التشريعات الجزائية المزمع مراجعتها في عراق تسوده حقوق الأنسان .
ومن أهم الأسس التي سيعالجها الدستور هي ضمانة حقوق الأنسان وتقيد العاملين في مجال التحقيق والأجراءات الجزائية بنصوص القوانين الأصولية فعلاً ومعرفتهم المسبقة دراسياً وعملياً بحقوق الأنسان الواجبة الأحترام .
و يتطلب الأمر عملياً تهيئة كوادر من ضباط الشرطة الحقوقيين أو المسلكيين المتخصصين في القضايا التحقيقية ومن الذين أمضوا فترات جديرة في العمل التحقيقي ولهم تجربة جيدة في هذا المجال ، وتدريبهم وتعليمهم على الأساليب الحديثة المشفوعة بأحترام المتهم أو المشتبه به وكفالة حقوقه الدستورية والقانونية أثناء العملية التحقيقية ، ففي ذلك ليس فقط ضمانة لحقوق الأنسان في تحقيق العدالة ، أنما التطبيق الفعلي لمباديء الدستور ونصوص القوانين .
كما يصار الى العمل على التخصص في مجال التحقيق بالنسبة لضباط وأفراد الشرطة وعدم ترك ذلك عرضة للتنقلات والحجب الكيفي التابع لأداراتهم ، كما أن تخصيص مخصصات متناسبة مع زخم العمل وحجم المهمة المناطة بالمحققين سواء من العاملين في محاكم التحقيق من المحققين العدليين او من المحققين في مراكز الشرطة العراقية .
مثلما نحن بأمس الحاجة لأدخال مناهج تعليمية يتعلم فيها أطفالنا حقوق الأنسان ، والعمل بجدية من أجل مسح ذهنية الأرهاب وتغييب الرأي الآخر وعدم تقبل التعارض في الفكر والأستخفاف بالرأي المتعارض أو المختلف ولو بشكل جزئي معنا ، نحن بأمس الحاجة للتدريب على مباديء حقوق الأنسان التي خطتها القرارات والمعاهدات الدولية وأقرتها الأمم المتمدنة وأكدت عليها الدساتير المؤقتة ، والتي سيؤكد عليها بقوة دستورنا العراقي القادم في دولة المجتمع المدني .