سمر جزائري
الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 11:15
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
موضوع يحقق التوازن بين النظرة التحليلية والنظرة التركيبية و يُعتبر نص دراسي على حد اعتراف كاتبه " هينتر ميـد" والذي قصد منه فائدة الطالب المبتدئ في الدراسة الفلسفية ثم انه لم يقطع بموقف نهائي بل ترك المجال مفتوحا امام الطالب لآختيار الموقف الملائم الذي يراه. مؤلف كتاب " الفلسفة أنواعها ومشكلاتها" ينتمي الى المدرسة التحليلية الفلسفية وهي المدرسة التي تسيطر على عدد كبير من الجامعات الامريكية والانكليزية. إلا انه يحرص على تحقيق التوازن بين النظرة التحليلية التي ينتمي اليها, بما فيها من تشريح دقيق للمشكلات وتفريغ دائم لها , وبين النظرة التركيبية بما فيها من رؤية شاملة لكل مشكلة في صلتها بالتجربة الانسانية .
وعوداً الى الموضوع الرئيسي نجد إن أول خلاف رئيسي يثار حول مشكلة " الخيـر" أو " القيمـة" هو الخلاف المتعلق بمركز الخير. فهل للخير وجود موضوعي مطلق ؟ وهل هناك "خيـر" بالمعنى العام, أم هو دائما نسبي تبعاً لرضا فرد معين او تفضيله ؟ وهل هناك أحكام تقويمية شاملة , تسري على كل الناس في كل مكان ؟ وهل هناك شيء ينعقد إجماع الناس كلهم بغض النظر عن زمانهم او مكانهم او جنسهم او حضارتهم, على وصفه " بالخيـر"؟ أم أن لكل شخض في نهاية الامر نظاماً فردياُ, وربما مزيداً من القيم ؟ إن كل شخص يبدو أنه يحدد, عن وعي أو دون وعي, مايعده ذا قيمة في العالم, وما يود أن يقضي حياته محاولاً بلوغه, فهل هناك أية معايير موضوعية نستطيع أن نحكم بها على نظام القيم هذا الذي تنطوي عليه أفعاله؟ أم أن عبارته المجردة " إنني أجد خيـراً" هي الكلمة الاخيرة التي يمكن أن تقال في الموضوع؟.
الرأى التقليدي: كان الاعتقاد بأن القيم موضوعية, توجد خارج أذهاننا بوصفها جزءاً من الكون, هو الرأى السائد في الفكر الغربي, ولذا فسوف نبدأ ببحثه, ويبدأ أنصار هذا الرأى برهانهم على موقفهم بأن يشيروا الى أن بعض القيم تبدو موجودة بالنسبة الى جميع الاشخاص, ومهما تفاوتت هذه القيم في البداية, فإن زيادة التعود والتفكير النقدي تؤدي الى تقريبها رويداً رويداً نحو معيار مشترك" فالاشخاص الذين لهم مستوى ثقافي أو حضاري متقارب يتفقون فيما بينهم إتفاقاً أساسياً خول الافعال التي تعد خيرة والاشياء التي تعد قيمة, حتى ولو كانت تفصل بينهم أوسع المسافات أو أطول العهود الزمنية, وثانياً: يلاحظ أن هناك في كثير من الاحيان إتفاقاً ضمنياً من وراء الفروق الظاهرية يفوق مايتصوره الكثيرون, ولنضرب لذلك مثلاً: فقناصة الرؤوس في بورنيو ( هذا المثل مقتبس من كتاب " اساسيات الاخلاق" تأليف "إيربان" الذي اقتبسه بدوره من كتاب" القيم الاخلاقية وفكرة الله " تأليف " سورلي" ) يبدون خاضعين لنظام اخلاقي متناقض تماماً مع النظام الذي يخضع له احد افراد مذهب " الكويكرن" " المرتعدين" المسيحي, ولكن لو فكر الهمجي في السبب الذي يجعل قتل عدوه " خيراً" لكان من الامور شبه المحتومة أن يصل الى ان قيمة هذا الفعل ترتكز على كونه يساعد على تقوية أواصر الوحدة القبلية, التي تقتضيها ظروف الحياة القبلية عادة, وهكذا يكون هذا الفعل إسهاماً في الخير المشترك للجماعة, مادام يؤدي الى تحقيق مبدأ أخلاقي مثل " مراعاة مصلحة القبيلة خير" أما الشخص المنتمي الى جماعة" الكويكرز" فأنه يحكم على نفس الفعل الخاص بأنه شر غير أن أساس حكمه أو مبدئه واحد ـــ وأعني به مراعاة مصلحة الجماعة ــ ولا شك ان الفارق بينهما يكمن في مدى مفهوم " الجماعة" او نطاقه , فهو بالنسبة الى الهمجي يعني قبيلة صغيرة, على حين انه بالنسبة الى " الكويكرز" أو من يؤمن بالمجتمع الدولي, قد يكون هو الجنس البشري كله, وهكذا ينطوي الحكمان معاً على اساس أخلاقي واحد مشترك, مهما يكن الاختلاف الاساس السوسيولوجي " المتعلق بعلم الاجتماع" فكلاهما يجغمل القيمة في مصلحة المجموع وكلاهما يسعى الى تحقيقها.
ويعتقد المؤمن بالنظرية الموضوعية في القيمة ان التحليل الكافي يمكن ان يكشف عن هوية مماثلة للمبادئ الاخلاقية تكمن من وراء كل اختلافات السلوك, وهكذا نجد جوشيا رويس الذي ربما كان ابرز مثالي ظهر في امريكا, يدعو الى فلسفة النظر عن موضوع هذا الاخلاص, فالامر الاخلاقي الاسمى عند رويس هو " ليكن ولاؤك للولاء" ومن الواضح أن هذا الرأي يمكثل محاولة للكشف عن المعيار الشامل او الموضوعي للتقويم. ويرى أنصار النظرية الموضوعية في القيمة أن "الخير" كامن في موضوعات او مواقف معينة, وأننا نقدر هذه المواقف او نرغب فيها نظراً الى مافيها من جاذبية لنا" (( وهذا يصدق ايضاً على القيم الجمالية, يقال أن الجمال كامن في الموضوع ذاته, ومن ثم ففي امكاننا صياغة معايير موضوعية للجمال بنفس الطريقة التي يمكننا بها وضع معايير موضوعية للخير )). ففي مثل هذا المذهب تكون كل احكام القيمة, قبل كل شيء, وصفاًلما نكشفه في الموضوعات او الحوادث, وتصبح القيمة ذاتها صفة تجتذب تفضيلنا او تطالب بتقديرنا. وهكذا يكون الحكم التقويمي في اساسه وصفاً لطبيعة الاشياء, اي للواقع ذاته, وعلى هذا النحو تقيم النظرية الموضوعية صلة وثيقة بين الاخلاق ( وعلم الجمال) وبين الميتافيزيقا, اذ ان الخير يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع. بل ان الخير والواقع قد يصبحان في مثل هذا المذهب شيئاً واحداً.
الرأي الذاتــي: أما الرأى الذاتي في القيمة, الذي يرتبط بمبدأ النسبية ارتباطاً وثيقاً, فيذهب الى ان الاختلافات في الاحكام التقويمية من شخص لآخر , ومن عصر لآخر, هي اختلافات عميقة لها دلالتها الكبرى. ذلك لان كل قيمة تبدو صادرة, من وجهة النظر النفسية عن الشعور بالرضا او الاشباع, فنحن نصف اي شىء يرضي او يشبع حاجة من حاجاتنا, او يساعد على تحقيق مصلحة لنا, بأنه " خير" او "قيم " او "مرغوب فيه". واعلى الاشياء قيمة في تلك التي تشبع حاجاتنا على افضل نحو, او ترضى حاجة من اقوى حاجاتنا. ويترتب على ذلك انه كلما فقد الشيء او الموقف قدرته على ارضائنا, انعدمت قيمته ايضاً والواقع ان تجربتنا اليومية تثبت على الدوام وجود هذا التحول في " القيمة" من شيء الى اخر, ومن حب قديم الى حب جديد. وفي هذا الصدد يتحدث وليام جيمس عن " القدرة الطاردة للهوى الجديد" كما ان واحداً من الشعراء الامريكيين واهمهم , وهو فيليب فرينو قد وصف التجربة البشرية الشاملة على هذا النحو:
بأعين ملهوفة نثبت أنظارنا
على مايسرى له خيالنا
ولكنا عندما نمتلكه
يقضى امتلاكنا على الشيء وعلى لهفتنا معاً
إن القبعة التي كانت تخفي شعر " بليندا "
كانت في وقت ما قرة عينها
أما الان فقد رمتها , في مكان لا تعرفه
وتخلت عنها , لسبب لا تعلمه
كل هذه امور يتخذ منها صاحب النظرة الذاتية شواهد على ان القيمة لا توجد إلا في اذهاننا, فالحكم التقويمي ليس ايضاحاً لصفات كامنة في الاشياء, تجعلها خيرة او مرغوباً فيها لذاتها ( وهو قطعاً ليس وصفاً للواقع الموضوعي) وانما هو مجرد تعبير عن تفضيل. وهذا التفضيل في نهاية الامر هو دائما تفضيل شخصي فهو إعلان عما أحبه أنا ذاتي واجده خيراً, وعما يرضى رغبتي او مصلحتي الخاصة بل ان احكامنا تتغير دائماً ختى في مجال التفضيل الشخصي هذا, فا حاجة بالمرء الى ان يكون متشائماً ساخراً لكي يقول ان كل احكامنا التقويمية لاتعبر فقط عن تفضيل شخصي, وإنما تمثل تفضيلاً مرهوناً باللحظة وحدها, ومعرضاً للتغير دون سابق انذار, وان اي "خير" إنما هو بالضرورة تجربة لفرد ما, وعندما تتفق مجموعة من الاشخاص على قيمة اية تجربة, فلن تكون لدينا مع ذلك إلا مجموعة من التجارب الفردية التي تحكم عليها بأنها خير. وهكذا فإن صاحب النظرة الذاتية لا يعرف القيمة بأنها كامنة في الاشياء او المواقف, وإنما يعرفها بأنها كل مايشبع رغبة او حاجة او مصلحة.
#سمر_جزائري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟