|
نحو بناء التنظيم الشيوعي الثوري العربي الموحد
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 1923 - 2007 / 5 / 22 - 11:16
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
ـ(مثـّل انطلاق المقاومة الفلسطينية في 1965 تحولا نوعيا في حركة التحرر العربية، لجهة الدفع باتجاه اعادة بناء الاحزاب والمنظمات الوطنية والتقدمية العربية على قاعدة الكفاح المسلح ضد اسرائيل والصهيونية والامبريالية والرجعية العربية. وليس من الصدفة ان الستينات كانت فترة الانشقاقات والخلافات والتحولات الكبيرة في الاحزاب الشيوعية وحركة القوميين العرب وحزب البعث وغيرها من الاحزاب في مختلف الاقطار العربية. ونظرا لخصوصيات "الساحة" اللبنانية، وبالاخص الحريات الدمقراطية النسبية وما نشأ عنها من ارتفاع مستوى الخطاب السياسي والممارسة الكفاحية للحركة الوطنية اللبنانية بقيادة كمال جنبلاط، والوجود الكثيف نسبيا للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين هم بالاغلب من لاجئي 1948 (الاقرب موضوعيا الى رفض اي اعتراف باسرائيل)، فقد تحول لبنان الى بوتقة ثورية حقيقية والى مركز استقطاب للحركات التحررية والثورية ليس فقط في مختلف البلدان العربية، بل وفي تركيا وايران وغيرهما ايضا. وقد فشلت كل محاولات النظام اللبناني الطائفي العميل لكسر شوكة المقاومة الفلسطينية وحليفتها العضوية الحركة الوطنية اللبنانية. وفـُرضت شرعية وجود المقاومة بقوة ارادة الجماهير الشعبية اللبنانية والفلسطينية والدعم الجماهيري الوطني والتقدمي، العربي والعالمي. واصبح "الفتيل اللبناني الملتهب" يهدد بإشعال المنطقة كلها في وجه اسرائيل وانظمة سايكس ـ بيكو والهيمنة الامبريالية العالمية. فتم تفجير ما يسمى "الحرب اللبنانية" او "الحرب الاهلية في لبنان". وللتخلص من هذه "الحالة الثورية" اللبنانية الشاذة، تم ترتيب وضع لبنان تحت الجزمة الاميركية الواحدة ذات "الفردتين" المختلفتين: الوصاية الدكتاتورية السورية والاحتلال الاسرائيلي! في هذه الظروف شديدة الصعوبة والتعقيد، كان كل ما يتعلق بشؤون المنطقة ككل، ولا سيما اوضاع حركة التحرير العربية، مطروحا على مشرحة المناقشة والبحث والنقد، في اطار قوى المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية. ومن اهم القضايا التي كان يجري مناقشتها، من قبل العديد من المناضلين والكوادر اليسارية الواعية والماركسية والشيوعية مسألة: بناء التنظيم الشيوعي الثوري العربي الموحد، كرد على التقسيم السايكس ـ بيكوي، وعلى انحراف الاحزاب "القومية" التي وصلت الى السلطة القطرية، وعلى انتهازية وكوسموبوليتية الاحزاب الشيوعية العربية التي لم تستطع الخروج من ربقة التبعية للمخابرات السوفياتية وفشلت في ان تتبرأ وتبرأ من الجريمة الستالينية الكبرى بالاعتراف باسرائيل و"اللعب" على المسألة القومية العربية. والنص الذي نورده فيما يلي، والذي قمت بكتابته في حزيران 1976، ونشر في كراس بعدد محدود من النسخ لا يتجاوز الـ500 نسخة، هو محصلة لنقاش معمق مفتوح، استمر حينذاك بضعة اسابيع، وشارك فيه حوالى 50 مناضلا ميدانيا، من انتماءات تنظيمية متعددة، اغلبهم كانوا لبنانيين وفلسطينيين وبعض السوريين والعراقيين. وكان الهدف الرئيسي من هذا النقاش، المبادرة الى طرح مسألة بناء الحزب الشيوعي الثوري العربي الموحد، انطلاقا من الساحة اللبنانية. وفشل هذه المحاولة في حينها لا يعدو كونه فشلا ذاتيا، لا ينتقص بتاتا من الاهمية الموضوعية والضرورة التاريخية لهذه الاطروحة. واننا نرى ضرورة اعادة نشر هذا النص في منبر واسع وجامع، مثل موقع "الحوار المتمدن"، لسببين رئيسيين: الاول ـ تسليط الضوء على الاهمية الوطنية والعربية والاممية للعملية الثورية التي كانت ـ ولا تزال ـ تجري على الساحة اللبنانية، والتي "استبدلت" الآن مظهرها اليساري الثوري بالمظهر "الاسلامي الثوري"، الا ان جوهرها الثوري لا يزال واحدا، وهو ـ اي هذا الجوهر ـ يكسر حاجز القطرية العميلة، ويضع علامة استفهام كبرى على القصور التاريخي والنتائج الكارثية للقيادة البرجوازية والبرجوازية الصغيرة للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية والعربية. والثاني ـ ان اطروحة بناء الحزب الشيوعي الثوري العربي الموحد لم تفقد جدتها، بل على العكس فهي، خصوصا بالحالة المتناقضة التي تقدمها تجربة "حزب الله"، قد اصبحت الآن اكثر ضرورة من فترة الستينات والسبعينات، ذلك ان الامة العربية، وبعد احتلال الاميركي ـ الاطلسي للعراق، الى جانب الاحتلال الصهيوني لفلسطين والجولان وغيرهما، اصبحت تقف في الصف الامامي لجميع شعوب العالم في مواجهة الجبهة العالمية الامبريالية الاميركية ـ الصهيونية ـ الاطلسية. وهذا ما يلقي مهمة تاريخية خاصة على الطبقة العاملة العربية لمواجهة هذه الجبهة، واعطاء المعركة طابعها الحقيقي، الذي يتجاوز بشكل غير محدود مفهوم النزاع الديني والشوفيني، اي طابع الصراع من اجل القضاء على الامبريالية بوصفها التجسيد او المرحلة الاعلى في النظام الرأسمالي، الذي ـ وخصوصا بعد سقوط النظام السوفياتي البيروقراطي النيوستاليني ـ برهن للعالم اجمع، اي النظام الرأسمالي، انه نظام وحشي متخلف لا يستطيع ان يقدم لا للروس ولا للاوروبيين الشرقيين ولا للافغانيين ولا للعرب ولا للايرانيين ولا لاي شعب في العالم سوى الاستغلال البشع والاحتكارات والبطالة والفقر والمرض وتدمير البيئة والنزاعات العنصرية والدينية والحروب الاستعمارية والاحتلال. فإسقاط الامبريالية العالمية والصهيونية هو مهمة تاريخية ابعد واوسع بكثير من اي اطار ديني وشوفيني محدود ايديولوجيا وديموغرافيا، مهما كان من الصدقية والصلابة الكفاحية الخاصة بهذا الاطار. وبدون حركة شيوعية ثورية عربية موحدة، تضطلع بدور طليعة لجبهة اممية بمواجهة الامبريالية العالمية، سيبقى اي شكل من اشكال النضال المجتزأة، القطرية والدينية، قاصرا عن المواجهة الشاملة والكاملة مع الجبهة العالمية للامبريالية والصهيونية والانظمة الرجعية والدكتاتورية العربية.)ـ XXX بناء التنظيم الثوري القومي في لبنان خطوة هامة على طريق بناء التنظيم الثوري العربي الموحد جورج حداد تفتقد الساحة العربية الى وجود التنظيم الثوري القومي الواحد، الذي يقود نضالات الجماهير العربية كافة، على طريق تحرير وتوحيد الوطن العربي. فالاحزاب "الاممية"، المنتشرة في كل البلدان العربية تقريبا، الممثلة لفئات المثقفين البرجوازيين الصغار والارستقراطية العمالية والحرفيين والفلاحين الميسورين، اثبتت كوسموبوليتيتها، بتخليها عن العامل القومي، الذي هو اساس الاممية الحقيقية، واقتصارها على العمل كجاليات تقدمية اجنبية متكيفة مع الظروف القطرية، الى درجة التسليم بكل الكيانات الاقليمية، بما فيها الكيان الاسرائيلي ذاته، الذي استمدت منه الهوية "الوطنية" لحزبها في الارض المحتلة. اما التيارات والاحزاب القومية، البرجوازية والبرجوازية الصغيرة، فقد غرقت في مستنقع النزعات الاقليمية والقطرية، بمجرد وصولها للسلطة، مؤكدة المحتوى الشوفيني لـ"قوميتها" التي تعني عمليا مد نفوذ اجهزة الدولة القطرية، ومصالح الطبقات القطرية المالكة والسائدة، التي تمثلها تلك التيارات والاحزاب، الى الاقطار العربية الاخرى. وبافتقاد وجود الاداة التنظيمية الثورية العربية الواحدة، ستظل جميع انجازات الحركة الوطنية والتقدمية الثورية، في جميع الاقطار العربية، مهددة سلفا بالتطويق والعزل والانحراف واخيرا الانتكاس، قطريا. ذلك ان اي انجاز قطري يصبح مصدر قوة للخط المحافظ المعيق او المضاد للثورة، حينما لا يتم توظيفه في خدمة الحركة الثورية في كافة الاقطار العربية. وهذا ما لا يستطيع تحقيقه بموضوعية، الا التنظيم الثوري العربي الموحد، القادر على التوفيق بين حماية وتطوير الانجازات القطرية وبين وضعها في خدمة الحركة الثورية العربية. وهذا ما علمتنا اياه نكبة 1948، وهزيمة 1967، وانتكاسة 1957 في الاردن، و1958 في لبنان، و1959 في العراق، وسقوط الوحدة، ومجزرة ايلول، والرة المتفاقمة في مختلف البلدان ذات الانظمة الوطنية البيروقراطية. فمع تنامي الضرورات الموضوعية لانجاز المهمات التاريخية الرئيسية للحركة الثورية العربية، على النطاق القومي، تصبح التجزئة التنظيمية القطرية أسوأ مظهر ونتيجة بين جميع مظاهر ونتائج التجزئة القطرية للوطن العربي. ولن يتم القضاء على هذه التجزئة، وتحقيق الوحدة العربية، احد اهم الاهداف التاريخية للثورة العربية، الا بوجود الاداة الثورية العربية الواحدة. والمؤدى الواقعي لتجربة الحقبة التاريخية الماضية، التي تسحب نفسها على الحاضر، هو ان النضال من اجل بناء التنظيم الثوري العربي الموحد يبرز ليس فقط بوصفه الشرط الاساسي لانتصار الثورة العربية بل وكذلك بوصفه حتمية تاريخية يؤكد عليها ويقود اليها كل نضال ثوري جماهيري، وسواء ادرك المناضلون هذه الحقيقة من تلقاء انفسهم ام تأخروا عن ادراكها. والطبقة العاملة العربية، ومن حولها جميع الفئات الكادحة والمستغـَلة، هي الوحيدة من بين جميع طبقات المجتمع العربي، المؤهلة تاريخيا ـ عبر ممثليها الحقيقيين وليس مدّعي تمثيلها ـ لبناء التنظيم الثوري العربي الموحد، الذي يضم جميع الثوريين العرب الطليعيين. ذلك ان الطبقة العاملة، وفي اي قطر عربي، لا تملك اي امتيازات او مصالح طبقية استغلالية، تدافع عنها تجاه الاقطار الاخرى، او تحاول فرضها على الاقطار الاخرى. وعلى العكس، فإن المصلحة التاريخية للطبقة العاملة، باعتبارها قاعدة الهرم الاجتماعي، تكمن في تحرير نفسها عبر تحرير المجتمع العربي ككل، من كافة اشكال الاستعباد والاستغلال القومي والطبقي، وفي مقدمتها التجزئة القطرية، التي تضعف الى اقصى حد قدرات حركة التحرر الوطني والاجتماعي العربية، وتضاعف الى اقصى حد قدرات الامبريالية والصهيونية والرجعية وكافة الطبقات الاستغلالية على تكريس انيار استعبادها واستغلالها للجماهير العربية الكادحة. ولهذا، وبعد ان سقطت في القطرية جميع التيارات والاحزاب الاتباعية، الكوسموبوليتية والشوفينية، بسبب تمثيلها الطبقي للبرجوازية والبرجوازية الصغيرة والارستقراطية العمالية، فإن الحتمية التاريخية لبناء التنظيم الثوري العربي الموحد، تعني بالتحديد: بناء حزب الشغيلة العربي الموحد. وبالطبع فإن حزب الشغيلة لن يولد من ذاته، كجبرية عمياء، كما لن يولد بين ليلة وضحاها، بقرار تتخذه مجموعة من الثوريين المعزولين. فولادة التنظيم الطليعي للطبقة العاملة العربية، هي عملية تاريخية يتولى تحقيقها في الواقع المناضلون الواعون للحتمية التاريخية، عبر جميع الصعوبات والتعرجات التي توجدها الإشكاليات القطرية والتنظيمية الحالية. وتجاه التطور شديد التفاوت والتنوع للرأسمالية، وكذلك تجاه تنوع وتعقيد الاوضاع الاجتماعية والسياسية، في مختلف الاقطار العربية، فإن وعي الحتمية التاريخية لولادة التنظيمات القومية عموما، وحزب الشغيلة العربي خصوصا، لا يشق طريقه بخط مستقيم، بل يعبر عن نفسه عبر الاوضاع القطرية ذاتها. لذا، وبصرف النظر عن الاماني الذاتية، يبدو ظهور الفصائل، القطرية الاطار التنظيمي، والقومية النظرة والالتزام، بمثابة ضرورة موضوعية لارساء الركائز القطرية للتنظيم القومي. ولقد برزت الثورة الفلسطينية، كمظهر مركزي من مظاهر الثورة العربية، كما برزت الساحة اللبنانية، باعتبارها ساحة مركبة لبنانية ـ فلسطينية بالاضافة الى خصوصيتها الطائفية. وان الاوضاع والظروف التي اوجدتها الثورة الفلسطينية عموما، والصراع الدائر في لبنان خصوصا، تحتم إعطاء النظرة القومية لا بعدها الجغرافي فقط، بل وأساسا عمقها الوطني والاجتماعي التقدمي الحقيقي. وهذا ما وضع على عاتق جميع الثوريين الفلسطينيين واللبنانيين مهمات اساسية في التقدم على طريق العمل لتكوين حزب الشغيلة العربي. فأمام ضرورات المعركة، افرزت الساحة اللبنانية أشكالا عدة من العلاقات التنظيمية العضوية، التي تجمع احد تنظيمات المقاومة الفلسطينية مع بعض التنظيمات القديمة او المستحدثة، العاملة في الساحة اللبنانية. ونذكر على سبيل المثال: فتح وانصار الثورة واللجان الوطنية الخ، الجبهة الشعبية وحزب العمل الاشتراكي، حزب البعث وجبهة التحرير العربية، ... والقاسم المشترك في هذه العلاقات التنظيمية العضوية، هو ازدواجية الالتزام التنظيمي ـ القطري. ولا شك ان جميع العلاقات التنظيمية الازدواجية المعروفة الى الان، تشكو من عدم التكافؤ والإتباعية القطريين. الا ان هذا لا ينفي كونها نشأت تحت ضغط البعد القومي للمعركة المشتركة، التي تحتم الموافقة بين الظروف الفلسطينية للمقاومة، وبين ظروف النضال الداخلي في القطر اللبناني. وهذه الضرورة التي تفرض نفسها على تنظيمات من مختلف الاتجاهات السياسية والانتماءات الطبقية، من المحتم ان تفرض نفسها اكثر على المناضلين الاشتراكيين العلميين، المدركين للاهمية الحاسمة لوحدة الطبقة العاملة العربية في النضال التحرري العربي: الوطني والاجتماعي. وبكل تأكيد ان مثل هذه العلاقات التنظيمية العضوية، ولو كانت بين تنظيمين قطريين بروليتاريين، لا يمكن ان تحل محل التنظيم الثوري العربي الموحد. الا انها خطوة اكثر تقدما، تنظيميا وسياسيا وعسكريا، بالمقارنة مع علاقات المساندة والتضامن والتنسيق، فيما بين التنظيمات القطرية. وبالنسبة للمناضلين الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، المتواجدين في الساحة اللبنانية، والمؤمنين بحتمية العمل من اجل بناء حزب الشغيلة العربي الموحد فإن هذه الخطوة هي الزامية: اولا ـ لان ايجاد الاشكال التنظيمية الملائمة، التي تضمن توحيد النضال الجماهيري القطري، اللبناني والفلسطيني، والتوفيق بين النضال الجماهيري والعمل الحزبي، وبين الكفاح المسلح والعمل السياسي، فلسطينيا ولبنانيا وعربيا، في الساحة اللبنانية، هو جزء لا يتجزأ من النضال القومي، الحزبي والجماهيري. وثانيا ـ لان النجاح او الفشل في القيام بهذه الخطوة هو محك لجدارة المناضلين المعنيين في التقدم للاضطلاع بدورهم التاريخي في بناء التنظيم الثوري العربي الموحد: حزب الشغيلة العربي. الواجبات القومية والمحدودية القطرية للمقاومة الفلسطينية تجاه مركزية التناقض مع اسرائيل، في سلسلة التناقضات التي تواجهها الحركة الثورية العربية، كان من منطق الامور ان تستقطب المقاومة الفلسطينية تعاطفا جماهيريا عربيا هائلا، اكتسح في طريقه بالتدريج جميع اشكال التشكيك بخط الكفاح الشعبي المسلح ضد اسرائيل، وبالتالي ضد الامبريالية والرجعية. وكانت الظروف الموضوعية مؤاتية كي يأخذ هذا التعاطف الجماهيري العربي في التبلور في اطر تنظيمية مناضلة، تضطلع بواجباتها الثورية القطرية والقومية، على قدم المساواة مع المقاومة الفلسطينية، وبالارتباط العضوي معها، مما يخرج بالمقاومة تدريجيا من الاطار القطري الى الاطار القومي، ليس فقط من حيث الانتشار الجغرافي والتعبئة الجماهيرية، بل اساسا من حيث الالتزام ـ عبر الاطر التنظيمية المحلية اولا ـ بمواجهة جميع القضايا العامة والمحلية التي تواجهها الحركة الثورية العربية، على قدم المساواة مع القضية الفلسطينية. وكان من شأن السير في مثل هذا الخط التعبوي إرساء المداميك الاساسية للتنظيم الثوري العربي الموحد، وفتح الطريق واسعة امام حرب التحرير الشعبية العربية ضد اسرائيل، المؤدية حتما الى تأزيم اوضاع كافة الانظمة العربية ذات البنى الطبقية المعادية للجماهير الكادحة، ومن ثم تفجير هذه الاوضاع. الا ان الاطر التنظيمية للمقاومة الفلسطينية، من "يمينها" الى "يسارها"، وبالرغم من الثقة الجماهيرية الواسعة التي حصلت عليها، لبثت الى الان عاجزة عن تحقيق هذه الضرورة التاريخية. ومع الاخذ بالاعتبار جميع الانتسابات الماركسية واليسارية في المقاومة، فهذا العجز يعني شيئا اكيدا هو: الطبيعة الطبقية، البرجوازية الصغيرة والمتوسطة وحتى الكبيرة، للهيكلية الاساسية لقيادات المقاومة الفلسطينية، التي تحد من قدرة تلك القيادات على تجاوز النظرة القطرية الضيقة، الى العلاقة القومية الثورية، وهي النظرة التي تفرغ العلاقة القومية من المحتوى الاجتماعي والطبقي، وتقيس تلك العلاقة بمقدار ما تحصل عليه الحركة القطرية من المكاسب والالتفاف القوميين، حتى ولو كان ذلك على يد الانظمة والحركات العميلة والرجعية، وعلى حساب الحركة الثورية في هذا القطر العربي او ذاك، واستطرادا في كافة الاقطار العربية، الامر الذي يعني ـ في الحساب الاخير ـ الحد من امكانيات تطوير الثورة الفلسطينية ذاتها، اذا لم يتم توفير الشروط الذاتية المتوافقة مع الشروط الموضوعية الملائمة، التي تتطلب كسر وتجاوز هذه النظرة القطرية الضيقة ذات المحتوى الطبقي المحدود، البرجوازي والبرجوازي الصغير. ومن الواضح ان السبب السياسي المباشر لعجز الهيكلية التنظيمية للمقاومة الفلسطينية عن الاسهام المباشر والفعال في تكوين التنظيم الثوري العربي الموحد، هو السعي المبالغ فيه للحصول على اكبر قدر من المساعدات والدعم والتأييد للثورة الفلسطينية، مما سهل الوقوع في شراك العلاقات مع الانظمة العربية، اكثر بكثير مما تسمح به معادلة الافادة من تناقضات هذه الانظمة والحصول على الدعم والمساعدة، مع الاحتفاظ بالاستقلالية وحرية الحركة السياسية والعسكرية، ولدرجة ان وجود البنى العسكرية والسياسية التقليدية للمقاومة ومقدرتها على الاستمرار والنمو، اصبح رهنا بالقدرة على المناورة على تناقضات الانظمة العربية، اكثر مما هو رهن بالقدرة على حيازة تعاطف والتفاف الجماهير العربية. وهذه المناورة، التي بدونها تحرم المقاومة من المساعدات التي لم يعد لها غنى عنها، تمت على حساب قدرة المقاومة على الالتزام بقضايا الثورة العربية عامة، والالتزام التام وحتى النهاية بالقضية الفلسطينية ذاتها خاصة. فالمقاومة الفلسطينية، التي تطلب الى الجماهير العربية الالتزام بقضيتها، لم تعمل على استكمال الشرط الاساسي لضمان تأطير هذه الجماهير، الا وهو التزام المقاومة ذاتها بقضايا الحركة الثورية العربية. وبالعكس، فإن منظمات المقاومة تضطر الى مسايرة الانظمة العربية، التي تنال منها المساعدات، ليس فقط في سياستها الداخلية والخارجية عامة، بل وحتى في المواقف التي تتخذها تلك الانظمة من القضية الفلسطينية ذاتها، بما في ذلك مراقبة وتقنين وتقنية المواقف والنشاطات السياسية والعسكرية والوجود التنظيمي للمقاومة ذاتها. ومن غير شك انه توجد فروقات هامة بين مختلف التنظيمات داخل حركة المقاومة. الا ان هذا لا ينفي انها كلها تشترك في العلامات الرئيسية والمواقف الرئيسية، الناشئة عن التجزئة القطرية، والمتبدية في فلسطنة منظمات المقاومة، وهو الطابع الغالب الذي القى ظلاله وعكس نتائجه على جميع المنظمات بلا استثناء. فركض المنظمات خلف "الامكانيات"، دون النظر الكافي الى ضرورات التعبئة الثورية الحقيقية، في صفوف الجماهير العربية، أدى الى "إغراق" المنظمات الفلسطينية بالمساعدات المقدمة لها، وسبب الانفصام بين المهمات الثورية للمقاومة، وبين بنيتها التعبوية، التي اصبحت قائمة اساسا على التوظيف والمخصصات، وشبيهة بمؤسسات الدولة، دون ان تكون الدولة. وإن انجرار منظمات المقاومة للموافقة على شعار ما يسمى "الدولة الدمقراطية الفلسطينية"، التي يتعايش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود ـ على "الطراز اللبناني" اياه ـ هو خير دليل على الشرك القطري الذي انزلقت اليه المقاومة. ففي حين ان التجزئة القطرية واقامة الكيانات العربية تمت بقوة ونفوذ ومصالح الامبريالية والصهيونية العالمية والطبقات الاستغلالية والرجعية العربية، وبخط مضاد تماما للمصالح التاريخية للجماهير في جميع الدول العربية على الاطلاق، فإن المقاومة الفلسطينية تخطو خطوة كبيرة الى الوراء، غير مبررة من وجهة النظر الثورية، حينما تختار بنفسها القطرية الفلسطينية "الدمقراطية"، التي تناقض الخط الثوري الجماهيري المعادي للرأسمالية "اليهودية" وللصهيونية، قمة النظام الامبريالي العالمي، والتي لا تعني شيئا آخر سوى التسليم بالامر الواقع، بالسعي الى اقامة توازن مستحيل مع الكيانات العربية من جهة، ومع الجالية اليهودية الصهيونية من جهة ثانية. والتبرير الموضوعي الوحيد لهذا الانزلاق للثورة الفلسطينية، هو قدرة البرجوازية الفلسطينية ـ التي، ككل برجوازية عربية، لا يمكنها الا ان تكون قطرية وطائفية ـ على الهيمنة، حتى الان، على قيادة المقاومة الفلسطينية. وقد استطاعت الانظمة العربية، عن طريق تكريس قطرية المقاومة الفلسطينية، تكريس شعار عدم التدخل "الفلسطيني" في الشؤون "الداخلية" العربية، اي عمليا: عدم الربط العضوي للنضال ضد الرجعية والامبريالية في البلدان العربية، بالنضال ضد اسرائيل والصهيونية. لا بل وصلت الامور في الكثير من الحالات الى حد استخدام النفوذ الجماهيري للمقاومة الفلسطينية لتقنين ولجم النضالات الجماهيرية العربية "الداخلية"، تحسبا لعدم إساءة العلاقات مع الانظمة الكيانية العربية. وفي لبنان، الذي كان يهيمن فيه نظام عميل مفضوح يتآمر على المكشوف ضد المقاومة الفلسطينية وجماهير الحركة الوطنية اللبنانية، واجهت المقاومة سلسلة من المجازر التي تتوجت بالحرب الاهلية الدموية الراهنة. ومع ذلك فإن المقاومة الفلسطينية، وتحت تأثيرها: الحركة الوطنية ايضا، خاضت المعارك القاسية ضد النظام الرأسمالي العميل وقواته الرسمية وغير الرسمية، من مواقف دفاعية سياسيا، وبالتالي عسكريا، دون ان تطرح المسألة الرئيسية لكل عمل سياسي راديكالي عامة، والعمل الثوري المسلح خاصة، الا وهي: مسألة استلام السلطة. ففي ظروف التجزئة القطرية القائمة، وخاصة مع افتقاد وجود التنظيم الثوري العربي الموحد ذي النفوذ الجماهيري القومي، تعتبر المسائل المتفرعة عن مسألة وجود السلطة السياسية والنظام الطبقي الاستغلالي، في أي قطر عربي، من المسائل "الداخلية" لذلك القطر. وفي الوقت الذي تتكاتف فيه مختلف الانظمة العربية المعادية للجماهير، لقمع وسحق الحركة الجماهيرية، فإن القوى الوطنية والثورية العربية في كل قطر عربي على حدة، تضطر لمواجهة مسألة السلطة في ذلك القطر، بمفردها، وإلا عدت اي مشاركة او حتى مساندة جماهيرية عربية اخرى، تدخلا في "الشؤون الداخلية" لذلك القطر المعني. وقد كرس التهافت القطري للاحزاب والحركات العربية هذا المنطق التجزيئي. واننا نشهد الآن مثالا صارخا للمفعول السلبي الناتج عن الخضوع لمنطق التجزئة القطرية، في المقارنة بين العدوان الفظ لقوات حافظ اسد على جماهير المقاومة والحركة الوطنية، الذي يُعطى كل لبوس "الشرعية" الفعلية مع انه لا يملك حتى اوليات الشرعية الشكلية، وبين سياسة التردد والميوعة المشكوك بأمرها، التي تبديها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في مواجهة هذا العدوان السافر، وذلك حفاظا على العلاقات الحسنة مع الانظمة المعادية للجماهير العربية، ولو كانت خيانتها وجريمتها في مستوى خيانة وجريمة النظامين السوري واللبناني. وتنتصب المقاومة الفلسطينية الان بوصفها ضحية مرتين لمنطق التجزئة القطرية: الاولى، حينما تتم مهاجمتها بحجة انها تخرق السيادة القطرية للبنان، او غيره من البلدان العربية، ويجري تقييدها على هذا الاساس. والثانية، حينما تـُلزَم المقاومة، للمحافظة على وجودها، بشق طريق التفاهم مع ارباب النظام اللبناني العميل، الذي يأتي في رأس قائمة اعداء المقاومة الفلسطينية، الى درجة المساهمة في اعادة الحياة الى هذا النظام، في الوقت الذي تهاوى فيه نهائيا تقريبا امام الصمود والتلاحم الجماهيري اللبناني ـ الفلسطيني، بوجه الهجمة الفاشستية على جماهير المقاومة والحركة الوطنية. وفي هذا ما يشبه وصاية غير مباشرة للانظمة العربية على الجماهير الشعبية الفلسطينية واللبنانية والعربية عموما، عبر المقاومة الفلسطينية. تجاه هذا الوضع يصبح الاستقلال التنظيمي عن البنية الرسمية للمقاومة، شرطا حتميا للافلات من الوصاية غير المباشرة للانظمة، والقدرة على خوض النضال ضد الانظمة الرجعية العميلة المعادية للجماهير، كما للسير في القضية الفلسطينية ذاتها، الى ابعد من الحدود والقيود السياسية والعسكرية، التي تقررها تلك الانظمة. ونظرة سريعة الى المأزق السياسي والعسكري الذي وضعت فيه الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية في لبنان، تبرهن بأكثر ما يكون من الجلاء على الحقيقة المرة وهي: ان قطرية المقاومة الفلسطينية، بعد ان استهلكت بعض جوانبها الايجابية موضوعيا، المتبدية في كسر طوق الوصاية النظامية العربية على الشعب العربي الفلسطيني، وابراز شخصيته، انتهت الى ان تصبح اداة غير مباشرة للوصاية النظامية ذاتها على الجماهير الفلسطينية، وعلى الجماهير اللبنانية، وغيرها من الجماهير العربية المناضلة، بالمقدار الذي ترتبط به هذه الجماهير بالمقاومة. فبالرغم من كل التضحيات التي قدمتها الجماهير اللبنانية والفلسطينية، ومع انهيار مؤسسات النظام العميل امام الصمود الجماهيري، فإن المخرج الوحيد المطروح من قبل القيادات التقليدية للمقاومة والحركة الوطنية السائرة وراءها، هو فقط المساومة مع النظام وتجديد شبابه، بالتوافق التام مع مختلف الانظمة الرجعية، كل من زاويته وحسب وضعه. وكل الاحاديث عن تغيير النظام لا تعني سوى التغيير في النظام، وليس القضاء عليه واقامة سلطة الجماهير التي قاتلت وقدمت كل التضحيات التي قدمتها. وغير ذلك غير ممكن ان يكون، في شبكة العلاقات القائة الى الان. لقد جرى تتبيع الجماهير المناضلة والجماهير الشعبية عامة، اللبنانية والفلسطينية، لمؤسسات المقاومة الفلسطينية، ذات الطابع والافق السياسي القطريين. فالسلاح والذخيرة والمخصصات والتعويضات والاسعافات والتموين، كلها اصبحت تأتي عبر منظمات المقاومة الفلسطينية القطرية، التابعة عمليا لمختلف الانظمة العربية. ووصلت الامور الى حد ان بيروت الغربية اصبحت تموّن بالطحين الضروري من قبل فتح وغيرها. وهذا يدل من احد وجوهه على وحدة مصير الجماهير اللبنانية والفلسطينية، ولكنه في الوقت نفسه يدق ناقوس الخطر حول تتبيع هذه الجماهير للانظمة العربية التي تقدم هذه المساعدات العسكرية والمالية والتموينية، لا لوجه الله، بل لتمشية سياستها وفرضها على الجماهير الفلسطينية والعربية. ولا عجب ابدا، تجاه الوضع الراهن الذي يتم فيه خوض الحرب الاهلية اللبنانية من قبل المقاومة والحركة الوطنية، بامكانات واساليب غير جماهيرية في الغالب، ان يكون السقف السياسي لهذه الحرب التفاهم على اعادة توزيع مواقع النفوذ الاجنبية والعربية في النظام اللبناني. واذا كنا نعرض الصورة القائمة، على حقيقتها العارية، فليس يعني ذلك ابدا الدعوة الى اتخاذ موقف "مثالي" برجوازي صغير، برفض المساعدات المقدمة، هو اقرب ما يكون الى التهرب من المعركة وفرض الهزيمة المحققة على الجماهير الشعبية المناضلة. ولا بد هنا من الاشارة ان قيام اي تنظيم مقاومة فلسطيني بطرح نفسه مباشرة كتنظيم عربي مؤهل لاستلام السلطة السياسية او على الاقل طرح مسألة استلامها، في اي بلد عربي تتوفر له فيه القوة اللازمة لذلك، سيؤدي حتما الى فقدان هذا التنظيم للمساعدات والتسهيلات التي يحصل عليها، ليس فقط من نظام البلد المعني وانظمة البلدان العربية الصديقة له، بل وحتى من انظمة البلدان المناوئة لذلك النظام. واكثر من ذلك، فإن بعض الانظمة العربية، التي ترتبط بها بعض التنظيمات ارتباطا تكوينيا، لا تؤيد وجود هذه التنظيمات للحظة، اذا تجاوزت الحدود المرسومة وطرحت مسألة استلام السلطة من قبلها في اي بلد عربي كان. فلم يكن المرسوم لهذه التنظيمات، في اي وقت من الاوقات، ان تكون تنظيمات عربية للكفاح العربي بكل شموله وتبعاته ومضاعفاته، بل ان تكون ـ او تتحول الى ـ تنظيمات نظامية عربية للمقاومة الفلسطينية. وبكمية ونوعية المساعدات التي اصبحت تحصل عليها المقاومة لدرجة الإغراق، اي لدرجة عدم قدرة الاستغناء عن تلك المساعادات، فإن جميع تنظيمات المقاومة على الاطلاق، بما فيها فتح "الفلسطينية"، اصبحت تنظيمات عربية للمقاومة الفلسطينية، مرهونة افق التحرك السياسي والعسكري ـ في الارض المحتلة وخارجها ـ بالحدود التي توافق عليها ضمنا او جهرا انظمة الدعم. ان المخرج الوحيد للمقاومة الفلسطينية، وبالتالي للحركة الوطنية والتقدمية في كل الاقطار العربية، هو في خلق التنظيم الثوري العربي الموحد. فمثل هذا التنظيم وحده هو الكفيل: اولا ـ بتوفير الغطاء العربي الجماهيري للمقاومة الفلسطينية بديلا عن الغطاء النظامي. وثانيا ـ برفع الوصاية النظامية المباشرة وغير المباشرة عن الجماهير المناضلة العربية. ولكن الاوضاع القطرية العربية، شديدة التفاوت والتعقيد، التي جعلت المقاومة الفلسطينية نفسها ـ اقل الفصائل الثورية مصلحة في التجزئة ـ تقع في شراك القطرية الى حد طرح شعار "الدولة الدمقراطية الفلسطينية" على الطراز اللبناني، هذه الاوضاع لن تسمح ابدا بولادة التنظيم الثوري العربي خارج ظروف التجزئة القطرية. بل يبدو جليا حتمية ولادة هذا التنظيم: اولا ـ من ضمن الظروف القطرية نفسها. وثانيا ـ بالنضال ضد هذه الظروف، بواسطة معطياتها ذاتها، عن طريق الالتزام بالقضايا القومية. وبتعبير آخر، فإن هذا التنظيم لن يولد دفعة واحدة كتنظيم قومي الالتزام والانتشار في كافة الاقطار العربية. بل ان المنطقي انه سيولد على دفعات، كسلسلة من التنظيمات القطرية الإطار الجغرافي ـ السياسي المباشر، والقومية الالتزام الثوري. ولا شك ان الالتزام القومي سيجري تطويره عبر تطور النضال الثوري داخل القطر، كما عبر الصراع ضد الميول القطرية الضيقة داخل التنظيم، وبتمتين العلاقات الثورية مع التنظيمات الثورية في الاقطار الاخرى. واذا كانت الاوضاع التي انجرت اليها المقاومة الفلسطينية لا تمكنها من التحول هي ذاتها الى تنظيم عربي، فإن محورية القضية الفلسطينية، وعدم وجود دولة فلسطينية قطرية برجوازية حتى الان، والاولوية العربية الشاملة للكفاح المسلح والثوري العام ضد العدو الصهيوني، بالارتباط مع الكفاح ضد الامبريالية والرجعية والنظم الاستبدادية المعادية للجماهير، في جميع الاقطار العربية، كل هذه العوامل تؤهل موضوعيا اي من تنظيمات المقاومة الفلسطينية، اذا ما ساد فيه الاتجاه الثوري الحقيقي، المدرك للمحتوى الطبقي للصراع مع اسرائيل وللبعد القومي للقضية الفلسطينية، واخيرا لحتمية وجود الاداة الثورية العربية الموحدة، ان يضطلع بدور مركزي في المساهمة بتكوين التنظيمات الثورية القطرية الاطار، وفي اقامة الصلات الكفاحية والتنظيمية بين هذه التنظيمات التي يصبح التنظيم الفلسطيني واحدا منها ، في عملية تفاعل تاريخية لتكوين حزب الشغيلة الثوري العربي الموحد. عن هذا الطريق يمكن لتنظيم المقاومة الفلسطينية ذي النظرة الثورية الطبقية والقومية الحقيقية، الالتفاف حول الطوق النظامي العربي وكسره تدريجيا، بواسطة الطوق الجماهيري العربي المنظم، والتخلص اخيرا من سلبيات التجزئة القطرية وانعكاساتها على الواقع الفلسطيني، دون الوقوع في المواقف "المثالية" والثورية المراهقة، برفض المساعدات والتحالفات التكتيكية، قبل ايجاد وتطوير الامكانات واشكال النضال الجماهيرية البديلة. وان الساحة اللبنانية، بوصفها ساحة مركبة لبنانية ـ فلسطينية، ومحاذية لاسرائيل، ويقوم فيها نظام عميل مفضوح استقطب الكفاح ضده اوسع الجماهير الشعبية الكادحة وبالالتحام العضوي مع الجماهير الفلسطينية، تبرز حاليا باعتبارها اكثر الساحات العربية نضجا لتكوين التنظيم الثوري القومي في لبنان، من جهة، ولانفلات تنظيم المقاومة، المؤمن بالخط الثوري العربي، من الوصاية العربية غير المباشرة، عن طريق دعم تنظيم الساحة اللبنانية واقامة العلاقة العضوية معه، التي تؤمن الاستقلالية التنظيمية الشكلية من جهة، والتوجه الستراتيجي الرئيسي الموحد من جهة ثانية، وهذا من شأنه تحقيق التكامل الضروري الذي يعوض الى حد كبير عن افتقاد وجود التنظيم الثوري العربي الموحد، في الساحة اللبنانية، وفي الوقت نفسه يعتبر خطوة هامة على طريق انشاء التنظيم العتيد. ولعله من الضروري التأكيد هنا، ان ظروف الحرب الاهلية اللبنانية وفرت الشروط الموضوعية الضرورية لاقامة العلاقة العضوية الكفاحية بين التنظيم الثوري الفلسطيني والتنظيم الثوري اللبناني. وبالتالي فإن مسألة النجاح او الفشل، في اقامة العلاقة العضوية بين مثل هذين التنظيمين، تصبح محكا لقدرة التنظيمين وخصوصا التنظيم الفلسطيني، على اقامة علاقات عضوية كفاحية مماثلة في اقطار عربية اخرى. ان العلاقة العضوية بين التنظيمات القطرية ذات الالتزام القومي هي الطريق الى تجاوز العقبة القطرية. وفي الاوضاع الراهنة في الساحة اللبنانية، تؤمن العلاقة العضوية الشروط الذاتية التنظيمية والسياسية والعسكرية لتحقيق الضرورات التالية: ـ 1 ـ التعبئة الجماهيرية اللبنانية الواسعة، مع المقاومة الفلسطينية، من خلال ظروف النضال القطرية للجماهير اللبنانية، التي تتطلب مواجهة مؤامرة النظام والقوى الفاشستية على المقاومة، بالهجوم على المرتكزات العسكرية والسياسية والاقتصادية للنظام الرأسمالي العميل القائم، وليس مواجهة قوى النظام عن طريق "فلسطنة" المناضلين اللبنانيين الملتزمين بالمقاومة، وتغريبهم عن واقعهم، وقصر المواجهة الجماهيرية للرجعية والطبقات الاستغلالية والامبريالية والنظام العميل في لبنان، على الحدود "الفلسطينية"، اي حدود الدفاع السلبي عن وجود المقاومة الفلسطينية، مع الاحتفاظ بوجود النظام العميل، المتواطئ مع اسرائيل، والمرتبط مع الانظمة العربية المتخاذلة والمعادية للجماهير الشعبية. ـ 2 ـ خوض النضال القطري الداخلي، بكافة اشكاله الاجتماعية والسياسية والعسكرية، وبكافة اهدافه الدنيا والعليا، من المطالب الحياتية البسيطة، وحتى استيلاء الجماهير الثورية على السلطة السياسية، عبر الاطر التنظيمية القطرية، بالدعم الكلي حتى المشاركة المباشرة من قبل المناضلين الفلسطينيين، دون ان يتحمل تنظيم المقاومة الفلسطينية اي مسؤولية مباشرة واي حرج في اتهامه بأنه يلغي دور الجماهير اللبنانية، ويتدخل في "الشؤون الداخلية" لبلد عربي. حيث ان هذا النضال يتم بدواع لبنانية وبواجهة لبنانية، والدور الفلسطيني فيه هو كأي دور جماهيري عربي غير فلسطيني، يتحدد بحدود الدعم والمساندة القومية الواجبة على اي فصيل ثوري او تقدمي او وطني، عربي، لكفاح الجماهير العربية في لبنان. ـ 3 ـ توجيه النقد من جانب التنظيم الثوري اللبناني، الى اي من الانظمة العربية، والى اي من تنظيمات المقاومة، المراد انتقادها، وحينما تقتضي الضرورة، دون ان يشكل ذلك الحرج لتنظيم المقاومة الفلسطينية المتحالف عضويا مع التنظيم الثوري اللبناني، بحكم الاستقلالية التنظيمية لكل من التنظيمين. ـ 4 ـ تحويل قسم كاف من الامكانيات التسليحية والمادية الاخرى، التي تحصل عليها تنظيمات المقاومة، الى الثوريين اللبنانيين، وبالتالي الى الثوريين العرب الاخرين، مما يساهم في العمل لتغيير الواقع العربي، بالامكانات التي ارادت انظمة هذا الواقع تجميده بها، وذلك دون ان يتقيد التنظيم الثوري اللبناني باي تبعية، وفي الوقت نفسه دون ان يتحمل تنظيم المقاومة اي مسؤولية، لان المقاومة انما تقدم المساعادت ـ كما تأخذها ـ دفاعا عن نفسها، ولتوسيع المشاركة في معركتها ضد العدو القومي. ان الانظمة العربية المعادية للجماهير قدمت وتقدم مساعداتها للمقاومة، تحت الضغط الكبير للجماهير العربية، كما تحت ضغط السياسة التوسعية والاذلالية لاسرائيل. وهي تستخدم مساعداتها وتسهيلاتها للمقاومة، من ضمن مخطط انجاح سياسة الاحتواء، الشكل الجديد للوصاية "العربية"، التي تطبقها. فتقديم المساعدات من قبل المقاومة للثوريين اللبنانيين والعرب الآخرين، الذين يناضلون من اجل تغيير الواقع العربي، هو الضمانة الاساسية لكسر سياسة الاحتواء، وهو في الوقت نفسه الضمانة لتطوير حركة الجماهير العربية، وإلزام الانظمة المعادية بوضع عنقها بين فكي كماشة: إما التسابق اكثر فأكثر على تقديم المساعدات، التي يجري توظيف قسم كبير منها للكفاح ضد الانظمة والقوى الرجعية، وبالتالي تقريب نهاية هذه الانظمة. وإما الامتناع عن تقديم المساعدات، وبالتالي تعرية نفسها والوقوف على المكشوف ضد المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية العربية، وفي ذلك نهايتها المحتومة. ـ 5 ـ التوفيق بين الكفاح المسلح والنضال السياسي، وبين النضال الوطني والنضال الطبقي، في النطاقين القطريين الفلسطيني واللبناني. فاحتلال الارض الفلسطينية وتشريد اكثر من نصف الشعب الفلسطيني، مع افتقاد التنظيم الثوري العربي الموحد، الذي يوجه النضال الفلسطيني، ومع متاجرة الانظمة العربية المعادية للجماهير، بالقضية الفلسطينية، غذى النزعة القطرية الفلسطينية، وجعل النضال الفلسطيني يبالغ في التركيز على تحرير الارض ويقلل من البعد الوطني العربي والبعد الطبقي السياسي للصراع مع اسرائيل والصهيونية والامبريالية، خالقة اسرائيل، والتي لا يمكن الفصل بينها وبين بنية الانظمة العربية الرجعية والمعادية للجماهير العربية قاطبة، الفلسطينية وغير الفلسطينية. والنزعة القطرية الفلسطينية الضيقة، هي التي جعلت المقاومة، بصورة عامة، تتصرف وكأنها الدولة العربية الثانية والعشرون، وتشرّع اقامة العلاقات "الاخوية" مع مختلف الانظمة العربية، حتى اكثرها إغراقا في الرجعية والعمالة وخيانة القضية الفلسطينية، مما يهدد بعزل الجماهير الفلسطينية عن مجرى النضال العربي، وبالتالي نسف الجسر الاساسي لحرب التحرير الشعبية ضد اسرائيل والصهيونية، التي لا يمكن فصلها عن الكفاح ضد الامبريالية والرجعية، ذلك ان الحرب الشعبية لتحرير فلسطين تصطدم لا بالقوة الصهيونية وحدها، بل وبمجمل القوى الامبريالية والرجعية والطبقات الاستغلالية العميلة والمعادية للجماهير، على الارض العربية. ولذا فإن هذه الحرب لا يمكن ان تكون بالجماهير الفلسطينية وحدها، بل يجب ان تشمل الجماهير العربية قاطبة، التي يتحتم تعبئتها عبر اوضاعها ذاتها، ومن خلال نضالها الوطني والطبقي ضد الوجود الامبريالي والاستغلال الطبقي والتخلف الاجتماعي والتجزئة القطرية. فمن شأن العلاقة العضوية بين تنظيم المقاومة ذي الافق العربي، وبين التنظيم الثوري اللبناني، واستطرادا اي تنظيم ثوري قومي في اي قطر عربي، ان تحل إشكال الربط بين الكفاح المسلح ضد اسرائيل، حيث تتم المشاركة الجماهيرية العربية فيه ضمن اطار التنظيم الفلسطيني بصورة اساسية، وبين تبني استراتيجية النضال ضد النفوذ الامبريالي والانظمة الرجعية والمعادية للجماهير، الذي يتم عبر التنظيم الثوري العربي غير الفلسطيني بصورة اساسية، ومع الاحتفاظ بالحد الادنى على الاقل من المرونة اللازمة في العلاقات والتحالفات التكتيكية العربية من قبل تنظيم المقاومة الفلسطينية. ـ 6 ـ تأمين الغطاء "الشرعي" للتسلح الجماهيري الواسع، لمواجهة العدو الوطني والطبقي داخل كل قطر عربي، مما هو شرط اساسي للقدرة على التعبئة العربية الجماهيرية لمواجهة العدو الاسرائيلي. فبسبب الطابع المأساوي الخاص للقضية الفلسطينية، وبفضل الالتفاف الجماهيري العربي الواسع الذي لاقته المقاومة الفلسطينية، فرض الكفاح المسلح ضد اسرائيل شرعية وجوده، على جميع الاطراف العربية، حتى غلاة الرجعيين. وهكذا فإن الكفاح المسلح ضد اسرائيل، البالغ الصعوبة عسكريا تبعا لخصوصيات الاستعمار الاستيطاني الاسرائيلي، هو اسهل بما لا يقاس سياسيا، في الواقع العربي، حيث انه بالامكان تخوين كل جهة عربية تعرقل الكفاح المسلح ضد اسرائيل. اما الكفاح المسلح ضد الانظمة العميلة والتابعة للوجود الامبريالي، في اي قطر عربي، فهو اسهل جدا عسكريا، بالمقارنة مع الكفاح المسلح ضد اسرائيل، الا انه اصعب بما لا يقاس سياسيا وأمنيا، حيث انه يستثير فورا كل القوى الامبريالية والنظام، بالاضافة الى القوى الهامشية المستفيدة من النظام. ويزيد من تفاقم هذه الصعوبة ان الانظمة المعادية للجماهير تستخدم حالة الحرب مع اسرائيل، لتشديد القمع على الجماهير المناضلة، تحت ستار الوفاق الطبقي و"الوحدة الوطنية" ضد العدو. ان العلاقة العضوية بين تنظيم المقاومة الثوري القومي والتنظيم الثوري القومي في لبنان، من شأنها تأليب اوسع الجماهير الشعبية اللبنانية لحمل السلاح مع المقاومة، وفي الوقت نفسه رفع مستوى النضال السياسي ضد النظام، بمختلف قواه الرسمية وغير الرسمية، الى مستوى الكفاح المسلح لاقامة سلطة الجماهير الشعبية المسلحة والمنظمة، كخطوة محتمة على طريق كسر الحواجز القطرية، التي تقيمها الانظمة العميلة والتابعة، امام المشاركة الجماهيرية العربية الواسعة في الحرب الشعبية لتحرير فلسطين. ـ 7 ـ خلق الظروف المؤاتية للتوفيق بين العمل الحزبي، والعمل الجماهيري، في القطاع الفلسطيني، واللبناني، والعربي عموما. فالعمل في المخيم الفلسطيني جماهيريا، وسواء في النطاق الاجتماعي او السياسي او العسكري، لم يعد ممكنا في المرحلة التاريخية الراهنة الا بواسطة منظمات للمقاومة، ذات امتداد فلسطيني كامل، اي داخل الارض المحتلة وخارجها. وتنظيمات المقاومة في واقعها الحالي، هي تنظيمات فلسطينية وعربية للكفاح المسلح والسياسي والاجتماعي الفلسطيني. ولا يمكن لتنظيم المقاومة ذي الافق القومي والبعد الطبقي، ان يتحول من ذاته وبقرار شكلي الى حزب ثوري عربي، ذلك ان هذا التحول يقتضي تغيير شبكة علاقاته وتحالفاته الحالية وكل اساليب عمله وتركيبه التنظيمي، مما يعني عمليا حل التنظيم واعادة تركيبه من جديد وعلى اسس جديدة. وهذا التحويل هو مستحيل، اذا لم يتم التعامل معه على اساس كونه عملية تاريخية، تماما مثلما هو مستحيل الاستمرار في الوضع الحالي للمقاومة، الذي اصبح محكوما بالمحدودية القطرية والتطويق النظامي العربي، اذا لم يتم الاستفادة من جميع الامكانيات التي تتيحها المقاومة الفلسطينية، لكسر النزعة القطرية والانفلاشية السياسية والعسكرية في القطاع الفلسطيني، والالتفاف على الطوق النظامي العربي، بالعمل بمختلف الوسائل وعبر جميع الاوضاع، لبناء التنظيم الحزبي، الذي يقود ويوجه الكفاح الجماهير الفلسطيني واللبناني والعربي عموما. اما بالنسبة للتنظيم الثوري في الساحة اللبنانية، فهو مؤهل للعمل على الخط الحزبي والخط الجماهيري معا، الاجتماعي والسياسي والعسكري. وفي حال وجود العلاقة العضوية مع التنظيم الفلسطيني المؤمن بضرورة بناء التنظيم الثوري العربي الموحد، اي حزب الشغيلة، فإنه يمكن البدء ـ الى جانب الكفاح الجماهيري الفلسطيني ـ في العمل على خط البناء الحزبي في الاطار الفلسطيني ايضا، ليس في لبنان فقط، بل في كافة المناطق والاقطار، التي يتواجد فيها تنظيم المقاومة الفلسطيني. وانطلاقا من النواة الحزبية الفلسطينية، وكذلك عبر العلاقات المباشرة للتنظيم الثوري القومي في لبنان، يمكن البدء في اقامة العلاقات الثورية مع الجماعات والمناضلين المؤمنين ببناء حزب الشغيلة العربي، في كافة منظمات المقاومة وكافة الاقطار العربية، وكذلك العمل مباشرة على تكوين النوى الثورية الحزبية والجماهيرية في الاقطار العربية الاخرى، كخطوات لا بد منها على طريق تكوين التنظيم الثوري العربي الموحد. العلاقة العضوية من حيث الشكل التنظيمي ان العلاقة العضوية بين التنظيمين الفلسطيني واللبناني، ولكي تحقق الاهداف المنشودة، تتطلب المحافظة على الاستقلال التنظيمي لكل من التنظيمين، الى ان يتم بناء التنظيم الثوري العربي الموحد، الذي تسقط معه الاستقلالية التنظيمية القطرية، في الوقت ذاته الذي يصان فيه التكافؤ في العلاقة الكفاحية بين الفروع القطرية للتنظيم العربي. اما في الظروف الحالية، فإن التوازن بين العلاقة العضوية للتنظيمين، وبين الاستقلال التنظيمي لكليهما، هو الذي يؤمن تجاوز الحواجز القطرية مع صيانة التكافؤ في العلاقة الكفاحية. وإلا، اذا جرى الاخلال باستقلالية التنظيم اللبناني، تحول هذا التنظيم الى تابع مساند للتنظيم الفلسطيني، مما يفقده امكانية القيام بدوره النضالي الجماهيري القطري في لبنان، كما يفقده امكانية القيام بدوره في العمل على خط البناء الحزبي، لبنانيا وفلسطينيا وعربيا. وبالمقابل، اذا جرى الاخلال باستقلالية التنظيم الفلسطيني، بحجة بناء الحزب الثوري العربي وما اشبه من الحجج، فهذا يؤدي الى تقويض الدور الجماهيري الفلسطيني لهذا التنظيم، مما يفقد التنظيم اللبناني الغطاء الفلسطيني الضروري، للنضال الجماهيري اللبناني بالالتحام العضوي مع الجماهير الفلسطينية. والاخطر من ذلك انه يؤدي الى نسف الجسر الرئيسي للعبور الى العمل على خط بناء الحزب الثوري العربي الموحد في الاقطار العربية الاخرى. ومن المؤكد ان الاستقلال التنظيمي لكلا التنظيمين لا يقتضي التوافق الالزامي في البرنامج السياسي وفي التحالفات التكتيكية لكل منهما، الا انه يتطلب حتما وجود التقاء في المفاهيم الوطنية والطبقية الاساسية، وفي التوجه الستراتيجي الاساسي للتنظيمين، ولو كان هذا التوجه يجري التعبير عنه مرحليا من قبل تنظيم المقاومة الفلسطينية، خصوصا فيما يتعلق بالمواقف تجاه مختلف منظمات المقاومة والاحزاب والقوى والانظمة العربية، الامر الذي تقتضيه الاوضاع الراهنة للمقاومة الفلسطينية. والاستقلالية التنظيمية هي محتمة سياسيا، بواقع التفاوت والتعقيد في الاوضاع القطرية العربية. فمن الضروري العمل لتطوير هذه الاستقلالية، نحو المزيد من التلاحم الكفاحي، عبر تدعيم التوازن بين الخصائص الايجابية لكل من التنظيمين القطريين، والتقدم التدريجي من التوازن الى التكامل: فتنظيم المقاومة هو في المرحلة التاريخية الراهنة اكثر تقدما من النواحي العسكرية والتعبوية الجماهيرية الفلسطينية والعلاقات العربية. في حين ان التنظيم اللبناني مؤهل لان يكون اكثر حرية في اعلان مواقفه السياسية والحزبية، وبالتالي فهو مؤهل ليكون اكثر قدرة على التعبئة الجماهيرية في القطاع اللبناني، وفي الوقت ذاته اكثر قدرة على الاستقطاب الحزبي، في القطاع الفلسطيني كما في الاقطار العربية الاخرى. فالمطلوب هو تدعيم التوازن بين هاتين الميزتين الاساسيتين لكل من التنظيمين، ورفع مستواهما على طريق التكامل، اي تقوية تنظيم الساحة اللبنانية عسكريا وماديا، ورفع المستوى السياسي والحزبي في تنظيم المقاومة وفي الساحة الفلسطينية عموما. وهذه عملية جدلية لا يجوز الانتقاص من اي من قطبيها، لان اضعاف اي من هذين الجانبين سيؤدي حتما الى اضعاف الجانب الاخر. وفيما يتعلق بشكل العلاقة العضوية التنظيمية بين التنظيمين، فإنها تنطلق من ازدواجية الانتساب التنظيمي للمناضلين الواعين والكوادر القيادية السياسية والعسكرية. فتؤمن هذه العلاقة العضوية التنظيمية التنسيق المباشر في المهمات المشتركة، كما تؤمن الافادة من خصائص كل من التنظيمين، في عملية توزيع الاضطلاع بالمهمات القطرية، اللبنانية والفلسطينية، حسبما تقتضي الضرورة في كل مرحلة وكل حالة، ومن ادنى المستويات حتى اعلاها، وبمختلف مجالات العمل الجماهيري الاجتماعي والسياسي والعسكري. ومن خلال هذه العلاقة الجماهيرية والحزبية ذات البعد القومي، من الزاويتين القطريتين الفلسطينية واللبنانية، يجري رفع مستوى المناضلين الواعين والكوادر القيادية وارساء بعض الاسس التنظيمية الاولية الضرورية للتنظيم الثوري العربي الموحد، على اكتاف خيرة المناضلين ذوي الافق القومي. وبالطبع انه من الواجب منع التضاد في المهمات التنظيمية للاعضاء ذوي الانتساب المزدوج. وهذا ما يجب حله، بالتفاهم بين الرفاق المعنيين في كلا التنظيمين بالنسبة لكل عضو مزدوج العضوية على حدة، حسب الوضع والمنطقة والضرورات الآنية. على ان تراعى في ذلك الاسس الثلاثة التالية: اولا: ان يكون العمل في الاطار الجماهيري الفلسطيني ومع المنظمات الاخرى للمقاومة من مهمات الرفاق الفلسطينيين اساسا. ثانيا: ان يكون العمل في الاطار الجماهيري اللبناني، ومع الحركة الوطنية اللبنانية، من مهمات الرفاق اللبنانيين اساسا. ثالثا: واما العمل على الخط الحزبي، فهو من المهمات الدائمة لجميع الرفاق اللبنانيين والفلسطينيين، مزدوجي او غير مزدوجي العضوية في التنظيمين، على ان يشمل هذا العمل القطاع اللبناني والفلسطيني والعربي عموما. وفي مطلق الاحوال، وسواء من اجل تنظيم وترسيخ العلاقة العضوية بين التنظيمين وايجاد الاشكال والمجالات المناسبة لعمل الرفاق الذين يكون لهم عضوية تنظيمية مزدوجة مقررة من جانب الطرفين وفقا للصيغة التي تحدد، ام من اجل مناقشة وتطوير الخط السياسي والنشاطات الجماهيرية والسياسية والعسكرية لكل من التنظيمين، ام من اجل تطوير العمل على الخط الحزبي، فلسطينيا، ولبنانيا، وعربيا، فإن مهمات اساسية في مناقشة كل هذه الامور وإعطاء الاجوبة عليها والعمل لتجسيد الاجوبة المعطاة، في اطار كل من التنظيمين، تقع على عاتق الكوادر القيادية، الحزبية، في كلا التنظيمين، التي يتوجب عليها ايجاد الاشكال المناسبة للقاء، وايجاد القناعات الصائبة المشتركة فيما بينها، دون تثقيل البنية التنظيمية لأي من التنظيمين، بما لا يستطيعه. ومثل هذا اللقاء بين الكوادر القيادية، الحزبية، هو بمثابة بداية الانطلاق، على طريق العمل التنظيمي للحزب الثوري العربي الموحد، حزب الشغيلة العربي، الذي بافتقاد وجوده ستبقى قائمة، في وجه جميع الثوريين العرب، الصعوبات والسلبيات والتناقضات التي تفرزها التجزئة القطرية للوطن العربي. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــ ـ ـ ـ ـ* كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
احمدي نجاد ليس معتوها، بل -العرب- متخاذلون!
-
1 العلاقة التناحرية الروسية الصهيونية،والمصير الملتبس لاسر
...
-
اذا خضعت حماس، هل سيخضع حزب الله؟!
-
الخطر الاعظم: هل يستطيع الشيطان الاكبر إخضاع لبنان الصغير ال
...
-
حزب الله في الكماشة
-
صدام حسين.. المثال النموذجي للسقوط التاريخي للبرجوازية الصغي
...
-
النظام الليبي يدخل بامتياز في اللعبة الاميركية
-
من ارتكب الجريمة الكبرى ضد الاطفال الليبيين؟ ولماذا؟
-
الدور المتنامي لحزب الله ومحاذير الاندماج بالدولة اللبنانية
-
مخاطر تجديد الحرب الاهلية في لبنان والمسؤولية التاريخية لحزب
...
-
هل ينجح -حزب الله- في اجتياز حقل الالغام الداخلي؟
-
دعوة حزب الله لانشاء -دولة قوية، قادرة وعادلة- وجامعة الدول
...
-
اي -حكومة وحدة وطنية- يريد السيد حسن نصرالله؟
-
السقف المنخفض للوطنية القطرية في مواجهة اسرائيل
-
وليد جنبلاط... اعتذار كلامي لا يكفي!
-
لبنان اسرائيل: من سيقتلع من؟
-
....والافلاس التاريخي ل-الوطنية النظامية- العربية
-
نصر...! وأما بعد...!
-
الافلاس التاريخي لستراتيجية الحرب النظامية العربية
-
الخطة الاميركية الاسرائيلية لتطويع لبنان... امام المفاجآت!!
المزيد.....
-
حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع
...
-
صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
-
بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
-
فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح
...
-
الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
-
الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان
...
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|