بيت من بيوت المدينة الفقيرة والغنية بشبابها ومساهمتها في الحركة السياسية الوطنية في العراق .
بيت ( الحاج جعفر ) في الديوانية ، ومن لايعرف بيت الحاج جعفر لايعرف شيء من تاريخ المدينة الطيبة العبقة والأصيلة .
من بيت الحاج جعفر تخرج مواكب العزاء في ذكرى أستشهاد سيد الشهداء الحسين ( ع ) ، ومن بيت الحاج جعفر نتجمع لنشكل مواكب اللطم مع ترديد المستهلات الحسينية ، والتي غالباً مايكون لها معاني سياسية عميقة .
في بيت الحاج جعفر نأكل من خيرهم ونتذوق حلو طعامهم ونحضر مجالس رمضان الساحرة ، حيث المنبر الحسيني الذي يعلمنا قصص التاريخ وسيرة أل البيت .
وفي بيت الحاج جعفر تعلمنا الألتزام والخلق والصدق وحب الناس وأحترامهم .
الحاج جعفر والحاج عبد الحميد والحاج موسى الأخوة الطيبين من أنبل ما شهدته الديوانية من ألتزام ديني ومروءة وتقدير وبساطة وألتزام .
ولهذا خرج أولادهم الجيل الذي شهدته في عمري ليكونوا مثلهم غير أنهم كانوا أكثر ميلاً للدفاع عن حقوق الفقراء وتطلعاتهم ، فكانوا جميعهم لصق العمل السياسي اليساري .
وبقيت مدينة الديوانية تزهو بهذه النماذج الخيرة والعائلة المضيئة المستورة .
وبقيت المدينة تحتفي بقدوم أيام عاشوراء ليصير البيت الجميل الذي يتوسط المدينة الى بيت مملوك للناس مغطى بالقماش الأسود ومفروش بأحلى السجاد ومفتوح لجميع الفقراء .
وكان أبناء الحاج جعفر والحاج عبد الحميد أخوة حقيقيين لكل الشباب الذين زاملوهم في المدارس أو المعاهد .
وفي ليلة كالحة من ليالي البعث البائد ، هجمت زمرة الشر والسفلة على هذا البيت الكريم النقي ليتم تسفيرهم بحجة ( التبعية ) السيف الذي تسلط فوق رأس كل محب لأل البيت .
وتشردت العائلة وصودرت أموالهم وأستملكت دورهم البهية وأنطفأت أضواء المواكب الحسينية ، وهكذا ظنوا !!
بقيت بيوتهم تبكي أصحابها ومالكيها وحين كنا نمر على البيوت الخالية والموحشة كنا نلمح دموع بعضنا ونحن نمسحها دون أن يشعر بنا أحد .
صارت بيوتهم سكناً لشذاذ الأفاق ومرتكبي الجرائم الخسيسة بأسم السلطة من ضباط الأمن ، ثم صارت دوائر حكومية رسمية دون وجه قانوني أو شرعي .
وهكذا ترتب لبيت الحاج جعفر وعبد الحميد حقوق قانونية وشرعية بذمة السلطة العراقية الجديدة ، وبقي حقهم في ضمير أبناء المدينة التي لم ولن تنساهم مهما جار الزمن وأختلت الموازين ، فقد كانوا ممن تتشرف بهم المدينة ويليق بهم العراق .
وليس أكثر تكريما للجنسية العراقية أن تقترن بهذه العائلة الكريمة لتعيد لها الأعتبار العراقي ، وليس أكثر أحتفاء لهذه العائلة الكريمة والطيبة من أن نعيد لهم أملاكهم وحقوقهم وتكريمهم في الديوانية ، وليس أكثر وفاء من أستذكارنا لهم بعد هذا الزمن المرير الذي زعم صدام البائد أنه يستطيع أن يدمر الطيبين من أهل العراق وينتقم منهم لطيبتهم وأصالتهم وعراقيتهم فخاب وسكن الجحور وبقي الطيبون أهلاً للعراق .