|
هل ما زال التغيير ممكنا في المغرب ؟
محمد نبيل
الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 08:43
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
مجموعة من المعطيات و الوقائع التي تنشرها وسائل الإعلام الدولية حاليا حول المغرب تدعونا للتوقف و التفكير : أجواء مشحونة بالغضب والتوتر بالمواقع و الأحياء الجامعية المغربية ،والتي كان أخرها اندلاع صدامات في الحي الجامعي السويسي بالرباط بين رجال الشرطة وطلاب معتصمين يدعون إلى استقلال منطقة الصحراء الغربية . إقدام الشرطة المغربية على اعتقال مجموعة من التلاميذ بمدينة العيون بعد أن عرفت العديد من المؤسسات التعليمية مظاهرات واحتجاجات سلمية، مطالبة بتقرير مصير الشعب الصحراوي. سكان الريف يخرجون إلى الشارع بمدينة الناضور في مظاهرة بمناسبة عيد العمال، للمطالبة بالحكم الذاتي ... كلها وقائع تطرح أسئلة محورية حول مغرب اليوم ورهاناته المستقبلية . وطرح السؤال هنا، يفترض الهدوء و بعد النظر بعيدا عن لغة الشعارات الظرفية والانفعالات التي تخفي عنا الكثير من الحقائق. فالأشياء المهمة لا تراها العيون.
ويعد الاعتصام والاحتجاج و تعرض الطلبة للسرقة و الضرب و الاعتقال كما وقع في الحي الجامعي بالرباط، أحداثا قديمة من حيث جوهرها و أسبابها، لكنها جديدة في صورها. فالاحتجاج كأسلوب للمطالبة بالحقوق أصبح مشهدا شبه يومي في العديد من المدن المغربية، كما يقدم مؤشرا واضحا على عمق الأزمة التي تكبِّل المغاربة و الجسم الجامعي على الخصوص ،مما يساهم في إنتاج مشروع فاشل لطلاب جامعة غير قادرين على مجابهة تحديات المتغيرات الكونية على كل المستويات . فالعودة إلى ميزانية الحكومة المغربية الخاصة بالبحث العلمي و مشاريع الإصلاح التي قام بها الحكام لدعم المؤسسات الجامعية ،وهزالة المنح التي تقدم للطلبة ، فضلا عن تجميد الإتحاد الوطني لطلبة المغرب ، كلها تقدم الدليل على وجود ارتجال في اتخاذ القرارات وغياب مشروع سياسي واضح يهدف إلى التغيير ،بالرغم من نقاط الضوء التي نعثر عليها بين الفينة و الأخرى . فالتغيير يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الجسم الجامعي برمته،وفق رؤية شمولية بعيدة عن أسلوب التأجيل أو التجزيء الذي لن يخدم المجتمع المغربي بكافة فئاته ،مما يستحضر إشكالية المشروع المجتمعي المغربي التي ما زالت لم تطرح بعد للتداول ،من أجل توضيح الرؤية حول مستقبل أكثر من ثلاثين مليون مغربي.
في سؤال الاتصال و الانفصال تحتل إشكالية الانفصال السياسي موقعا مهما داخل القاموس السياسي المغربي منذ عقود من الزمن. فتاريخ المغرب عرف حركات انفصالية قادتها مؤسسات الزوايا، القبيلة و غيرها. وهي تعتبر مادة مهمة للتأمل في تلك العلاقة المنتظمة بين الاتصال و الانفصال في المغرب المعاصر، والتي في سياقها التاريخي تأتي قضية الصحراء ومطالبة العديد من الحركات الأمازيغية بالحكم الذاتي .
و لفهم ظاهرة الانفصال و توابعها مثلا، لا بد من الرجوع إلى الماضي لفهم أحداث الحاضر حتى نضع كل الأمور في سياقها. عنوان هذه العودة التاريخية كان و مازال هو ’’فشل المشروع الديموقراطي ‘.
يؤكد علماء النفس و الاجتماع ،أن العنف يولِّد العنف و بالتالي فسياسة الإقصاء الممارسة ضد المواطن شكلت عائقا سياسيا أمام التنمية المحلية . لا أحد يشك في أن قضية الصحراء كان ثمنها هو حبس العديد من المناضلين كالمرحوم عبد الرحيم بوعبيد و إبراهام السرفاتي ،وأسر العديد من الجنود ،بل و اقتطاع جزء مهم من الأموال العمومية لصالح صراع لم يحسم بعد . الكل يتذكر أنه بسبب قضية الصحراء منعت عدة صحف مغربية و دولية من التداول و حوكم العديد من الصحافيين لمجرد أنهم تناولوا قضية الصحراء بدعوى أن هذه الصحراء قضية مقدسة.
أما إذا توقفنا عند ما يحدث الآن، فسوف نرى أن الأحداث الحالية عبارة عن نتاج مقاربة أمنية لقضية تهم كل المغاربة، لهذا وجب تغيير هذا التصور و خاصة أن هناك مؤشرات سياسية تفرض ذلك. أعتقد أنه من المنتظر أن تتخذ الدروس و العبر – خصوصا أن ملف الصحراء يمر بمنعطف حساس حاليا – من تراكمات سنوات الرصاص و ذلك بالعودة إلى ذواتنا ولو مرة واحدة في حياتنا، حكاما و مواطنين من أجل الاستفادة من النماذج الديموقراطية التي انتصر فيها العقل و الحوار على الأهواء و العنف . و في هذا المضمار، هناك عدة أمثلة يمكن أن نسترشد بها كالأنظمة ذات التوجه الفيدرالي كالنظام السياسي الكندي الذي عالج بشكل ديموقراطي قضية الانفصال السياسي.
ففي ظل عدة متغيرات دولية، أخطاء سنوات الرصاص و التي كان عنوانها الرئيسي –سوء تدبير ملف الصحراء – و غيرها ، تصبح دمقرطة المجتمع في كل مستوياته ،مطلبا حقيقيا يؤسس للبيت الداخلي كعمل مواز ومؤهل لفعل مغاير يهدف إلى فتح قنوات حوار فعالة من أجل معرفة رؤى الآخر و البحث عن صيغ للتشاور و التفاوض الحضاري البعيد عن ممارسة العنف المادي منه و الرمزي .
إن لغة التفاوض تعد أرقى اللغات و أسماها و بواسطتها تم تدبير العديد من الملفات السياسية الشائكة دوليا. فالديموقراطية علاج لجل الأمراض السياسية و المجتمعية التي تعيق تقدم و نمو المجتمعات. لذلك نجد العديد من المهتمين و الخبراء ، يعتبرون أن الحكم الذاتي الذي تعرضه الدولة المغربية على الصحراويين ،وتداعياته الدولية من جهة ،و انتقال الحركة الأمازيغية من المطالبة بمطالبها التقليدية كدسترة الأمازيغية إلى المطالبة بالحكم الذاتي للمناطق الأمازيغية من جهة أخرى ، كلها عناصر تفترض التساؤل حول مشروع الدولة المغربية وطبيعة الانتماء الذي يحكم أفراد المجتمع المغربي . فهل يعد الوطن والمواطنة مرجعية لكل المغاربة أم أن القبيلة و العصبية و العرق هي اللغة المتحكمة في الانتماء ؟ هل خطاب الانتماء إلى المغرب يحكمه منطق حقوق الإنسان المبني على ثنائية الحق و الواجب أم أن النعرات و الصراعات ،التي لا تصمد بأي حال من الأحوال أمام التكثلات العالمية ،ستظل هي السائدة؟
إن البلدان المتقدمة ولأسباب متعددة تتقدم في تكثلاتها من خلال تحريك و تطوير لأنظمتها السياسية المختلفة ،بل تفتح النقاش كل مرة على مستوى الفضاءات العمومية من أجل تحديث الجدل العقلاني الخصب والمساهمة في بناء ذات المواطن وإكسابه المناعة الذاتية. هذا النموذج، لا نهدف من استحضاره في هذا القول سوى الاستئناس و ليس الإسقاط على المجتمع المغربي، لاعتبارات تاريخية وثقافية و اجتماعية و كذلك عقلانية.
والجدل يجب أن ينصب على لغة المواطنة وبناء الدولة الديموقراطية التي يتساوى أمامها الحاكم و المحكوم ،و التفكير في فك مفارقة مفادها أن العناصر التي من المفترض أن توحد المغاربة وتشكل لحمتهم المشتركة نجدها جامدة ،وتوظف لأغراض تدميرية ،لتحل محلها النزعات العصبية و العرقية و القبلية التي تنخر الجسد المغربي منذ ما قبل مرحلة الاستعمار والى حدود الساعة. ففي غياب دمقرطة حقيقية للعلاقة التي تربط الدولة و المواطن و فشل المشروع الديموقراطي منذ عهد الحركة الوطنية والى الآن، ، وفي ظل عجز المحاولات السياسية التي أراد أصحابها إشراك جزء من اليسار في اللعبة السياسية عن تحقيق التغيير ، يظل السؤال الملح: متى وكيف يمكن أن يتحقق التغيير في مغرب اليوم ؟ سؤال لا يرتهن بإجابات فردية معزولة بالرغم من أهميتها ،و لكنه يظل مرهون بجهود جماعية ومجتمعية تفرزها بواطن المجتمع المغربي في سياق صيرورة معينة في أفق تشريح للذات وتعرية للجسد المغربي حتى ننفض غبار ترسباته العصبية القديمة.
#محمد_نبيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سيدي علي وحكاية زواج الرجال بالمغرب
-
مأزق الجاليات الإسلامية بألمانيا
-
الراب و الحجاب وأشياء أخرى
-
في حوار مع نائب رئيس الوزراء الفلسطيني أحمد عزام
-
كيف يدفن الموتى العرب بالمقابر الألمانية ؟
-
اللاجئات العربيات بألمانيا و حكاية الخوف من المجهول
-
علي الضاحك
-
عندما تحب كلاوديا
-
حلاق للكلاب فقط
-
حفار القبور
-
لماذا يعتنق الألمان الدين الإسلامي؟
-
كيف حضر المغرب في مهرجان برلين السينمائي؟
-
من أفلام مهرجان برلين السينمائي : العام الذي ذهب فيه والداي
...
-
كيف عاد شي غيفارا إلى أمريكا اللاتينية ؟
-
إديث بياف تعود من جديد إلى ألمانيا
-
النازيون الجدد أو عودة الإرهاب السياسي الى ألمانيا
-
يقع بالعالم العربي الإسلامي : أمهات عازبات و أطفال بدون هوية
-
ممنوع الضحك في مغرب اليوم!
-
عندما تنطق شوارع ألمانيا!
-
عندما يتمزق الثوب
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|