|
المجتمع السوري بين السلطة وبين الدولة مقاربة ثانية
غسان المفلح
الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 10:23
المحور:
المجتمع المدني
في مقاربتنا الأولى تعرضنا لمفهوم المدنية الذي رأينا أنه يشتق من المدينة بكل ما تفرضه علائقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقيمية أولا , ومن إيحاء دلالي واضح المعالم في استغراق دلالاته لمفهوم العصرنة والبقاء في روحية العصر دوما بلا كلل أو ملل , فهذا التوتر الجديد الذي تخلقه المدينة والمدنية بالآن معا سيبقى يحكم العلاقة بين المنظور السياسي والمنظور المجتمعي في تدفق واضح للمعطيات التاريخية والراهنة وعلى كافة الصعد بين الفكر والواقع من أجل تحصينات خلقتها النقلة الأساس وهي نقلة ( الأمة ـ الدولة ) حيث من المفترض أن تكون الدولة هي التوسط الضامن لهذه العلاقة المهتزة دوما بين المجتمع ـ مجتمع هذه الدولة ـ وبين السلطة التي دوما لو اتيح لها لابتلعت الأخضر واليابس . فهذه الدولة هي التي تحمي السلطة من الفوضى وتحمي المجتمع من تغولات السلطة . يجمع الباحثون في هذا الشأن على أن : مفهوم الأمة قد وصل إلى أن يكون حاضنا لمجموعة بشر يطلق عليهم مواطنين يسكنون بلد المدينة والمدنية بالآن معا والحد الوحيد الذي يكون نهائيا في العادة هو الحدود الجغرافية لهذه الدولة أما ما تبقى فتعريف الفرد / المواطن يأتي من خلال بطاقة هويته التي تشير إلى الدولة التي ينتمي إليها مكنسة من بنودها التعريفة أية انتماءات قبلية سواء كانت تاريخية أو راهنة ـ سياسية ـ فسويسرا بلد فيه تنوع أصلي ومهاجر ولاتعرف فيه هل هذا المواطن الفرد / من سويسرا الألمانية أم من سويسرا الإيطالية إلا عندما يحدثك أما في جواز سفره / بطاقة هويته فلا تعرفك إلا عن جغرافية ولادته وإلى أية دولة ينتمي . فلا دينه ولا عرقه ولا طائفته تذكر في هذه الهوية الجامعة المانعة على التفتيت الهوياتي الماقبل دولتي . فالأحزاب السياسية هنا فيها السويسري المتحدث الألمانية والسويسري الذي يتحدث الفرنسية والإيطالية ..الخ وأن اشتقاق أمور إدارة البلاد والسلطة تتم وفق معطيات الواقع وبما لايتعارض مع مفهوم المواطن / الناخب ( مكون أساس من مكونات أي مجتمع مدني ) والناخب هنا جملة معقدة من العوامل التاريخية والراهنة والمصالح المتباينة والانتظامات المتنافسة سياسيا ومدنيا . بالمؤدى النهائي الناخب مفهوم نسبي وتاريخي , وميزة النظم الديكتاتورية كنظامنا السوري أنها تلغي تاريخية هذا الموقع , فهو محدد بقرار أمني سياسي في كل زمان ومكان ولامجال لتبدل آراءه أو مصالحه بين هذا الحزب أو ذاك فهو ناخب لمنتخب واحد يظلل كل المجتمع بمظلته الأمنية والسياسية وعطاءاته الاقتصادية . جل ما يستطيعه هو أن يقاطع كما حدث في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب السوري الذي يوضح بما لايقبل الشك المعادلة التالية : مجلس الشعب هذا دستوريا لا سلطة له لارقابية ولا تشريعية والتي هي من اختصاص رئيس الجمهورية حصرا . فهو لا يستطيع حجب الثقة عن حكومة أو سن قانون مهما كان إلا بعد أن يقوم رئيس الجمهورية بسنه وطرحه على مجلس الشعب للموافقة عليه وإذا لم يوافق في المرة الثالثة يستطيع رئيس الجمهورية إقراره دون الرجوع إلى مجلس الشعب هذا ! إذا ما هي وظيفته ؟ لكنه يعبر خير تعبير عن دور الشعب السوري في القرار السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي . حيث دوره هو التصديق على كل قرارات الحاكم . فمجتمع مثل هذا كيف يمكن تسميته مجتمعا مدنيا ؟ ولقد استفاد النظام السوري البعثي من عدة عوامل في تحييد تطور المجتمع السياسي ولكن أهمها : العامل الأول ـ أزمة وجودية في الهوية السورية مع تخلف في البنية الثقافية في البنية السورية المحدثة . العامل الثاني ـ والمتجادل مع العامل الأول أن البعث ومشتقاته قد كرس مقولة أن المجتمع السوري هو مجتمعا انتقاليا نحو المجتمع العربي الأكبر لكونه حامل رسالة تحقيق الأمة العربية الواحدة . فبقي السوري ينظر إلى نفسه كموجود انتقالي في هذا الواقع السياسي . لم يستطع أن ينشئ هويته الخاصة كحال المجتمع المصري مثلا . وهذا أيضا ما كرسته السلطة على صعيد الدولة بما هي دولة انتقالية أيضا وبقيت دولة قطرية ذات بعد رسالي من جهة ومن جهة أخرى وسيلة لتحقيق هذا البعد الرسالي من قبل سلطة قادة أنبياء وأوصياء على الشعار : أمة عربية واحدة . وتقلص هؤلاء الأنبياء لكي يصلوا إلى نبي واحد مع ذريته عاجز المجتمع السوري عن ولادة نبي آخر ؟ ربما المواطن السوري وغيره من مواطني الدول العربية يجد نفسه عندما يسمع بمفردة الأمة يغرق في دلالاتها غير المتواجدة في شرطه التاريخي فإما يغرق في دلالات أمة عربية واحدة أو أمة إسلامية واحدة ! بينما مفهوم الأمة بدون الدولة يصبح فارغا من أي مضمون اجتماعي تاريخي . ولهذا لا مكان لمفهوم الأمة الدولة في الوضعية السورية لأن هذا المفهوم هو الأكثر عداءا للسلطة السياسية . كل هذا وغيره سنحاول إضاءته قدر ما نستطيع أضيف إلى عامل مهم وجوهري لعب دور في تاريخ المشهد السوري وتطوراته وتكويناته الحالية وهي أن سلطة البعث قد انقلبت على مبادئها أصلا انقلابا طائفيا وبشكل سلمي وعنفي بالآن معا . وهذا ما جعلها أيضا حريصة على النسق الخطابي الرسالي لتخفي أقليتها التصاعدية والاستبدالية والتي تبدأ سوريا كحامل وحيد للرسالة العربية ثم طائفيا داخل التكوين الطائفي والأثني والديني السوري ثم في النهاية عائليا لنصل إلى مفهوم العائلة المقدسة بمواجهة الجميع .فتم بناء على ذلك تفخيخ المجتمع جهويا وعبر كل تنضيداته التاريخية القومية والدينية والطائفية والطبقية . فهل في ظل هذه الفضاءات يمكن انبثاق مجتمع مدني سوري ؟ هذا ما سنحاول مقاربته في الجزء الثالث . ولكن قبل أن نختم هذا الجزء لا بد لنا من القول معرفيا أن تطور البشر لايمكن أن يبقيه نظاما سياسيا قيد سيطرته إلى الأبد وإلا نكون أمام إستثناء في التاريخ البشري ولكن ماحدث في الانتخابات الأخيرة لمجلس الشعب يوضح أن شعبنا ليس استثناء وما شغفه أيضا بسماع الإعلام والأنترنت إلا تعبيرا عن تطلعه الدائم لكي يصبح مثله مثل بقية شعوب الأرض .
#غسان_المفلح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع السوري بين السلطة وبين الدولة
-
اللقاء في شرم الشيخ، مناورة أمريكية أم سورية؟
-
كوارث الكولسة وكولسة الكوارث -مؤتمر شرم الشيخ نموذجا
-
التجربة التركية ماذا نريد من الإسلاميين ؟
-
وأد علني للديمقراطية تجربة المعارضة السورية
-
حنين العدالة أم ماركسية مقولبة ؟ملاحظات على الوثيقة التأسيسي
...
-
آخر العنقود في عائلة معتقلة أنور البني 5 سنوات سجن
-
الشعب السوري أمريكي
-
معارضة وموالاة سورية في محنة
-
سوري في الكنيست من أجل السلطة لا من أجل السلام
-
نحو كتلة ديمقراطية سورية
-
أساس الفتنة السلطة فوق الدولة
-
ثقافتنا شفهية والمكتوب منها شمولي
-
مؤتمر الأقليات في زيورخ خطوة نوعية ولكن؟
-
الفساد في سورية نظام وليس ظاهرة
-
الأشقاء العرب قبل القمة وبعدها رسالة من مواطن عربي
-
إرهاب قطاع خاص وثقافة قطاع دولة
-
الإسلام ليس حاكما ولن يكون
-
المرجعية الكردية في سورية بين القومي والديمقراطي
-
لبنان الشقيق والدولة الصديقة
المزيد.....
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
-
جدل في لبنان حول منشورات تنتقد قناة محلية وتساؤلات عن حرية ا
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|