|
التيار الديمقراطي والتحديات التي تواجهه
جاسم الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 10:40
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
إن التحليل العميق لطبيعة المرحلة التي يمر بها العراق، يؤشر ان الصراع المحموم الذي يدور في بلدنا هو صراع على السلطة وامتيازاتها، بين مختلف المتنافسين. ويتخذ هذا التنافس المخزي من الطائفية شعارا سياسيا، ويتجلى باعمال القتل والخطف وتصعيد مستوى العنف إلى مديات خطيرة. ولا تتورع بعض هذه القوى وادواتها المسلحة المتصارعة، من استخدام ابشع الأساليب وأقذرها، من قطع الرؤوس إلى التمثيل بجثث الضحايا، ناهيك عن الخطف والتغييب. ان تلك المخاطر التي تهدد بلدنا ومجتمعنا، تحتم علينا تحمل مسؤولياتنا الوطنية، انطلاقا من الإدراك بعدم قدرة أي طرف، لوحده، مهما امتلك من إمكانيات، على حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحياتية الخطيرة التي يعاني منها الشعب العراقي، جراء سياسات النظام المقبور وحروبه، والاحتلال وآثاره السلبية، وسوء الإدارة من قبل الحكومات التي أعقبت انهيار النظام المباد. ومن هنا يقع على التيار الديمقراطي دور في تحمل المسؤولية، ولا شك في ذلك. فقد لعب الديمقراطيون على الدوام دورا مهما في تاريخ العراق المعاصر، ويحسب لهذا التيار سعة نفوذه، وتأثيره على الحياة السياسية والاجتماعية في العراق. لقد روجت القوى الديمقراطية في العراق لمنظومة من القيم الديمقراطية وتركت تأثيرا واضحا في الوعي الجمعي العراقي رغم السنوات العجاف الذي رزح فيها شعبنا تحت نير النظام الدكتاتوري وأساليبه القمعية التي سعت بكل الاحوال إلى إبعاد القوى الديمقراطية من التأثير في المجمتع. ونال التيار وقواه وقياداته من النظام المباد التعذيب والتنكيل والإبعاد والاضطهاد المنظم ، الجسدي والفكري والنفسي ، وصولا الى إطلاق ما سمي في حينه بـ " الحملة الإيمانية " من قبل الدكتاتور صدام حسين التي أريد منها إبعاد كل اثر للفكر الديمقراطي من البلاد، ولكن رغم ذلك بقيت مفاهيم الديمقراطية، والديمقراطية هي ما يعول عليها الناس. ومع ذلك، يتضح يوما بعد آخر الدور الريادي الذي لعبه الديمقراطيون، على اختلاف مناهجهم، بالترويج للديمقراطية كقيمة انسانية غير قابلة للتجزئة.واستنادا الى التجربة التاريخية الملموسة في بلادنا، هناك من يقيس مساحة الديمقراطية في العراق بعلنية الأحزاب السياسية الديمقراطية والتعددية الحزبية، اي كلما كانت مساحة الديمقراطية واسعة نجد ان الأحزاب السياسية الديمقراطية تباشر فورا نشاطها وبحضور علني، والعكس صحيح ، فكلما تقلصت هذه المساحة ضاقت معها هذه العلنية، وغاب النشاط الديمقراطي . لذا فان واحة الديمقراطية هي متنفسنا نحن الديموقراطيين العراقيين ، ولذا تجدنا من اصدق الحريصين عليها وعلى قيمها. ومن هنا نحمل أنفسنا، سوية مع كل الحريصين على راهن ومستقبل التيار الديمقراطي، مسؤولية لم شمل هذا التيار والعمل على وحدة قواه وتنسيقها. كما وان ضروة استقرار الوضع، وانهاء حالة الاحتقان، وتأمين الامن وتوفير الامان وسيادة القانون، شرط موضوعي لعمل القوى الديمقراطية ونشاطها. لقد بُذلت جهود كبيرة في هذا المجال، وعلينا ان نواصل بذل المزيد من الجهد المثابر ولا سبيل لنا غير ذلك. وبينّت السنوات الأخيرة وما شهدته من حراك ثقافي وسياسي، ان التغيير الديمقراطي حاجة وطنية، الأمر الذي يطرح أهمية بلورة فكرة المشروع الوطني الديمقراطي. وفي هذا السياق يمكن أن تلعب القوى الديمقراطية دورها المنتظر في معركة إنهاء التواجد الأجنبي واستعادة السيادة والاستقلال التام ومن أجل الديمقراطية. لقد كانت نتيجة الانتخابات غير مريحة لقوى التيار الديمقراطي، وانعكس ذلك سلبيا على دوره في المشاركة في العملية السياسية. وبدا لنا - واضحا - خطورة تكتل القوى التي كانت تقابل قوانا الديمقراطية، والتي عبرت عن مصالح طائفية واضحة وشكلت لوائح مضادة تعبر عن محاولة إقفال الساحة بوجه قوى التغيير الوطني الديمقراطي الحقيقي البعيد عن المحاصصة الطائفية والقومية والمال السياسي ومعول السلطة.ان الدور المتواضع الذي تضطلع به القوى الديمقراطية حاليا يلقي علينا مسؤولية كبيرة. لذا نرى ضرورة المباشرة بفتح نقاش حقيقي يفضي الى تقييم مشترك للوضع واستخلاص قواسم مشتركة تشكل محاور كبرى لبرنامج عملنا. ويبدو ان تجربة الانتخابات وما أفرزتها من نتائج متواضعة بالنسبة لقوى التيار الديمقراطي، توفر الأرضية للتوجه مجددا الى القوى والشخصيات الديمقراطية ، لمراجعة المواقف السابقة والتفكير الجدي في العمل على انهاء تشتت القوى الديمقراطية. ومن المؤكد ان الحاجة ملحة الى بذل المزيد من الجهود لوحدة نشاط هذه القوى مع التأكيد على ضرورة التغلب على نزعات التفرد وحب الزعامة والتشتت. إن التيار الديمقراطي يمتلك إمكانيات كبيرة ولكنها للأسف مبعثرة ، والمطلوب اليوم من جميع قوى هذا التيار ان ترتقي بجهودها الى مستوى المرحلة السياسية وما تتضمنه من تحديات ، وما تحمله من مخاطر وصعوبات، والتخلص من النزعة النخبوية والتوجه الى اوسع الجماهير، وتعزيز استقلالية قوى التيار الديمقراطي.ويستلزم ذلك الاتفاق على عدد من المفاهيم والمبادىء والأسس التي تشكل قاعدة للاتفاق والانطلاق للعمل المراد تحقيقه، إذ ان التجارب المختلفة بينت ان عدم الاتفاق الواضح على هذه القضايا يصعّب ان لم نقل يجعل العمل المشترك مستحيلا : -1 ان نتفق أولا على السؤال الاهم وهو: أي عراق نريد ؟ فنحن نرى ان العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي الموحد والعصري، هو ما يتطلع إليه شعبنا العراقي بكل قومياته وشرائحه ومكوناته، وهو ما تصبو إليه قوى شعبنا الوطنية والديمقراطية. في ترسيخ الديمقراطية بمفهومها الشامل من حيث حاجة الشعب إلى التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية والانتخابات وتكوين الأحزاب والتظاهر والإضراب وحل القضايا القومية حلا عادلا وديمقراطيا، وتوفيرالضمانات الاجتماعية والطبابة والتعليم المجاني والتكافل ضد العوز والفقر والتهميش الى جانب المساواة بالمواطنة، فكل العراقيين سواسية، مواطنون، بصرف النظر عن الانتماء القومي، والديني، والطائفي. الى جانب احترام التنوع القومي وحرية المرأة وحقوقها وتوفير إمكانيات نهوضها، وتفعيل مشاركتها بالمجتمع وبالسلطة السياسية. 2- ضرورة الاتفاق على موقف واضح من الإرهاب الذي لابد من شجبه وإدانته، ومساندة كل جهد من اجل توفير الأمن والأمان و الاستقرار، فكلما توفرت مساحة من الاستقرار والامان كلما سمحت الظروف لنشاط القوى الديمقراطية ، والعكس صحيح، إذ إن نشاط القوى الديمقراطية مرهون بتوفير أجواء السلم والأمن والانفراج. 3- تحديد موقف شديد الوضوح من الفساد، وفضح كل من يقف وراءه، ومعالجة تأثيراته التدميرية، والعمل على تنمية البلد والنهوض بتقديم الخدمات الأساسية للشعب العراقي، التي تشهد تدهورا فظيعا، وكذلك الحفاظ على ثرواتنا الوطنية. 4- الوقوف بقوة ضد الطائفية وضد توظيفها سياسيا وتقسيم أبناء الشعب على أساسها ، والعمل على كشف حقيقة سياسة المحاصصة الطائفية المقيتة التي أوصلت البلد إلى هذا الوضع الخطير. وعلينا ان نؤكد بأن المشروع الطائفي وصل الى طريق مسدود، بل ان هذا النهج لو استمر سيؤدي إلى تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي وهو عامل مهدد للوحدة الوطنية. 5- الاهتمام المكثف بمعالجة القضايا المعيشية للجماهير، والدفاع عنها وتبني مصالحها، وتوفير الخدمات لها، باعادة وتحسين شبكة الخدمات للمواطنين الذين يعانون من نقص الخدمات وعدم توفر المستلزمات الضرورية للمعيشة الصحيحة الا بالحدود الدنيا، هناك، ومن غير الممكن الحديث عن مشاريع سياسية كبرى تهدف لاعادة الاوضاع الى طبيعتها دون ان يعاد للبلد استقراره وللمواطن احتياجاته. واليوم، والحياة السياسية في بلادنا تمر بمرحلة من التوتر والتشتت والفوضى والالتباسات الفكرية والسياسية، بات لزاما علينا التأكيد على المنطلقات الوطنية الديمقراطية. وينبغي ان يسبق هذا كله فتح حوار عام عبر وسائل الإعلام لشرح برامجنا وإشاعة المفاهيم والقيم الديمقراطية التي يتم تبنيها من اجل حشد أوسع القوى التي تتماثل توجهاتها مع توجهاتنا ومع تلك القيم والمفاهيم. ولا يفوتنا ان نؤكد على ضرورة اعتماد آليات عمل ديموقراطية واضحة المعالم وشفافة، بعيدة عن الاستحواذ والتفرد والتهميش، والنزعات الذاتية والانانية.وبهذا تكون مساهمتنا كما ينبغي في عملية بناء النظام السياسي الجديد في العراق، وان نشترك بفعالية ايجابية بالصراع حول المستقبل السياسي للعراق. فعملية التحول نحو الديمقراطية في بلادنا محفوفة بالمخاطر، وتقف أمامها عقبات كبيرة وتحديات عديدة، ومع ذلك فهناك وعي ديمقراطي واعد يتكون ويتبلور ويتعزز مع صعود الخطاب الديمقراطي ووضوحه. وبالمقابل فإن الدور الهام للتيار الديمقراطي في تعزيز التطور الديمقراطي وتوفير الشروط الضرورية لتعميق الممارسة الديمقراطية وتأكيد قيمها الأساسية ينبع من طبيعة قوى هذا التيار وهي بذلك بمثابة البنية التحتية للديمقراطية كنظام للحياة وأسلوب لتسيير المجتمع ديمقراطيا وكنظام حكم.وفي هذا المجال فالمطلوب من الديمقراطيين النضال الثابت غير المتأثر بالصعوبات الطارئة والمؤقتة بهدف بناء وتعميق وعي عام بجدوى برنامجهم الوطني الديمقراطي كمشروع واقعي ينبغي حشد الطاقات لجعله مشروعا شعبيا كبيرا. ولابد من تكريس الحقائق الديمقراطية في الحياة السياسية سواء عن طريق تشجيع نشر القيم الديمقراطية، أم عبر المزيد من المبادرات الديمقراطية وتكريس دور المؤسسات الدستورية. هذا إضافة الى ضرورة تأمين شروط التقدم والبناء الديمقراطي، وإرساء الوحدة الوطنية على مبدأ المواطنة والحقوق المتساوية وسيادة القانون بما يمكن من بناء دولة ديمقراطية عصرية.
#جاسم_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سؤال حول المؤتمر الثامن إبان انعقادة
-
اشارة أمل!
-
راية أيار ترفف مجددا
-
التوافق والمصالحة الوطنية هما الجدار الآمن
-
تحية ل - طريق الشعب- التي فازت
-
فرض القانون ... ثغرات ينبغي تلافيها
-
إستنهاض قوى التيار الديمقراطي.. مسؤولية وطنية
-
على شرف الذكرى.... واحنة دربنا معروف
-
درب القوى الديمقراطية
-
اي تحالف يتطلع اليه شعبنا ؟
-
الخبز مع الامان
-
التقارب العراقي السوري
-
المشترك بين لبنان وفلسطين والعراق
-
وحدة قوى الخير
-
البطاقة التموينة... تحسين مفرداتها أم شطبها؟
-
معالجة الملف الامني تتطلب حزمة اجراءات كاملة
-
ثغرات وهفوات ... لكن نهاية يستحقها الدكتاتور
-
مجرد اسئلة اطرحها بين الحاكم و الحليف
-
هل يحتاج موقفنا من حقوق المرأة إلى إيضاح؟
-
كلمة الحزب الشيوعي العراقي في مؤتمر تفعيل دور المرأة
المزيد.....
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|