|
الحركة الشيوعية ومؤتمر الحزب الثامن
صادق البلادي
الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 10:42
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
في الثلاثينات من القرن الماضي ولما يزل الحزب الشيوعي في المهد صبيا طلع الجنرال بكر صدقي بفتوى : أن العراق ليس تربة صالحة للشيوعية ، مثل عدم صلاح أرض السويد لزرع النخيل فيها. وتبعه في هذا الزعم والتمني نوري السعيد وانقلابيو شباط وأرباب الفاشية البدوية ، التي ما صارت عاقبتها بأحسن من عاقبة الطغاة الذين ولوا ، وأدبروا قبلها. النخلة وتسمو ، نخلة الشيوعية في العراق ، ذلك أن طلعها باق في سماء العراق ، وجذورها عميقة ، متشابكة في الأرض ، ولأن الفسيلة تجد دوما من يغرسها وهو موقن كل اليقين : " غرسوا فأكلنا ، ونغرس فيأكلون."
في العقود الاولى من سنيه التي جاوزت السبعين ، خاصة سنوات النضال ضد الفاشية وسنوات النهوض الديمقراطي بعد الحرب العالمية الثانية استطاع الحزب أن يكون المعبر عن التيار الديمقراطي ، فالتف الشيوعيون و الديمقراطيون اليساريون حوله طواعية دون حاجة لتذكيرهم بالضبط ، التصقوا بالحزب وثيق الصلة وهم يترنمون ترنم ذلك العاشق الذي يقول لمن يهواه ،وهو وسط حشاشته : لو كان من أهواه وسط حشاشتي لقلت له ادن أيها المتباعد !.
في النضال من اجل ديمقراطية حقيقية ، ديمقراطية الكادحين والمظلومين ، ديمقراطية تحد من تحكم بيروقراطية جديدة ونهبها ، يشكل التيار الديمقراطي الموحد الضمانة الاوثق. ذلك لأن التيارات الاخرى ، خاصة القومانية و الاسلامية ، تحمل ارثينها التسلطني إذ أنها تركض وراء مصالح نخبها ، لا مصالح الذين تدعي الدفاع عن مظلوميتهم. و قد أثبت تاريخ الحركة السياسية في العراق أن لا بد من حركة شيوعية موحدة ، سليمة النظرية ، قوية التنظيم من أجل تقوية التيار الديمقراطي ، فالحركة الوطنية . وتجربة العقود السبع أثبتت أن قوة التنظيم ليست بكثرة العدد و لا بقوة الضبط والطاعة العمياء، بل بعمق وعي العضو واحساسه بأنه حقا في اتحاد طوعي لمناضلين متكافئين ، يتسمون بسمو الخلق ونكران الذات ، مستعدين للشهادة من أجل حرية الوطن وسعادة الشعب ، لا طمعا في جنة وحور عين ، أو من أجل مبلغ لورثته. فالشيوعي عندما يتحدث عن الحزب فانما يتحدث عن ذاته ، يتحدث عن نفسه ، فهو يشعر أنه والحزب متوحدان في نسيج واحد ، يشعر أنه هو الحزب والحزب هو. في العقود السبعة التي انصرمت كان التقيد بالضبط الحزبي على أشده قوة و نفعا وطواعية يوم كان خط الحزب السياسي هو الاقرب للصواب . هكذا كانت الحال خاصة في الفترة التي أعقبت الكونفرنس الثاني أيلول 1956 ، بعد اتحاد الكتل الشيوعية المتفرقة مع الحزب. واستمرت الحال هذه الى اجتماع اللجنة المركزية بعد أيار 1959، اجتماع ما سمي بالجلد الذاتي . فأن كان التياسرأحيانا عقوبة على المواقف اليمينية في السياسة فخرق الضبط الحزبي في الغالب كان عقوبة على البيروقراطية في التنظيم. في سنوات مضت نسينا وأنسينا ، سهوا وسذاجة ، قصدا و دراية ، وان أدركنا فلم نجهر بذلك خشية على وحدة الحزب أن تتصدع ، خشية أثبت الواقع ضررها ، اذ أن وحدة على خطأ تميت . نسينا وأنسينا أن الوجود يحدد الوعي ، وأن الانسان في تبدل وتحول بيولوجيا ونفسيا ، واجتماعيا. فالفتى اليافع ، المندفع ، المتحمس ، المستعد للتضحية بحياته في سبيل مثله العليا ليس بالضرورة أن يبقى بنفس الخصال وهو يرتقي في المركز والوظيفة والمكانة الاجتماعية والعمر. فنسينا و أنسينا أنه مثلما داخل نفس الطبقة فئات اجتماعية متعددة ذات مصالح متنوعة ، فان ثمة ذات الشئ داخل أي تنظيم. ففي الطبقة العاملة تبرز فئة الارستقراطية العمالية ، وفي تنظيمها تبرز فئة البيروقراطية ، نقابيا وحزبيا ، نسينا وأنسينا أن من يحترف العمل السياسي ، والحزبي جزء منه، يتسيس، يصبح سياسيا ممتهنا ،محترفا ،العمل السياسي مصدر رزقه. والبعد بين الاحتراف والارتزاق ليس كبيرا ، وأن من يتسيس يصبح عرضة سهلة للتسوس ، وللاصابة بأيدزالفساد السياسي. وكم تناسينا قول الرفيق فهد " أن الماركسية ليست قفا نبكي تغنى على الربابة " وقوله " أن الاشخاص ليسوا مصدر الانحرافات بل نبتات جذورها الراسخة في تربة قطرنا " وقوله " أن طلاب التزعم والمراكز وعشاق حب الظهور تهافتوا على الحزب الشيوعي للعمل فيه " ، وساد ظن لا سيما في التطبيق ، بأن حمل اسم الحزب الشيوعي وحده يكفي تميمة و تعويذة للتحصن ضد نشوء فئة بيروقراطية قد تنزلق الى مواقع الانتهازية فتضعف الحركة العمالية والديمقراطية معا ، إذ أن البطاقة الحزبية ليست شهادة تطعيم ضد ايدز الفساد السياسي .
ونظرة الى قيادات كثير من الاحزاب والحركات اليوم نجد العديد بينهم ممن تربى في صفوف الحزب الشيوعي العراقي فترة من الزمن ، وانتقل الى ضفاف أخرى هيأت له شخصيا مكانة يعتقدها أفضل.
تجربة أكثر من سبعة عقود ، مليئة بالانتصارات والتضحيات والاخطاء أيضا - في التحالفات خاصة ، وفي التعامل مع الرفاق - أثبتت ما ورد في انجيل متى :" لا يقدرأحدكم أن يخدم سيدين الله والمال."، وكذلك " لا يقدر أحدكم أن يخدم في آن واحد : المبدأ والمنصب."
في هذه الظروف الصعبة ، والمتشابكة ، والمعقدة ، والخطرة التي يمر بها عراقنا نتيجة الحكم الفاشي والاحتلال عقد الحزب الشيوعي العراقي مؤتمره الثامن في بغداد بنجاح ، في بغداد التي شهدت انعقاد الكونفرنس الاول عام 1944 ، والموتمر الوطني الاول عام 1945 بقيادة الرفيق الخالد فهد ، فتحية لكل من أسهم في هذا النجاح ، الذي يشكل خطوة كبيرة لشد لحمة قوى اليسار الديمقراطي ، الآساس لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية. فتحية لكل من أسهم في إنجاح المؤتمر ، وتحية للذين أولاهم المؤتمر ثقته. تحية لكل شهداء الحزب ومناضليه ، خاصة المجهولين منهم و المنسيين ، شهداء الشعب الذين لم يتذكرهم رموز الحكم الجديد، وتحية لكل من أسهم وسعى يوما لتحقيق أهداف الشيوعيين العراقيين ، الذين اتسموا دوما بالوطنية الصادقة ، الاممية السامية. و في الختام حري بنا أن نتذكر دعاء شهيد الغربة ،أبي كاطع ، شمران الياسري : " اللهم لا تبارك في زرع وضرع من قصر في فضح الفاشية ." و أكمله ..." أو قصر في السعي ضد الاحتلال والارهاب والفساد والطائفية ، والبيرقراطية " ، فان كل الاعداء والظلاميين خاصة ، يسعون لضرب وحرف الحزب والحركة الوطنية ، ويعملون لنخر كيان الحزب من الداخل ، ليمسي أعجاز نخل خاوية ، ونحن نريده أن يبقى في أرض العراق , بلاد الرافدين ، نخلة شامخة ، باسقة ، راسخة ، وافرة الظلال ، يساقط منها رطبا جنيا، ويستظل بها آخرون. بينما خاب وولى ، ونعال الشعب تطارده كل من رفع راية معاداة الشيوعية الشيوعيون صدقوا ما عاهدواالشعب عليه بلسان الشهيد الخالد سلام عادل في نهاية الكونفرنس الثاني عام 1956 : " ان الشيوعيين العراقيين الذين يحملون في قلوبهم آمال الآمة و يجسدون في عملهم الكفاحي وفي ميزتهم الثورية ، أفضل سجايا المواطن العراقي الباسل الشهم ، سيتابعون الى النهاية رسالتهم التاريخية التي وهب حياته ثمنا لها قائدهم الراحل فهد والرفيقان حازم وصارم ، وغيرهم من الرجال البواسل في قافلة الشهداء ... سيظل الشيوعيون العراقيون يتابعون الى النهاية سيرهم الدائب النشيط في الدرب المقدس الذي سلكه من قبلهم شعلان أبوالجون ، والحاج نجم البقال ، والخالصي والشيرازي وشيخ محمود الحفيد وأبو التمن وحسن الاخرس ومصطفى خوشناو ... " ودرب شهداءالحركة الشيوعية والحركة الوطنية الذين استشهدوا لاحقا في النضال ضد البعث الفاشي.
#صادق_البلادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يوم الاول من أيار فريدرك انجلس
-
دعوة الى فتح صندوق علاج اللاستاذ عبد الاله الصايغ
-
دعوة مراقبين دوليين إلى اجتماع المؤتمر الوطني العراقي
-
جـيـش لإعمار الـوطـن بدل الجيش المنحل
-
مرحبا في نيو تيكساس - العراق سابقا
-
نظرة في قول (1) السيد فضل الله والعلمانية
-
نداء لحماية التراث الثقافي والحضاري العراقي
-
لا للحرب ...... لا للدكتاتورية
-
بمناسبة مؤتمر الضباط جـيـش لإعمار الـوطـن بعد صدام
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2
/ عبد الرحمان النوضة
-
اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض
...
/ سعيد العليمى
-
هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟...
/ محمد الحنفي
-
عندما نراهن على إقناع المقتنع.....
/ محمد الحنفي
-
في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟...
/ محمد الحنفي
-
حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك
...
/ سعيد العليمى
-
نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب
/ عبد الرحمان النوضة
-
حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس
...
/ سعيد العليمى
-
نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة
/ عبد الرحمان النوضة
المزيد.....
|