أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوار محمد سعيد بلو - إستراتيجية العنف المسلح في الإسلام .... الجزء الثاني















المزيد.....

إستراتيجية العنف المسلح في الإسلام .... الجزء الثاني


هوار محمد سعيد بلو

الحوار المتمدن-العدد: 1921 - 2007 / 5 / 20 - 09:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بين الأمس القريب و الأمس البعيد
أبرمَ النبي (عليه السلام) معاهدة سلام مع اليهود الذين كانوا يمثّلون احدى شرائح سكان المدينة ، و نظّم خلال المعاهدة علاقاته مع اليهود و أمّنَ جوارهم لأنّه كان يعلم أنّ قريشاً ستنفخ فيهم نعرة الحقد و تحاول إثارتِهم ضدّ المسلمين .
لقد ضمّت وثيقة المعاهدة أنّ على أطرافها مناصرة بعضهم البعض وأنّ قريشاً لا تُجار ولا مَن يناصرها و أنّ بينهم النّصر على من داهم يثرب غازياً .
كما قام النبي (عليه السلام) بوضع ميثاق تحالف بين سكان يثرب مِن قريش و أهل يثرب و مَن لحق بِهم مِن العرب ، ليستبعد بذلك قيام مؤامرات داخلية و يتجنّب من خلاله إقدام سكان يثرب الأصليين على الخيانة و الطّعن في الظّهر ، و نصّ الميثاق على أنّهم امّة واحدة ، و يدٌ واحدة على مَن سواهم و مَن يحاول النّيل منهم .. و من ارتكن منهم الى قريش وتعاطف معها ، فإنّه ملعون و وجبَ قتاله .
ففي الوقت الذي حاولت فيه قريش أنْ تُوسّع جبهة الحرب على الإسلام عربيّاً و إقليمياً ، حاول النبي (عليه السلام) أيضاً حصر الجبهة في زاوية العشيرة الضيّقة و إعتبار الأمر شأناً داخليّاً لا يمتّ الولاء للقوم اليه بصلة تُذكر .
إنّ شواهداً كثيرة كانت تدل على ميل الإسلام المكشوف الى السلام و مساعيه المتفانية لخلق المناخ الآمن الذي يمكن له في ظله أنْ يستأنف مشروع الدعوة و الحوار .
كان الإسلام يضع دائماً كل ثقته الدعوية في أجواء الهدوء و السلام ، و لم يكن يرى السيف بديلاً عن الحكمة و الموعظة الحسنة في كسب تبعية الناس و ضمان ولائهم .
لقد اضطرّ الإسلام خلال مسيرة دعوته الى تشريع القتال ومجابَهة العنف بالعنف ، و بدأت سنين الكفاح و الجهاد و ارتكن منطق العقل و الإقناع الى سُباتٍ طويل .
لم يكن منطق القوّة بديلاً عن منطق العقل عند النبي (عليه السلام) وإن كان الأخير قد أخفق في أداء المهمّة مع العرب بالوجه المطلوب ، كما لم يكن الإسلام ينظر الى العنف يوماً كوسيلة لنشر الدين بين الناس و إنْ تمخّض عنه دخولٌ عربيّ عام في الإسلام ، لكنّ المسلمين لجأوا الى العنف دفاعاً عن الوجود وحـقاً في الحياة ، و مِن ثمّ تصفية لحساباتٍ دنيوية متراكمة مع مشركي قريش ...
لوكان مُقدّراً للإسلام يومها أنْ ينزل على امّة اخرى متزامنة للعرب ممّن كانوا يقدّسون لغة الحوار و يحترمون كلمة العقل والمنطق ، لما التجأ الإسلام الى حمل السّلاح خلال مسيرته أبداً لكنّ طريقة الصحراء في الردّ هي التي غيّرت المسار و أدّت الى تخليق هذه المرحلة وإن كان الامر مقدراً له منذ الازل .
إنّ فكرة العنف المسلح إصطبغت بإنطباعٍ دفاعي في أذهان المسلمين أيام النبوة ، و ذلك أنّ تشريع فكرة العنف المسلح لم يراه المسلمون الأوائل سوى وسيلة دفاعية يبقون بها على وجودهم و كيانهم في ظل المؤامرة العربية المشؤومة ، لاسيما بعد أنْ أخفق الحِلم و الأناة في مواجهة الحديد و النار .
أخذت فكرة العنف المسلح تصطبغ بإنطباع مغاير في العصر الراشدي ، فقد تحولت الى يد حديدية تضرب في غير رحمة تلك المجموعات التي أعلنت تمرّدها على دولة الخلافة عقب رحيل النبوة بعد أن كانت قد بايعت النبي (عليه السلام) و عاهدته على النصرة في عام الوفود .
إجتاحت جزيرة العرب موجة واسعة من حركات الردة عقب رحيل النبوة و عزمت على العودة بحياتها الى الجاهلية الاولى ، حيث بدأت القبائل العربية بعصيان مدني في صورة إمتناع عن دفع ضرائب الزكاة المفروضة عليها ، ثم أصطنعت أنبياءاً كذبة لقيادة و تنظيم التمرد القائم ، ثم تحولت هذه الجموع الى جيوش جرارة تنادي بعضها البعض للزحف على المدينة و استأصال شأفة الإسلام ، و تحركت بسرعة فائقة لتحاصر الخلافة و كبار الصحابة في ركن العاصمة الضيق للقضاء على أنفاسهم الأخيرة .
و هنا تحول المسلمون الى قسمين ، رأي يرى بأن يستخدم إستراتيجية العنف المسلح في مواجهة هذا التمرد القائم لأنه يهدد وحدة الدين و الدولة و لاسبيل للتهاون معه ، و كان هذا رأي الخليفة (أبو بكر) .. و رأي يرى المهادنة هو الحل الأمثل إن هم رضوا بها ، فالسيوف في أغمادها و لا إكراه في الدين ، و كان هذا هو رأي الكثير من كبار الصحابة و على رأسهم (عمر بن الخطاب) و قد ناقش وجهة النظر هذه مع الخليفة بحماس منقطع النظير .
رأى (عمر) و أصدقاؤه أنْ إستراتيجية العنف و الجهاد لايمكن أن تستخدم في إكراه الناس على الإسلام أو حتى في إعادتهم الى حظيرة الإسلام ، و ذلك لأنّ إستراتيجية العنف المسلح و الجهاد لم تكن قد أخذت في أذهان المسلمين غير إنطباعها الدفاعي الذي يهدف الى حماية الذات و صيانته من الفناء ، و التي تبناها النبي أيام حياته .
قال (عمر بن الخطاب) للخليفة : (والله أرى يا خليفة رسول الله أن تقبل مِن العرب الصلاة وتدع لهم الزكاة فإنّهم حديثوا عهد بجاهلية ، لم يُعدَّهم الإسلام .. فإمّا أن يردّهم الله عنه الى خير ، وإمّا أن يعزّ الله الإسلام فنقوى على قتالهم .. فـما لبقيّة المهاجرين والأنصار يدان بالعرب قاطبة)
لكن الخليفة أبى أن يتغير شرع الله في عهده ، و أنّ كل فريضة كانت قائمة في عهد النبي ستظل قائمة بعده و لو بالعنف ، و رأى أنّ هذه الحركات المتمردة و إن جنحت الى المهادنة مع المسلمين ، فهي أشد خطورة على الوجود الإسلامي مِن العدو الذي يشهر بسيفه و يواجه .
لقد أصدر (أبو بكر) قراره بمكافحة الحركات المتمرّدة ونشاطات الثوّار في كل أنحاء الجزيرة ، و أنْ لا سبيل للمهادنة معهم بعد أنْ استُعلن أمرهم بين الناس بشكل رسميّ .. و إنطلقت جيوش المسلمين من معقلها و شرعت في ضرب الثوّار بقبضة من حديد جماعة تلو الاخرى ، و جابت احيآء العرب تطهّرها من رؤوس التمرد الشعبي واُعيد الهدوء الى أرض الجزيرة على أسِنّة الرماح حيث دانت جزيرة العرب للإسلام مرة اخرى في شهور معدودة .
إنّ هذا التغيير الذي شهدته إستراتيجية العنف المسلح في مفهومها و دخل طور التجربة التطبيقية لعدة شهور متتالية ، مهّد الطريق أمام تغييرات اخرى و تجارب تطبيقية جديدة في الأيام القادمة من خلافة (أبي بكر) و بقية الخلفاء الراشدين .
بعد أنْ اُخمدت ثورة العروبة في أوائل السنة الثانية عشرة للهجرة إرتأى (أبو بكر) أن لا يوقف مشروع الحرب بل يستكمله بفتح البلاد المجاورة لدولته تأميناً للجوار وتصديراً للدعوة و وسيلة لإلهاء العرب المقهورين بالسيف حتى لايُفكّروا في العودة الى الثورة والتمرّد ، فأرسل الى (خالد بن الوليد) وهو بمحطّته الأخيرة (اليمامة) يأمره بالتوجّه الى أرض العراق .
إنّ إستراتيجية العنف المسلّح و كما جسّدتْها الخلافة الراشدة ، هي وسيلة شرعها الله لإنقاذ الناس من الظلم و الإنقياد ، فشعوب الأرض تعاني الظلم والمرارة على أيدي حُكّامها و الإسلام بطبيعته لا يظلم الناس ولا يجبر أحداً على إعتناق عقيدته ، وحينما يدخل بلداً غريباً فإنّه يدخل إنّما ليزيل الفئات الطّاغية ويحرّر المستضعفين من قيود الجبابرة ، فالرحمة التي جآء بِها هذا الدين تقضي عليه أنْ لا يرى نفسه قوياً متمكّناً و شعوب الأرض تعاني الظلم على مرأى منه و مسمع .
والإسلام حينما يعطي حرّية الإعتقاد للشعوب المحرّرة ، فإنّه يكلّف كلّ من لا يدين بعقيدته بدفع ضريبة الى الدولة مقابل ضمان حرّيته وسلامته في الوطن و إعفائه من خدمة الدّفاع وحمل السلاح .. و هذه الضريبة لا تؤخذ إلاّ من الإنسان القادر على حمل السلاح ممّن جاوزت أعمارهم سنّ البلوغ ، و لايدفعها الطفل و لا الشيخ و لا المرأة و لا ذو عاهة بادية و لا أهل الصّوامع و البِيَع (1).
خاض المسلمون في أرض العراق وأرض الشام حروباً طاحنة لا هوادة فيها ، و كما كان إستنفارُ المسلمين عامّاً و شعبياً فإنّ إستنفار الناس ضدّ المسلمين أيضاً كان عامّاً و شعبياً .. و بذلك اُعيد صياغة المفهوم القديم لإستراتيجية العنف المسلح و الجهاد في أذهان المسلمين ، و تحوّل الى مشروع توسّعي و لكن ليس بصورته الطامعة التي شهدها العصر الاموي و العباسي ، و بدأت بذلك مرحلة تحوّل جديدة في هذه الإستراتيجية .
كانت أخطاء العرب المسلمين في حروب الردة و معارك الفتح كثيرة لا تُحصى أثناء الخلافة الراشدة ، فقد أسرفوا في قتل الناس و استحلال ممتلكاتِهم و فروجهم ، و كان كلّ خليفة راشدي يدرك مدى تمادي الجيش وإسرافه في هذه الأخطاء و لكنْ لم يكن لأيّ واحد منهم سلطان كافٍ يمنعهم من ذلك .
إنّ فهم الخلفاء الراشدين لم يكن هو السبب الذي جعل من العصر الراشدي منعطفاً سيئاً في التجربة التطبيقية لإستراتيجية العنف المسلّح في الإسلام ، حيث أنّ غياب القاعدة التنفيذية المماثلة لتلك التي عاصرت عصر النبوة ساهم و إلى حدّ كبير في خلق هذا المنعطف السيّء.
إنّ السواد الأعظم من القاعدة التنفيذية لهذه الإستراتيجية كان مِن اولئك العرب المقهورين بالسيف و العصا ، و العائدين الى حظيرة الإسلام بعد الردّة و التمرّد ، و لم تكن هذه القاعدة تقتنص في صفوفها سوى أعداداً قليلة مِن الصحابة .. كانَ جُلّ المقاتلين من تلك القبائل التي ارتدّت عن الإسلام بالأمس القريب وثارت عليه في أبشع ثورة عرفها تأريخهُ !!
كانوا من بني تميم و بني أسد و قضاعة و طئ .. بل حتى كان في صفوف المقاتلين في عهد (عمر بن الخطاب) من ادّعى النبوّة أيام الردة مثل (طليحة الأسديّ) .
كان الخلفاء الراشدون قد تعلّموا فهم إستراتيجية العنف من النبي (عليه السلام) ، و هم أنفسهم قد شاركوا في تنفيذها بذلك الفهم مراراً و تكراراً أيام النبوة و تحت سمع النبي و بصره ، و رحل النبي وهو عنهم راضٍ الى أبعد الحدود ، و لم يغيّروا المفهوم عن أصله بعد النبوة و لا ساهموا في إعادة صياغته بشكل مغاير أو على نسق جديد ، و لكنّ الذي تغيّر هو فهم القاعدة التنفيذية .. فلم يعد معظمهم يفهم حقيقة الإسلام أو يعرف سبب إنتمائه الحقيقي إليه ، فضلاً عن أن يعرف سرّ إنضمامه الى الجيش .
كان الخليفة (أبو بكر) يوصي كل جيشٍ يرسله الى ساحة المعركة بجملة من الوصايا القيّمة ، و يحذر أفراده مِن مغبة الإقدام على أيّ تصرف غير إنساني ، فقد أوصى جيش (اُسامة) حينما بعثه الى قتال الروم بما يلي :
(أيّها الناس قفوا أوصيكم بعشرٍ فاحفظوها عنّي ... لا تخونوا ولا تغُلّوا ولا تغدروا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا إمرأة ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلاّ لِمأكلة وسوف تمرّون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم و ما فرغوا أنفسهم له وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلْتم منها شيئاً بعد شئ فاذكروا اسم الله عليها وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم و تركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً ، إندفعوا باسم الله)
و قال لـ (خالد) عندما سيّر جيوشه الى أرض فارس :
(... و تألّف أهل فارس و مَن كان في مُلكهم من الامم )(1)
لقد كانت القاعدة التنفيذية في عصر الخلافة الراشدة في أسوأ درجة مِن الفهم الصحيح لمعاني الجهاد و إستراتيجية العنف المسلح ، الى الحد الذي لم تكن تستفيق فيهم معان الجهاد إطلاقاً ؟؟
كان القائد أو الخليفة إذا أراد أنْ يسيّر الجيش الى أرض المعركة ، أيقظ فيهم حمية الطمع الزائل و شهوة السلب و النهب ، و تعمّد الى ترغـيبهم في خـيرات البلاد المجـاورة وثرواتِها ، و تحقير صحرائهم القاحلة في أعينهم .
فهذا (خالد بن الوليد) يخاطب جيشه و هو يُرغبهم و يطمعهم في غزو البلدان غير العربية :
(ألا ترون الطعام كم هو كثير ؟ و الله لو لم يكن يلزمنا جهاد ولم يكن إلاّ للمعاش ، لكان الرأي أنْ نقارع على هذا الريف حتى نكون أولى به ، و نولّى الجوع و الإقلال ممّن تولاّه ، ممّن تثاقل عمّا أنتم عليه)(2)
وكان (عمر بن الخطاب) يقول للعرب المسلمين قبَيْل سَوْقهم الى الحرب :
(... إنّ الحجاز ليس لكم بدار إلاّ لطلب الكلأ ، و لا يقوى عليه أهله إلاّ بذلك ... أين الطرّآء المهاجرون عن موعد الله ؟
سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أنْ يورثكموها فإنّ الله مُظهر دينه ومُعزّ ناصره ومُولّ أهله مواريث الاُمم)(1)
و بطبيعة الحال لم يكن الخليفة أو القائد ليوقظ في العرب حسّ المسؤولية بنشر الإسلام و إنقاذ الشعوب المنكوبة و تصدير رسالته الى الشعوب المجاورة و هو يسيّرهم الى معارك الفتح ، و لا ليشحن ضمائرهم بقوة العقيدة و الإيمان ، لأنّه يدرك سلفاً أنّ هؤلاء اُناس قد ماتت فيهم روح الثقة و الإخلاص ، بل لم يلد فيهم أصلاً نور الإيمان واليقين بعد ، مستمداً إدراكه هذا من الآية الكريمة :
( قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )(1)
و من قوله سبحانه و تعالى :
(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(2)
وكيف لخليفة مثل (عمر) أنْ يخاطب حسّ الإيمان و حميتهُ في قلوب الفرسان قُبَيل معركة كالقادسية - مثلاً- و لم يكن فيهم سوى (1400) رجلاً من الصحابة ، مِن أصل (35000) فارساً ؟(2)
وكيف لواحدٍ مثل (أبي مِحْجَن الثقفي) أن تستفيق فيه روح الجهاد الخالصة بعيداً عن حمية الجاهلية ، و هو السّكير الذي لايُفارقه كأس الخمر حتى و هو واقف تحت راية الله ؟
كان يوصي وصيّته و هو يقتحم أرض القادسية :
إذا متُّ فادْفنّي الى أصل كرمة
تُروي عظامي بعد موت عروقها
ولا تدفـنني بالفـلاة فإنـّـني
أخاف إذا ما متُّ أنْ لا أذوقها
وتـُروى بخمر الحصّ لحدي فإنّني
أسـيرُ لها مِن بعد ما قد أسـوقها

كان (أبو بكر) يدرك أنّ عملية إشراك العرب المقهورين بالسيف سيؤدّي الى إنعطافٍ سلبي في تطبيق إستراتيجية العنف المسلح ، ممّا يؤدي بمرور الزمن الى سوء فهم الإستراتيجية و بالتالي سوء إستخدامها ، و لذلك أكّد لـقواد الجيش الإسلامي أثناء مكافحتهم لحركات الردّة أنْ لا يُجنّدوا في جيوشهم أحداً مِن العرب المرتدّين حتى يرى رأيه في ذلك .. لكنّ الظاهر أنّ الأيام التالية قد ألحّت عليهم إشراك هؤلاء العرب إلهاءاً لهم حتى لا يعودوا لإثارة أعمال العنف و الشغب في أصقاع البلاد المتفرّقة ونزولاً الى حاجة الفتوحات التي تطلّبت المزيد من الجنود .
و هكذا بدأت إستراتيجية العنف المسلح تأخذ سيرها التدريجي لتتفق مع الصورة التي نشأ عليها العرب قبل الإسلام ، و اعتبر عصر الخلافة الراشدة نقطة التحول في مفهوم هذه الإستراتيجية مِن فكرتها الدفاعية المتواضعة في عهد النبوة الى فكرتها التوسعية الطامعة في العهد الاموي و العباسي .
إنّ أهل البادية قبل الإسلام كانوا بطبيعتهم أهلاً للسلب و النهب ، و كان من السّــهل جداً تحريك العامّة منهم الى السّــير في طريق الحروب بقــليل من الكلمات .. و كان من عادتهم أن يستحلّ الغالب في الحرب و المُبارزة شرف المغلوب بأبشع ما تكون الصورة وكانوا يُفاخرون بذلك .
فكان الغالب يسبي نساء المغلوب و يستحلّ فروجهنّ و أولاد هؤلاء السبايا يلحق بِهم العار طيلة أعمارهم .
يقول (حاتم الطائي) :
و ما أنكحونا طائعين بناتِهم
و لكن خطبناها بأسيافنا قسراً
و كائن ترى فينا ابن سبية
إذا لقي الأبطال يطعنهم شزراً
لقد أدت عملية إشراك المقهورين بالسيف الى ارتكاب جيوش الفتح للعديد من الأخطاء القاتلة بحق الشعوب المجاورة ، كما ساهمت و الى حدّ كبير في تشويه صورة الإسلام الجميلة في عيونهم تدريجياً .. و كما كان إستنفارُ المسلمين عامّاً و شعبياً فإنّ إستنفار الناس ضدّ المسلمين أيضاً كان عامّاً و شعبياً ، و لم تستقبل هذه الشعوب الإسلام باعتباره مُحرّراً و مُخلّصاً بل عدوّاً لدوداً لا يملك أدنى نصيبٍ من القِيَم وذلك لأنّ العرب غيّروا مفهوم الجهاد عن أصله و ارتكبوا أخطآءاً لا زالت تُحسب على الإسلام الى يومنا هذا .
إنّ عملية إشراك الخلافة الراشدة للعرب المقهورين بالسيف في حروب الردة و الفتح كانت خطأً فادحاً و قد ساهم الى حدّ كبير في بلورة الإنطباع المشوّه و التفكير السيّء حول إستراتيجية العنف المسلح في الإسلام ، و مِن هنا نقول أنّ العصر الراشدي يعد نقطة التحوّل السلبية و المنعطف السيّء في التجربة التطبيقية لإستراتيجية العنف المسلّح في الإسلام ، و مهّدت الطريق لتغيّرات جوهرية في هذه التجربة خاصة بعد العصر الأموي و العباسي .



#هوار_محمد_سعيد_بلو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إستراتيجية العنف المسلح في الإسلام ... الجزء الأول


المزيد.....




- “التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية ...
- بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول ...
- 40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
- المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة ...
- “فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هوار محمد سعيد بلو - إستراتيجية العنف المسلح في الإسلام .... الجزء الثاني