أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أ.د.رمضان الصباغ - الصورة او الشكل فى العمل الفنى















المزيد.....



الصورة او الشكل فى العمل الفنى


أ.د.رمضان الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 1919 - 2007 / 5 / 18 - 14:00
المحور: الادب والفن
    



إذا كانت عناصر العمل مترابطة ترابطا وثيقا لا سبيل إلى انفصامه. وقـد رأينا مدى ارتباط المادة بالصورة، فإن هذا يعنى أننا أيضا عند دراستنا للصورة ( أو الشكل ) فإننا لا نستطيع أن نجعلها منفصلة عن العناصر الأخرى ( المادة - المحتوى - التعبير ) اللهم إلا فى الذهن ومن أجل التحليل والدراسة فحسب.
وإذا كانت الصورة انما تشير إلى طريقة معينة فى النظر إلى الأشياء والإحساس بها، وتقديم المادة محلّ الاختبار بحيث تكون على استعداد تام لأن تصبـح بطريقة فعالة ناجعة عنصراً لبناء خبرة جديدة - على حد تعبير "جـون ديوى"(1). فإن صورة - أو شكل - العمل الفنى - كما يرى "هربرت ريد"(2) - هى الهيئة التى اتخذها العمل، ولا يعنينا إذا كان ذلك العمل الفنى بناءً أو تمثـالاً، أو صورة أو قصيدة شعرية، أو سوناتا موسيقية. فإن كل شئ من هذه قد اتخذ هيئة خاصة أو متخصصة، وتلك الهيئة هى شكل العمل الفنى.
كما يرى "ريد"(3) أن هذه الهيئة تكون من صنع إنسان ما هو الفنان الذى يضفى الهيئة على شئ ما. وإن كان يرى أن الفنان ليس فقط هو ذلك الشخص الذى يرسم الصور، أو يعزف الموسيقى، أو يقرض الشعر، أو
يصنـع الأثـاث، بل أيضا يمكن أن يكون فنانا ذلك الذى يصنع الأحذية والثـياب -وهو بذلك يعود إلى التصور اليونانى القديم الذى يرى أن الفن هو إضفاء صورة على "هيولى" ، أو هو صنع شئ ما.
أما "جيروم ستولنيتز"(4) فقد رأى أن الشكل هو القيمة النفيسة للفن والمميزة له. فالشكل يوضّح وُيثْرى وينظم التعقيد، ويوحّد العناصر البنائية للعمل الفنى. فالرواية أو المسرحية تستعير الشخصيات أو الحوادث من الحياة الواقعية، ولكن تصرّفات الشخصيات وتأثير الظروف و الحوادث المبتادلة تعرض بطريقة بارزة. وتنخذ معالمها بحيث تكتسب فهما للطبيعة البشرية أعظم من أى فهم يمكننا اكتسابه من الحياة الواقعية ذاتها. كما أن العناصر التى يستخدمها الفنان ترتب على نحو يجعلها ذات قيمة فنية عميقة. وكذلك فإن الشكل - فى رأى ستولنيتز(5) يضفى على العمل الفنى ذلك الطابع الكلى، والاكتمال الذاتى الذى يجعله يبرز من بين بقية جوانب التجربة ويبدو عالما قائما بذاته.
والصورة Form فى اللغة الشكل، والصفة، والنوع. وهى الشكل الهندسى Figure géométrique المؤلف من الأبعاد التى تحدّد نهايات الجسم لصورة الشمع المفرغ فى القالب، فهى شكله الهندسى. وقد تطلق الصورة على مابه يحصل الشئ بالفعل كالهيئة الحاصلة للسرير بسبب اجتماع خشبائه، وهى بهذا المعنى علّة، أى علة صورة. أو تطلق على ما يرسم المصور بالقلم أو آله التصوير، أو على ارتسام خيال الشئ على المرآة، أو فى الذهن، أو على ذكر الشئ المحسوس الغائب عن الحسّ، نقول تصوّر الشئ أى تخيله واستحضر صورته. والصورة عند الفلاسفة مقابلة للمادة، وهى ما يتميز به الشـئ، فإذا كان فى الخارج كانت صورته خارجية، وإذا كان فى الذهن كانت صورته ذهنية(6).
كما أن القاموس - فى رأى ريد(7) - يقدّم معنى الشكل على أنه الهيئـة أو ترتيب الأشياء، جانب مرئى، وليس شكل عمل فنى بأكثر من هيئته وترتيب أجزائه أو جانبه المرئى. فإننا سنجد شيئا حالما كانت هناك هيئة. وحالما كان هناك جزءان أو أكثر مجتمعين مع بعضهما لكى يصنعوا نسقاً مرئيا.
ويرى "ريد" أن الشكل لا يتضمن معنى الانتظام أو التوازن أو أى نوع من التوازن الثابت. فنحن نتحدث عن شكل الرجل الرياضى ونحن نعنى تماما نفس الشئ الذى نعنيه ونحن نتحدث عن شكل العمل الفنى(8).
وقد رأى "كانط" أن الشكل هو الذى يحدد الأثر الفنى ويعينه. كما أن للأثر الفنى وحدة طبيعية نهائية داخلية، وهى تؤلف كلا واحدا، وهذه الخاصية تميزها عن كل شئ آخر. وتستثير الانفعال الجمالى، وهذه الخاصية مستقلة عن المحتوى(9).
وإذا كان "هريرت ريد" قد نفى أن يكون معنى الشكل متضمّنا لمعنى الانتظام أو التوازن، فإن جُيروم ستولنيتز" قد رأى أن هناك أربعة معانى من اكثر معانى اللفظ ( أى الشكل ) شيوعاً، وهى:
"(1) تنظيم عناصر الوسيط المادى التى يتضمنها العمل، وتحقيق الارتباط المتبادل بينها. فعناصر الوسيط هى الأنغام والخطوط..الخ والشكل لفظ يدل علـى الطريقة التى تتخذ بها هذه العناصر موضعها فى العمل كلّ بالنسبة إلى الآخر، والطريقة التى يؤثر بها كل بالنسبة للآخر"(10).
وقد علق عليه "ستولنيتز" بأنه تعريف عام، ولا يقدم إلينا من المعلومات أكثر مما يقدم وصف كولريدج" الممـاثل للشعر بأنه أفضل الكلمات فى أفضل نظام. فهو - أى التعريف - يمثل ثوبا فضفاضاً يحتوى
كل شئ أو يمكن تكييفه تبعا للأشياء الداخلة فيه. وان كان - على حد قول
ستولنيتز ليـس شاملا بما فيه الكفاية. وهذا يأخذنا إلى المعنى الثانى(2) الذى يرى أن الشكل ينطوى على تنظيم للدلالة التعبيرية. إذْ أن تنظيم التعبير لا يؤدى فقط إلى زيادة الدلالة الفكرية للعمل، بل إنه يضفى على العمل وحدة أيضا(11).
أما المعنى الثالث (3) فإنه "كثيرا ما يستخدم لفظ الشكل للدلالة على نمط محدد من التنظيم، يتصف بأنه تقليدى ومعروف. ومن أمثلة ذلك شكل السونيت Sonnet"(12).
أما فى المعنى الرابع (4)، فإنه يرى أن استخدام كلمة شكل - فى بعض الأحيان - يكون فيه "مدح أو استحسان، أو ذم أو ستهجان فالقول بأن هذا شكل جيد، أو هذه اللوحة بلا شكل. هذا المعنى لا يمكن ان يستخدم فى التحليل الفنى. لأننا لا نستطيع أن نقرر إن كان الشكل جيداً أو رديئاً إلا إذا كنا نعرف ماهو الشكل؟" (13).
وإذا كان "ستولنيتز" يجد ضرورة معرفتنا لما هو الشكل؟ قبل أن نتكلم عـن الشكل الجيد أو الشكل الردئ. فإننا نجد أن "هربرت ريد" يضع شروطا، توافرها، يكون شهادة للشكل بأنه "جيد".
ويرى أنها هى تلك الشروط التى تمنح المسرّه، ليس فقط لحاسة واحدة فقط فى وقت واحد، بل وأيضا لحاستين أو أكثر تعمل معا، وأخيرا لذلك الخزّان الحاوى لحواسنا جميعا الذى هو عقلنا(14).
ولعل هذه الشروط ليست هى شروط الشكل الجيد فحسب، بل أنها هى شروط العمل الفنى الجيد الذى تتضافر عناصره جميعا من أجل جلب المتعة والمسرّة للإنسان.
وإذا كان يرى أن الأشياء الجميلة هى التى حصلت على نسب رياضية معينه تستثير فينا ذلك الانفعال. فإن هذا أيضا يؤكد على القيمة الشكلية للعمل الفنى فحسب. ونحن نرى أن توافر هذه النسب هو أحد الشروط المميزة للعمـل الفنـى الجيد ولكن ليس هذا هو كل شئ. ذلك لو أن العمل الفنى كان يتخذ قيمته الجمالية من هذه الخاصية فحسب، فإنه حتما سيكون جامدا بارداً عكس ما يجب أن يشيعه العمل من حيوية وقدرة على مخاطبة المشاعر.
أما "بند تو كروتشه Bedentto Croce" فقد رأى - فى معرض تأكيده على أهمية الصورة - أن الشاعر والمصوّر اللذان تعوزهما الصورة (أو يفتقدان للصورة) يفتقدان كل شئ، بل يفتقدان نفسيهما"(15).
ولكن هل هذا يعنى أن الصورة ( الشكل ) هى كل شئ؟
يقول "ارنست فيشر"
".. ومنذ أيام أرسطو" عندما طرح القضية للمرّة الأولى، وأجاب عليها إجابة خاطئة بقدر ماهى باهرة، منذ ذلك الحين عبر كثير من الفلاسفة، والفنانين عن رأيهم القائل بأن الشكل هو الجانب الجوهرى فى الفن، هو الجانب الأعلى، الجانب الروحى.. ويرى هؤلاء المفكرون أن الشكل الخالص هـو جوهر الواقع، وأن هناك حافزا يدفع كافة أشكال المادة للذوبان فى الشكل إلى أقصى مدى، أى يدفعها للتحوّل إلى شكل، وبذلك تحقق كمال الشكـل. ومن ثم تحقق الكمال ذاته. وأن كل ما فى هذا العالم مزيج من الشكل والمادة، وكلما تغلب الشكل - وقل الانغماس فى المادة - زادت درجة الكمـال التى يبلغها. وبذا تكون الرياضيات أكثر العلوم كمالا. لأن الشكل فيها أصبح هو المضمون ذاته. فهم يرون الشكل كما كان يراه "أفلاطون"، فكـرة، شيئا أوليا تسعى المادة إلى التغلغل فيه، وهو كيان روحى يسيطر
على الماده. وقد عبر أحد صناع الآنية الخزفية عن تجربته بقوله: اننى أصنع الشكل فى البداية، ثم أصب فيه كتلة الخزف الخالية من التشكيل"(16).
لقد كان الشكل بمثابة العنصر الجوهرى فى الفن، وكان ذلك تعبيراً عن رؤية مثالية تنفصل عن العالم الواقعى، وتضع الصورة فى الصدارة.
والشكل هو بمثابة امتداد فى المكان "يتميز بحدوده ومظهره، ولونه، وحركاته، وكثير من التفصيـلات الأخرى. لكن إذا كان الكائن العضوى الذى يشمل على هذه الاختلافات يبدو أنه حسىّ، فمن المؤكد أنه ليس هذا التنوع وأشكاله هو الذى منه يستمد وجوده. وإذا كان له وجود حقيقى، فما ذلك إلا لأن أجزاءه المختلفة التى تبدو لنا أشياء محسوسة، تتجمع لتكون كلاّ، بحيـث أن الخصائص التى يتكون منها رغم اختلافها بعضها عن بعض تكون انسجاماً يقرب فيما بينها ويجعلها تتعاون من أجل غرض واحد بعينه"(17).
إن "هيجل" هنا يؤكد على أن الشكل يقوم بتنظيم عناصر العمل الفنى، ويجعلها فى وحدة كلية يشيع بينها الانسجام والتوافق، فيمكن إدراك هذه العناصر - ككل - جماليا. كما يؤكد على أن هذه الوحدة ليست غائية مجردة، أو فى خدمة غاية محددة.
"وإذا كان الشكل هو أكثر العناصر التى يقوم عليها العمل الفنى صعوبة إذْ يتضمن مشاكل ذات طبيعة ميتافيزيقية"(18). فليس من المستغرب أيضـا أن يكون الشكل أكثر الكلمات غموضا فى لغة الفن." فقدرة الشكل على القيام بوظائف متعددة فى الفن، وكونه مصدراً لقيم متباينة، هو نفسه الذى يجعل هذا اللفظ مستعصيا على التعريف(19).
ولعل هذا الغموض يأتى من اتساع مجال الشكل، وتنوع الاتجاهات والأراء حـوله، فنجد هناك من يضعه فى الصدارة من الفكرين، فى حين نجد آخرين يلحقونه بالمحتوى أو التعبير.
فنجد من المفكّرين من يجعل "للصورة الأولوية ( فى نظر الفنان) على المضمون. ولا يضع الموضوع إلا فى الاعتبار الثانى، واثقاً من أن مهمتـه الأولى انما تنحصر فى خلق عالم متّسق من الصور الحية . وإذا كان بعض علماء الجمال قد عرفوا الفن بأنه إرادة الصورة will to Form فى ذلك إلا لأنهم فطنوا إلى أن العمل الفنى هو فى جانب كبير منه مجرد خلق لمجموعة من العلاقات الصورية (20)
إن هذا الاّتجاه الذى يؤكد على أولية الصورة، إنما يضع لتنظيم المادة وتـرتيبها الدور الجوهرى فى الفن، وبهذا فهو يعلى من قيمة الصورة الجمالية ويجعل ماعداها مجرد ظل لها أو نتيجة .
والصورة الفنية هى ظاهرة الشكل المعقدة، ويجرى إنشاؤها قبل كل شئ من التفصيلات التجسيدية. فهى فى الفنون (التصويرية) جزئيات حياة الفـرد الذى يجرى تصويره ، جزئيات مظهره الخارجى (البورتريه) والوسط المحيط به وأفعاله ومعايشاته وأقواله، وعلاقاته بالأفراد الآخرين، وكل جزئيات الحياة هذه تغدو تفصيلات للصورة عندما تتثبت الجزئيات التى اختارها الفنان من بين كثرة من الجزئيات الأخرى الممكنة فى حياة الفرد المصور. ويتحقق هذا الترتيب بواسطة الوسائل المادية التى يحوزها النوع الفنـى المعنى لإعادة خلق الحياة. بواسطة الكلمات والإيماءات، وتعابير الوجه والخطوط والألوان والكتل التشكيلية"(21).
خلال هذه الصورة يقوم الفنان باستخدام كل الإمكانات المتاحة والمفيدة لكى يجعل العمل الفنى يأخذ قوامه وبناءه الجلىّ، مجسداً ما يعتمل فى داخله من مشاعر وأفكار. فقيمة الشكل الفنى تتلخص قبل كل شئ فى أنه "يعطى المادة الحياتية التى وعاها المؤلف فنيا، وفكريا، صيغتها النهائية الكاملة"(22).
والشكل الفنى ليس مجرد هذا وحسب - أى إعطاء المادة صيغتها النهـائية الكاملة - بل إن "الأشكال الفنية ليست مجرد أشكال نابعة من الوعى الفردى - يحددها السمع والبصر - وإنما هى أيضا تعبّر عن نظرة إلى العالم يحددها المجتمع"(23).
فالشكل فى جوهره تعبير عن نظرة إلى العالم. والجدير بالذكر هنا أن أشكال الخبرة الفردية التى يحدّدها السمع والبصر لا تجتمع بصورة مستقلة عن التطورات الاجتماعية. فالطرق الجديدة لرؤية الأشياء نتيجة للحقائق الاجتماعية الجديدة. إن الإيقاع والضجة والسرعة المميزة للمدن الكبيرة - مثلا - تؤدى إلى أشكال جديدة من الرؤية أو السماع. فالفلاح يرى المناظر الطبيعية بعين مختلفة عن عين ساكن المدينة(24).
إن الحياة فى تغيراتها تسم الفن، وأشكاله، بميسمها، فنجد تغيرات فى الإيقـاع، انتقالا من الحركات البطيئة الهادئة إلى الإيقاعات السريعة. انتقالا من الملاحم إلى القصائد. ومن القصائد الطويلة إلى المقاطع الأقصر. ومع تطـور المدينة صناعيا، يتغير فيها ايقاع حياة الناس، وتختلف نظرتهم، فتظهر تفصيلات جديدة فى الصورة (الآلات - المركبات - العمارات الشاهقة) وتختفى المناظر الخلوية الطبيعية، بل إن نظرة الإنسان تتغير للمنظر نفسه فالنظر إلى الجمال الطبيعى يختلف، وما كان مألوفا لدى إنسان القرية، يصبح غير مألوف لإنسان المدينة والعكس صحيح.
إن الأسلوب هو بمثابة التعبير العام عن الفن فى عصر معين، وفى مجتمع محدد. إن هذا يُؤكّد عن طريقة دراسة مجموعة من الأشكال الشائعة فى عصر معين وفى مجتمع معين. ان عنصرا جماعيا "يدخل نتاج الفرد. فـرغم أن الإنتاج الفردى يمكن أن يختلف أوسع الاختلاف تبعا لموهبة الفنان وأصالته، فإن العنصر المشترك يبدو واضحا (وان كان يصعب فى الغالب تحديده)" (25).
ان هذا التميز فى الأسلوب الذى يخصّ عصراً معينا، ومجتمعا محـددا، إنما يعد هو الأساس الذى يقوم عليه تحديد عصر أى أثر فنى مكتشف من العصور السحيقة - هذا إضافة إلى بعض العناصر الأخرى كالخامات. المستعملة وتأثيرات الزمن….الخ - فالشكل الفنّى يتغير بتغير مجموعة من العوامل التى تقدم فى التحليل الأخير تعبيراً عن ظروف اجتماعية محددة، ومستوى التطور العام فى ذلك العصر.
إن بوسعنا الآن القول بأن "الفن يستمد مادته من الحياة اليومية، ومن العمل، ولكنه يهب هذه العلاقات الانسانية شكلا نوعيا محدداً، هو الشكل الفنى. وهكذا فهو (بناء فوقى) ولكنه يمدّ جذوره فى العمل، وفى الحياة التطبيقية وفى قدرة الإنسان على قهر الطبيعة"(26).
فالعلاقة الوثيقة بين مفردات الحياة اليومية والشكل، وبين العمل والشكل الفنى تؤكد على أن "الشكل يزول بزوال القاعدة التى كان بناءً فوقياً من أبنيتها الفوقية. إن الذى يزول فى الواقع هو القدرة على الإنتاج فى اتجاه معين"(27).
إن الشكل الفنى يمثل بناءً فوقيا نهض على قاعدة من البناء التحتى، واختفاء هذا الشكل أو ذاك انما يكون بزوال هذه القاعدة أو تلك - كما يرى
"هنرى لوفافر" ولكن هل يكون ذلك مجرد علاقة ميكانيكية بين السبب والنتيجة؟
ان التغيير الذى يعترى الشكل قد لا يكون بمثل هذه البساطة التى يؤكدها "لوفافر". فالتغيـر فى الأشكال عادة ما يكون أقل سرعة، ولا يتواكب تماما مع التغير فى الأوضاع التى أنتجته. والظروف الاجتماعية كثيـراً ما يكـون انعكاسها على الشكل الفنى غير مباشر، ونحتاج إلى وسائط كثيرة لكى نربط التغير فى هذه بالتغير فى ذاك. كما أن التطابق بين الشكل والأوضاع الاجتماعية لا يكون من السهولة الحصول عليه.
يقول ارنست فيشر
"إن الأشكال ما إن تستقر وتختبر، وتنتقل من جيل إلى جيل، ويصدق عليها بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، حتى تصبح لها طبيعة محافظة مغرقة فى المحافظة. وحتى بعد أن يُنسى المغزى السحرى الذى نشأت منه فى البداية فى أغلـب الأحوال. يبقى الناس متشبثين بها يغلبهم إزاءها التوقير والاحترام، ومازالت كافة أشكال الكلمة والرقص و التصوير وغيرها مما كان له فى يوم من الأيام مغزى سحرى اجتماعى، مازالت باقية فى فنون المجتمعات المتقدمة والمتطورة. فالقانون الاجتماعى السحرى لا يتراجع إلا بالتدريج وببط شديد ليتحول إلى مضمون جمالى. وكان لابد من قانون اجتماعى جديد حتى يمكن تحطيم الأشكال القديمة، من ناحية، وتعديلها من ناحية أخرى، وحتى تظهر إلى الوجود أشكال جديدة"(28).
إن الأشكال الفنية بوجه عام تقاوم التغيير، ولا تزال أشكال من عصور سابقة - خاصة فى الفنون البصرية - نجد صداها فى العصر
الحالى. ويمكن أن نجد تأكيداً لهذا الرأى أيضا فى الشعر العربى، فلا يزال الشكل التقليدى فى الشعر المعتمد على البحر الخليلى له وجوده وله أنصاره رغم مرور القرون على نشأته، ورغم تجاوزه بأشكال أكثر جدة، فى الشعر الحرّ، أو قصيدة النثر.
وإذا كان الشكل - فى اطاره العام - يتغير من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى مجتمع - مع التحفظ على ما للشكل من موقف محافظ - ومع وضع أن الشكل الأكثر تعبيرا عن عصر محدد، ليس هو الشكل الذى انحدر من القرون الأولى، بل هو الأكثر حيوية وثورية والذى يحطّم الإطار القديم، والمفاهيم القديمة. إذا كان ذلك هو الوضع بشكل عام - فإن الشكل الفنى فى فترة زمنية معينة وفى اتجاه معين "يتقهقهر وينحط، وتنحل أجزاؤه ويضؤل شأنه وذلك بشكل يستطيع أن يفسح معه المجال، من ناحية ثانية للتحولات. مثلا يفسح المجال لآثار فنية جزئية أو هزلية فكهة تصوّر تصويرا مضحكا ما يصير إلى الزوال والتلاشى"(29).
إن تقهقهر الشكل يعنى هنا تقهقهر فى الظروف المنتجة للفن، ويحدث ذلك فى الفترات الفاصلة بين التغيرات الكبرى، أو إرهاصاً بهذه التغيرّات.
وقضايا الفن الشكلية هى قضايا جوهرية، ولم تكن أبدا من اختراع أصحـاب المناهج أو من توهّم المفكرين أو الفنانيين أو الفلاسفة. وإن الاهتمام بما يتصل بالأسلوب أو الشكل فى عصر معين إنما يكون دائما فى ارتباطه بما يعتمل فى العصر وظروفه الاجتماعية. ذلك أن مشكلات الشكل لا تظهر إلا عبر إنتاج الأعمال الفنية التى جاءت كوعاء أو أداة لتعبّر عن إجابات لأسئلة يطرحها هذا العصر أو ذاك.

والشكل هو بمثابة مرشد، فهو ينبهنا إلى عناصر مختارة معينة ويجعل المدرك يركز اهتمامه عليها. ويعتبر التركيب الشكلى للعمل الفنى مخـلاّ فى إحدى حالتين: حين لا تسهم العناصر الأقل أهمية على الاطلاق فى تنظيم العمـل ولا تكون لها أهميتها فى ذاتها.. أو حين تكتسب فقرة معينة كـان ينبغى أن تكون ثانوية بالقياس إلى الدلالة الكلية للعمل، أهمية لا تتناسب معها، وتطغى على العمل(30).
ان الاتساق فى الشكل، والتوازن والانسجام، والتوافق بين عناصر العمل الفنى بمثابة المرشد للمدرك الجمالى. ولذا فإن أى خلل يؤدى إلى تضخيم أحد المكونّات يحرف العمل الفنى إلى مسار غير المسار الذى كان معدّا له. ان ترتيب العناصر حسب الأهمية يوضح للمتلقى كيف يوزع اهتمامه، "ولولا هذا المرشد لتشتت الانتباه تماما، ولما عاد للتجربة عندئذ ذلك العمق والحيوية اللذان يتميز بهما التذوق الجمالى"(31).
ولكن هل يكفى أن يتم ترتيب العناصر وفقا لأهميتها ترتيبا متدرجاً؟
قد تكون أهمية العناصر النسبية واضحة للمبدع، ولكن لو كانت تفصيلات العمل الفنى كثيرة، أو كانت عناصره أكثر مما يجب، فإن هذا يعوق التلقـى، وقد رأى "أرسطو" أن "الموضوع ذا الحجم الضخم لا يمكن أن يكون جميلا إذْ أنه لما كانت العين تعجز عن الإحاطة به كله مرّة واحدة، فإن وحدة الكل ومعناه تضيَع على المشاهد. كما هو الحال مثلا لو وجد عمل طوله ألف ميل"(32).
لذا فإن التنظيم الدقيق للعمل الفنى بواسطة الشكل يعد ذا أهمية بالغة. فهذا التنظيم هو الذى يخفف تعقد العمل الفنى، ويجعل المتلقى قادراً على استيعابه جماليا. ومن جماليات العمل الفنى ذات الأهمية فى هذا المجال - التكرار" أو العود Recurrence، إذْ لو كانت العناصر الجديدة تتعاقب بلا انقطاع لفاقت طاقة الانتباه على الاستيعاب. أما التعرف على ما سبق للمرء أن صادفه فإنه يثبّت تجربة المتلقى"(33).
وقد أكد أيضا على أهمية الصورة "روجر فراى"، مؤكدا على القيمة الكبرى للتصميم البنائى Structure Design. بينما أكد "ها نسليك" على أن الموسيقى الخالصة Pure Music هى وحدها التى تستحق التقدير(34).
وقد كان اهتمام "روجر فراى" بالشكل كبيرا، مما جعله - خاصة فى مجال التصوير - خاصة التصوير الذى تقوم به جماعة - ما بعد الانطبـاعيين - فى رأيه - وقد قاسم "روجر فراى" كليف بل" حماسته لما بعد الانطباعيين وفى كتاباته النظرية دعّم موقفا مشابهاً لموقف "بل"، والذى حاول فيه مواجهـة اعتبار التمثيل ذو منزلة كبيرة فى الفن البصرى وأكد على أهمية الصورة(35).
وقد أكد "هربرت ماركيوز" على أهمية الشكل، إذ رأى أن "التخلى عن الشكل الجمالى هو بمثابة تنازل عن المسئولية، تنازلاً يحرم الفن من الشكـل الذى بواسطته يمكنه أن يخلق ذلك الواقع الآخر فى الواقع القائم: عالم الأمل"(36).
ان الشكل الجمالى هو الذى يستطيع أن يقدم واقعاً آخر - أى يحتج على الواقع المعيش بحكم مغايرته. إن الفنان لا يستطيع - فى رأى ماركيوز- أن يتغلـب على انفصاله عن الحياة، هذا الانفصال هو الذى يجعله يقدم شكلا فنيا للواقع، وهو الذى يمنح الفن استقلاليته. فالبرنامج السياسى الذى يقترح إلغاء الاستقلال الذاتى للفن يفضى إلى تسطيح درجات الواقع بين الحياة والفن"(37).
وتأكيدا على أهمية الصورة أو الشكل فى الفن يقول "تيرى ايجلتون Terry Eaglton":
"لقد كتب جورج لوكاش Geoge Lukac s فى مقاله المبكر عن: تطوّر الدراما الحديثة The Evolution of Modern Drama عام 1909: ان العنصر الاجتماعى الحقيقى فى الأدب هو الشكل) The Truly Social Element In Literature Is The Form وقد كان هذا مما لا يمكن توقعه فى النقد الماركسى، إذ كان هذا النقد معارضا تقليديا Traditianl Opposed لكل أنواع الشكلية فى الأدب التى تسلب الأدب مغزاه التاريخى وتختزله إلى مجرد لهو جمالى"(38).
ولقد تبدلت وجهة نظر "لوكاش" فيما بعد مؤكدة على أولوية المحتوى على الشكل وذلك فى كتاباته اللاحقة - على سبيل المثال - دراسات فى الواقعة الأوروبية - ومعنى الواقعية المعاصرة.
وإذا كان "لوكاش" فى مرحلته المبكرة يؤكد على الجانب الشكلى فى الفن، فإن "ستولنيتز" يرى أنه ليس "فى وسع أحد أن يشك فى أن الشكل فى ذاته يتسم بالقيمة الجمالية. فالاتزان لا يقتصر على تيسير الإدراك وإبراز القيم الحسيّة والتعبيرية، بل انه فى ذاته بهيج وممتع - والدليل على ذلك شعورنا بعدم الرضا حين نرى ألـوانا أو كتلاً غير متوازنة بدون سبب جمالى معقول"(39). ولكن إدراك الشكل فى ذاته جماليا، يحتاج إلى الانتباه والتركيز، كما أن الشكل - هو الذى يوجه إدراكنا، وينظمه، وبدونه يكون التذوق الجمالى مستحيلا. فالشكل يزيد من جاذبية العناصر المكونة له، ويلفت الانتباه لها، ووجود هذه العناصر مجتمعة فى إطار معين هو الذى يضفى عليها القيمة الجمالية.
وقد رأى "هيجل" أن "الجليل يحطّم كل صورة، ويمزّق كل شكل نحاول أن نضعه فيه، فى حين أن الجميل حقا هو على العكس الذى يعتمد على أن المطلـق إنما يجد تعبيره الكامل والكافى فى تجسيد حسىّ، وعلى هذا النحو يلتقى الجانبان فى اتفاق كامل وانسجام تام"(40).
فإذا كان الجليل هو التعبير عن اللاّمتناهى، وهو مالا يستطاع وضعه فى شكل حسىّ معين يكفى للتعبير عنه، على حدّ تعبير "هيجل" فإن الجميل يجد كما له وتمامه من تجسده فى شكل أو صورة إذْ يجد المطلق تجسيده الحسّى فى تلك الصورة أو ذاك الشكل.
ولكن مع أهمية الشكل، وضرورته، هل يكون تذوق الشكل أمراً ميسورا بالنسبة للمتلقى؟
إن تذوق الشكل ليس بالأمر الميسور، إذْ أنه يتطلب موقفا جماليا مرتكزا على التركيز والانتباه، والبعد عن الغرض. كما أن الشكل – رغم كل شئ – يعد أكثر جوانب العمل غموضا وخفاءً وقد كان الشكليون فى نظرية الفن من أمثال "كليف بل"، و "روجر فراى" و"هانسليك" من أصحاب النزعة الخالصـة أيضا، يرون أن الشكل لا يمكن أن يدرك أو يتم تذوقه إلا بشـروطه الخاصـة وعلى أرضه الخاصة "فمن المحال أن يترجم إلى كلمات أو على نحو آخر.
ومن هنا فإن الاستمتاع بقيم الشكل يقتضى كما يقول "سانتيانا": "بصيرة جمالية على التخصيص. فلابد أن يكون المشاهد قادراً على الاستجابة حتى لو لـم تكن تجربته غير الجمالية قد هيأته لذلك. ولابد أن يكون قادراً على ادراك ما هو مميز فى الفن"(41).
وقد اعتقد "روجر فراى" بوجود خاصية مؤثرة فى الفن، وهذه الخاصية ليست مجرد اعتراف بالنظام والعلاقات الداخلية. إذ يصطبغ الفن ككل بنغمة وجدانية محددة. وهذه النغمة الوجدانية لا ترجع إلى نوع من أنواع التذكر المعروفة، أو الإيحاء بالتجربة الوجدانية للحياة. بل ان الفن يبدو وكأنه قد اقترب من الأساس الذى تقوم عليه الحياة الوجدانية(42).
وقد وضع "روجر فراى Roger Fry " وكليف بل Clive Bell فى استقلال عن وجهة نظر هانسليك Hanslick ما سمى بالصورة ذات المغزى Signifi Cance Form وإدّعيا أنها هى السمة المميزة للفن العظيم الذى يقدم انفعالات جمالية Aesthetic Emotions خاصة. وقد قدّم "بل" نظريته كجزء من حملة لإقناع الجمهور ليكون أكثر تعاطفا مع الاتجاه بعد الانطباعى فى التصوير Post Impressionist Painting وقد رأى فى "سيزان Cézanne" المثل الأعلى للرسام الذى تجد فى تصويره الصورة ذات المغزى(43).
ولكن ماهى الصورة ذات المغزى بالنسبة لـ "فراى" و" بل"؟
لقد أفاض "بل" "وفراى" فى ذكر أهمية الصورة ذات المغزى ولكنهما لم يطوراها إلى مستوى النظرية الناضجة - على حد تعبير "أنى شبرد Anne Shepard”. فلم يوضّحا نوع الصورة التى تعدّ ذات مغزى. وقد تحدّثا عن انفعال جمالى خاص Special Aesthetic Emotion يثار بواسطة إدراك الصورة ذات المغزى، ولكنهما لم يعرّفا هذه الصورة أو يحللاها(44).
ان تعريف الصورة ذات المغزى المفقود، هو الأساس فى فهم وجهة النظر هذه. كما أن الانفعال الجمالى الخاص الذى يثار بواسطتها يصبح تعريفه أو تحديده غير ممكن نظرا لأن الصورة ذات المغزى ليست مما يمكن تحديده.
وقد واصل "بل" - رغم ذلك - تطبيق آرائه على الفن فنجده يرى أن الفن اليونانى القديم وفن العصور الوسطى يستحقان أسمى آيات التمجيد High Prise بينمـا الفن الإغريقى الكلاسيكى وفن عصر النهضة فإنهما - من وجهة نظره - يقدمان انطباعا كما لو كانا يظهران الانحدار فى القدرة على إبداع الصورة ذات المغزى. هذه القدرة - كما يرى - أعيد اكتشافها بواسطة "سيزان" وما بعد الانطباعيين. مما دفع "بل" إلى تقويم الفن الكلاسيكى الإغريقى وفن الرينسانس أقل كثيرا من فن المراحل المتقدمة مباشرة(45).

وإذا كان "هانسليك" Hanslick قد جعلنا لكى نصل إلى "الصورة ذات المغزى فى الموسيقى نعزل العناصر الشكلية فإنه من الصعوبة اعتبار العناصـر الشكلية فى الفن البصرى فى عزلة. كذلك فإن الحديث عن الصورة ذات المغزى يثير السؤال: أى مغزى لأى شئ؟ Significant of What?"(46). ان المشكلة تكمن فى غموض المصطلح كما تكمن أيضا فى صعوبة تطبيقه بشكل واسع.
وقد التقطت "سوزان لانجر Suzan Langer" تصور "بل" عن الصورة ذات المغزى وطورتها فى كتابيها" الفلسفة بأفق جديد Philosophy With New Key، الشعور والصورة Feeling and Form" وغيرهما من أعمالها. وقد فضلت "لانجر استخدام "الصورة المعبرة" بدلا الصورة ذات المغزى" لأن هذا التعريف - وفقا لما تراه يمكن أن يكون مطابقا للفن الرمزى(47).
ومن الجدير بالذكر أن "سوزان لانجر" قد رفضت فكرة "الانفعال" الجمالى الخاص Special Aesthetic Emotion، ورأت أن صورة الفن تناظر السمات الشكلية للانفعالات الإنسانية بصفة عامة. وقد قالت بأن الصورة تـرمز للمشاعر لأنها اعتقدت بأنها تعبر عن حياة الشعور The life Of Feeilng بطريقة واضحة ومنظمة بدون الحصول على معنى دقيق ومحكم كالذى تقدمه اللغة"(48).
ان الصورة لدى "سوزان لانجر" معبرة، ولذا فهى ذات معنى. "وهذا المعنى يكون فى أعماق الصورة نفسها، وهو لا يشير باتجاه أى شئ خارجها"(49).
وقد رأت "سوزان لانجر" أن قول "كليف بل" بالصورة ذات المغزى قد أسئ فهمه، مما جعله غير ذى أهمية فى المجال الجمالى.
ان الفنون جميعا فى رأى "سوزان لانجر" هى "ابداع صور معبرة عن الوجدان البشرى"(50). والصورة لا يمكن أن تكون معبرة إلا أذ كانت حية ودينامبكية.
وتأكيدا على أهمية الشكل أو الصورة، فإن "لانجر" ترى أن الفن شكل أو صورة. وهو لا يبدو إلا من خلال شكل، وغرض الفن الأساسـى هو إبداع الصور والأشكال. ومهمة هذا الشكل أو تلك الصورة هى التعبير عن الوجدان البشرى.
وقد وجه الانتقاد إلى نظرية "لانجر" على أساس أنها نوع من "التعبيرية Expeessionism، وذلك عندما أكدت على أن الفن يوصل سمات الانفعال الإنسانى بطريقة خاصة. ولكنها مع ذلك لم تنجح فى توضيح نوع السمات التى توصلها بالضبط. أو ماهى السمات المميزة لهذه الطريقة الرمزية الخاصة فى التوصيل"(51).
ان الصورة الفنية، هى محاولة خلق حياة مجسدّة فى الفن، إنها محاولة لجعل المادة تحمل سمات تعبيرية. "فقوام الصورة الفنية هو مبادئ وطرق الاستخدام التعبيرى للخواص التى تحوزها الوسائل المادية لإعادة خلق الحياة فى هذا النوع أو ذاك من أنواع الفن. فالقوام فى الأعمال الأدبية هو وسائل التفصيل الأسلوبى. إنه من جهة قوة التعبير الذاتية التى تحوزها المفردات، والتى تنبثق من جرْس الكلمة ومن تلوّنات المعنى الانفعالى التى تنشئها خصائص مجازيةِ المفردة. وهو من جهة أخرى التعبيرية التى تنطوى عليها النبرة النغمية المتأتية عن ترتيب الكلمات فى جمل. وبخاصة تعبيرية السبك الإيقاعية. وهو فى التمثيل الإيمائى تعبيرية وضعيات الجسم. وإيماءات الجوراح وتعبيرات الوجه….وهوفى التصوير مبادئ وطرق اختيار الألوان ومـزجها ووضعها على سطح اللوحة.. وهو فى النحت خواص التشكيل الفنى للمادة - الرخام - والحجر والمعدن…"(52).
أما "باركر Parker” فقد رأى أن من أسس الصورة الفنية "الاتزان Balance”. والاتزان هو تساوى العناصر المتعارضة أو المتناقضة. وهو بمثابة نوع من الوحدة الجمالية. فعلى الرغم من تعارض العناصر فى الاتزان فإن أحدها يحتاج إلى الآخر.. ومعا تبدع الكل. فالأزرق يقتضى الذهبى، والذهبى يتضمـن الأزرق. ومعا فإنهما يقدمان كلا جديدا. الذهبى والأزرق.. التعارض والتناقض لا يغيب عن التوازن…. التعارض أو التناقض ليس عاملا جماليا. فلكى تكون العناصر المتقابلة جمالية يجب أن تكون متوازنة. فاللون السـاخن Worm فى مقابل البارد Cold فى الصورة. والجسم الصغير يوضع أمام ( مقابل) الجسم الكبير"(53).
فالا تزان أو التوازن هو من أهم أنواع التنظيم الشكلى انتشارا، ففيه يتم ترتيب العناصر بحيث يكمل أو يعوض أو "يوازن" أحدها الآخر. وقد يحدث ذلك عن طريق التقابل أو التعارض أو التناقض. أى بوضع عناصر غير متشابهة أو غير متآلفة - وهى فى حالة عزلة أو انفراد - فى مقابل بعضها البعض فتكتمل الصورة الفنية ويتسع أفقها. ويحدث ذلك من تقابل الألوان، أو الأحجام وغيرها.
وللصورة الفنية أهميتها لأنها هى "جوهر الفن وسمته الأساسية Its Main Characteristic. والفن يفقد ماهيته Its Essence عندما يكفّ عن أن يكون استيعابا للعلم الواقعى عبر الصور الفنية Artistic Images. والفن الحقيقى True Art القادر على عكس Reflecting الأنماط المتغيّرة اللانهائية التعقيد فى العالم الحديث لابد وأن يكون فنا تصويرياً"(54).
وتتميز الصورة الفنية بتعبيرها عن "وحدَه العام والخاص The general And Individual بصيغة خاصة، بينما تعبر الفكرة Idea عن هذه الوحدة بصيغة الكلى Universal"(55).
والإبداع الفنى الحقيقى يرتكز على إبداع صور أو أشكال جديدة تعبر عن أوضاع ومضامين جديدة. "وثراء مسارب الفن لا يتم إلا بالتركيز التام على الدعائم الأساسية لشكل العمل الفنى ومضمونه(56). إن هذا يؤدى إلى بلورة مثل جمالية جديدة. والاهتمام بالشكل (الصورة) لا يعنى إهمال العناصر الجمالية الأخرى.

هوامش الفصل الثانى

1- انظر ديوى، جون: الفن خبرة - ترجمة زكريا إبراهيم - مراجعة زكى نجيب محمود - ( دار النهضة العربية - بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين) - (القاهرة - بيروت ) سبتمبر - 1963 - ص184.
2- انظر ريد، هربرت: التربية عن طريق الفنّ - ترجمة عبد العزيز توفيق جاويد - مراجعة مصطفى طه حبيب - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1996 - ص 25.
3- المصدر السابق - ص 25.
4- انظر: ستولنيتز، جيروم: النقد الفنى - دراسة جمالية وفلسفية - ترجمة فؤاد زكريا - الهيئة المصرية العامة للكتاب - الطبعة الثانية - القاهرة - 1980 - ص 239.
5- انظر نفس المصدر - ص 239.
6- انظر صليبا، جميل: المعجم الفلسفى - جـ1 - دار الكتاب اللبنانى - الطبعة الأولى - بيروت - 1971 ص ص 741 - 745.
7- راجع ريد، هريرت: معنى الفنى - ترجمة سامى خشبة - مراجعة مصطفى حبيب - الهيئة - المصرية العامة للكتاب القاهرة - 1998 - ص 20.
8- نفس المصدر - ص 20.
9- راجع لوفافر، هنرى: فى علم الجمال - ترجمة محمد عيتانى - دار المعجم العربى - الطبعة الأولى - بيروت 1954 - ص 19.
10- ستولنيتز، جيروم: مصدر سابق - ص 340.
11- نفس المصدر - ص 342.
12- نفس المصدر - ص 343.
13- نفس المصدر - ص 343.
14- ريد، هربرت: معنى الفن - مصدر سابق - ص 26.
15- Croce, Bendetto: The Essence of Aesthetic - Translated by Douglas Ainslie - The Arden Liberary, 1978, P. 25.
16- فيشر، ارنست: ضرورة الفن - ترجمة أسعد حليم - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1971 - ص 153.
على الرغم من صحة رأى "فيشر" فى عمومه إلا أنه ليس دقيقا فى تفاصيله، ذلك أن القـول بأن الصورة أو الشكل كانا مسيطرين على الفن منذ "أفلاطـون" قول فيه تعسف كبير - لأن الفن عند "أفلاطون" كان منظورا إليه من منظور سياسى وأخلاقى، وهذا يجعل المحتوى مسيطراً على الشكـل، ونفس الشئ فى العصور الوسطى، إذ كان الدين يمثل الأساس الجوهرى للفن - بصفة عامة حتى جاء عصر النهضة وبدأ التمرد على المواصفات السائدة فى أحيان كثيرة، والرجوع إلى الفن اليونانى فى بعض الأحيان تم جاء العصر الحديث ليتحول الفن إلى إعلاء شأن الشكل مع "كانط" ثم شيلـر وهربرت سبنسر، ..، ثم الاتجاه الجمالى ( مدرسة الفن للفن فيما بعد.).
17- بدوى، عبد الرحمن: فلسفة الجمال والفن عند هيجل - دار الشروق - الطبعة الأولى - القاهرة - 1996 - ص 66.
18- ريد، هربرت: معنى الفن - مصدر سابق - ص 37.
19- ستولنيتز، جيروم: مصدر سابق - ص ص 339، 340.
20- إبراهيم، زكريا: مشكلة الفن - مكتبة مصر - القاهرة - د. ت- ص40.
See Also: Read, H.: The Meaning of art, A Pelican Book, 1952, P.p. 212. 160.
21- بوسبيلوف، غينادى: الجمال الفنى - ترجمة عدنان جاموس - دراسات نقدية عالمية (11) - منشورات وزارة الثقافة السورية - دمشق - 1991 - ص 397.
22- يغوروف، أ.غ: المحتوى والشكل فى الفن - ضمن (أسس علم المجال الماركس اللينينى) - باشراف (بيرستنيف، ف.ف) - تعريب يوسف حلاّق - الجزء الثانى ( تدقيق: عدنان جاموس ) - (دار الفارابى - دار الجماهير)- الطبعة الثانية ( بيروت - دمشق) - 1978 - ص 50.
23- فيشر، ارنست: مصدر سابق - ص 196.
24- انظر: نفس المصدر - ص ص 196، 197.
25- نفس المصدر - ص 197.
26- لوفافر، هنرى: مصدر سابق ص ص 43، 44.
27- نفس المصدر - ص 44.
28- فيشر، ارنست: مصدر سابق - ص 217، 218.
29- لوفافر، هنرى: مصدر سابق - ص ص 164، 165.
30- انظر ستولنيتز، جيروم: مصدر سابق - ص 354.
31- نفس المصدر - ص 355.
32- أرسطو، كتاب الشعر - الباب السابع - ص ص 111، 112، عن: المصدر السابق - ص 355.
33- ستولينتز، جيروم: مصدر سابق - ص 356.
34- Shepard, Anne: Aesthetics - An intsoduction To The Phliosephy of Art. Oxford University Press, ( Ox Ford - New York ) - 1987, P.P. 44 , 45.
35- I bid: p p. 44 , 45.
36- ماركيوز، هربرت: البعد الجمالى - ترجمة جورج طرابيشى - دار الطليعة - الطبعة الأولى - كانون الأول (ديسمبر) - 1979 - ص 65.
37- نفس المصدر - ص 65.
38- Eaglton, Terry: Marxism And Literary Criticism, Methuen, Co. LTD - London, 1983, P. 20.
39- ستولنيتز، جيروم: مصدر سابق - ص 363.
40- ستيس، ولتر: فلسفة الروح - ترجمة إمام عبد الفتاح إمام - جـ2 - دار التنوير للطباعة والنشر - الطبعة الثالثة - بيروت - 1983 - ص 143.
41- ستولنيتز، جيروم: مصدر سابق ص ص367 ، 368.
42- ريد، هريرت: معنى الفن - مصدر سابق ص ص 40 ، 41.
43- Shepard, Anne: Opcit, P 44.
44- I bid: p. 45.
45- I bid: p. 44.
46- I bid: p. 45.
47- Langer, Suzan. K.: Problems of Art 1957, p. 127.
48- Shepard, A.: Opcit, P. 48.
49- Lang, S. K.: Problems of Art, Op cit, P. 48.

50- Ibid : P. 62.
51- Shepard, A.: Opcit, P. 48.
52- بوسبيلوف، غنيادى: مصدر سابق ص 398.
53- Parker, Dewitt.: The Problems of Aesthetic Form, in (Prollems in Aesthetics) ed, By ( Weitz , Morris) - Machmillan Company Publishing Co. Inc., 1970. P. 203.
54- Ovsyannikov, Mikail: The Artistic Image in ( problems of Modern Aesthetics) Translated From Russian To English by S.Mozhntagun. Progress Pulalishers - Moscow - First Priniting - 1969 - p. 215.
55- Ibid: p. 220.
56- جمعة، حسين: قضايا الإبداع الفنى - دار الآداب - الطبعة الأولى - بيروت - فبراير - 1983 - ص 62.



#أ.د.رمضان_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
- بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أ.د.رمضان الصباغ - الصورة او الشكل فى العمل الفنى