جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 1919 - 2007 / 5 / 18 - 12:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
علّمنا الإقتصاد السياسي أن العمل هو مصدر كل أنواع الثروات , ومقياس كل القيم , ولم يستطع علماء الإقتصاد أمثال ( ريكاردو وسميث ) قبل ماركس حل التناقض بين قيمة العمل أو المنتج الذي ينتجه العامل والرأسمال , وحتى الإشتراكيين السابقين أمثال ( فورييه وسان سيمون ) الذين انتقدوا علم الإقتصاد الرأسمالي لم يكونوا قادرين على تحقيق شئ سوى التأكيد على التناقض ... حتى جاء ماركس متعقباّ عملية نشوء الربح ومجرى تطور الرأسمال ليفضح زعم الرأسماليين الذي يقول : بأن الرأسماليين يحصلون على الربح عبر التبادل التجاري فقط فيشترون بمئة مثلاّ ويبيعون بمئة وعشرة مثلاّ دون إضافة قيمة حقيقية للسلعة ... لذلك ميّز بين السعر الذي يفرضه قانون العرض والطلب الرأسمالي في السوق وبين القيمة الحقيقية لقوة العمل التي أنتجت السلعة ... ومن هنا وصل إلى ( القيمة الضرورية ) لإنتاج السلعة المتمثلة بأجر العامل المنتج الذي يضمن له ديمومة الحياة والعمل في خدمة صاخب رأس المال عن المدة التي أنتجها فيها ولنفرض أنها ثلاثة أيام في الأسبوع .. لكن الرأسمالى دفع الأجر عن أسبوع عمل كامل أو ستة أيام . لذلك ينبغي على العامل أن يعمل طوال الأيام الثلاثة الباقية ... هذا العمل الغير مدفوع الأجر هو مصدر - القيمة الزائدة – أي قيمة مضافة تمثل مصدر ربح الرأسمال ونموه المضطرد وتكتله وتمركزه ....
ومن السخف القول : بأن العمل الغير مدفوع الأجر ظهر في الظروف الحالية حيث تتم عملية الإنتاج بواسطة الرأسماليين الذين يزدادون ثراء والعمال الذين يزدادون فقراّ ... بل هي كانت قائمة منذ وجد النظام الطبقي العبودي وكانت الطبقات المقهورة في كل الأزمنة مضطرة لتأدية أعمال غير مدفوعة الأجر
أو مقابل الفتات الذي يضمن للعبيد والأقنان والجواري.. وسائل البقاء على قيد الحياة وحسب ...في النظام العبودي .
واندلع النضال لتثبيت ساعات العمل وحقوق العمال وضماناتهم الإجتماعية منذ اللحظة الأولى لظهور العمال الصاعيين حتى اليوم ومع نضالهم العادل وتضحياتهم وانتصاراتهم تقدمت المجتمعات والتشريعات وسائر مؤسسات المجتمع المدني لأول مرة في التاريخ .... ولم تأت هذه المكاسب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية إلا من نضال الطبقات العاملة المسحوقة وتضحياتها وليست كرم أخلاق وصدقات من الرأسمالية النهّابة ..
كشف ماركس لأول مرة قضية : تراكم رأس المال وأوضح لأول مرة : ( إن نمط الإنتاج الرأسمالي .. لايقتصر على إعادة إنتاج رأس المال بصورة مستمرة . لكنه يعيد إنتاج فقر العمال بصورة مستمرة في نفس الوقت , كما يولّد بصورة مستمرة رأسماليين جدد أكثر جشعاّ يمتلكون أدوات العمل والمادة الأولية وكافة وسائل البقاء ... وبالمقابل تتضخم أعداد جماهير العمال الغفيرة المضطرين لبيع قوة عملهم لهؤلاء الرأسماليين لقاء تأمين وسائل العيش التي لاتكفي في أحسن الأحوال إلا لبقائهم على قيد الحياة قادرين على العمل , وعلى إنجاب جيل جديد من العمال الأصحاء لخدمة الرأسمال .....
وتتزايد باطراد وبمعدلات عالية عملية إعادة الرأسمال نفسه .. ويستمر نمط الإنتاج الرأسمالى المعاصر في إنتاج طبقة العمال المعدومي الملكية بأعداد هائلة .. كما أن عدد العمال الضروري لإنتاج نفس الكمية من المنتوجات يتناقص أكثر فأكثر بفضل التقدم الاّلي في الصناعة والزراعة ... الأمر الذي يؤدي حتماّ إلى نمو جيش العاطلين عن الغمل ..وكلما تزايدت فئات المعدمين من الطبقة العاملة وجيش الصناعة الإحتياطي كلما تزايدت الفاقة العامة مع ازدياد
ربح وثراء أصحاب رأس المال . هذا هو القانون المطلق للتراكم الرأسمالي ..- الفصل النهائي لتراكم الرأسمال – المصدر السابق ق1 ج1 . ص 600 – 613 -644 ) .
كما شرح التمييز بين الرأسمال الثابت والرأسمال المتغير مؤكداّ أن الرأسمال المتغير وحده ينتج , القيمة الزائدة , ويتيح للرأسمال إعادة إنتاج نفسه ...
كما شرح الفارق بين , القيمة الزائدة , او الفائضة والربح هذا الفارق الذي أهمله الإقتصادي البريطاني – ريكاردو – صاحب نظرية , القيمة , .
فالقيمة الزائدة عند ماركس هي قيمة العمل الذي يقدمه العامل للرأسمالي دون أجرة مثبتة في بضائع .. أما الربح فهو نتيجة تداول السلع المنتجة حسب قانون العرض والطلب .. والسعر بحد ذاته ليس سوى التعبير النقدي عن القيمة .... حصيلة قانون العرض والطلب في السوق الرأسمالية والبورصة .. الخ
بينما القيمة : هي قيمة العمل الضروري إجتماعياّ لإنتاج السلعة ... كما قال ماركس تحت عنوان الإنتاج والقيمة الفائضة : ( إن القوة الكادحة تتحدد بكمية العمل الضروري لأجل البقاء والحفاظ عليها أو تجديدها .. لكن استخدام هذه القوة الكادحة لايتحدد إلا بطاقات الكادح الفعّالة أو قوة عمله الحكمية ... كما أن الطعام الذي يقدم للحصان والزمن الذي يستطيع خلاله أن يحمل راكبه أو يجر العربة متميزان تماماّ .. إن كمية العمل التي تتحدد بها قيمة قوة العامل الكادحة, لاتشكل في أي حال من الأحوال حداّ لكمية العمل الذي تستطيع قوته الكادحة إنجازها .. ) إذاّ فقيمة العمل التي يحددها الرأسمالي للعامل ويقدمها له كأجر لبقاء نوعه والحد الأدنى من تغذيته ليستمر في خدمته هي جزء صغير من قيمة العمل الذي ينجزه العامل فعلاّ.. فإذا كانت أجرة العامل الأسبوعية تمثل قيمة العمل المنتج خلال يومين وهو ما يسميه ماركس ( مدة العمل الضروري ) فإن قيمة العمل المنتج خلال الأيام الأربعة المتبقية من الأسبوع . ينهبها الرأسمالي من العامل , وهي مصدر القيمة الفائضة وتراكم الرأسمال أو الربح الذي يتكدس يوماّ بعد يوم ليعيد الرأسمال نفسه باستمرار ....
ومن المفروض والواجب نظرياّ في النظام الإشتراكي أن تندمج القيمة مع السعر أو يكون الفارق بينهما ضئيلاّ , حيث تقدم السلعة للمستهلك بنفس قيمة إنتاجها مضافا لها نفقات الخدمات والنقل والصيانة .... ولهذا فالأسعار في النظام الإشتراكي الحقيقي من المفروض أن تنخفض باستمرار... كلما
تطورت وسائل الإنتاج وازداد مردودها وإنتاجها .. وترتفع الأجور بعد حذف الطبقة الرأسمالية إقتصادياّ التي تنهب القيمة الزائدة وتتلاعب في السوق الداخلية والعالمية .... وعندما تمارس السلطة في الدولة الإشتراكية دور الرأسمالي وتنهب القيمة الزائدة وتلغي الديمقراطية في علاقات الإنتاج
بين الطبقة العاملة المنتجة ونقاباتها المنتخبة ديمقراطياّ , وبين إدارات المؤسسات الإنتاجية في جميع نواحي الحياة , وتبعد الطبقة العاملة عن ممارسة السلطة وإدارة الإنتاج .. تتحول الدولة الإشتراكية حتما إلى رأسمالية دولة .. ويتحول الحزب فيها إلى طبقة بيروقراطية من الأنتلجنسيا المنفصلة عن الشعب ... والنتيجة فاقعة أمام أعيننا مع الأسف ....
وهكذا ( فإن الفوارق الطبقية التي انبثقت من المجتمع الرأسمالي المترافقة مع الفوارق بين أجور قوة العمل والرأسمال والفوارق في التوزيع قسمت المجتمع إلى طبقات : الموسرون والمحرومون المستثمِرون والمستثمّرون , الحاكمون والمحكومون .. وولدت الدولة بين الجماعات المنتسبة إلى القبيلة نفسها فقط في البدء ..من أجل الحفاظ على مصالحها الجماعية ( مثل الري والزراعة في الشرق ) وللحماية ضد أعداء الخارج وتزداد قوة الدولة صعودا لتحقيق وظيفة المحافظة على شروط بقاء الطبقة الحاكمة بالقوة , وسيطرتها على الطبقة المستعبْدة – ( أنتي دوهرنغ ص 179 ).
.. كما حددت الماركسية الدور الذي لعبه العنف في التاريخ تجاه التطور الإقتصادي وفق المبادئ والتطورات التالية :
1 - إن أية سلطة سياسية تقوم في الأساس لأداء وظيفة إقتصادية وإجتماعية ..
2 – تستطيع هذه القوة السياسية بعد ما تستقل عن المجتمع وتتحول من خادمة له إلى سيدة عليه أن تعمل في إتجاهين :
اّ – إما أن تعمل في خط التطور الإقتصادي الطبيعي واتجاهه وفي هذه الحال لايقوم نزاع بينها وبين المجتمع الذي تحكمه, لأن التطور الإقتصادي يتسارع بشكل طبيعي ..
ب -- وإما أن تعمل ضد التطور الإقتصادي وفي هذه الحالات تكون القاعدة العامة في النهاية إستسلام السلطة والقوة السياسية للتطور الإقتصادي ....
إلا أن هناك استثناءات قليلة .. كحالات الغزو الخارجي الأكثر تخلفاّ , وتدمير التطور الإقتصادي على يد الغزاة الأكثر بربرية الذين يقضون على سكان البلد .. أو يهجّرونهم من أرضهم ,( أويهجّروا العقول المنتجة منهم – ملاحظة مني ) ويسحقون قوى إنتاجية لايعرفون كيف يستخدمونها ويتركونها نهباّ للخراب ..كما فعل المغول والتتار باحتلال بغداد ودمشق ..(. وكما فعل غزاة الأرياف المتخلفة في استيلائهم على السلطة في المدن وإقامة ديكتاتوريات عسكرية في عصرنا لاتختلف استبداداّ وتخريباّ كثيراّ عن الغزاة القدامى ...في الكثير من البلدان في عصرنا - سورية نموذجاّ )
..إن أي استيلاء على السلطة أو احتلال يقوم به شعب أكثر تخلفاّ وبربرية يشل بكل تأكيد التطور الإقتصادي ويدمر قوى إنتاجية عديدة .. بيد أن الغاصب أو المحتل أو الفاتح ( كما يسمى في التاريخ العربي خلافاّ للواقع ) الأكثر بربرية مضطر في الغالبية العظمى من الحالات في النهاية للتكيف مع الوضع الإقتصادي والخضوع له ...
وإذا تركنا حالات الغزو والإحتلال الخارجي والداخلي جانباّ نرى : حيثما أصبحت سلطة الدولة الداخلية في بلد من البلدان متضادة ومتناقضة مع تطوره الإقتصادي .. فإن الصراع سينتهي على الدوام بسقوط السلطة السياسية ... ( أنتي دوهرنغ ص 219 )
هذا ويلعب العنف في التاريخ الدور الثوري الرئيسي في التبديل الكيفي , والإنتقال من نظام اقتصادي معين إلى نظام إقتصادي اّخر ويالتالي من نظام سياسي وإجتماعي إلى اّخر .. وهذا ما أكده ماركس :
( الثورة – أو العنف – مولّدة كل مجتمع قديم حامل مجتمعاّ جديداّ ( في أحشائه ) أو هي الأداة التي تشق بمساعدتها الحركة الإجتماعية طريقها نحو تحطيم الأشكال السياسية الميتة والمتحجرة .... وهي القابلة القانونية التي تولد من المجتمعات القديمة مجتمعات شابة جديدة ) .
كما كشفت الماركسية وعرّت خطأ النظريات الطوباوية في الأخلاق .. التي ترى الأخلاق مواعظ فوقية أبدية منفصلة عن التكوين الطبقي للمجتمع وتطوره الإقتصادي والسياسي ...
( من المؤكد أن الأخلاق التي تشمل على الحد الأقصى من العناصر المبشرة بالديمومة , هي تلك الأخلاق التي تمثل الحاضر وتنبع من قلبه .. وتمثل المستقبل تلك هي الأخلاق البروليتارية أخلاق الطبقة العاملة ..لكننا حين نرى أن الطبقات الثلاث في المجتمع الحديث : الأرستقراطية الإقطاعية والبورجوازية والبروليتاريا الطبقة العاملة , تملك كل منها أخلاقاّ خاصة بها .فإننا لا نستطيع أن نستخرج سوى نتيجة واحدة ألا وهي :
أن البشر يستقون بصورة واعية أو غير واعية أفكارهم الأخلاقية في اّخر تحليل من العلاقات العملية التي تقوم أوضاعهم الطبقية على أساسها من العلاقات الإقتصادية التي يقومون فيها بالإنتاج والمبادلة ...
وما دام المجتمع قد تطوّر حتى الوقت الحاضر ضمن التضادات الطبقية , فإن الأخلاق قد كانت على الدوام أخلاقا طبقية : فهي إما أن تبرّر سيطرة الطبقة الحاكمة ومصالحها , وإما أن تمثّل تحرّر الطبقة المضطهَِِدة ما يكفي من القوة , عندما تملك ما يكفي من قوّة التمرّد على تلك العقيدة الرأسمالية لتمثّل مصالح الطبقة العاملة والمجتمع الجديد .
وما دمنا لم نتجاوز المجتمع الطبقي والأخلاق الطبقية فإن تحقيق أخلاق إنسانية فعلية فوق التضادات الطبقية وتسمو على ذكراها لا يمكن أن تصبح ممكنة التحقيق إلا في مرحلة بلوغ المجتمع اللاطبقي , لتصبح فيه التضادات الطبقية نسيا منسيا . وهذا ما تتطلبه مرحلة طويلة من التربية الإشتراكية وصولا إلى المرحلة الشيوعية بغية خلق إنسان لا طبقي جديد ومتحرّر من ( الأنا ) , ومن جميع رواسب العهود الإستغلالية والإستبدادية عهود الملكية الإستغلالية الجشعة بعد القضاء النهائي على إستغلال الإنسان للإنسان واضطهاد أمة لأمة . وبعد الكشف عن القوانين الإقتصادية والإجتماعية أكّدت الماركسية زوال النظام الرأسمالي ( مهما أتقن التكيّف والتلوّن ) الذي خلق حفّاري قبره بيديه وهذاما قاله ماركس :
" ومع التناقص المستمر في عدد طغاة رأس المال الذين يستولون على ثمار العملية الرأسمالية ويحتكرونها بتعاظم البؤس والإضطهاد والعبودية والإنحطاط والإستثمار وهذه كلها تؤدي حتما لنمو ثورة الطبقة العاملة الذي يزداد عددها على الدوام لتتحوّل إلى طبقة منظّمة إنضباطية بفعل اّلية تتطور الإنتاج الرأسمالي نفسه .. إن رأس المال يصبح قيدا على أسلوب الإنتاج الذي انبثق وازدهر برفقته وتحت جناحه , وأخيرا تبلغ مركزة الرأسمال ووسائل الإنتاج وعملية التناقض المستمر بينها وبين قوة العمل تصبح جامعة لنقيضين متنافرين داخل غلافهما الرأسمالي الذي سيتمزّق حتما ويدق ناقوس إنتهاء الملكية الخاصة الرأسمالية والتحوّل الحتمي نحوالإشتراكية بقيادة الطبقة العاملة ومحالفة جميع الشغيلة " - رأس المال المصدر السابق ص 310 - يتبع
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟