|
دليل رحلة رامبو
محمد الإحسايني
الحوار المتمدن-العدد: 1919 - 2007 / 5 / 18 - 10:25
المحور:
الادب والفن
دراسة دليل رحلة رامبو بقلم : دانيال دوبوا ترجمة: محمد الإحسايني النتيجة التي توصلْت إليها ، أن " رامبو " ما فتئ يذكرنا أولاً بأن الشعر ، هو صنيعة القصائد ، يعني وليد اللحظات ، لا تتحكم فيه أي رابطة لجمعه ، ولو كانت كرونولوجية . ذلك أ ن زمن الساعات الجداريةلا يد ق بإيقاع الشاعر. تحاول الدراسة أن تتجنب الوقوع في المعنى المبتذ ل القديم للشعر ، والمتوارث عن اليونان ، ولو كان صحيحاً ومبتذلاً، أن الشعر هو" إبداع الشاعر"؛ بل يرى الدارس أن الشعر هو " إبداع القارئ " أيضا .ولايفوته أن يذكّرنا بدوره ، بدرس الشاعر "بول فاليري " : صُنع الشعر لتُعاد قراء ته. ومن هنا ، يجب قراءة "رامبو " ، وإعادة قراء ته ، بالرغم من أن شعره قد نُسج من خيوط حياته . ومع ذلك ، يكاد لايكشف لنا شيئاً عن نفسه بالذات ، باستثناء ما جاء في بعض الأبيات ، إذ يلجأ فيها إلى شعرمليئ بالأسرارالغامضة ، أضف إلى ذلك أن أثره الشعري وصل إلينا مقنّعاً من خلال تاويلات متباينة . شعــــــــــــــــــــــــــر يمر عبر قالَب منكسر ،بالرغم من ان قصائده ، كل واحدة منها بمثابة نداء ودعوة ما . والمدهش أن يمر التكسير في أشعاره الأولى : " المشدوهون "؛ وهي القصيدة الوحيدة في سنة1870 التي انتشلها الشاعر من طي النسيان . وقد أدى به مساره إلى نتيجة مؤلمة ، فأثره الشعري بالنسبة إليه هو ، قد مات. وتثبت الدراسة حال الفشل هذه ، بنوع من تراجع الشاعر الحرون . بيد ان التوقف نتج عنه "شعر التطلع " بوصفه أثراً رامبوياً . فهل فقد " رامبو " دليل طريقه بعد أن وصف الشعر البرناسي بأنه شعر لاطعم له ؟ واين ذهب عقد المجاهرة بالمبادئ للشمس واللحم :" أومن بك … يا " أ فروديت " البحرية ". هناك صورة متباينة للشاعر وهوفــــــــــــــــــي الخا مسة عشرة سنة إذ كتب عقد المجاهرة بالمبادئ ، وصورة مؤ لف "إشراقات "الذي أدى فروض اعلان مبادئه الإيمانية إلى راهبتـ [ه] " لويز فينين دوفورنيغن" . ويتساءل " دانيال دوبوا " : أين "رامبو " الحقيقي؟ قيكتشف في الحين ان ذلك سؤال عديم الجدوى : إذ ليس هناك شاعر واحد يدعى "رامبو " ؛ بل أصوات شاعر متعددة .وهنا ، لابد من اللجوء إلى النص ونقده ،مروراً ببعض النقط ، ومشاكل التاريخ بالخصوص ، وبمصادر أخرى متعددة للقصائد ، بدءاً بالتأويل الشائع جداً الذي لايتعلق بالنقد تحديداً : تأويل " رامبو" شاعراً كاثوليكياً. وقد وُ لدهذا التأويل في أسرة الشاعر، عند أخته " إيزابيل " وزوجها " باتيرون بيريشون " ،مع الإشارة إلى الخلا ف في التأويلات . من هنا ، تنطلق الدراسة إلى النتيجة التي أشرنا إليها في هذه المقدمة .فيما يلي دراسة"دانيال دوبوا": مدخل:"رامبو"، شاعر غامض . . مازالت المخيمات الظلية لم تغادر الطريق الغابوي، تسد أكثر من طريق في حياة" آرتور رامبو "، وتحول أحياناً دون الوصول إلي لب عمله الشعري . . أمام هذا الغموض ، فإن القارئ يحد د غالباً ، لاالقارئ المحترف، بل " شبيهي" و" اخي" ، قارئ القاعات الدراسية، أوالأمسيات الشعرية ، يحد د غالباخياره في القصائد ذات المداخل السهلة : بدءً من قصيدة "رواية" و " النائم بالوادي "، إلى " المركب المنتشي "،إلا إذا لم يجازف بالصفحات الأكثر دقة وببعض السطور من " فصل في الجحيم "، وببعض قصائد من" إشراقات". . ولما هو مدفوع شيئا ما، بإحساس مسبق بالجمال ، من خلا ل التشبه بالأكابر ؛ فإنه لم يكن ُيرضى أبداً رغبته في الفهم إرضاءً تاماً، وحاجته إلى توضيح متعته الشعرية . . ومع ذلك؛خلافاً للشعراء الآخرين الغامضين ، أمثال " نيرفال" ، " ومالا رميه " و "فاليري" ، الذين لايتجاوز سماعهم دائرة الأ د باء ؛ فإن" رامبو" هوشاعر شعبي ، على الأرجح ، حسب درس " إتيومبل" ، لآنه يمتلك الأسطورة، بنفس الرتبة الغامضة التي تربطها شبيبة أعوامنا ال 70بصورة "بوريس فيان" ، فتثير نفس الجاذبية ونفس الارتباط . الخلا ف في التأويلات نقد مـزعج ليست الجمل هي التي تنقص لفهم "رامبو" . لقد كُتب عنه بشكل لامثيل له ، أكثر مما كُتب عن الشعراء الآخرين الذين يصعب فهمهم: يكفي الرجوع إلى مقابلة القوائم الفهرسية. وتنمّ ملاحظات هذه الطبعة والكتب المرجعية الأخرى ، عما أُلف من تأويلات أكثرها متباين ،إن لم يكن أحياناً سجالياً جداً . من ذلك ،النقد المبني على رغبة القارئ في الذهاب لملاقاة الأثر الرامبوي عارياً كله ، ورفض القناع الذي يستخدمه نقد مزعج. كذلك رد فعل سجالي ل "هنري بيشيت " الشاعر والممثل لوجهات نظر المفسرين ، ووجهة نظر "إيتيومبل" ؛ يعترفا ن بأن كل ما أمكنناقوله عن "إشراقات "، ينتهي بكونها مبهمة. . ومع ذلك ، سواء أحببنا أم لا ، يأتي إلينا" رامبو" مصحوباً بالمعلقين .ويخضع عمله الإبداعي ، أكثر من أي عمل آخر ، لما تنتهي به الأعمال الشعرية المكثفة، التي قد انفلتت من مبدعيها ، ووصلت إلى َخلَفه من الأدباء والشعراء ، غير متفرقةعن تمثلاتها المتخيلة من خلال الأجيال من قرائها . بعض التأويلات ينبغي البدء بالتأويل الشهير ، والذي لايتعلق بالنقد تحديداً: تأويل" رامبو" شاعراً كاثوليكياً.وقد ُولد هذا التأويل في أسرة الشاعر ، وبالضبط ، عند أخته" إيزابيل" ، وعند زوجها " باتيرن بريشون" ، اللذين أوّلا الشاعر ، من خلال التقاليدية الأخلاقية، ومن خلال هاجس الشرا فة، بنفس القدر الذي أوّلا به عمله الإبداعي . فلو كان واضحاً وجوُد أسا س مسيحٍّي عند" رامبو"، في التصورات ، لكان ذلك من أجل أن ُيتخذ منه العكس ، في لغته ، وفي أزمة " فصل في الجحيم "، فكل شيئ داخل الديوان ، يكشف أن الشاعر ؛ وهو ينتفض ضد المسيحية ، انتهى بالانفصال عنها ، و بعد م اكتراث أسوأ أيضاً من ِحّد ته الأولى . وبفضل توضيحات" إتيومبل" المركزة بالخصوص ، أمكن قراءة" رامبو" الآن بدون الحكم المسبق الكاثوليكي ، بل بدون الاحتراس السجالي الذي يقوم عند" إيتيومبل " نفسه مثلاً ، على رفض الاعتراف بالعمل الشعري ، عندما يكون هناك أثر للإيمان القديم . وتصدر بعض التأويلات عن الطريقة النقدية المستعملة ، شان التاويلات التي يقترحها التحليل النفسي أو الدراسة التيماتيكية – الموضوعاتية -. غير أن تصورات مخصبة للنقد ،ليست نوعية عند"رامبو" نفسه . وبالمقابل ، توجد فرضية بحث تنزع إلى الإ حالة على العمل الإبداعي بكامله : فرضية " رامبو" الشاعر المطلع على أسرا رعلم الباطن ، وعلى اسرار القِبالة، وقارئ تاريخ السحر، ل "إليفا ليفي "، مثلاً. وهو ما يطمح إلي البرهنة عليه "ج. جنغو "في اطروحته .مع أنه قابل جداً للنقاش في مبد ئه . ذلك انه لا شيئ يدل على ان رامبو" كان قد امتلك في حيازته امثال هذه الأعمال . وهذا التاويل مازال يمكن إدراكه ، هنا وهناك، حتى عند"بونيفوا " ، وقد امكن ان نلاحظ نفس التعميم ، عندما اردنا شرح تكوين بعض قصائد " إشراقات" ، من خلال ا ستعمال المخدرات المسببة للهلوسة، وهو ما ساعد على فهم قصيدة واحدة ، وقد لايمكن ان يطبق ذلك التعميم نفسه بدون تعسف ، على بقية القصائد الأخرى. العودة إلى النص يوجد مجال يظل اللجوء فيه إ لى النقد أمراً لابد منه : نقد النص بالذات. إن جهلنا لايزال واسعاً بدون شك ، حول بعض النقط ، وبعض مشاكل التأريخ بالخصوص ، إلا أن التاريخ الأ د بي يُسهم في يقينيات حول ظروف التركيب ، وحول المصادر المتعددة للقصائد . أخيرا ، قد يصبح سوء التأويل أمراً متجنباً إذا ماعدنا إلى النص ، وإلى وحدة كل قصيدة ، بالمعنى الحرفي: هل ينبغي التذكير بقصائد : " قوس قزح "، " خمرة الكهوف " ، أو " زمن القتلة " ؛ وهي القصائد التي كانت في الأصل ، هدفاً لكثير من التعليقات العد يمة الجدوى ؟ من وجهة النظر الحالية ، يقدم كتاب" ج. ريفيير" السديد في قيمته إلى حد ما، فارقاً زمانياًمفاجئاً مع كُتب العقد الأخير، لكن ، منذ ان كان يعتمد على معلومة زمانه .ومع ذلك ، فليست قراءة حدسية مغرية بمافيه الكفاية" لرامبو"، ممكنة سوى مرة واحدة تثبت فيها معرفة أساسية بوقائع التاريخ واللغة دليل رحلة رامبو شعر برناسي شعر لا طعم له بين الشاعر‘ وهو في الخامسة عشر عاماًالذي يكتب عقد المجاهرة بالمبادئ " للشمس واللحم " : " أؤمن بك …يا "أفروديت " البحرية " وبين مؤلف " إشراقات " الذي أدى فروض إعلان مبادئه الإيمانية إلى را هبت[ ه] " لويزفانين دوفورنغم" بعد ذلك بخمسة أعوام، السؤال :أين "رامبو " الحقيقي؟- سؤال عديم الجدوى: ليس هناك شاعر واحد يدعى "رامبو "؛ بل أصوات شاعر متعد دة، يٌدهش بواسطة باكورة نضجه إدهاشاً أقل من الإدهاش الناتج عن السرعة لتطوٍر جعله يجتاز في ظرف خمس سنوات - كما لاحظ ذلك الكثيرون – جميع مراحل التاريخ الفرنسي. طالب ثانوي مثقف ثقافة واسعة، توّا ق إلى الظهور في النشر ، يقلد في بادئ أمره،الشعراء الرومنطقيين الذين قرأ لهم : "هوغو "،" موسيه " والبرناسيين ، " بنفيل "، وبينهم آخرون ، و" بودلير " غير خاضع للتصنيف. ربما يكون ذلك بالضبط لأنه سرعان ما امتلك وعياً بخضوعه النسبي لأولئك الشعراء ،فسيأمر " ديمني " في يونيه – حزيران – 1871 ،أن يحرق قصائده لسنة 1870. ولوحظ عليه سنة 1871 أقل التأثرات بغيره من شعراء عصره : تأثير " بودلير " عليه في قصيدة " راهبات المحبة – الإحسان –"، وهي من نتاج سنتي 1870- 1871 ،وتمتاز مجموعتان ؛ وهما من نتاج 1870- 1871 ،بملاحظتهما الأكثر أصالة، وهاتان المجموعتان هما : سونيتات في التشرد البلجيكي 1870 ، وقصائد العنف 1871. بيد ان استهجانه لكل إ نتاجه السابق ، يبدو من خلال رسائل ماي – أيار – 1871، التي كتب فيها بيان " العرافة" فهو ينادي فيه بعدم جدوى الشعر الذاتي ،هذا " الشعر التفِه" . ومع أنه يتهيأ للصيف ، فهو يرمي إلى أغراض اخرى ، ويسجل" المركب المنتشي " تراجعاً بالنسبة إلى الأفكار الربيعية : فهو عودة إلى الصيغ البرناسية على الأرجح محكوماً بالرغبة في أن ينال إعجاب أولئك الذين سيستقبلون شا ب "شرلفيل" الطموح، " في " باريس " الشعر الموضوعي وسيلة للمعرفة في هذا الشعر الشخصي ، يقترح" بيان الرائي" أن يبد ل شعراً ذاتياً بشعر موضوعي من خلال قصيدة " الرائي " التي يكشف " فيها "االرائي " للبشرية عن المجهول . فالشعر لم يعد يُتصوّر كأ نشودة ترافق الحياة ؛ بل كوسيلة لمعرفة الحياة – من يدري؟ -أن يغيرها . وأصبحت الإستطيقا في فكر الشاعر ، ميتافيزيقية . رسائل " الرائي "هي رسائل ماي – أيار – 1871، ولكنها تترجم عقلية ينبغي أن تكون عقليةالشاعر قبل أن يحررها .إلا أنه غريب ألا يعطي "رامبو " ، في هذه الحقبة ، سوى بعض التوضيحات عن أطروحته ، لعلها "الحروف الصائتة "، و " رأس فون " ، والرباعية " النجمة" ، وايضاً ، فإن أصالته أكثر بروزاً في الرؤية المشهدية منها في الكشف عن المجهول ، واكثر ظهوراً على الخصوص ، في النوعية للغةٍ هي في تناقص ، منصهرةٍ في النثر ، ولو انها شعرية .وستأتي البرهنة . نعرف ذلك من قصائد 1892 ، ومن " إشراقات " . وبما أنه يبدو من الثا بت وجود العديد من قصائد " إشراقات " ربما قد كُتب أكـثر من نصفها على الأقل في 1874، ؛ فينبغي التسليم بأن " الفصل " لم يكن سوى أزمة ما ، في نهاية 1873 ، والشعور بعدم وجود "خمياء الكلمة" .كان ذلك ، الكف الثاني عن الشعر في حياة " رامبو "الشعرية ، قبل ألتوقف النهائي. لكنه توقف في السير الكرنولوجي ، دون أن يتضمن أن الشاعر قد نذر على نفسه أن يكف عن الكتابة .وتُمد دال "إشراقات " التي ستلي كذلك ، بصورة مختلفة قليلاً عن رؤية 1872، ُتمدّ د إلهاماً مستكشفاً بعدُ ، وتغير بالخصوص ، مشهدَ الأشياء المتطورة .فتلك المشاهد نادرة مثل قصيدتي: A une raison ,Génie اللتين ستحاولان الكشف عن المجهول الذي يتوقعه " الرائي "لسنة 1871. سكوت المؤلف في بداية 1875 ، كان على " رامبو" أن يتوقف عن كتابة القصائد .ويمكننا أن نتصور تفسيرين تكميليين لهذا الوداع النهائي للأدب .التفسير الأول : "رامبو " بما هو أداة موسيقيةاستمدت منه جميع رناتها الممكنة . قصائد منظومة ، قصائد مسجّعة ، وقصائد الشعر الحر لسنة 1872، النثور الشعرية في قصيد ة "صحارى " ، "أناجيل " ،من "فصل في الجحيم " ، و قصائد نثر في " إشراقات " ، كلها قد خرج من الأداة : لن تستطيع الصيغ المستقبلية أبداً أن تتجدد. التفسير الثاني يمس لبّ الشعر . وسرعان ما تحول المرام الميتافيزيقي ل"رائي "1871،إلى مشروع إستطيقي ، فقد كانت الرؤية التنبؤيةبالخصوص ، رؤىً من أشكال وألوان : فلم يعد الشعر وسيلة للمعرفة ؛ بل هو مانادى به " الفصل " جهاراً ؛ وهو مايؤكد تجربة " إشراقات " الأخيرة .لقد اكتشف "رامبو" أن الشعر يظل مجرد لعبة ، لعبة ضرورية للإنسانية ، كالماء ، والنار ؛ وهو يتخلص منه .وفي هذه اللعبة ، فضّـل الحياة الجد ية ، حياة التاجر الذي يكتب رسائل من" هراري " التي امتد منها كيانه كله ، نحو النجاح الاجتماعي ، ونحو تلك العائلة في طور التأسيس ، التي قد يستطيع ولدها تحت توجيهها ، أن يصبح يوماً ما ، مهندساً وعالماً . وبالنسبة للآخرين ، تستمر اللعبة .بل إن البعض قد اكتشف في "رامبو " أسباباً لاقتفاء أثره الشعري المكتشف سنة 1886بدون علمه ، كحافز للمدرسة الرمزية التي سترغب مختصراتها الأدبية في ترتيبه ديواناً بدون وجه حق.إلا أن الرمزيين في سنتي 1886 – 1891، وجدوا فيه ، حسب أطروحة" ج . ميشو " ، الممارسةَ المأثورةَ لمايسمونه بالشعر الحر ، وذوقَ الصور ، والتمرن المهيأ للغرض الشعري ، لعدم وجود نظرية رمزية . ثوابت العمل الأدبي شعر التطلع / شعر النظرة مسار الشعر أدى به إلى هذه النتيجة المرة والنهائية : "الشعر ؟ كالحياة ؛ ومع ذلك لم يكن شيئاً ". ذلك كان درسُ "رامبو " ، بعد أن كان طموحه قد استحوذ عليه ، من خلال الشعر، وغايات الحياة . وبالنسبة إليه ؛ فإن أثره الشعري قد مات : عمله الشعري علامة طريق بحثه الروحي ، انتهى به إلى إثبات حال الفشل هذه ، لكن بالنسبة إلينا ؛ فإن عمله الشعري حي .ويبقى الكشف عن استمرارية ما ، عبر مراحل هذه المسيرة : في ُحَمّياهذه الد ينامية ، والثوابت لعمل شعري ما. عند الشعراء الآخرين ، مايسود ، هوا لفكرة ، أو اللب . أما عند "رامبو " ؛ فهو التطلع . شعره بمثابة مشهد ما، مجرد قريحة شعرية وصفية تماماً ، تسير على نهج سذاجة قصيدة ال - buffet - الدولاب ، "تلك الخزانة الكبيرة ، "المستشفة من " عيد ية اليتامى "، نص بدايته الشعرية ، وفي غرابة " المدن " وقصائَد رُتبتْ في ال "إشراقات " الأخيرة .ففي بداية العد يد من القصائد ، ينكشف الشيئ المنظور الذي يسجل : " المشدوهون " ، و "مؤخراتهم المستديرة " وجيش " الغربان العزيزة اللطيفة " ، والأمواج المعتمة لنهر "كاسيس "، ورذاذ القنوات من خلال الحقول" للجُمَل . وعندما يعيد "رامبو " المشهد ؛ فإنه يرده إلينا حاضراً : تفرضه الإ شاريات على نظرتنا .الأشياء او الكائنات موجودة هناك ، أمامه وأمامنا : " تلك الشجيرات المحروقة التي يزرقّ فيها البرقوق " ، وفي اتحادات الآراء الأولى ، أو هذا الصنم ، عينان سوداوان …" التي تفتح قصيدة " طفولة " ، أوهذا الجسر الخشبي المتقوس ، وسط "ميتروبوليتان ". إذا لم يقم "رامبو " بالوصف ؛ فخياله هو الذي يعيد تشكيل مشهد ما."شاعرعمره سبع سنوات أخذ يحلم بالمرج العاشق " بعُد ؛ ولو تحت تأثير التقليد ‘فهو يستحضر منظر" النهر الطويل الأسود " في قصيدة " أوفيليا" " وصنوبراته المرتعشة "و"ازهارنيوفر – ه - المتجعدة " أما موضوع " الحروف الصائتة . "؛فتجاوُرٌ للحروف الملونة، المشتركة في نفس الحلقة بواسطة الخيال الوحيد للشاعر. يحدث ان "رامبو "يعيد تشكيل الرؤية ؛ وهو بصدد القيام بها . ونحضر معه في إعصار"د مع " ، وفي السير نحو عالية النهر في " الذاكرة "، وفي ظهور اللوحات المنبثقة على مستوى" أخاد يد" ، وفي " النزهات المتخيّلة او المعيشة ثانية ، حسب "الطوفان " ، و" فجر " ، و"طفولة2 ".ويبدو أن شعر النظرة ،الوصف عند "رامبو " ، أحذ يفقد طابَعه السردي المميز، شيئاً فشيئاً، ليتركز على الرؤية الصامتة ، حول المشهد ، الذي يظهر أمام النظرة ، التي تنبثق داخل الخيال ، ولو هو يتحول إلى هلوسة بسيطة ، من خلا إ رادة الشاعر . القصيدة المتكسرة مثلما كانت النظرة عند "رامبو " الفرصةَ الأقـلَّ في تزويد الشعر الوصفي بالتيمات ، من أي وسيلة مفضلة لولوج الشعر رأساً، فكذ لك لايفتح ثابت القصيدة فصلاً في قائمة المصطلحات للمواضيع التي يمسها ، إن صح القول ، خلال القالَب الذي يتكسر . واضح أن يظهر بعدُ ، هذا التكسير، من بين أشعاره الأولى في " المشد وهون " ، القصيدة الوحيدة في سنة 1870 التي انتشلها "رامبو " من طي النسيان ، حيث كان قد كرس إنتاجه السابق من أجل أن يبعث به إلى صديقه " فيرلين " . ومن خلال التكسير، ندرك رفضه للفصاحة ، وللجملة" المتما سكة "، من السقوط إلى التأثير ، ومن الخاتمة المسرحية إلى طريقة " النائم بالوادي " .وقد وجد "رامبو " غريزياً، بد لَ قميص" المشدوهون "، الصوتَ الذي يهتز قليلاً في الريح الشتوية ؛ وهو الصوت الذي يُسمَعُ في نهاية قصيدة " الغربان " ، ذات الطموح الوطني ، التي تتعارض أبياتها الأخيرة ذات الإيقاع المنكسر مع التفخيم المعتاد في جنس الشعر. وفي " المركب المنتشي " ، هووَلَدُ " الا نخساف "، هذ ا الا كتشاف لإتمام قصيدة دائرية نصفياً، ومن جانب آخر ، هو هذه السقطات ،كالمنفكات حول الإيقاع الساخر في الأبيات أحادية المقطع ، وهو ذلك الانخساف لفلاح " نهر كاسيس "، " الذي اصطدم بجذع شجرة قديم وانخساف استفهام " الذاكرة " . وفي سلسلة " إشراقات " تعطي الخلاصة أحياناً الانطباع بكونها وُضعت جانباًبغيةَ التعبير عنها بأقل من فهم الباقي .كذلك إعادة إطلاق عبارة " والذي نجهله " في " بعد الطوفان " ، وفي " صوفي " ، و السر المكشوف لعبارة " الجحيم يزدهر والزرقة تحته ". وحتي هذا التطبيق للقصيدة المنكسرة ، امكن أن َيظهر صيغةً لبناء خاص للعديد من القصائد في " إشراقات " ، والبناء الثنائي في " حماسة وسقوط "، إنه الإ يقاظ الشرس لطفل" الفجر" ، والموسيقى الصعبة ا لمنال – التي – تنقص رغبتنا "،في " طفولة 3" و " أحد يطردك " . إذن ؛ فغالباً ما ينصدع الصوت عند "رامبو ": "تنفجر الغنائية من الحياة المحبوبة " بدل أن تكون طافحة ، وتصطبغ بهذا اللون الرمادي الذي ربما يعطي الشعور بكونه قد مر بحانب الحيا ة الحقيقية ، وتزدحم في حلق الشاعر كأنها شهقة محتبسة . الشعر المستـتر لم يكشف "رامبو " عن نفسه شيئاًبالذات تقريباً ، خارج قصائد العنف التي عبر فيها عن أفكاره المفضلة الى " الكومونة " أو هيجانه المعادي للدين .فعنده يكاد البوح المصّمم عليه فقط ، أن يدلي به ، فيكتب إلى أستاذه بغيةَ إفهامه أنه لايستطيع أن يقول عن ذلك شيئاً أكثر : "ذلك لايعني شيئاً قط ". مع ذلك ، واضح جداً أن شعره قد نُسج من حياته ، لكن باستثناء في فانطازيا الأشعار الأولى التي هي لُعَبٌ أكثر منها اعترافات ، وفي الانتشاء الساذَج لسونيتات الهروب إلى بلحيكا ؛ فإن " رامبو " يلجأ إلى شعر خفي وعندما يبدو أنه يتحدث عن نفسه ،يضع على المسرح ، الوجه الأسطوري للطفل ،" شاعر سبع سنوات ،المعجب بالفجر ،أو بالفقير، كي تُمثَّل مسرحية ال "عطش. "ومن بين القصائد الأصعب تأويلاً، قصائده الأقل وصفاً، والأكثر غنائية بالضبط : " القلب المسروق " ، والباحثون عن القمل " ، و"دمعة " و"أغنية أعالي البروج"، ،و"عار ". يكون شعره تلميحياً أحياناً ويتضمن نوعاً من التعقيد وإحالةً ما، مثلما هي الحال في "رحيل " ، و"أحكام الحياة " ، وفي هذا الازدواج الذي " يغنّي ويمكث "في "حركة " ، وفي جميع هذه الصيغ المجهولة ، وفي " هي " ، في قصيدة " قلق " ، أو"هي" في قصيدة " ميتروبوليتان " ، و"مدام " في قصيدتي " الذاكرة "و"بعد الطوفان"، و"راهبات التقوى " . ولماكان غير مباشر ، وتلميحياً ؛ فإن هذا الشعر يحتاج إلى عدم قابلية الإفصاح عنه ، من خلال فصْد الشاعر .فلنفسه يغني في التحليل الأخير .وحتي في " الفصل " ، العمل، الأدبي في البوح،فإن" رامبو " يتجنب الكشف عن نفسه . .فماذا يهمه أن يوضح – ولمن؟ لأمه ؟ ل"قيرلين " ؟ لمسيرته ومشاريعه؟ فالأساس ان يعثر ثانية على نقسه هناك .في صفحاته التي يستوجبها اللعب القليل بالانفعالات ، وتستوجبها الرغبة في أن يرى، فإن الرؤى كذلك ، هي مثل دورات نحو الداخل ، رؤى ال "حروف الصائتة " ، ورؤى "جُمل"، و "أخاديد " ؛ فهي له وحده ، له وحده تنمو الزهور السحرية ل "طفولة " .هناك توجد أصالة " رامبو " العظيمة .فالشعراء الغـنائيون باشتراكهم مع الشعراء الآخرين ، لهم عمق التصورات ، وعمق المشاعر ، وعمق الإحساسات ،والصور التي تسهل التواصل ." كل ما يوجد من باطن في كل شيئ…"ولو كان جد باطني ، فشعر "هوغو" ، يخاطب قارئاً ما ،: " يا أرعن ، يامن تظن أنني لست أنت…" "رامبو" ، هو ، يرفض الأمكنة المشتركة للغنائية ، والصيغ اللغوية الشائعة . فميدانه يكمن فيما يشعر به، هو ، في اللحظة ، من خلال نظرته أوكل كيانه ، ويكمن في شيئ يجري ، في الحياة مباشرة "كما سيقولEluard . ويعلم أن له وحده مفتاح هذا العرض التهريجي الهمجي[ الذي كان يبدأ عادة خارج المسرح قبيل العرض، لجلب المتفرجين ] : هو، "يدخر التأويل ".يمثل عليه بالذات مسرحه الخاص ، ولا يدعو جمهوراً ليقاسمه أسراره . خلاصة قصائد وشعر
يصلنا عمل" رامبوى"الشعري إذن مقنعاً من خلال تأويلات ذات إلحاحات متباينة . فهو عمل شعري صادر من شاعر وهب تطورُه اللآمع للشعر، صيغاً متعددة، حتى لو لم يكن البوح بثوابتها من أول إلى آخرتلك االسنوات الخمس من الإبداع الشعري ،فإن القارئ يبحث حقاًفي هذه المجموعة عن مبدإ الوحدة .إنه الإيقاظ الشرس لطفل " الفجر "، والموسيقى الصعبة المنال – التي – تنقص رغبتنا "في "طفولة 3 "و" أحد يطردك ". إذن ، فغالباًما ينصدع هاوي التوليف ثانية عمل "فيكتور هوغو" الشعري أو تصميم "أزهار الشر " ، بيقين تركيبي . فيجبرنا "رامبو " على تذكيرنا بأن الشعراولاً صنيعة القصائد ، يعني وليد اللحظات ، وهو لايجمع أي رابطة ، ولو كانت كرونولوجية ، ذ لك أن زمن الساعات الجدارية لا يعزف إيقاع الشاعر . عمله الشعري ، بمثابة الكثير من الصفحات ، المختلفة ، والفريدة ، الصادر كل واحد منها عن إلهامات توجد بينها تناقضات ،وانفراديات ، كالرجل الذي أمد الشاعر بنار حياته الخاصة :" الأثر الشعري ل "آرتور رامبو" ؟ " كلا. [بل] " رامبو " ، قصائد " قصائد : كل واحدة منها بمثابة نداء . إذاكان صحيحاً ، و مبتذلاً القول : إن الشعر، حسب المعنى اليوناني القديم ، هو إبداع الشاعر ؛ فهو أيضاً إبداع القارئ .وُتذكي بعض القصائد عقولنا ، ولا تبلغ القصائد الأ خرى سوى المساحة الانفعالية .فصفحات "رامبو" الجيدة، تطلب من القارئ ، شأن صفحات كبار الشعراء ، أن يذهب إلى القصيدة بوسائل كينونته بكاملها : بالعقل والقلب ، بل بالخيال أيضاً ، وعلاوة على ذلك ، بالانتباه الموسيقي ، وبهذا المعنى القريب من الرقص إلى حد ما.وعند "رامبو" ؛ فالقصيدة هي تركيب ما ، وكذلك عند قارئه، فهي المتعة الشعرية .فيجب إعادة قراءة " رامبو " وإعادة قراءته. وللقارئ . دائما ً الشعراء الذين يستحقهم. المرجع: 1-étude critique illustrée.Rimbaud ,Ouevres,Univers de lettres/Bordas Œuvres Poétiques Extraits par Daniel Dubois. p , p 115, 122.
#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إطلاق النار والمقبرة
-
جواد أصيل شعر. لبودلير
-
قنديل الليل وحديث الصم في سفر القطيعة
-
سقوط هالة المجد
-
من رسائل بودلير...1
-
رواية
-
بودلير لوركا في شعر صلاح عبد الصبور
-
لعبة الطفل الفقير
-
إشراقات بعد الطوفان-لآرتور رانبو *
-
عناصر منفصمة...14
-
عناصر منفصمة...13
-
عناصر منفصمة...12
-
نصف كرة في خصلة شعر
-
خمرة العشاق
-
عناصر منفصمة..11
-
الإنسان والبحر
-
عناصر منفصمة...10
-
عناصر منفصمة...9
-
عناصر منفصمة...8
-
عناصر منفصمة...7
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|