اقتصاد العولمة يصطدم بإنسانية السياسة

المشاهد السياسي

الحوار المتمدن-العدد: 66 - 2002 / 2 / 16 - 09:08
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    

نيويورك: منفى اختياري مؤقت لمنتدى دافوس غير بعيد عن منتدى بورتو أليغري الثاني

نعم هناك اقتصاد عالمي جديد بلا هوية محددة غير العولمة وهي مسألة من الناحية العملية قد توفر الكثير من الخير إذا ما توافقت نوايا دعاتها مع المتطلبات الانسانية المشروعة للجزء الفقير من البشرية، والذي يتعدى عمليا في نسبته ثلثي سكان الارض، وهناك تحرك إنساني مضاد يعارض العولمة الى حد اللجوء الى الفوضى، على أمل إعادة تركيب القدر المتاح من الإنسانية مع التطلعات شبه المشروعة لدعاة الأرباح الخيالية.


للمرة الاولى في تاريخه، قرر "المنتدى الاقتصادي العالمي" التخلي عن منتجع دافوس الشتوي في جبال الألب السويسرية للانتقال الى رمز الرأسمالية العالمية نيويورك التي باتت حساسة إثر الاعتداءات التي استهدفتها في 11 ايلول (سبتمبر) الماضي. وتأتي عملية انتقال المنتدى الى نيويورك الذي انعقدت دورته الحالية بين 31 كانون الثاني (يناير) الماضي وبين الرابع من شباط (فبراير ) الحالي في فندق "والدورف استوريا" الفخم نتيجة ازدياد عدم التفاهم بين المنظمين وبين السلطات السويسرية المحلية والاقليمية والفدرالية بعد تظاهرات تزداد حدتها عنفا احتجاجا على الاجتماعات التي تعقدها النخب السياسية والاقتصادية العالمية.

واعرب مؤسس المنتدى عام 1971 كلاوس شواب عن قلقه ازاء ارتفاع حدة الاعتراضات على مواضيع مرتبطة بالعولمة وخصوصا منذ اجتماع منظمة التجارة العالمية الذي عقد في مدينة سياتل الاميركية في كانون الاول (ديسمبر) 1999. وفي الواقع، شهد منتدى دافوس خلال انعقاد دورتيه عامي 2000 و 2001 موجة من الاحتجاجات العنيفة قام بها معارضون يؤكدون رفضهم ترك مصير البشرية لحفنة من الأوليغارشيين من انصار الليبرالية المطلقة.

وبمواجهة موجة الاعتراضات هذه، اضطرت السلطة المحلية في المنتجع ومعها سلطة كانتون غريزون حيث تقع البلدة، كما السلطات الفدرالية ايضا، الى اتخاذ اجراءات بوليسية اكثر حدة من السابق وذلك بموجب ضغوط مارسها منظمو المنتدى فضلا عن التجار واصحاب الفنادق الذين ابدوا قلقا على نشاطاتهم. وتحولت البلدة عام 2001 الى معسكر حصين تحت حراسة الجيش ووحدات من الشرطة واخضعت الوديان المؤدية الى البلدة لتدقيق صارم يهدف الى منع المعارضين من تنظيم تظاهرات.

وخلال الدورة المذكورة، ابدى احد المسؤولين السابقين عن المنتدى وهو كلود سمادجا حزما شديدا في مواجهة "ممارسات الاقليات الصغيرة او مجموعات تتوخى العنف ومثيري المشاكل الذين يستغلون الاحداث العالمية كأماكن من اجل جذب انتباه وسائل الاعلام". وادت هذه التصريحات الى المزيد من العزم لدى المعترضين لتحدي الشرطة التي منعتهم من الوصول الى دافوس.

وبعد فشلهم في الوصول الى دافوس، اقدم عدد منهم على تدمير الاسواق التجارية في محطة القطار في زوريخ التي تبعد مسافة 200 كم عن المنتجع. واثارت هذه المواجهات جدلا بين السلطات السويسرية، بمختلف مستوياتها، حول مسؤولياتها عما حصل ومن سيدفع فاتورة الاضرار التي لحقت بالمباني والسيارات. ومن جهته، بدأ المنتدى الذي اعتراه المزيد من القلق حيال انعكاس الاعتراضات العنيفة على نشاطاته بتقطير كلماته حول عزمه على مغادرة دافوس.

وفي السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، اعلنت ادارة المنتدى رسميا عن قرارها عقد الدورة الحالية في نيويورك "في اشارة الى التضامن مع المدينة" اثر الاعتداءات من دون ان توضح ما اذا كانت الدورة المقبلة ستعقد في دافوس.

واعتبر جزء كبير من الرأي العام السويسري تخلي المنتدى عن دافوس بمثابة ضربة جديدة بعد انهيار شركة "سويسير" للطيران ومذبحة برلمان كانتون زوغ اواخر ايلول (سبتمبر) الماضي حين اطلق معتوه النار فقتل 15 شخصا ومن ثم حريق نفق غوتار الذي قضى على 11 شخصا.

ووعدت الحكومة بتقديم جميع الضمانات المالية والامنية لكي يعود المنتدى الى دافوس. وقال شواب الذي لم يخف يوما تمسكه بالمنتجع ان المنتدى سيعود الى مكانه سنة 2003. واضاف مؤخرا خلال مؤتمر صحافي عقد في مقر المنظمة الواقع في ضاحية كولوني الراقية قرب جنيف: "سنرى ماذا سنفعل خلال السنوات المقبلة. دعونا أولاً نجري تقييما لاجتماعات نيويورك قبل عودتنا الى دافوس".



بورتو أليغري الثاني

وغير بعيد عن نيويورك (وفقا لقياسات القارات الاخرى) وفي الجزء الجنوبي من القارة الاميركية، انعقدت الدورة الثانية من منتدى بورتو اليغري، وهو اول تجمع كبير مضاد للعولمة منذ اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) الماضي بعد مؤتمر الدوحة. وترافقت اعمال المؤتمر الذي انعقد في المدينة التي تحمل الاسم ذاته في جنوب البرازيل وسط مراقبة امنية مشددة. وقبل 48 ساعة من افتتاح المنتدى الذي يعتبر ثقلا موازيا لمنتدى دافوس وصل آلاف المشاركين الى عاصمة الولاية ريو غراندي دو سول. وفي الفنادق الكبرى حيث يستحيل العثور على غرفة يضطر بعضهم الى المشاركة مع شخص اخر او شخصين احيانا. ويجوب المندوبون والسياسيون والصحافيون الردهات في حركة لا تهدأ.

وقد وصل نجم الدورة الاولى للمنتدى والمعارض للعولمة النقابي الفرنسي المزارع جوزيه بوفيه بشكل متكتم الى المدينة البرازيلية. وشارك بوفيه، ضيف شرف العام الماضي، مع حركة "من دون ارض" في تدمير زراعات تجريبية في مختبر تملكه شركة "مونسانتو" العالمية مما دفع الشرطة الفدرالية الى طرده، الامر الذي ألغاه القضاء في ما بعد.

ومن جهتها، اعلنت "مونسانتو" الواقعة على مسافة 270 كم من بورتو اليغري انها طلبت من الشرطة مراقبة امنية مشددة خلال مدة انعقاد المنتدى.

وقال المنظمون ان الاقتصاد العالمي الذي يجب "اعادة النظر فيه انطلاقا من واقع اجتماعي" واعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) والسلام والازمة الارجنتينية ستحتل صلب نقاشات المنتدى.

ورأى سيرجيو حداد رئيس التجمع البرازيلي للمنظمات غير الحكومية وعضو اللجنة المنظمة للمنتدى انه "منعطف يعزز اقتراحاتنا المتعلقة بالسلام والعدالة الاجتماعية ومن الان وصاعدا سيكون لشعار المنتدى ـ عالم آخر ممكن ـ مغزى جديدا وهو العاجل".

وجرت دورة المنتدى تحت مراقبة امنية مشددة بحيث دفع اغتيال احد مسؤولي حزب العمال قبل عشرة ايام في ساو باولو والتهديدات التي تلقاها مسؤولون آخرون من الحزب والمخاوف من عدم السيطرة على التظاهرات والعدد الكبير للمشاركين بالسلطات الى تعزيز الامن في المدينة. وقال الكولونيل ايلسون دو اوليفيرا ان عدد "العناصر التي تولت التغطية اربعة اضعاف ما كان عليه عام 2001" في حين اخضعت الاماكن التي تعتبر خطرة مثل مخيمات الشبان او قاعة الرياضة حيث تقام عروض مسائية لمراقبة "امنية خاصة". واضاف ان عدد عناصر الشرطة يزداد قياسا الى عدد المشاركين (20 الفا العام الماضي بينما يتوقع ان يكون عددهم 60 الفا السنة الحالية). الا ان نائب حاكم الولاية ميغيل روزيتو حذر قائلا "لن نقبل اي نوع من العنف".

واوضح المنظمون ان المانيا والدول الافريقية والاسكندينافية والعربية ستكون ممثلة بشكل افضل من عام 2001 لكن التمثيل الاسيوي سيبقى متدنيا ولهذا السبب تقرر عقد المنتدى لسنة 2003 في الهند. وشارك اليسار الفرنسي بأعداد غفيرة ليس اقلها ثلاثة مرشحين للرئاسة وهم جان بيار شوفينمان (حركة المواطنين) ونويل مامير (الخضر) واوليفييه بيزانسونو (الرابطة الثورية الشيوعية) ورئيس بلدية باريس برتران ديلانويه وستة وزراء فضلا عن برلمانيين وسياسيين ونقابيين ومثقفين.

وقبل بدء الدورة بايام معدودة، اعرب غريبوفسكي عن امله في ان يتمكن منظمو المنتدى المضاد لدافوس وبعيدا عن التحركات المحددة والاعتراضات والتمرد بكل بساطة كما حصل في سياتل في كانون الاول (ديسمبر) 1999 ان يكون ممكنا "التلاحم بين مئات المنظمات المتباعدة للتفكير في اقتراحات بديلة من خلال الحوار".

وفي توقيت متزامن بدأ تدفق الناشطين في مجال معارضة العولمة الذين اختاروا ساحة نيويورك لتنظيم تظاهرات وندوات. وفي حين عقد الاغنياء واصحاب النفوذ في الكرة الارضية اجتماعاتهم في فندق فخم في مانهاتن، شارك الاف الاشخاص في نشاطات متعارضة مع العولمة تنظمها جمعيات وحركات يسارية. ورغم تأكيد الجميع رفضهم اللجوء الى العنف، تتوقع شرطة نيويورك ان يعمد العشرات بل المئات من المتظاهرين الى عنف محتمل وتؤكد انها مستعدة لمواجهة ذلك.

وعرض عدد من المسؤولين على الصحافيين برامج التحرك خلال نهاية الاسبوع وقالت ايفون ليو مندوبة احدى المنظمات الطلابية ان اجتماعات مضادة تلقى خلالها مداخلات من العالم اجمع وتتخللها اقامة ندوات ستجري في الوقت ذاته في جامعة كولومبيا العريقة في نيويورك.

واضافت "نطالب بادخالنا في الحوار حول الاقتصاد العالمي لان ابناء جيلي غير ممثلين بشكل كاف. نرغب في رؤية عالم قائم على سياسات من الشفافية وليس على القوانين التي تضعها الشركات الكبرى".



لندن ـ «المشاهد السياسي»

#المشاهد_السياسي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات