محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 11:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بالرغم من أن الكتب المقدسة تذخر بالعديد من النصوص الدينية التي تأمر بالتسامح , وحرية الإعتقاد , وترك كل إنسان وشأنه فيما يعتقد به , وأن المعتقد أمر ذو خصوصية لصيقة بالإنسان , وأن الأديان والمعتقدات لايمكن بأي حال من الأحوال أن تناقش , أو تدور بشأنها المجادلات والحوارات التي هي في النهاية تنتج العقم , وتبدع في خلق أجواء الكراهية , وتصبح أرض خصبة لزراعة نبت التعصب والإرهاب !!
ففي منحرات الجهل , ومستنقعات التخلف , وبرك التطرف , تؤصل العداءات للأديان , والمنتمين لها , ويتم خلق بؤر للصراعات المزعومة علي أسس واهية , لو تم تركها لعاشت الملايين في أمن وسلام , ومودة , وتحابب , وجعل الدين في إطار مجتمعي مبني علي التعامل في أبسط القواعد , ليكون الحق والواجب هما عماد المعاملات بين البشر جميعاً , من غير نظر إلي عقيدة الإنسان , أو دينه !!
فهل هذا من الصعوبة بمكان , او بزمان تحقيقه ؟!!
أعتقد أن هذا هو من ضمنيات أسئلة السهل الممتنع , أو الصعب الممكن تداركه , وتجاوز أبعاده .
فمن أين تأتي الأزمة ؟!!
الأزمة كامنة في مفهوم النصوص الدينية التي كانت في مرحلة زمنية تاريخية كانت لها تداعياتها المريرة , في إشعال وإذكاء نار الحروب , وتم إضفاء القداسة علي تلك المعارك والحروب , تم تسميتها بالحرب المقدسة , أو الجهاد المقدس , كل حسب الدين الذي ينتمي إليه , فالمهم في الأساس هو إضفاء القداسة الدينية علي الأحداث والوقائع التاريخية ذات الصناعة البشرية لتلك الأحداث , ومازال أهل الأديان يستجلبوا تلك الأحداث التاريخية من الماضي , ويتباهوا بالإنتصارات , ويتنكروا للهزائم والنكبات , علي إعتبار أن النصر مقدس , وكان بمباركة الله , أو برعاية الرب , لأن إرادة الله , أو مشيئة الرب هي التي كانت ترعي , وهي التي كانت تقود لتلك المعارك , سواء كانت نتيجتها , إنتصارات , أو إنكسارات , فالمنتصر , كانت إرادة الرب معه , والمنكسر تركته مشيئة الله لأنه عصي أوامره وخالفه في طاعته !!
فالنص الديني بإرتباطاته التاريخية , واستثماراته التوظيفية في الإحتماء به , من خلال العودة للماضي , وتقديس أحداثه , علي إعتبار أنها صنيعة الأطهار والأبرار من القديسين , والشهداء المضحين بأرواحهم فداء لله , ورضاءاً للرب , ومن أجل إعلاء كلمته , ونشر دعوته , والحفاظ علي دينه , مع ملاحظة بسيطة في أن جميع المنتسبين للأديان يقرروا بذلك , ويؤمنوا بهذا المنحي كإيمانهم بالله , وتصديقهم للرب !!
فهل من الممكن , أو من المتاح أن يتم السعي بإتجاه غفران خطايا الماضي , والإعتراف بالأخطاء التاريخية , والتسامح يكون له ركن ومقام بين جميع المنتسبين للأديان , والإتفاق علي ذلك من خلال وثيقة يقوم علي إعدادها المهتمين بالأمر من جميع الأديان ؟!!
أعتقد أن هذا من المستحيل فعله !!
لماذا ؟
لأن النصوص الدينية يتم تفسيرها وتأويلها حسب فهم الآخر للدين , دون إعتداد بعقيدة أو دين الآخرين معطياً الحق الكامل له , في نفي عقيدة ودين الآخرين , علي زعم أنه هو المالك الوحيد والحصري للحقيقة المطلقة , وأن ماعداه من أديان , وعقائد تقع في سلة المهملات , ويتوجب عليه السعي إلي جمعها , ونقلها إلي حيث تكون مقالب القمامة , أو باللغة الدارجة مقالب تجميع الزبالة , وأن دينه وعقيدته , هما من أشد وأنقي وأطهر العقائد والديانات , وما عداهما باطل يتوجب محاربته , ونفيه ليس من المنظومة الدينية , بل يتعدي الأمر النفي من الحياة جملة ً وتفصيلاً حيث يكون من أدوات النفي التحقير والإذدراء , وإذدياد موجة العداء والكراهية , وإظهلرهما في الأدبيات الدينية الأخري , سواء كان من خلال المؤلفات الدينية , أو الأدبيات الدينية التي تؤصل للأزمة للوصول بها إلي مرحلة السلوك العام , الذي يتم التدرج فيه منذ بدايات التعليم الأولي حتي التعليم الجامعي والدراسات العليا , ورسالات الماجستير والدكتوراه , وأحياناً كثيرة يتم تحت باب مقارنة الأديان والدراسات الدينية الفلسفية , التي تجعل الأديان في مجال التصارع , والتضاد في العقائد والمفاهيم الدينية بين كل الأديان , وفي النهاية ينتصر أتباع كل دين لدينهم وعقيدتهم , في مواجهة أتباع الديانات الأخري التي تصبح في مكانة الباطل والمنكر , والهرطقات , والخرافات , وذلك علي حساب الإنتصار لدين من الأديان !!
أليست هذه هي الحقيقة المرة التي يبتلعها الغالبية العظمي من المنتمين للديانات السماوية الثلاث ؟!!
ناهيك عن التحريضات التي يروج لها أرباب التعصب والعنصرية , وسادات التجهيل والتكفير , من كل دين , في مؤلفاتهم و كتبهم , والبحوث التي يروجوا لها علي خلفيات إدارة الصراعات الدينية , وما يسمع لهم من خطب , ومواعظ , وإرشادات دينية داخل دور العبادة , وأثناء ممارساتهم للحياة اليومية بصورة مستمرة , وإستخدامهم لمفردات لغوية , تؤكد وتؤصل لنفي الآخر وتحقيره وإذدراؤه , سواء من أمثال شعبية , أو حكم , أو نكت سياسية , أو بعض النكت الدينية الفظيعة , والممجوجة والتي هي في حقيقة الأمر تعبر عن الواقع الأليم , الذي لايمكن البوح به من البعض إلا من خلال هذه النكت التي تؤصل للعنصرية , والتمايز الديني !!
أيها العنصري , المتطرف , الإرهابي الحاقد , الكاره للحياة والكون , الرافض للمجتمع والناس , أيها العابد ذاتك , الكاره للإله الحق , إله الرحمة والمحبة والعدل والحب والمساواة :
أيها اللئيم الحقود :
ماالذي يزعجك في أن أكون مخالف لك في الدين والعقيدة ؟!!
ومالذي يجعلك تكرهني وتبغضني , وتحاول إقصائي ونفي من ديوان الحياة , إلي ديوان الآخرة عبر حرقي , وتشويهي , وقتلي ؟!!
هل ربك يأمرك بهذا ؟!!
وهل هذا يسعد إلهك مما يزيد في محبته لك , ورضاؤه عنك , وعن أتباعك , وإخوانك , وحوارييك , وأحبابك ؟!!
هل هذا الإرهاب , وتلك العنصرية ترضي نبيك , أو تسعد رسولك , أو تكون محل رضا وسعادة من رجال وعلماء دينك ؟!!
أيها العنصري الإرهابي الحاقد :
لماذا تفتش عن عقيدتي , ولماذا تبحث عن ديني ؟!!
أنا لا أرضي بجنتك !!
لأن لي جنتي الموعودة !!
ولا أخاف من نارك !!
لأن ناري ترعبني أكثر من نارك !!
وحتي لو لم يكن لي جنة , أو نار , ألا يكفيك أنني لي حق المواطنة معك , ولم تجدني أجور علي حقوقك , أو أنتقص من قدراتك , أو أهدر ذاتك !!
ألا يكفيك أن أكون متساوي معك في الحقوق والواجبات , وتظلنا مظلة وطن واحد , ويستظل كل إنسان بمظلة دينه العابرة به للآخرة ؟!!
ولكن العديد من التساؤلات المحيرة , التي تدور في رأس كل إنسان محب لوطنه , ومعتز بدينه , تجعله في حيرة , من أسباب التفتيش عن العقيدة , والبحث عن دين كل إنسان , مخالف للآخر في الدين , والعقيدة , تلك الأزمة التي تجعل الإنسان يبحث عن أسبابها , وأين تكمن وتسكن , وماهي البيئة الصالحة لنمو تلك الأفكار , والصراعات , وماهي اساليب وطرق المكافحة ؟
أين تكمن الأزمة بكل صراحة ؟!!
البعض يراها في الأخذ بالنصوص الدينية المقدسة وإعتمادها , بما تحمله بخلفياتها التاريخية , وبيئاتها الجغرافية دون المقدرة علي مواجهة العصر الحديث بتحدياته المعاصرة ؟!!
والبعض يراها تكمن في تفسير وتأويل تلك النصوص الدينية المقدسة , علي إعتبار أن التفسيرات والتأويلات , للنصوص الدينية يتم تحميلها أيضاً علي خلفيات الماضي التاريخي , وقياسها بنفس المسطرة التاريخية , لقياس الأفعال وردود الأفعال التاريخية , الناهضة بالمشاكل والأزمات من توليد الصراعات الدينية , من خلال إدارة الصراعات السياسية المبنية علي أسس ودعائم المصلحة ؟!!
وهل للأزمة خلفيات خارجية ذات أبعاد مؤثرة في الوضعية الدينية / الإجتماعية , لبيئات إجتماعية مأزومة بفساد سياسات السلطات الحاكمة , ومن ثم تكون مصلحة إدارة الصراعات الدينية والعقائدية , هي شريان الحياة لبقاء سلطات الحكم , علي الكراسي أطول فترة زمنية ممكنة ؟!!
أم أن رجال الدين لهم مصالح في إزكاء نار الصراعات العقيدية , والدينية ليكون لهم الدور الأوسع والأكبر في سلطان الحكم والسياسة من خلال الإدعاء بأن لهم دور في نزع فتيل الأزمات الدينية والعقيدية ؟!!
وهل الدول والحكومات لها دور في إطفاء أو إزكاء نار الصراعات الدينية العقيدية بين أبناء الوطن الواحد , ولماذا يغيب دور الدولة عن إيجاد الحلول , ويستمر مسلسل إدارة الصراعات مستمرة حلقاته بلا إنقطاع ؟!!
وهل هناك جماعات دينية ممولة , من جانب بعض الدول لها الدور , والمصلحة في إشعال فتيل الأزمات من وقت لآخر حسب حدود وإمكانات المصلحة التي تبتغيها هذه الدول من وراء إستثمار تلك الصراعات ؟!!
وفي النهاية , وما ذنب المواطن البسيط الذي ليس له حول , ولاطول , في مثل هاتيك المصائب ؟!!
وعند من تنعقد المسؤلية الإجرامية لجرائم التفتيش عن العقيدة , والبحث عن الدين , لدي المخالفين في الدين والعقيدة ؟!!
هذا هو السؤال , وننتظر البحث عن الإجابات !!
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟