|
الحزب الشيوعي السوداني وفلسطين
راندا أبو الدهب
الحوار المتمدن-العدد: 1918 - 2007 / 5 / 17 - 11:48
المحور:
القضية الفلسطينية
قد تفتقد هذه الدراسة ما يبررها، نظراً لانهيار أول التجارب الاشتراكية في التاريخ، ومن الفكر الاشتراكي ينهل "الحزب الشيوعي السوادني"، أفكاره التحررية، إلا أن ثمة ما يسِّوغ هذه الدراسة، أولاً: بسبب بُعد السودان عن فلسطين مئات الأميال، وثانياً: لضعف الفكرة العربية في السودان، وثالثاً: لابتلاء هذا القطر بنكبة الانقلابات العسكرية المتوالية، ورابعاً: لاهتمام "الحزب الشيوعي السوداني"، مبكراً، بفلسطين، في وقت كان يناضل فيه من أجل قضيته الوطنية.
فهل أدى بُعد المسافة بين فلسطين، والسودان إلى عدم اهتمام الثاني بالأول؟
السودان وفلسطين:
رغم بُعد المسافة بين القطرين، ووقوع السودان تحت نير الاحتلال البريطاني،(1898)، فإن هذا لم يمنع الشعب السوداني من النضال من أجل فلسطين، بداية من تكون "لجنة السودان المركزية" (1947)، لتلقي التبرعات، والتي ضمت ممثلي جميع الأحزاب، والهيئات، والطوائف، نهاية بمشاركة السودانيين إلى جانب الجيش المصري في حرب 1948، حين جاء إلى مصر القائم مقام حامد صالح الملك، أحد الضباط السودانيين القدامى، والذي لقبته، لاحقاً، العصابات الصهيونية بـ "الذئب الأسود"، جاء إلى مصر ليستطلع رأي المسؤولين في أمر تجنيد السودانيين، ليسهموا في حرب فلسطين. وبالفعل جرت اتصالات بينه وبين وزير الحربية المصرية، آنذاك، محمد حيدر باشا، الذي عهد إلى الموفد السوداني بتجنيد السودانيين، فعاد، وأسس مكتباً للتطوع في الخرطوم، وعلى رغم ضعف الفكرة العربية في السودان، فإن فكرة التطوع، والجهاد في سبيل الله والوطن، قد ملأت النفوس، فقد كانت حرب فلسطين بالنسبة للسودانيين، من مختلف القبائل، حرباً دينية، فاندفع سبعة آلاف رجل للتطوع، من أجل فلسطين، واختار حامد الملك مائتين وخمسين من هؤلاء، أكثرهم من الجنود المسرحين الذين اشتركوا في الحرب العالمية الثانية، وجاء بهم إلى مصر، وكُلف حامد الملك بالعودة إلى السودان، لتجنيد ألف متطوع آخرين، وقد قام هؤلاء المتطوعون بأعمالٍ مجيدة في ميدان القتال، واستشهد منهم الكثيرون، ففي الدفاع عن قرية عراق المنشية، مثلاً، استشهد سبعة عشر سودانياً، واثني عشر آخرين في موقعة بيت دراس، غير من تم أسره، واستشهد في معارك أُخرى، دفاعاً عن بيت لحم، ورفح، والقبيبة، وعِبدِس، وغيرها، كما كان ضمن القوة السودانية المحاربة، على مطر سليمان، أحد طلبة الكلية الحربية، وضمن المحاصرين في الفالوجا، لاحقاً، لكن السودانيين المتطوعين، لم يأخذوا شكلاً بارزاً من الدعاية، ربما لأنهم كانوا موزعين على وحدات الجيش المصري.(1)
لم يتوقف دعم السودان، لقضية فلسطين عند حد عام 1948، فيكفي دعوة الحكومة السودانية، إلى الملوك، والرؤساء العرب، من أجل عقد مؤتمر القمة العربية، على أرض السودان، في 29 أغسطس/ آب 1967، أي بعد نحو شهرين من النكسة، ذلك المؤتمر الذي تمخض عن قرارات مهمة عدة، رفضت الهزيمة، والاستسلام، فكان المؤتمر، بحق، مؤتمر اللاءات الثلاثة: (لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض مع الكيان الصهيوني)، والتأكيد على وحدة الصف العربي، والالتزام بميثاق التضامن العربي، وتضافر الجهود" لإزالة آثار العدوان".
إلى ذلك للسودان مواقف عدة، دفاعاً عن عروبة فلسطين، إلا أن ما يهمنا هنا هو موقف "الحزب الشيوعي السوداني"، فحسب من القضية الفلسطينية.
الحزب وفلسطين:
تمخض عن اندماج حركتي المثقفين، والعمال السودانيين، ميلاد أول منظمة شيوعية سرية في السودان، حملت اسم "الحركة السودانية للتحرر الوطني"، واختصاراً "حستو"، تفاؤلاً بـ"حمتو" الحركة المصرية للتحرر الوطني، التي تربى معظم قادة "حستو"فيها، وفي الوقت الذي نادت فيه الأحزاب السودانية بالانفصال عن مصر، رفعت "حستو"، شعار "الكفاح المشترك للشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار".(2)
في فبراير/ شباط 1953، عقدت بين الحكومتين المصرية، والبريطانية اتفاقية، نصت على منح السودان حق تقرير المصير، بعد فترة انتقالية، استمرت حتى أوائل 1956، تلا توقيع هذه الاتفاقية تأسيس التنظيم العلني للحزب، تحت اسم "الجبهة المعادية للاستعمار"، وتولى قاسم أمين رئاستها، ومثلها في أول جمعية تأسيسية (البرلمان)، في العام 1954، حسن الطاهر زروق، عن إحدى دوائر الخريجين، فيما أصبح نشاط الحزب علنياً، في عام 1956.
بدأ اهتمام الحزب الشيوعي بالقضية الفلسطينية، منذ قاد الشيخ زاهر خليل السادات فيلق سوداني، رابط به في غزة، وكان ثلاثة من أبناء الشيخ شيوعيين، تطوع أكبرهم، أنور السادات، في حرب 1948. لكن علاقة الحزب بالقضية تجلت أكثر، أثناء "العدوان الثلاثي"، عام 1956، على مصر.
انشغل الحزب بالاستقلال السياسي للسودان، الذي تحقق عام 1956، فتمتع السودان بفترة ديمقراطية ليبرالية، وإن كانت قصيرة. في الوقت الذي شهد فيه الوطن العربي مدّاً قومياً تحررياً، بزعامة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي فرض على بريطانيا الجلاء عن مصر، في يونيو/ حزيران 1956، وأعلن ناصر تأميم قناة السويس، في أغسطس/ آب من العام نفسه، وتوجه نحو "المعسكر الاشتراكي"، وكسر طوق احتكار الغرب للتسلح، كما قدم عبد الناصر كل الدعم للثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وفي ظل هذه الأجواء التقت المصالح والأطماع الاستعمارية لكل من فرنسا وبريطانيا والكيان الصهيوني، فبدأ الهجوم على مصر في 29/10/1956.
رداً على العدوان، وجه الحزب الشيوعي السوداني نداءه إلى الجماهير، في اليوم التالي للعدوان، مطالباً "كل وطني سوداني قادر على حمل السلاح" بالتطوع، والتوجه إلى جبهة القتال، كما طالب النداء الحكومة بقطع علاقاتها مع بريطانيا، وفرنسا، وأن تعلن الحكومة التعبئة العامة، ونقل المتطوعين إلى مصر. وفي 1/11، أعلن "اتحاد عمال السودان"، الواقع تحت نفوذ الشيوعيين، عبر جريدة الحزب، "الميدان"، افتتاح مكتب للتطوع، كما طالب الاتحاد العمال، والموظفين، الذين يعملون في المطارات بالامتناع عن العمل مع الطائرات البريطانية، والفرنسية، وقد كان. (3)
بالإضافة إلى دعوة البرلمان للانعقاد، فوراً، ومن أجل مناقشة أسباب العدوان، وسُبل مواجهته. وعُقد اجتماع عام للعمال، استنكر فيه العدوان، وانطلقت فيه الهتافات الحماسية، "عاش كفاح العمال العرب، والشعوب العربية ضد الاستعمار"، ومن القاهرة وجه سكرتير الاتحاد، الشفيع أحمد الشيخ، نداءه عبر "الميدان"، وفيه اعتبر أن "أي اعتداء على المصريين إنما هو اعتداء على السودانيين، والشعوب العربية"، مؤكداً على عدم كفاية "أن نبدي شعورنا بالتأييد، بل الواجب يقتضي أن تتخذ خطوات عملية حاسمة"، وأنه من الواجب "علينا، نحن السودانيين، عمالاً، وشعباً، وحكومة، أن ندخل المعركة، بكل قوانا، وواجب الحكومة أن تدخل المعركة، بقطع علاقاتها مع دول الاستعمار، وأن تعلن الحرب، رسمياً".(4)
أما "الجبهة المعادية للاستعمار"، التنظيم العلني للحزب الشيوعي السوداني، فقد تقدمت بمذكرة لمجلس الوزراء السوداني، شرحت فيها خطورة العدوان على السودان، والأقطار العربية جميعاً، واعتبرت الجبهة أن الهدف من اشتراك بريطانيا، وفرنسا في العدوان، "إعادة السيطرة الاستعمارية على قناة السويس، وعلى الأراضي المصرية". كما أن العدوان "تهديد لسلامة أراضي الجمهورية السودانية"، بالإضافة إلى تهديدها من الجنوب، لذلك طالبت الجبهة الحكومة بعدة مطالب، أهمها: "اشتراك الجيش السوداني في الدفاع عن مصر"، وعدم هبوط الطائرات الفرنسية والبريطانية في المطارات السودانية، والسفن البريطانية والفرنسية في ميناء بورسعيد وأعلنت الجبهة التغاضي عن خلافاتها مع الحكومة، في مقابل تنفيذ الأخيرة هذه المطالب، بل مساندة الحكومة في التنفيذ.(5)
وفي 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1956، غادرت الخرطوم إلى القاهرة، طليعة كتائب "الجبهة المعادية للاستعمار"، والحزب الشيوعي، وعلى رأسهم عبد الرحمن الوسيلة، والتيجاني الطيب، وأحمد سليمان، ومأمون محمد الأمين. وقد استقبلت الهيئات، والشخصيات الرسمية، والشعبية، الوفد السوداني، باهتمام بالغ، كما أرسل الوفد خطاباً إلى قائد جيش التحرير، الصاغ كمال الدين حسين، من أجل منح التسهيلات الضرورية، لترحيل المتطوعين السودانيين إلى جبهة القتال.(6)
بعد تدخل الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي من أجل وقف إطلاق النار، أرسل "اتحاد عمال السودان" خطاباً إلى رئيس مجلس الوزراء السوداني، ندد فيه بالموقف المتخاذل للحكومة، وأنه "كان خليقاً بالدولة السودانية أن تقف في طليعة الدول المناصرة لمصر"، ضد العدوان، وأن موقف الحكومة هذا يعتبر "مختلفاً بالنسبة لموقف الحكومات العربية الأُخرى". واختتم الخطاب مطالباً بقطع العلاقات مع بريطانيا، وفرنسا، وتصفية الجواسيس، والمغربيين". فيما دعت "الجبهة المعادية للاستعمار" إلى عمل مشترك بين الأحزاب السودانية، من خلال مذكرة، أكدت فيها أن أي اعتداء على مصر يمس الأمن القومي للسودان، "وأن احتلال أراضي مصر يضع السودان، قبل غيره، داخل نطاق حلقة استعمارية من الغرب، والجنوب، والشمال، وبذلك يصبح استقلالنا شكلياً". بل عمدت المذكرة على مهاجمة الحكومة، التي تخلفت عن وحدة الصف العربي، في مواجهة الخطر الصهيوني، حتى أن رئيسها، آنذاك، عبد الله خليل (حزب الأُمة) اكتفى بإصدار بيانات مائعة، أدانت العدوان، ولكنه، أيضاً، افتعل أزمة حدود صغيرة مع مصر على منطقة حلايب وشلاتين، وتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن، قبل الجامعة العربية، لذلك رأت "الجبهة" في مذكرتها أن "الموقف الرسمي للحكومة تفصل بينه وبين الرغبة الشعبية هَّوة كبيرة... كأنما ليس هناك خطر محدق يهدد سيادتنا الوطنية..."، بالإضافة إلى ذلك، وصفت المذكرة "الولايات المتحدة، زعيمة المعسكر الاستعماري"، فهي ذات وجهين، وقد انكشف ذلك بمعارضتها دعوة الحكومة السوفيتية للاشتراك في سحق العدوان على مصر".(7)
الحزب ونكسة 1967:
منذ منتصف الستينات، زاد الاهتمام بالقضية الفلسطينية عربياً، خاصة من قبل القوى التقدمية، وبضمنها "الحزب الشيوعي السوداني"، بعد أن أخذ الكيان الصهيوني في تحويل مجرى نهر الأردن، عام 1963، ما شجع الأنظمة العربية على السماح بقيام "منظمة التحرير الفلسطينية"، عام 1964.
حين وقعت النكسة، في يونيو/ حزيران 1967، كان الحزب يُعد لمؤتمره العام الرابع، وعلى الفور، دعا الحزب إلى عقد مؤتمر يضم كل الأحزاب التقدمية العربية، لبحث "إزالة آثار العدوان الصهيوني"، فكان المؤتمر، الذي يعتبر نقطة تحول مهمة في حياة الحزب، سياسياً، وفكرياً، تجاه القضية الفلسطينية، خاصة، والقضايا العربية، عامة.
ففي التقرير العام الصادر عن المؤتمر، كانت ثمة عناوين عن القضايا العربية، منها "الوحدة العربية ومضمونها الجديد"، و"الوجود الإسرائيلي"، وتحت الأخير اعتبر التقرير "قيام إسرائيل"، "قاعدة استعمارية"، و"سلاحاً بيد الاستعمار"، لضرب حركات التحرر في الوطن العربي، وهو ما حدث عام 1948، و1956، و1967، على التوالي إلى ذلك تساءل التقرير: "وهل هناك أساس علمي يبرر قيام دولة إسرائيل، كوطن قومي لليهود؟"، وأجاب مؤكداً بأن مشكلة اليهود لم تنشأ في فلسطين، ولا في الوطن العربي، وإنما في أوروبا الرأسمالية. كما عرَّف التقرير الصهيونية بأنها الحركة العامة "ذات المطامع الاستغلالية على النطاق العالمي". وفضح التقرير مدى زيف الصهيونية، واتشاحها بالدين، فأكد أنه حتى انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول، 1897، لم تكن الحركة الصهيونية تتمسك بفلسطين، كوطن قومي لليهود، ولا اتخاذ الدين أساساً لبناء الوطن المزعوم، بل أن مفكري الحركة، وعلى رأسهم تيودور هرتسل، كانوا "يفضلون قيام دولة علمانية". فيما اهتم التقرير، أيضاً، بتوضيح العلاقة الحميمة بين الحركة الصهيونية، والإمبريالية العالمية، وأرجع ذلك إلى "تأثير التشابك بين الاحتكارات الصهيونية، والإمبريالية، البريطانية، والأمريكية، والذي تم، بشكل عملي، بوعد بلفور، عام 1917، وتدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بعده، وتشجيع الاحتكارات الصهيونية، ودعم النشاطات الإجرامية للعصابات الصهيونية المسلحة، من أجل طرد أهل البلاد الأصليين، تمهيداً "لاقتسام الوطن العربي، وإنشاء دولة إسرائيل، عام 1948، تجسيداً لتحالف استعماري صهيوني فوق أرض عربية".(8)
نفى التقرير عن اليهود صفة القومية، التي لا يُعتبر الدين ضمن مقوماتها، فالقومية تعتمد على الأرض، واللغة، والتاريخ المشترك، وهو ما افتقر إليه اليهود، لأنه ليس "هناك في تاريخ اليهود ما يثبت أن اليهود، فيما بعد، صاروا قومية مميزة في أرض فلسطين، أو غيرها، وقد يقول زاعم بأن اكتساب دولة إسرائيل، أرض فلسطين، سيكمل عناصر الأُمة اليهودية. غير ان هذا ينافي العلم، ويعزل الأرض، كعنصر لتكوين الأُمة، عن العوامل الأُخرى، الاجتماعية، والتاريخية، التي تكوِّن الأُمة". فاليهود ليسوا "سوى فئة مغلقة، ومعزولة" ـ حسبما أكد لينين ـ لا تجمع بينهم سمات مشتركة، ويعيشون في شتى أنحاء العالم، كأقليات، وبالتالي ترتبط "مشكلتهم" بمشكلة الأُمم التي يعيشون بينها".(9)
في التقرير نفسه، أدان "الحزب الشيوعي السوداني" قرار تقسيم فلسطين (29/11/1947)، حيث أن التجربة العلمية "أثبتت خطأ الافتراضات التي بررت التقسيم، واعتباره حلاً لتحقيق التعايش السلمي بين الأقليات اليهودية، والعرب في فلسطين". وفي صياغة واضحة يقرر التقرير "أن الحركة الاشتراكية العربية، والعالمية تواجه، الآن، حقيقة الوجود الإسرائيلي، كتجسيد للتحالف الاستعماري الصهيوني غير الشرعي في المنطقة، والموجه، في الأساس، لضرب الحركة الثورية والتقدمية في المنطقة العربية، ونقطة انطلاق للاستعمار الحديث نحو القارة الإفريقية"، لم يقف التقرير عند حد إدانة مواقف، وتأييد أُخرى، بل طالب بإعادة النظر في قرار تقسيم فلسطين، لإزالة الغموض الذي أحاط هذه القضية، "مما عزل عنها قوة عالمية ضخمة، كان يمكن كسبها لصالح الحركة الثورية العربية، ومطلب الشعوب العربية العادل في إزالة الوجود الإسرائيلي الطفيلي".(10)
في الوقت الذي اكتفت فيه الأحزاب الشيوعية العربية كافة يرفع شعار "إزالة آثار العدوان"، في أعقاب هزيمة يونيو/ حزيران 1967، نجد الحزب الشيوعي السوادني متمسك بتحرير كامل التراب الفلسطيني من بين براثن العدو الصهيوني، وأكد الحزب على أن قضية تحرير فلسطين ـ في محتواها ـ قضية صراع طبقي بين القوى الاستعمارية، والقوى التقدمية العربية، "وليست قضية نزاع ديني، أو عنصري" كما أوضح الحزب مدى ارتباط القضية. "وتقترب تلك القضية من الحل، بمقدار ما تتعزز الأنظمة التقدمية، وتتطور حركة النضال الثوري في العالم العربي عامة، وفلسطين خاصة".(11)
كما استدعى الحزب شعار "الدولة الديمقراطية"، من الذاكرة، بعد أن تناسته الحركة الشيوعية الفلسطينية، منذ قبولها بالتقسيم، في فبراير/ شباط 1948، وقرر الحزب بأن قيام دولة عربية ديمقراطية في فلسطين، يصحح الأوضاع التي نشأت عام 1948، وتحفظ حقوق العرب واليهود الفلسطينيين، وعودة اللاجئين الفلسطينيين. "أما المهاجرون من الجنسيات الأُخرى"، فالدولة العربية هي التي تحدد مصيرهم". وعن كيفية مواجهة "البقاء الإسرائيلي"، الذي يهدد "الثورة العربية" فالنضال، بحزم، لتصفية الكيان، وإقامة "دولة عربية تقدمية"، في فلسطين ما ميز "الحزب الشيوعي السوداني" عن بقية الأحزاب الشيوعية العربية، فقد أخذ ذلك الحزب على عاتقه صياغة برنامج سياسي، بدلاً من حزب القطر المعني، على الرغم من "القيود الأُممية البروليتارية"، التي تحتم على حزب القطر القيام بهذه المهمة.(12)
هكذا ظل الحزب متمسكاً بموقفه الإيجابي من القضية الفلسطينية، الذي تميز، أيضاً، بالتجاوب والفاعلية، حتى حين زار الزعيم عبد الناصر، الخرطوم، من أجل حضور مؤتمر القمة العربي، بعد نحو شهرين من الهزيمة، حشد الحزب الجماهير، ونظم استقبالاً شعبياً ضخماً. وسرعان ما قام الحزب بتشكيل "لجنة الدفاع عن الوطن العربي"، من أجل الدعاية للقوى التقدمية العربية، ومساندة العمل الفدائي الفلسطيني، سياسياً، ومالياً، فقامت اللجنة بتنظيم الندوات الشعبية لتعبئة الشعب السوداني بخط الحزب حول القضية الفلسطينية عموماً، وللمنظمات الفدائية الفلسطينية خصوصاً، وظلت اللجنة تمارس نشاطها، إلى حين قفز جعفر نميري إلى الحكم، بانقلاب عسكري، في 25/5/1969، بفعل هذه اللجنة. (13)
في 23 يوليو/ تموز 1970، أعلن عبد الناصر قبوله مبادرة روجرز*، في خطابه الجماهيري، فأصدر الحزب الشيوعي السوداني بياناً، محذراً من أن يؤدي قبول المشروع إلى تجميل وجه الإمبريالية الأمريكية، وإلى إطلاق يد الرجعية العربية لتصفية المقاومة الفلسطينية، وإلى الاعتراف بإسرائيل أو التفاوض معها، كما حذر الحزب من أن يتحول قبول المبادرة أو رفضها، إلى صراع بين الأنظمة العربية، وضعف "تحالفنا مع صديقنا الأعظم، الاتحاد السوفيتي". بالإضافة إلى ذلك، طالب البيان بتوفير الديمقراطية للجماهير.
توالت النكبات على الحزب، من انقلاب عسكري إلى آخر، ففي مايو/ أيار 1969 قفز النميري إلى السلطة، الذي وجه ضربات قاصمة إلى الحزب، حيث قتل بعض قادة الحزب، وأعدم البعض الآخر، وامتلأت المعتقلات، والسجون، بالشيوعيين، في يوليو/ تموز 1971، مع هذا استطاع الحزب التكيف مع الظروف السوداء المحيطة به، بعد أقل من عام واحد على هذه الضربة.(14)
في مايو/ أيار 1972، أصدرت اللجنة المركزية للحزب تحليلاً عن الأوضاع العربية، حينذاك، تضمن وجهات نظر ثاقبة، وتنبؤات أثبت المستقبل دقتها، وصدقها، وأكد التحليل على أنه بالنهوض بالجماهير العربية، وتماسكها، ثم حشدها في المعركة، يمكن مواجهة "العدوان الإمبريالي ـ الصهيوني"، وإزالة عار الهزيمة، وأن التجارب السابقة، "قد أكدت فشل كل طريق غير هذا الطريق، ... فقد فشلت النظريات الانهزامية، القائلة بأن الحل في يد الولايات المتحدة، متعامية عن أن القضية، في جوهرها هي صراع بين حركة التحرر العربية، والإمبريالية، بزعامة أميركا، وأن الولايات المتحدة هي سيد إسرائيل، ومحرضتها، وأنها عدونا الأول". مثل عداء الرجعية العربية، لحركة التحرر العربية، كما فشلت الاستعانة بالدول الإسلامية، لأن القضية ليست دينية، ناهيك عن ارتباط أغلبية حكومات هذه الدول بأحلاف عسكرية مع الإمبريالية، وخيبة الأمل في الاعتماد على حكومات أوروبا الغربية، والاعتقاد "بجدية وقدرة هذه الحكومات على إجبار إسرائيل على الانسحاب، أو إجبار أميركا على حجب مساندتها عن إسرائيل"، فضلاً عن معاداة الاتحاد السوفيتي، والتشكيك في صداقته للعرب. ويرى التحليل أن مواجهة العدو تعتمد على موازاته في التسلح. ويستمر الحزب في تحليله للواقع المحيط بالقضية الفلسطينية، من عداء الولايات المتحدة لها، وللشعوب العربية، إلى سياسة التهديد التي يمارسها الكيان الصهيوني في الأراضي المحتلة، وتنكيل القوى الرجعية العربية بالمقاومة الفلسطينية، و"يعرب الحزب الشيوعي السوداني عن ثقته في أن القوى الوطنية، والتقدمية العربية تستطيع، باتحادها وتلاحمها، أن تصحح مسار النضال العربي، وأن تقلب ميزان القوى لصالح انتصارها ضد أعدائها". ويتوقف التحليل عند أُسس التصدي لكل هذه السياسات، بادئاً بتوضيح جذور القضية، التي هي صراع بين حركة التحرر العربية، والإمبريالية وعملائها، من صهاينة، ورجعية عربية، هنا يجب استنهاض الجماهير العربية، "التي لن تستطيع إنجاز دورها، هذا، بدون وحدة صفوفها، وبدون الديمقراطية، التي تطلق طاقاتها، ومبادراتها الهائلة"، وعدم فرض القيود على المقاومة الفلسطينية، بذريعة الوصاية عليها، "بل هي فصل متقدم من فصائل الثورة الديمقراطية العربية، والممثل الشرعي لشعب فلسطين ولنضاله من أجل استعادة أرضه". وينتهي التحليل بتحية "التحالف العربي ـ السوفيتي، المعادي للاستعمار والصهيونية، والعدوان"، و"النضال، الذي لا يعرف التردد، من أجل تحرير كل الأراضي العربية، واسترداد فلسطين، ومن أجل الديمقراطية، والتقدم الاجتماعي".(15)
حين اندلعت حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، سارع الحزب الشيوعي السوداني، إلى إصدار بيان، لتحيتها، ودور الشعب فيها، فالحرب هي "معارك وطنية تحريرية لاسترداد الأرض المغتصبة في حرب 1967، ولاستكمال السيادة القومية، والاستقلال الوطني، إنها الشكل العسكري الحربي لنضال الشعوب العربية ضد الاستعمار الحديث، بقيادة أمريكا، في المكان الأول، والكيان الصهيوني المتفرع عنها، ويمثل وجودها على أرض فلسطين، معارك الجولان، وقناة السويس حلقة من سلسلة معارك الثورة، والوحدة العربية الديمقراطية". ومع ذلك فقد حذر الحزب من أخطار هذه الحرب، وأكد، في بيانه، أن شروط النصر تعتمد على "توفير الديمقراطية كاملة للجماهير، وتسليح الجماهير وتوجيه أجهزة التجسس، والإرهاب، والقمع ضد دوائر الاستعمار وعملائه والقوى الرجعية الموالية له وتفجير طاقات الجماهير، وتوحيد صفوفها مع تصحيح كل الأخطاء التي وقعت بحق المقاومة الفلسطينية... وأن تتوفر لفصائلها حرية الحركة، بالرجال، والعتاد والسلاح، وحقها في الاستقلال، ورفض أي شكل من أشكال الوصاية عليها مع رفض المناهج الانتهازية للحكام العرب، الذين يسعون إلى تجريد الجماهير من حقوقها السياسية، والاجتماعية فضلاً عن رد الاعتبار للصداقة العربية ـ السوفيتية بوصفها السند الخارجي الوحيد، والذي لا غنى عنه للصمود، ومواصلة المعركة، وتحقيق النصر في الصراع العسكري ـ السياسي، الاقتصادي ضد دوائر الاستعمار الحديث، وأمريكا، وقاعدتها في قلب الوطن العربي: إسرائيل. مع تأكيد الحزب أن توفير هذه الشروط لن تأتي منحة، بل لابد من انتزاعها، و"بتوفير هذه الظروف، تقطع الشعوب العربية طريق التردد والمساومة على الدوائر اليمينية في الحكومات العربية، التي ستلجأ، حتماً، لتصفية المعركة في منتصف الطريق، واستغلال النصر العسكري، كمظلة لتهريب الحلول الاستسلامية، والتصفوية، مثل (تحريك القضية دبلوماسياً)، والبحث عن صيغة جديدة للاعتراف بإسرائيل، بهذا الشكل أو ذاك، وتصفية تحرير فلسطين، وإلغاء وجود المقاومة، ودورها، ورفض سيادة تحالف يميني جديدة على العالم العربي". وفي مرارة ملموسة، يسجل بيان الحزب حقيقة سلبية، وهي شعور الجماهير العربية بالمفاجأة، لتتابع الأحداث، والمعارك. كما دعى الحزب القوى السياسية والشعبية كافة، إلى اتخاذ موقف مساند للقضية العربية، أثناء اندلاع الحرب، وتمثل هذا الموقف في "تطهير الجيش من عناصر الأنانيا**، التي نالت تدريبها العسكري في إسرائيل، وإبعاد الخبراء العسكريين البريطانيين من مدرسة القادة والأركان حرب، ومدرسة المشاة، وقفل ميناء بور سودان، والمياه الإقليمية في البحر الأحمر على سواحل السودان، وإطلاق سراح ثوار منظمة أيلول الفلسطينية. وفتح الأرض السودانية لنشاط حركة المقاومة، وإعادة (صوت فلسطين) من الإذاعة السودانية، وضرب المصالح الأمريكية في السودان مع إعادة الجنود وضباط الصف المسَّرحين إلى الخدمة، فضلاً عن انتزاع حق الجماهير في تكوين لجانها الشعبية، لدعم المعركة، واسترداد حريتها الديمقراطية في التنظيم، والتظاهر، والتبرع، والتطوع دون وصاية الدولة". وانتهى البيان برفع شعاري "النصر المؤزر لنضال الشعوب العربية، من أجل استرداد الأرض وتحرير فلسطين"، و"عاشت الثورة والوحدة العربية الديمقراطية".(16)
لم يكتف الحزب بإصدار البيان، بل سارع إلى عقد دورة اللجنة المركزية للحزب، رغم الأخطار المحدقة، خاصة وأن نظام نميري عمد إلى بث عيونه وجواسيسه، في أرجاء البلاد، لقتل الحزب.
واستشرفت اللجنة المركزية للحزب، في هذه الدورة "آفاق الوضع العربي بعد حرب أكتوبر"، وقدمت تحليلاً، أكد على تآمر اليمين العربي لإبعاد القوى الثورية عن ساحة المعركة، وحصرها في موقع المتفرج، وأعادت اللجنة، من جديد، تأكيد موقف الحزب الإيجابي من القضية الفلسطينية، والمقاومة الفلسطينية، وإيضاح أن الانتصار في القضية "ليس حلماً عابثاً، بل هو هدف يقترب من التحقيق، بمقدار ما تتعزز الأنظمة التقدمية، والوطنية العربية، وتتطور حركة النضال الثوري العربي عامة، والفلسطيني خاصة". كما رفضت اللجنة المركزية "سياسة المحاور، التي تمزق وحدة النظم الوطنية والتقدمية.."، وتقول اللجنة: "وقد أعطى حزبنا اهتماماً كبيراً للظاهرة الإيجابية، التي نتجت عن عدوان 1967، وهي استيقاظ أقسام واسعة من الجماهير العربية عل حقيقة الإمبريالية الأمريكية، وعمل على تنمية هذه اليقظة، باعتبارها بين أهم العوامل لكسر الهجوم الإمبريالي الأمريكي على الشعوب العربية". بالإضافة إلى ذلك عمل الحزب على محاربة "الأوهام، التي ظلت الدوائر اليمينية تبثها، لإخفاء العلاقة بين الإمبريالية العالمية وإسرائيل، وخاصة محاولات تبرئة أمريكا، وتجميل صورتها، وتقديم إسرائيل وكأنها الدولة المتحكمة في سياسة الولايات المتحدة، والإمبريالية: كما أكدت اللجنة على رفض الحزب للحلول الاستسلامية، وفي الوقت نفسه عارض "اتجاهات التطرف، التي لم تكن ترى غير الحل العسكري". وانتقلت للحديث عن المقاومة الفلسطينية، التي ظهرت "وفرضت نفسها قوة نشطة، ومؤثرة في مجموع النضال الثوري العربي. وكان أبرز نتائجها الإيجابية أنها استردت حق التعبير عن شعب فلسطين من المتاجرين بقضيته، وطرحت، بصورة حادة وملموسة، قضية تقريره لمصير أرضه السليبة". وحيت اللجنة نضال الجماهير العربية، خاصة القوى التقدمية "من أجل التمسك بالتحالف الوثيق مع المعسكر الاشتراكي"، مع هذا أدانت اللجنة المركزية السادات ونظامه، بسبب استجابته "لضغوط الاستعمار والإقطاع العربي"، ففتح الأبواب على مصراعيها، أمام التراجع، حتى أصبح "الحل السلمي" هو الحل الوحيد، ولا حل سواه. أما عن السياسة الأمريكية الإمبريالية، فهي تهدف، "لتصفية القضية الفلسطينية، نهائياً، وللإبقاء على إسرائيل قاعدة دائمة لها، دون تهديد، ولدفن هدف الوحدة العربية الديمقراطية. وتدبِّر الإمبريالية المؤامرات لتمزيق وحدة القوى المعادية لها... وتسعى لدق إسفين بين الشعوب العربية، والمنظومة الاشتراكية... وإذ تلوّح أمريكا بهراوتها الإسرائيلية، وبأسطولها في البحر المتوسط، والمحيط الهندي... فإن إغراءاتها للبرجوازية الحاكمة لم تتجاوز الوعد بانسحابات إسرائيلية غامضة، وفتح قناة السويس، وبعض المعونات الاقتصادية، والمالية". كثمن لإعادة أمركة المنطقة، وبعد عرض اللجنة لظروف اندلاع الحرب، رأت أن على كل وطني، يرى في حرب أكتوبر حرباً عادلة، من أجل استعادة الأرض، "ومن ثم لا يسعه إلا أن يؤيدها، ويمنحها كل مساعدة، فضلاً عن ذلك أشارت اللجنة المركزية إلى "أن بداية القتال، وسير الحرب، ثم وقف إطلاق النار، والتطورات اللاحقة، كلها تؤكد أن هدف الدوائر الحاكمة لم يكن أكثر من شن حرب محدودة، واستخدامها لدفع وتنشيط الحل السلمي الاستسلامي للقضية". وتوضح أكثر، حين تقرر "أن التخطيط لحرب محدودة المدى والأهداف، يتأكد من التقديرات العسكرية الخطيرة، كما كشف عنها السادات في خطبه، وتصريحاته الأخيرة، وتجاهل القدرات العسكرية للعدو الإسرائيلي، والافتراض المدهش بأن إسرائيل يمكن أن تحارب وحدها، وأن أميركا لن تخفّ لمعاونتها، بكل آلتها العسكرية، وضعف الاستعداد العسكري، الذي فضحته ثغرة الدفرسوار، ثم خطاب السادات المتباهي بالنصر، يوم 16 أكتوبر، وإعلان برنامج سلام، يتحدث عن فتح القناة، ويشير إلى الاستعداد لوقف القتال، وعقد مؤتمر للسلام، مما كان قميناً بأن يصب الماء البارد على حمية المقاتلين". واستمر تقرير اللجنة في إدانة الحرب المحدودة، وطرح الأدلة على التخطيط المسبق لها، ومن هذه الأدلة، نص تصريح السادات، في مؤتمر صحفي، أول نوفمبر/ تشرين الثاني ـ واحتمال تجدد القتال لازال وارداً ـ "أنا مش مستعد أصدر أمر للجيش المصري بمحاربة أمريكا". ثم سرعان ما وصف موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي ـ الصهيوني، بأنه بنَّاء، وأعلن عن إعادة علاقاته معها، "قبل انسحاب إسرائيل، ولو إلى خط وقف إطلاق النار". كما تأكد التخطيط لهذه الحرب "في الحرص البالغ على ألا يتجاوز القتال الجيوش النظامية، إلى الشعوب العربية، وقواها الثورية"، حيث تم التركيز على تحرك الدول البترولية، بشكل محسوب، بالإضافة إلى التحرك الدبلوماسي المكثَّف للمنظمات، ما حصر القوى التقدمية في موقف المتفرج، ناهيك عن عدم الاهتمام بالتحالف مع قوى دولية، غير أمريكا، ومن أهم هذه القوى الاتحاد السوفيتي، وذلك من أجل "التوصل إلى مساومة، على حساب حركة التحرر العربية، والشعب الفلسطيني". كما حذر الحزب الشعوب العربية من التحالف الإقطاعي ـ الرأسمالي، في المرحلة القادمة، لذلك طالب بضرورة تحديد "قوى حركة التحرر الوطني العربية، وقوى أعدائها"، لوضع برنامج ثوري وطني ديمقراطي، يكون موضع التنفيذ، ويتضمن "ضرب مواقع النفوذ الأجنبي، والتحالف المتكافئ بي قوى الثورة في جبهة وطنية، ديمقراطية، مع تحديد القوى الثورية العربية لمفهوم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره".(17)
بعد مضي نحو سنة على اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية (13/4/1975)، عقدت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، دورة لها، لاحظت تنسيق "الإمبريالية والصهيونية، والرجعية العربية جهودها، ونشاطها، مستخدمة الانعزاليين اللبنانيين، أداة مباشرة لتنفيذ مخططها"، الذي يهدف إلى تمزيق التحالف الوطني الديمقراطي، بين الجماهير وعن القضية الفلسطينية قالت اللجنة: "إن المؤامرة الدامية، في لبنان، لم تكن سوى حلقة في سلسلة المؤامرات التي هدفت إلى ضرب الثورة الفلسطينية. ذلك أن التحالف الإمبريالي ـ الصهيوني ـ الرجعي يدرك أن الثورة تحتل موقعاً رئيسياً في حركة التحرر العربية، وتمثل نقطة التقاء، تتجمع عندها القوى الوطنية والتقدمية العربية، وتتوحد، لا حول القضية الفلسطينية، وحسب، وإنما حول كل القضايا المصيرية للشعوب العربية. وخلال السنوات الأخيرة، جمعت الهجمة الصهيونية ـ الإمبريالية ـ الرجعية مساعي التصفية البدائية للثورة الفلسطينية داخل الأرض المحتلة وخارجها، إلى مجموعة من المساعي لتصعيد الخلافات بين فصائل المقاومة، إلى نزاعات تناحرية، ولنشر الاتجاهات التصفوية، والتراجعية، والاستسلامية بينها، ولفرض قيادات متهاونة على منظمة التحرير".(18)
رداً على زيارة السادات للقدس المحتلة، أصدرت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، بياناً، في أول مارس/ آذار 1978، عن الوضع العربي، حيث اعتبرت اللجنة زيارة السادات نابعة من خطط الولايات المتحدة، بهدف "استكمال هزيمة العرب العسكرية، بهزيمة سياسية شاملة... وأرادت الحكومة الأمريكية، بضربة واحدة، أن تتجاوز تلك المقاومة.."، التي تبديها الشعوب العربية. "وكان من الطبيعي اختيار السادات، فهو أصدق معبِّر عن الفئات الرأسمالية المصرية، التي استمالتها التكتيكات الأمريكية، منذ هزيمة 1967،... وكان حساب الخطة الأمريكية ان يختل توازن الشعوب العربية... وتترك التسوية الانهزامية تمر، دون مقاومة.. وعندما يعلن السادات، في ظل هذه الظروف، ومن منبر المحتلّ الغاصب، أنه لن تكون حرب خامسة، فذلك لا يعني سوى أنه استسلم، تماماً، وأنه يتفاوض، فقط، حول الشكل الذي تتم به عملية الاستسلام، ورأى البيان بأن الهدف من زيارة السادات تلك التسليم "باغتصاب فلسطين، والاعتراف بشرعية الكيان الصهيوني، وقبوله في قلب الأرض العربية". وأعادت اللجنة النشاط الإمبريالي المحموم من اجل تسوية الصراع العربي ـ الصهيوني، من خلال الحل السياسي، إلى الهزائم المتوالية للإمبريالية، خاصة في فيتنام، وتعاظم "المعسكر الاشتراكي"، ما جعل الإمبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، ترنو إلى خلق أنظمة رجعية عربية موالية للإمبريالية، فأشارت اللجنة، في بيانها، إلى "تدخل القوات العسكرية المصرية والمغربية في الكونغو، من أجل قمع انتفاضة شابا، مارس/آذار 1977، لحساب أمريكا، وفرنسا". ومع ذلك ترى اللجنة، في تقريرها، "أن التسوية التي تسعى الإمبريالية الأمريكية لفرضها، تتناقض، جملة وتفصيلاً، مع الحقوق التاريخية، والطبيعية للشعوب العربية، ومن ثم فهي تحمل في باطنها، مثل كل التسويات المفروضة في التاريخ، عناصر انفجارات، أشد هولاً على السلم، في المنطقة والعالم". كما دعى البيان إلى إعطاء الأولوية لبناء جبهة عربية واسعة، "لإحباط مرامي زيارة السادات للقدس المحتلة، وسائر المخطط الانهزامي، ومواصلة النضال من أجل تحرير الأرض المحتلة، واستعادة حق شعب فلسطين في أرضه ودولته الوطنية". حق شعب فلسطين في أرضه ودولته الوطنية المستقلة". في ختام البيان، طالب بمحاربة "المخطط الإمبريالي في شموله"، و"تصحيح كثير من مفاهيمنا وممارساتنا في ميدان التحالف مع الحركة الثورية العلمية، بسبب ضآلة حجمه، ومدى التضامن الذي تقدمه له، وتنظيم وتنشيط التضامن مع الشعوب الأفريقية".(19)
* مشروع لتسوية الصراع العربي ـ الإسرائيلي، يشترط وقف إطلاق النار على الجبهة المصرية ـ الإسرائيلية، تقدم به وزير خارجية أمريكا الأسبق، وليم روجرز.
** وفي مقدمتها اللواء جوزيف لاقو، ناهيك عن الجواسيس في مواقع المسؤولية.
الهوامش
1ـ حمدنا لله مصطفى حسن حزب الأُمة (1945-1969)، القاهرة، جامعة عين شمس، 1989، ص 145-155.
2ـ عبد القادر ياسين، الإضراب السياسي في السودان، القاهرة، سلسلة كتاب الأهالي، يونيو/ حزيران 1995،ص16.
3ـ المصدر نفسه، ص 17-18.
4ـ محمد سليمان (معداً)، اليسار السوداني في عشرة أعوام (54-1963)، مكتبة الفجر، واد مدني، الخرطوم، دت، ص 242-246.
5ـ المصدر نفسه، ص 250.
6ـ المصدر نفسه، ص 252.
7ـ المصدر نفسه، ص 260.
8ـ عبد القادر ياسين، الحزب الشيوعي السوداني والقضية الفلسطينية، شؤون فلسطينية، (بيروت)، ع117، آب 1981، ص 68-69.
9ـ المصدر نفسه، ص 70.
10ـ الحزب الشيوعي السوداني، الماركسية وقضايا الثورة السودانية، (التقرير العام للمؤتمر الرابع/ تشرين أول،1967)، ص 59-62.
11ـ المصدر نفسه، ص 62-73.
12ـ ياسين، الحزب الشيوعي...، مصدر سبق ذكره، ص 71-72.
13ـ المصدر نفسه، ص 72-73.
14ـ المصدر نفسه، ص 74.
15ـ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، الوضع العربي الراهن ووحدة القوى الوطنية والتقدمية العربية، مايو 1972.
16ـ سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، لتواصل تقاليد شعبنا في دعم الجبهة العربية، 8/10/1973.
17ـ ياسين، الحزب الشيوعي...، مصدر سبق ذكره، ص 79-82.
18ـ المصدر نفسه، ص 83.
19ـ اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، بيان حول الوضع العربي الراهن، مارس/ آذار 1978.
* باحثة وكاتبة مصرية
#راندا_أبو_الدهب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
آخر ضحايا فيضانات فالنسيا.. عاملٌ يلقى حتفه في انهيار سقف مد
...
-
الإمارات تعلن توقيف 3 مشتبه بهم بقتل حاخام إسرائيلي مولدافي
...
-
فضيحة التسريبات.. هل تطيح بنتنياهو؟
-
آثار الدمار في بتاح تكفا إثر هجمات صاروخية لـ-حزب الله-
-
حكومة مولدوفا تؤكد أنها ستناقش مع -غازبروم- مسألة إمداد بردن
...
-
مصر.. انهيار جبل صخري والبحث جار عن مفقودين
-
رئيس الوزراء الأردني يزور رجال الأمن المصابين في إطلاق النار
...
-
وسيلة جديدة لمكافحة الدرونات.. روسيا تقوم بتحديث منظومة مدفع
...
-
-أونروا-: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال
...
-
رومانيا: رئيس الوزراء المؤيد لأوروبا يتصدر الدورة الأولى من
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|