|
إعلام الشرق ودوره في ترسيخ تخلفه
سليم صابر
الحوار المتمدن-العدد: 1919 - 2007 / 5 / 18 - 07:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتخبط الشرق منذ استقلاله عن الغرب في حالة ضياع مزمنة وهو لا يزال، في خضم بحثه الدائم عن مكوّنات حياة شعوبه والإرث الحضاري الكبير الذي تحمله عبر التاريخ، يفتقر إلى الديمقراطية الفعلية. ولا شكّ أن مجتمعاته المتعدّدة شكّلت عبر العصور الغاربة أسس حضارته وتطوّره، ثم عادت وسلكت درب التخلّف والإنهيار إلى أن وصلت إلى ما وصلت إليه من انحطاط في العصر الحالي. ولا تتحمّل هذه المجتمعات أسباب هذا الانحطاط ولا دوافعه، رغم العبء الكبير الملقى على كاهلها، إنما ذلك يعود إلى الاستعمار الذي حكمها طوال سنوات عديدة. ومن أهمّ أسباب التراجع هو أيضا التخلف الناجم عن التواجد التركي وسيطرته على هذه الشعوب ودولها وسطوته على مقدّراتها، والذي حكم المنطقة لمئات السنين وسبق الاستعمار الأوروبي لها. وإن بحثنا في أسباب التخلف الاجتماعي في عصرنا هذا، رغم التقدم التقني الشاسع الذي نشهده والتطور الحضاري العظيم الذي نعيشه، نجد بأن هذه المجتمعات لا تزال تعاني من رواسب الحقبات السابقة من جهة، وترزح تحت وطأة الفقر المزمن والمفروض عليها من جهة أخرى. إنها تخضع في مجمل الأحيان لأنظمة أورثها إياها الاستعمار أو إنقلابية عسكرية استولت على السلطة بالقوة، لتستأثر بالحكم وتبطش بالعباد. وإن أمعنّا البحث في مسببات بقاء هكذا أنظمة لا تتمتّع برضى وتأييد شعوبها، والتي تساهم في هذا التخلف الاجتماعي الحالي، نجد أن الغرب لا يزال يدعم معظمها، لا سيما الانقلابية العسكرية منها، كي يحافظ على علاقة استغلالية تسمح له باستثمار ثروات هذه الدول بشكل مبرمج ومتواصل. ونادرا ما نجد حكاما يسعون لمصلحة شعوبهم في هذه الأنحاء، والاستثناء ما هو إلا تأكيد للقاعدة. إن هذه الأنظمة لا تزال قائمة دون إحداث أي تغيير جذري يسمح لشعوبها بالارتقاء وتحسين أوضاعها المعيشية، والقاسم المشترك بينها جميعا هو القبض بيد من حديد على فواصل المجتمع الأمنية، والترهيب والتعذيب في كثير من الأحيان. ويدخل الإعلام في المعركة السياسية من بابها العريض كونه الواجهة الأساسية والأولى في التأثير على الرأي العام من خلال إيصال الحدث مباشرة إليه، مما يمكن إثارته بسهولة وجعله قابلا للتحرك والانتفاضة على المسؤولين أتفسهم وهذا مصدر خوفهم وقلقهم الدائم. وتحتلّ الوسائل الإعلامية الموقع الأول بامتياز في تثقيف المجتمعات وتنويرها، كونها الوحيدة القادرة على إيصال المعلومات المطلوبة إليها بشكل تفصيلي وموثّق، وحمل الناس على تقبّل الحدث أو رفضه من خلال طريقة تقديمه لها. وبالتأكيد، ونظرا لأهمية موقعه في توجيه الشعوب التي تتفاعل من خلال طريقة بثّ الحدث، بات الإعلام استراتيجيا للأنظمة الحاكمة في الشرق، وكان لا بدّ من إمساكه كليا كي لا يفلت الأمر من يدها. إن وعي المسؤولين في هكذا أنظمة لأهمّية الإعلام وتأثيره على حركة المجتمعات الاعتراضية جعلها تنقَضّ عليه وتضعه تحت سيطرتها المباشرة والشاملة، لا تمرّر منه سوى ما تريده وما يناسبها. من هنا دور الإعلام الرئيسي في تخدير شعوب المنطقة وجعلها تحت الوصاية المستمرة للمخابرات كافة. هكذا فإن الإعلام في الشرق بات ممسوكا وموضوعا تحت الوصاية الدائمة، وهو خاضع دوما للرقابة المشدّدة كي لا تصل معلومات غير مرغوب بها إلى المجتمعات المدنية. ولا يستغربنّ أحد أن يكون الإعلام في الشرق إعلاما موجّها ومقطّرا بشكل دائم، ويفتقد في كثير من الأحيان إلى المهنيّة والجدية والصدق في التعاطي مع فضايا هذه الشعوب الإنسانية، مما يحدّ من فعاليته وإمكانية تطوره ويُنهي دوره الحضاري الرائد في الثقافة العربية الشرقية. من جهة أخرى إن بحثنا عن إعلام حرّ في هذه المنظقة لما وجدناه قطعا، كون هذا النوع من الإعلام لا وجود له في أي بلد عربي. وإن أخذنا لبنان مثلا صارخا عمّا يسمى بالإعلام الحرّ، كما يدّعي البعض، لفوجئنا بأنه يتخبّط في الفوضى الكاملة ويخضع لشروط السوق الاستثمارية. لاكتشفنا أيضا بأن هذا الإعلام الذي يدّعي الحرية في إيصال المعلومات إلى الناس إنما هو إعلام موجّه وخاضع بدوره لأصحاب ومالكي هذه القنوات الإعلامية. وما من عجب أن نرى الإعلام ممسوكا في لبنان بمجمله من قبل زعماء الطوائف أو الأحزاب والميليشيات المتعددة، يتقاسمونه ويديرونه ويوجِّهونه حسب انتماءاتهم السياسية المتنوعة. لا بل أن الخطورة تكمن في الوسائل التي تدّعي الحيادية في إيصال الخبر، كونها تمرّر ما تريد منه وتتغاضى عن الأهم فيه إذا ما وجدت أنّه لن يكون لصالح مالكيها. والأخطر في الموضوع هو تحوير الحدث ووضعه في إطار مختلف عن مضصمونه الحقيقي وتشويه محتواه بحيث يخدم مصالح حزبية وشخصية ضيقة. هكذا فإن مصداقية وسائل الإعلام موضوعة دوما على المحك ولا تراعي منه سوى ما يناسب طموحات من يتحكم بها، فتميل حسب أهوائه وتوجهاته الآنية المؤقتة. ومما يثير الريبة والحذر تجاه هذه الوسائل الإعلامية هو انحيازها المطلق لفريق ما في السلطة دون سواه ومهاجمة الفرقاء الآخرين، مما يجعلها عمليا، وإن بشكل غير مباشر، الناطق الرسمي بإسم السلطة. ومما يزيد الموقف خطورة هو تشويه الحقائق في كثير من الأحيان، والبث المسموم الذي تتّبعه وبشكل متعمّد ومبرمج ودون حدود أخلاقية، مما يثير النعرات الطائقية والحزبية والمذهبية ويشحذ النفوس ويحملها على الحقد والبغضاء ويترك أثرا سيئا فيها. هذا النوع من الإعلام أخطر من غيره كونه إعلام مضلل بامتياز. وكما الحال في لبنان كذلك ي بقية الدول العربية حيث لا نجد وسيلة إعلامية تنتهج الصدق في بث الخبر وتحليله بشكل موضوعي صرف. هكذا فنحن نرى مجمل وسائل الإعلام تأخذ منحى ما، فتسمح لمن هم من نفس التوجّه الفكري والسايسي بالاستفاضة شرحا وتحليلا، ولا تعطي من لهم وجهة نظر مغايرة تفس الحق قي الدفاع عما يعتقدونه صحيحا. وإن استثنينا بعض وسائل الإعلام النادرة، نرى أن لا فرق في النهاية بين وسيلة إعلامية يتحكّم بها نظام معين وبين أخرى تخضع لمشيئة حزب ما، وإن لم يكن في السلطة، كونهما يوصلان المعلومات إما مقطّرة حسب مشيئة النظام أو الحزب إما منقوصة أو مغلوطة حسب توجهات ومعتقدات المالكين الفئويين لهذه القناة أو تلك. وهنا تكمن خطورة المشهد الثقافي والحضاري في تمرير الحدث منقوصا وممسوكا بيد من حديد، والذي ترزح تحت وطأته المجتمعات العربية كافة. لا عجب إذا أن نرى شعوب المنطقة تقبع في تخلف مستمر طالما أن القيّمين على مقدّراتها همّهم الأوحد هو إمساك الوسائل الإعلامية بشكل أو بآخر، مما يفقدها الموضوعية في الإداء والتعبير والمصداقية في إيصال الخبر. وإن انتقلنا إلى الوسائل الإعلامية المتنوعة نجد أن ما من أحد منها يتمتّع بنوع من الحرية وهي على عكس ذلك منحازة وباستمرار حسب وجهة نظر أصحابها وتفتقر في أدائها الفعلي إلى الموضوعية والمصداقية في بث الخبر، وهي بشكل أو بآخر وسائل موجهة لا بل مضللة. وما بين الإعلام الموجه والإعلام المنحاز يبقى الشرق يفتقد إلى إعلام حضاري واثق صادق وموضوعي باحث عن الحقيقة مهما كانت موجعة، وغير مستعد لإعطاء الخبر منقوصا أو مغلوطا، لا بل محوّرا كما يحدث دوما حتى الآن. إنها نتيجة مؤلمة ومحزنة وخطيرة في آن، لأن هذا مؤشر سلبي يعني استمرار حقبة التخلف التي يرزح تحت وطأتها الشرق وشعوبه. والسؤال المستجد والملح هو متى سيتحرر الشرق من الإعلام المسخ هذا ويتمكن من الحصول على المعلومات الصحيحة بشكل راقٍ ودون تشويه مما يسمح له بالارتقاء والتطور والانتماء إلى الحضارة الإنسانية الحقة؟
#سليم_صابر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نكبة!... وأية نكبة!
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|