أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد المجيد - محاولات لتخريب الشخصية المصرية














المزيد.....

محاولات لتخريب الشخصية المصرية


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 11:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تجْمَعُ النفسُ البشرية النقيضين معاٌ، فالخير والشر متلازمان، والقبيح والجميل متجاوران، والعنف والتسامح يسيران جنبا إلى جنب.

هناك صفاتٌ للفرد، ولكن هناك أيضا صفات تجمع طائفةً أو جماعةً أو شعباً من الشعوب، وهي قد تكون مكتسَبة أو تتاورثها أجيال وتحتفظ بها لصيقةً بالهوية.

كل التغييرات التي حدثت منذ بدء الخليقة قام بها رجال يقودون آخرين، وهؤلاء يملكون مقدرة عجيبة على الدخول إلى النفس، وتغيير مفاتيحها وأزرارها وتوصيلاتها لتخرج إلى العلن مرة أخرى كأنها تركيبة جديدة لآلة قديمة.

المواطن الأوكراني الذي كان آلة تحركه يَدُ رجل عجوز في الكرملين فيتحول إلى قبضة حديدية أو جسد يرتعش أمام رجل استخبارات، هو نفس المواطن الذي يقضي الليل كله خارج مبنى البرلمان مدافعا عن حريته.

وأعضاء السافاك في ظل حكم شاه إيران هم نفس حراس الثورة الاسلامية تحت حكم آيات الله، فتتغير اللغة والطريقة والفهم الجديد، لكن يظل الانسان كما هو فيُخرج من داخل نفسه ما يناسب كل مرحلة، أو بالأحرى تُخرجها السلطةُ عنوة من أشد مناطق النفس اختباءً، ثم تُعيد ترتيب الأولويات.

والألماني المتحضر هو نفسه الذي رفع راية النازية، وأشعل العالمَ مُنطلقاً من العنصرية الآرية، فتحول الشعبُ كله إلى حالةٍ من الكراهية.

ويمكن لأيّ مُتحضر ومتمدّن أكثر وداعة من قِطة مُسالمة أنْ يتحوّل بفعل السلطة إلى وحش كاسر أو شارب لدماء ضحاياه.

لو وقف الرئيس حسني مبارك أمام الشعب وألقى خطاباً حاسماً وحازما ومميزا وانسانيا وطالب باحترام كرامة المواطن، وبعقد اجتماعي أخلاقي بين الأمن والشعب، وأقسم أنه سيعاقب كلَّ ضابط يهين مواطنا مصريا، وأن أجهزة رقابة ستقوم بالتفتيش المفاجيء على أقسام الشرطة، وأن وزير الداخلية سيفقد منصبه إن حدث أيّ تجاوز في تخشيبة أو سجن أو قسم للشرطة ضد مواطن مصري.

لحظات قصيرة بعد انتهاء خطاب الرئيس ويختفي الجانب الإبليسي من رجل الأمن، وتظهر صفات وموصفات جديدة وجميلة ومشرقة ، ويتحول هذا الضابط من وحش كاسر إلى انسان يقطر عذوبة ورقة وتهذبا.
أين اختفى الجانب الآخر؟

إنه موجود في مكان ما، وقد تمر سنوات ، بل العمر كله دون أن تظهر الصفات الخبيثة مرة أخرى.

عندما وقف الرئيس الراحل أنور السادات وقال بأنَّ من لا يصبح غنياً في عصري، لن تتاح له الفرصة مرة أخرى، كانت تلك كلمة السر، وظهرت ثقافة الفهلوة، وأصبحت العلاقات بين الناس كلعبة القط والفأر.

ولكن قد يحدث أن تتولى السلطةُ بدلا من عملية التبديل استخدام التخريب في عمق النفس، واستدعاء صفات تسبح على سطح المشهد كله، ومع مرور الزمن تصبح عادة، والعادة خصم للعقل، وعدو للمنطق، وعائق أمام أي تطور.

هل سمعت عن مصري واحد لم تكمم فاه تلك العادةُ، فرأى المشهدَ المصريَّ من الخارج ثم في الداخل، ثم من الخارج مرة أخرى؟

إن تكن رأيتَه فقد يصف لك أكثر مَشاهد مصر في عصرها الحديث حزنا وكَمَدا وأسفا لأن عهد الرئيس مبارك قام بحرب ناجحة على كل الجبهات ضد أرض وشعب مصر، فاستدعي قيَّماً خسيسة، وجعل التسول والفهلوة أمورا عادية، وقَرّبَ إليه لصوصا ومحتالين ونصّابين، وترك الكيف والمخدرات تتسلل إلى الحرم الجامعي وتُخرج للطالب لسانَها من دفتر المحاضرات.

قام مبارك باكتساح واسع للنفس المصرية، وتَحَكَم في الأذن واللسان والمعدة والرئتين وعبث بالعواطف عن طريق الفنون الفجّة، ثم نزع الشهامةَ والنخوةَ واستبدل بها لا مبالاةً وبلادةً وحِسّاً ثقيلا كأن صاحبه مصنوع من جماد.

كره المصريون الكتابَ والثقافةَ والعلومَ الانسانيةَ، وأدخلهم عهدُ مبارك في دائرة الاستغلال المتوالي، أيّ تسمح لسائق التاكسي أن يستغفلك، ويذهب هو لطبيب الأسنان فيفرّغ جيبه من يوميته ولا مانع من تخدير موضعي في الفم ملوث بفيروس، ويحتال المُدَرّس الخصوصي على جيب طبيب الأسنان، ولكن المُدَرّسَ الخصوصي يقف خارج غرفة العمليات في المستشفى في انتظار خروج ابنته، ولا يعرف أن استنزافه ماديا ومعنويا قد بدأ، وهكذا دواليك.
دائرة لا تنتهي صَنَعَها رجلٌ، ثم أكملها نظامٌ، وهي أشرس حرب في تاريخ مصر يشنها حاكمٌ ضد مواطنيه، لأنه عبث بكل أزرار النفس، حتى الأخلاق الدينية قام بتسطيحها فاغفلت الرسالاتِ السماويةَ لتضع مكانها قشورا تحيط بالنفس التي تم تخريبها.

كان مبارك من الدهاء ، أو الذين صَنَعَهم فصنعوه، وعرَف أنَّ تخريب النفس المصرية هو الشيء الوحيد الذي يضمن له ولابنه وللصوصه ولحيتان عهده الاستمرارَ والبقاءَ، فأضحى المصريون غيرَ المصريين، وتلوث المشهد وران عليه غبار.

تَحَدّثَ إلى أي عاشق لمصر غاب عنها عاماً أو بعضَ العامِ، ثم عاد لزيارتها فستُبكيك حكاياته، وستُغرق دموعُك وجهَك كلَّه إن كان عاشقُ مِصر قادراً على وصف أدق التفاصيل في مشهد هزيمة وطن.

مصر تسقط في براثن مُفترسيها، والشعبُ لا يعرف أن الهزيمة الداخلية للنفس المصرية هي أم الهزائم، وهي تعبيد الطريق لسقوط وطن وازاحته إلى هامش التاريخ وذيل ركب الأمم.

مسؤولية انقاذ مصر والمصريين تقع على عاتق كل من ليس له مصلحة في استمرار سيد العهد وابن سيد المستقبل المظلم القاتم الحزين. ولكن كيف تقنع المصريين أن الغزو الهمجي للنفس المصرية طوفان لا يبُقي ولا يذر؟

لن تستطيع قبل أن يتوقف المصريون عن كراهية المصريين!



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا أحلم بحبل المشنقة حول عنقك؟
- مدونة تجديد الدعوة للعصيان المدني في مصر
- المسلمون خصوم المسلمين، فكيف لنا أن نتحاور؟
- يا ولاد ستين ألف كلب
- الفلسطينيون يحققون أهداف اسرائيل
- القول السديد في بلاهة العقيد
- لماذا يخاف السوريون من السوريين؟
- دماء على أنياب الرئيس التونسي
- حوار بين كلب الشارع و ... كلب السلطة
- هل المصريون سعداء بالذل أم تعساء بالخوف؟
- العراق ... هزيمة كل المتصارعين
- متى يغضب السوريون على الرئيس بشار الأسد؟
- عانس سعودية تبث أوجاعها لقساة قومها
- محاولات مضنية للبحث عن الرئيس حسني مبارك
- البيان والتبيين في أوجاع مصر وأحزان المصريين
- المؤسسة الدينية السعودية تدعو لاغتصاب الأطفال
- مبارك يصنع المرشدين من صعاليك الإنترنيت
- طز في الشرفاء والأحرار و ... الوطنيين
- الإنترنيت .. الخطر القادم على البشرية
- السعوديون ينحازون للملك، فمتى ينحاز الملك للسعوديين؟


المزيد.....




- فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني ...
- إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش ...
- تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن ...
- الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل ...
- تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
- بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
- تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال ...
- -التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين ...
- مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب ...
- كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد عبد المجيد - محاولات لتخريب الشخصية المصرية