|
سيكولوجية حق العودة
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1917 - 2007 / 5 / 16 - 06:02
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
في الحياة الإنسانية ، بل في مجمل النظر إلى الكون برمته، نجد أن هناك ميزة أساسية، كقاعدة علمية عامة، فيه وهو انه محكوم بحقيقة التنوع العام والشامل The general and comprehensive diversity ، وهذه حقيقة تقرها العلوم الإنسانية وفي مقدمتها علما النفس والاجتماع الإنسانيان ، هناك موجودات لها وظائف بعينها ، وهناك وظائف لها مجالات معينة ، وهناك ميزات وميولات إنسانية متنوعة وأيضا مركزة من إنسان إلى آخر بل من جماعة إنسانية إلى أخرى في سياق تنوع القيم والثقافات والحضارات الإنسانية عبر التاريخ . من هذا التنوع نجد قضية الارتباط الإنساني بجغرافيا معينة بعينها عبر مئات بل ألوف السنين وما يرتبط بذلك على الأرض من التفاعل الإنساني الحياتي الذي يتحول في نهاية المطاف إلى موروث من العادات والتقاليد وبالتالي الاتجاه إلى المسمى الأعم والأكبر، وهو صناعة وإخراج الكينونة الثقافية والحضارية لمجتمع أو امة من الناس تتداخل وتشترك فيما بينها بمجموعة من العناصر الإنسانية الرابطة من لغة ودين وثقافة وعادات وتقاليد ، تصبح جزءا وأساسا مكونا في الإنسان لا يستطيع الفكاك منه أو الانفصام عنه مهما كانت الأسباب والظروف، ذلك كله في سياق النظرة الكلية والجمعية وكذلك الفردية إلا ما شد عن ذلك فهو ليس ضابطا أو حاكما يستند إليه في عملية الدراسة والبحث والتقييم ، إذ الأشياء دوما بأصولها وليس بشواذها . للإنسان بالفطرة والضرورة مجموعة من الحقوق الأساسية التي لابد منها حتى يستطيع العيش الطبيعي والمتطور ، واقصد تلك الحقوق التي لا مفر منها لتمكين الإنسان من تكامل دورة حياته الإنسانية في التفاعل على مستوى الذات والأسرة والمجموعة والمجتمع والآمة والإنسانية بشكل عام ، وهي حقوق متنوعة ومتكاملة في آن ، سواء أكانت مدنية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها من الحقوق ، وتلك الحقوق لم تغفل عنها شريعة سماوية أو وضعية أرضية ، ولاسيما في ميثاق الأمم المتحدة أو في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، أو في العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية وكذلك الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، إنها الحقوق اللازمة لكي يكون الإنسان إنسانا وله قيمة على الأرض نشاطا وفعلا ، وهي مكرسة في الإنسان منذ الخليقة بحكم الفطرة والخلق التكويني ، وان اختلف مظاهر بعضها ممارسة بفعل حالة التطور الإنساني في التفاعل والتعامل مع المحيط والبيئة التي وجد بها . إن الانتقاص أو الإخلال أو الوصول إلى مرحلة انعدام تلكم الحقوق التي تتعلق ببناء الإنسان بكليته ووجوده ، تعني أن دورة حياته قد أصابها الداء المبطئ أو المعطل لدورة تفاعلية حياته عطاء وإنتاجا ، ولذلك نجد عالما مثل البروفيسور دانيل كارنيجي يضع حلولا وافتراضات معينة من اجل التخلص من هكذا حالة ، حتى يستطيع بعدها الإنسان العودة إلى وضعه الطبيعي ، نحن هنا نسوق مثلا لمعضلة أو مشكلة إنسانية بسيطة جدا ، ومع ذلك لابد من حلها ، لضرورة البقاء والاستمرار ايجابيا في الحياة "7"، فما بالكم بشعب دمرت حياته بالكامل من خلال اغتصاب أرضه وممتلكاته ونزعه انتزاعا من كينونته ووجوده المشكلة تاريخا وثقافة وحياة، بارتباطه بالأرض التي عاش عليها عبر ألاف السنيين ، إنها عملية إخراج وإقصاء جبريين لديمغرافيا عربية فلسطينية لها ارتباط طبيعي بجغرافيا ارض فلسطين التاريخية ، بعد عملية تهجير وطرد اللاجئين الفلسطينيين التي قامت بها العصابات الصهيونية، من خلال برنامج مخطط بدقة يقوم على ارتكاب المجازر والمذابح بحق الفلسطينيين في اربعينييات القرن الماضي ، تمهيدا وتحقيقا لإفراغ القرى والمدن من سكانها الأصليين ، ذبحت حقوق هؤلاء اللاجئين وحياتهم وكرامتهم بمجملها على مذبح إقامة كيان غريب يحقق أهداف الاستعمار الغربي في المنطقة ، بعد عملية الذبح والتهجير بحق شعب بأكمله وبحق حياته الكلية ، لا يظن المرء أن يحيا هؤلاء اللاجئون حياة طبيعية ولا حتى حياة الأرق والقلق الذي تتحدث عنها مدونات علم النفس ، بل إن هؤلاء يحيون حياة الجحيم والموت المتتالي الذي لا يشبهه موت، لأنهم باختصار انتزعوا واخرجوا جبرا وقهرا من كل حياة ، وليس اللاجئون الفلسطينيون من أصابهم جحيم عدم الاستقرار والحياة بشكل طبيعي ، بل إن الجريمة التي ارتكبت بحقهم ورثت المنطقة داء الحروب التي لم تنته برغم كل حديث متكرر عن سلام ، ولا يظن المرء مطلقا أن تتخلص المنطقة من الحروب والدماء طالما أن اللاجئين الفلسطينيين بقوا لاجئين . إن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ، ليس فقط لأنه قانوني وسياسي وإنساني ، بل لأنه طبيعي مئة بالمئة ينطلق من إنسان وجد ليرتبط بوطن، وبالتالي ليمارس حياته ونشاطاته المختلفة عليه ، والفلسطينيون ارتبطوا بفلسطين روحا وممارسة وعادات وتقاليد وتاريخ وتراث عبر القرون ، وهذه حقوق فردية وجمعية أساسية :انتزاعها أو الانتقاص منها يعني توتير وبالتالي عدم تحقق التوافق النفسي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي لأصحابها فرادى وجماعة وان وضعوا في مكان وبيئة أخرى حتى ولو كان هذا المكان أو تلك البيئة جنة الله على الأرض ، وهذا ما حصل مع اللاجئين الفلسطينيين وكذلك مع الدول التي استضافتهم بعد النكبة التي ألمت بهم عام 48"8" ، هذا ما يقرره علما النفس والنفس الاجتماعي الذي يدرس السلوك والعادات والتصرفات للمجتمعات الإنسانية ، ولهذا لم ينس ولن ينسى اللاجئون حقهم الأصيل الطبيعي والقانوني والسياسي والإنساني في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم ."9" كانت الجهات الدولية المختلفة بما فيها الكيان الصهيوني تعول في نهاية المطاف على أن ينسى اللاجئون الفلسطينيون ديارهم وممتلكاتهم وأراضيهم التي شردوا وهجروا منها ، وكانوا يقولون: على الأقل إن لم ينس جيل النكبة الألم الذي بهم فان الأجيال اللاحقة لهم سوف تنسى ، ولكن تعويلهم هذا لم يجد له طريقا للنجاح والفلاح ، والدليل على هذا الفشل أن جميع مشاريع التوطين التي طرحتها أمريكا والغرب وإسرائيل وحتى أطراف عربية متآمرة لاقت مصير التكسر على صخرة الصمود الإنساني الطبيعي المتكرس في النفسية الفردية والجمعية للاجئين الفلسطينيين ، لقد خاب فأل هيئة الأمم المتحدة من غرضها من القرار 194 ومن الدور الذي إرادته لوكالة الغوث ، بحيث يكون الأول عبارة عن الجانب المهدئ والملهي لغضب اللاجئين الفلسطينيين ومع الشعوب العربية لامتصاص صدمة واثر النكبة حتى يتحقق نسيانهم لهذا الحق الإنساني الأصيل والمقدس ، وأما الثانية وهي وكالة الغوث فقد أرادها الذين زرعوا الإحلال الصهيوني بمثابة الأداة العاملة على شطب حق العودة من خلال قيادتها وتنفيذها لمشاريع التأهيل الاقتصادي والاجتماعي للاجئين الفلسطينيين في الأماكن التي لجئوا إليها ، وفشل فالهم في هذا وذاك ، وكان آخر مشاريع الفشل التو طينية ما سمي في حينها عام 1995 ببرنامج تنفيذ السلام من اجل الوصول إلى الحالة التي ينتهي فيه دور الوكالة بتحقيق مشاريع التوطين التي عمل عليها الغرب والعرب وفلسطينيين منتفعين من تجارة السلام الفاشلة هذا بالإضافة إلى مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين في العراق عام 1998 . اختم حول سيكولوجية حق العودة والذاكرة الجمعية للاجئين الفلسطينيين وشدة التمسك بالأرض والدار والممتلكات التي اخرجوا منها جبرا بعدة مواقف قرأتها وأخرى أبصرتها: أما الأولى : فهذه كنت قد قرأتها في كتاب "الغائبون الحاضرون" للكاتب الإسرائيلي هليل كوهين وقد كتب مستغربا من هذه النفسية والذاكرة الجمعية لأولئك عرب الداخل" فلسطينيو الأراضي المحتلة عام 48 " اللذين هجروا عن قراهم وبلداتهم في اقرث وبرعم على سبيل المثال إلى أماكن قريبة أخرى لا تبعد سوى ألاف الأمتار ، إلا أنهم لازالوا يتمسكون بحق العودة إلى تلك القرى والبلدات،مع أنهم اليوم يعتبرون من مواطني دولة إسرائيل ، ويضيف أن هؤلاء المهجرين في الداخل أسسوا اللجان والجمعيات الموحدة لنشاطاتهم المتعلقة بحق العودة ، ومن بينها اللجنة القطرية العليا للدفاع عن مهجري الداخل التي أسست مع بداية العقد الأخير من القرن الماضي، وبالتحديد حين تجاهلت منظمة التحرير الفلسطينية تمثيلهم في سياق عملية السلام وما تمخض عنها من اتفاق أوسلو عام 1993 ، نعم لقد استغرب وتعجب هليل كوهين من أولئك "الغائبون الحاضرون" في الداخل ، فكيف ينسى اللاجئون الفلسطينيون الذين هجروا إلى الضفة والقطاع أو أولئك الذين هجروا إلى المحيط العربي القريب أو البعيد والأمر كذلك بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في أصقاع العالم الأخرى ؟؟ ، باختصار إنها النفسية والعقلية والكينونة المرتبطة بالأرض والبيت والقرية ارتباط الأعضاء بالأعضاء في الجسد ، انه الحق المتكرس في الإنسان،وبدونه يحدث غير السوية والطبيعية ، فهل أدرك العاقلون ؟"10" أما الموقف الثاني : وقد كنت مدعوا شخصيا إلى لقاء جمعنا كمثقفين ومتخصصين في مركز اللاجئين الثقافي في نابلس على شرف احد الإخوان العرب الفلسطينيين من الداخل وهو الأستاذ سليمان فحماوي رئيس إحدى الجمعيات المدافعة عن حقوق المهجرين في الداخل ، فلقد تفاجأت من حجم ونوع نشاطاتهم الكبيرة بشان تمسكهم بحق إلى العودة إلى قراهم وبلداتهم التي هجروا منها، فلقد حدثنا الأستاذ فحماوي وبالتفصيل عن القرى والبلدات بأسمائها التي هجر منها العرب المقيمين بالداخل ، قرى وبلدات كثيرة يحفظها عن ظهر قلب ، في حين إنني شخصيا اعجز أحيانا عن معرفة كثير من قرى وبلدات الضفة والقطاع ، ليس هذا وحسب بل حدثنا عن الرحلات والزيارات المتكررة التي ينظمونها إلى قراهم المهجرة والتي لا تبعد عنهم سوى كيلوات من الأمتار ربما بعدد أصابع الكف أو اقل قليلا ، إنهم يذهبون إلى قراهم ليجددوا لأبنائهم وأحفادهم ذاكرة أننا كنا يوما هنا ولابد سنعود ، ويقومون أيضا بأعمال التنظيف والترميم لبعض البيوت والمساجد والمقابر التي تحوي تراث ورفات الآباء والأجداد ، أبعد كل هذا، هل يمكن أن ينسى اللاجئون الفلسطينيون أرضهم وديارهم وممتلكاتهم؟؟ . والثالث : ما قرأته في كتاب "الناس الذين ليس لهم مكان "للكاتب الإسرائيلي داني روبنشتاين إذ يقول"أعجب لهؤلاء الفلسطينيين ، فشعوب العالم كلها تعيش في مكان ، أما هم الفلسطينيون ، فان المكان يعيش فيهم " . وأما الأخير : فهذا ما يورده الدكتور سلمان أبو ستة في كتابه " حق العودة مقدس وقانوني وممكن إذ يقول " لي صديق غربي ذهب للعمل في استراليا ، وهذا الصديق كان يعرف بعض اللغة العربية ، وفي يوم من الأيام سمع كلاما باللغة العربية عند جيرانه ، فقابل طفلة صغيرة عمرها ست سنوات ، فسألها : انتم عرب ؟ قالت نعم . قال لها: من أين أنت؟ أجابت الطفلة : أنا من اللد " وهي حفيدة لاجئ خرج من اللد " ، فشعب مثل هذا لا يمكن أن يموت ، والعبارة الأخيرة للدكتور سلمان أبو ستة "11" . * المقال مأخوذ من بحث ألفه الكاتب مؤخرا .
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنهيار السلطة الفلسطينية حقيقة علمية تاريخية!!
-
السلطة الفلسطينية والانظمة العربية واسرائيل الى زوال!!
-
القضية الفلسطينية بين مطرقة الاحتلال وسندان المتنفعين!!
-
حماس ما بين التكتيك والاستراتيج
-
من يشجع من على السلام؟؟
-
المهم جدا .....موقف سياسي فلسطيني موحد!
-
وإذ اشفق عليك ياطيرمن لباس السوء!!
-
الهامش المرسوم للتحرك الرسمي العربي
-
المطلوبون اذ يتحصنون بجهاز الاستخبارات في رام الله!!!
-
حق العودة واستحالة شطبه
-
تموت امريكا واسرائيل فزعا من حق العودة!!
-
وإذ- يقرفونك- بالحديث عن الديمقراطية وحقوق الانسان!!
-
لماذا كل هذه الهرولة باتجاه اي تفاوض؟؟
-
حين تصبح الحزبية ودرجتها معيارا للكفاءة!!
-
الفرق بين الالتزام والاحترام في خطاب التكليف الرئاسي؟؟
-
تفسير الذي يجري للفلسطينيين في العراق؟؟
-
ما أخشاه من لقاء مكة!!
-
هل من حل لمشكلة الفلسطينيين في العراق؟؟
-
المعالجات الجذرية للخلافات الداخلية الفلسطينية
-
اللجان الفلسطينية الحاضرة الغائبة عن العمل
المزيد.....
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 17 شهيدا في قصف إسرائيلي متواصل على قط
...
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|