( بقية ملامح نشوء الحركة النقابية العربية )
3- سوريا
لقد نشأت الطبقة العاملة السورية بأبعاد تاريخية منذ تكوين " طوائف الحرف" ونضالاتها ضد الولاة العثمانيين والتي اتسمت تلك النضالات بالمطلبية، إضافة إلى تحركات العامة الدمشقية والحلبية التي نشطت منذ القرن الثامن عشر وحتى النصف الاول من القرن التاسع عشر.
ان عملية التصنيع في سوريا هي " عملية حديثة تقريبا ً" لاسيما بعد الاستقلال الوطني وكذلك بعد الحرب العالمية الثانية حيث كان هناك " مصنع اسمنت دمر، ومعامل الغزل والنسيج، كما سبقت هذه المرحلة بعض الصناعات مثل مكننة للحرير، ومانيفاكتورة للتبغ وظهور أولي لخطوط السكك الحديدية" وتشكلت بروليتاريا صناعية منذ 1929 ــ 1933م وحدثت اضرابات عمالية، ونشأ أثناء هذا التاريخ ( 185 ) مشروعاً صناعياً كبيراً وصغيراً.
وحدث أول اضراب قام به عمال شركة السكك الحديدية في دمشق عام 1908م وازدادت حركة الاضرابات في عام 1926م وبخاصة عمال النسيج والسكك الحديدية وعمال المطابع وعمال التبغ.
لقد تم انشاء نقابات بدون اجازات قانونية وكانت أولها " نقابة عمال التريكو عام 1925م في دمشق" ولعبت هذه النقابة دورا متميزاً وقامت بقيادة الحركة النقابية ليس على نطاق مدينة دمشق فحسب وإنما على نطاق سوريا كلها. كما تم تشكيل عدة نقابات بعدها، مثل نقابة عمال الطباعة، والميكانيك والنجارين وصناعة النسيج الميكانيكية.
ان الازمة العامة للرأسمالية أدت إلى حدوث مشاكل كبيرة في سوريا حيث ازداد جيش العاطلين عن العمل ورافقت ذلك نضالات كانت اغلب الاحيان عفوية، واستمرت حركة الاضرابات في حلب 1930 ـــ 1931م واضرابات أخرى في 1933 ـــ 1934م.
وتطورت هذه النضالات من العفوية المطلبية إلى سياسية منظمة ضد السياسة الاستعمارية ولقد ادى ذلك إلى دفع السلطة عام 1935م لإلغاء التشريع العثماني الصادر في 1912م..
ولقد تم تشكيل العديد من النقابات بعد الإلغاء وبلغ عددها نهاية عام 1936م (391) نقابة. وفي عام 1938م أعلن المؤتمر الثالث لاتحاد النقابات دعوة لأضراب عام وفي العام نفسه صدر مرسوم بانشاء نقابات خاصة بالعمال.
لقد ناضلت الطبقة العاملة السورية طوال سنين عديدة من أجل حرية التنظيم النقابي وكذلك في كافة المجالات الوطنية والقومية والتضامن العمالي العالمي وضد الاستعمار والصهيونية والرجعية وفي سبيل التقد الاجتماعي للشعب السوري وجماهيره الكادحة.
4- البحرين
لقد لعب اكتشاف واستخراج النفط وصناعته دوراً ذو أهمية بالغة في تطور " البنية الاجتماعية في البحرين" وكذلك تطور الحركة النقابية للطبقة العاملة في البحرين، ولقد كانت أيضاً هناك صناعة قبل صناعة النفط " نشاطات اقتصادية معروفة لا في البحرين فقط انما في كافة بلدان الخليج العربي" وهي صيد اللؤلؤ والنقل والتجارة والزراعة والرعي.
وتاريخ البحرين يشير بشكل واضح إلى مثال انتفاضة " الغواصين البحرانيين في أيار من عام 1932م."
ان صناعة النفط في البحرين استوعبت العديد من الايدي العاملة الوطنية، كما أنها جلبت
إلى البلاد ايدي عاملة اجنبية ماهرة للحاجة الماسة لها بسبب ضعف هذا الجانب عند العمال البحرانيين. اضافة إلى ما أحدثته شركة النفط من تغيرات في اسلوب الانتاج الجديد في العلاقات القديمة التي كانت سائدة قبل ذلك، تلك العلاقات الاجتماعية التي تسودها " التقاليد والقيم شبه الاقطاعية " كما أن صناعة النفط أدخلت نظاماً آخراً فيما يخص الاجور ومنحت العمال البحرانيين جزء من قوة عملهم على شكل (نقود) مما أدى إلى تطور " السوق الاستهلاكية المحلية" اضافة إلى أن الدولة طورت قطاعات معينة من خلال عوائد النفط، مما ادى إلى نمو شرائح المقاولين والمتعهدين المحليين.
ان اكتشاف واستخراج وصناعة النفط أدت إلى " بروز نواة الطبقة العاملة البحرانية وبداية حركتها المنظمة" واحتاجت الطبقة العاملة إلى سنين عديدة لتحس بمدى الاستغلال الذي تتعرض له ومنذ ذلك الوقت بدأ تحركها في سبيل تحسين أوضاعها المعاشية " واستطاع التجار البحرانيين في عام 1938م أن يكسبوا العمال إلى جانبهم بعد أن طالبوا " برفع الاجور وتحسين ظروف العمل"
ويبدو أن أول تحرك عمالي كان الاضراب الذي قام به عمال شركة النفط في 22 / 12 / 1943 م كان احتجاجاً عفوياً على " ضرب واهانة أحد العمال البحرانيين من قبل أحد الفنين الاجاب" وهذا الاضراب دشن الحركة المطلبية لا في البحرين فحسب وإنما في " منطقة الخليج العربي" .
ثم نُظم اضراب عمالي في عام 1948م وكانت أهدافه مطلبية تضمنت تحسين ظروف العمل والتدريب المهني ، وفي عام 1954م تم تأسيس " هيئة الاتحاد الوطني" ولقد استطاع هذا الاتحاد أن يفرض أول تنظيم نقابي في بلدان الخليج هو " اتحاد العمال البحرنيين" والذي تأسس في عام 1955م إلا ان السلطات البحرانية انتهجت سياسة قمعية وقامت بملاحقة واعتقال العديد من النشطاء والعمال النقابين حتى تسنى لها انهاء هذا الاتحاد.
في عام 1956م قامت انتفاضة شعبية لعبت فيها الطبقة العاملة البحرانية دوراً كبيراً، كما قامت اضرابات عديدة في عام 1968 وكذلك السبعينيات، وظهرت عدة محاولات لتشكيل اتحاد العمال لكن السلطات البحرانية لم تجيز مقدمي الطلبات الترخيص بذلك.
ولعبت التنظيمات السياسية دوراً مهماً في استنهاض الجماهير واستطاعت " اغطاء تحركات العمال ابعاداً اجتماعية واقتصادية وسياسية " وكانت عاملاً مهما لأن تكتسب الطبقة العاملة البحرانية أهميتها اضافة إلى ما قامت به " اللجان العمالية السرية والتي ناضلت للحفاظ على الحركة النقابية " في ظروف القمع والملاحقة من قبل السلطان، واستطاعت اللجان ان تستمر في قيادة الطبقة العاملة بالرغم من الضربة التي وجهتها السلطات إلى اللجنة التأسيسية عام 1972م .
وقد تم تشكيل نقابات بعد احداث عام 1974م ومن بينها " نقابة العاملين في شركة الالمنيوم البحرانية ونقابة وزراة الصحة ونقابة العاملين في ادارة الكهرباء وغيرها"
ان التقدم الذي احرزته نضالات الطبقة العالمة البحرانية الاقتصادية منها والسياسية لم تكن بمعزل عن مجمل نضالات الحركة الوطنية البحرانية.
5- تونس
ان نشوء الطبقة العالمة وحركتها النقابية التونسية ارتبط بتطور الرأسمالية في " تونس المستعمرة" خلال الربع الاول من القرن العشرين، وكما هو معروف فأن هذا التطور حصل بفعل العامل الخارجي كما هو الحال في كثير من البلدان المستعمرة.
ان الصناعة التونسية كان ضعيفة جداً، واعتمدت أساساً على " المناجم" وبعض صناعات المواد الغذائية وصناعة الخشب، ولم تكن الطبقة العاملة التونسية وحدها في عملية الانتاج فقد كان إلى جانبها ايضاً الكثير من العمال الفنيين الفرنسين .
لقد كان تقريباً تشكيل الاحزاب السياسية العمالية قد سبق تشكيل النقابات في العديد من البلدان المستعمرة التي اضافت إلى جانب نضالها الوطني قيادة العمل النقابي ونضالات العمال المطليبة لكي تندرج بعد ذلك مع النضالات الوطنية العامة ضد المستعمرين.
لقد تأسست نقابات عديدة عام 1919م ومنها اتحاد النقابات التابع للاتحاد العام للعمل الفرنسي س ج ت، وانظم العمال التونسيين تقريباً لهذا الاتحاد ولكن قيادة النقابات الاصلاحية اليمينية التي لم تقف إلى جانب مطاليب العمال التونسيين جعل هؤلاء العمال ينفضون عن النقابات الفرنسية.
خلال تلك الحقبة من نضالات الطبقة العاملة التونسية شهدت تونس اضرابات عديدة ومتواصلة، وبرز " محمد علي " كمؤسس أول تنظيم نقابي عمالي مستقل للعمال التونسيين .. في 17 / آب / 1924م تم تأسيس التنظيم المستقل لعمال الرصيف وتلتها سلسلة من الاضرابات العمالية نجمت قسم منها في تلبية مطاليب العمال فيما يخص ظروف العمل كما تم تلبية أهم رغبات ومطاليب العمال ومنها اطلاق سراح محمد علي الذي اعتقل اثناء الاضرابات السابقة.
خلال عام 1924م تكونت عدة نقابات منها نقابة السكك ونقابة عمال المطاحن ونقابة الحرايرية ونقابة مناسج الحرير الميكانيكية ونقابة السمنت وغيرها.
ولقد جرى تأسيس " الجامعة العمالية " في كانون 1924م وانتخبت لجنة تنفيذية مؤقتة تراسها محمد علي . ونشطت الحركة العمالية في كافة الميادين فسارعت السلطة الاستعمارية الفرنسية إلى اعتقال القادة النقابين التونسيين وغيرهم من السياسين الوطنيين.
ان تاريخ الطبقة العاملة وحركتها النقابية يشير بأن الحركة الشيوعية في تونس هي الحركة السياسية الوحيدة التي عملت على تطوير الحركة النقابية وساندتها وقدمت لها ما تستطيع من رجال وأموال وصحافة " لقد كان الشيوعيون في أهم المراكز الحساسة للتنظيم النقابي ".
الخلاصة
لم نتناول جميع الاقطار العربية لأننا وجدنا تشابه كبير في حركة الطبقة العاملة وتأسيس حركتها النقابية، كما لاحظنا أن الاحزاب السياسية لعبت دورا نشطاً ومهما في مساندة الطبقة العالمة لتأسيس نقابات وطنية خاصة بها.
ان نضال الطبقة العاملة في الاقطار العربية وحركتها النقابية منذ السيطرة الاستعمارية المباشرة او أثناء الاستقلال الشكلي أو بعد الاستقلال كان ينصب في كل قطر من الاقطار لتكوين النقابات والجمعيات الخاصة بها ولهذا نلاحظ بروز حسها الطبقي التضامني لكي تكون طبقة بحد ذاتها لها حدودها الطبيقة المعروفة وأهمها تعرضها للاستغلال ان كانت ضمن شغيلة اليد أو شغيلة الفكر، كما ناضلت هذه الطبقة وحسب وعيها الطبقي ضد الافكار الاصلاحية واليمينية التي كانت ومازالت تحاول حرفها عن مفهوم الصراع الطبقي إلى مفهوم التعايش الطبقي والعيش والموافقة على استغلالها من قبل المستغلين الذين لا يفوتون الفرص لزيادة استغلالهم وارباحهم من قوة عمل الطبقة العاملة .
وناضلت الطبقة العاملة ايضاً وما زالت تناضل ضد القيادات التي تنصبها السلطات الحكومية ونتيجة هذه المواقف تكونت بعض الاتحادات النقابية السرية، كما انفصلت الكثير من الاتحادات النقابية عن الاتحاد الدولي للنقابات الحرة وانظمت لاتحاد النقابات العالمي .
وقد أثمر نضال الطبقة العاملة في الاقطار العربية طوال سنين عن تأسيس أول اتحاد دولي لها في عام 1956م الذي انعقد مؤتمره التأسيسي في دمشق وحضره ممثلون عن مصر وسرويا ولبنان والاردن ولبيا وكذلك الحركة النقابية العراقية حيث كانت هذه الأخيرة تمر بظروف سياسية مختلفة، وانظم إلى هذ الاتحاد " الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب " تقريباً جميع الاتحادات في الاقطارالعربية ، إلا أن ذلك لا يعني ان الاتحادات او الاتحاد الدولي لنقابات العرب حظيت باستقلالية كاملة عن سياسة الحكومات في الاقطار العربية بل العكس فإن اكثريتها ما زالت تعاني التدخلات وفرض القيادات من الاعلى عليها وهناك الكثير من الخروقات تجاه حقوق الطبقة العاملة وحرية التنظيم النقابي ومبادئ الديمقراطية النقابية المعروفة.