محمود جلبوط
الحوار المتمدن-العدد: 1915 - 2007 / 5 / 14 - 09:37
المحور:
حقوق الانسان
وأخيرا حكمت محكمة الجنايات في دمشق بعد الكثير من اللبس واللغط والأخد والرد على كل من المعارضين للنظام السوري الديكتاتوري: الكاتب ميشيل كيلو و محمود عيسى بالسجن ثلاث سنوات لكل منهما بتهمة إضعاف الشعور القومي وفق المادة 285 من قانون العقوبات السوري .
وحكمت بالسياق نفسه غيابيا(لتواريهما عن الأنظار) على كل من سليمان شمر وخليل حسين بالسجن عشر سنوات لنفس التهمة الموجهة لزميليهما وزادت المحكمة عليهما تهمة التحريض لدى دولة أخرى للعدوان على سوريا حسب المادة 278 (والله , وبكسر الهاء يعتبر إتهام هؤلاء بإضعاف الشعور القومي أو بالتعاون مع دولة أجنبية في حالة حرب مع سوريا مهزلة كبرى ومدوية , وأنظر من يتهم من؟.).
ليس من الجدوى بمكان الآن الدخول في تفاصيل مواد الدستور السوري وصلاحياتها وصلاحها التي صيغت في ظل حكم ديكتاتوري قمعي ألغى المواطن والوطن بل لدستور الذي وضعه بنفسه إبان الحركة التصحيحية , فكل المطلعين على الشأن السياسي في سوريا يعلمون أن المتهمين سابقي الذكر قد حوكموا على خلفية بيان بيروت-دمشق/دمشق- بيروت .
ثم أنه وبالعودة لما ورد في البيان لا يجد المرء ما ذهب إليه القاضي في المحكمة السورية , بل على العكس من ذلك سيجد المطلع أنه , وعلى مدار كل فقرات البيان , الحرص على سوريا ومصلحة سوريا والشعب السوري ومثله للبنان , فمثلا ورد في مطلع البيان(شعوراً بالقلق الشديد من هذا التدهور الخطير، تداعى عدد من أصحاب الرأي في سورية ولبنان لعقد سلسلة من النقاشات والحوارات، خلال شهري شباط وآذار، توافقوا خلالها على ضرورة العمل، قولاً وفعلاً، من أجل التصحيح الجذري للعلاقات السورية اللبنانية بما يلبِّي المصالح والتطلعات المشتركة للشعبين في السيادة والحرية والكرامة والرفاه والعدالة والتقدم.)
وإذا تابع القاريء إن أراد القراءة في البيان فسيرد عبر الصياغة أيضا ما يؤكد حرص الموقعين على أخوة الشعبين وليس عداوتهما أو أجنبيتهما!!فقد ورد:( لكننا نود، في حيِّز هذا الإعلان، أن نستعيد أيضاً ما يختزنه تاريخ شعبينا من نضالات وتضحيات مشتركة، متذكِّرين، في هذا الصدد، شهداء ساحتي المرجة، في دمشق، والبرج، في بيروت، خلال العامين 1915 و1916، والانتفاضات الوطنية والشعبية ضد الانتداب الفرنسي عندما كانت المدن اللبنانية تقفل وتتظاهر ويتلقى شبّانها الرصاص بصدورهم تضامناً مع انتفاضات المدن السورية والعكس بالعكس. ولقد توقفنا أمام المسؤولية الكبرى التي تتحمَّلها الطبقات الحاكمة في البلدين في الدفع نحو القطيعة الاقتصادية عام 1950 ووأد الحلم المشترك لروَّاد الاستقلال في تأسيس دولتين مستقلتين تقيمان أوثق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية بينهما. على أن طغيان تلك المصالح الضيِّقة لم يمنع الشعبين من تجديد نضالهما المشترك من أجل قضية فلسطين وضد الأحلاف العسكرية الدولية والإقليمية وصولاً إلى تضامنهما، خلال العقود الأخيرة، في التصدي للعدوان الإسرائيلي عليهما واحتلاله لأجزاء من أراضيهما وقد أثمر التصدي في لبنان تحرير جنوبه المحتل.
تأسيساً عليه ، وفي زمن تتكاثر فيه العوامل الضاغطة من أجل المباعدة بين السوريين واللبنانيين، نعلن إصرارنا على الحوار والتضامن والعمل المشترك من أجل التصحيح الجذري للعلاقات بين البلدين والشعبين وفقاً لرؤية وطنية مستقبلية مشتركة هذه بعض مكوناتها:
أولاً: احترام وتمتين سيادة واستقلال كل من سورية ولبنان في إطار علاقات ممأسسة وشفافة تخدم مصالح الشعبين وتعزز مواجهتهما المشتركة للعدوانية الإسرائيلية ومحاولات الهيمنة الأميركية. وإننا ندعو في هذا المجال إلى إرساء تلك العلاقات على أسس نابذة لمشاريع الإلحاق والاستتباع من جهة والاستعلاء والتقوقع والقطيعة من جهة أخرى).
وبهذا لا يدري المرء في الحقيقة ماذا احتوت صيغة البيان ليستند الحاكم في سوريا والقاضي المغلوب على أمره في المحكمة عليه استنتاجا أنهم يحاولون إضعاف الشعور القومي أو العمل لدى دولة „أجنبية“ للتحريض على سوريا ؟
ثم لنسأل وبلا مواربة :من الذي أضعف ويضعف الشعور القومي بل الوطني في سوريا ؟
الذي عمل ومازال يعمل وعلى مدار أربعين سنة من حكم طغمة عسكرية وصلت أحيانا حد الممارسات الفاشية , لم تتوانى في ممارسة كل أنواع السياسات التي أذكت كل أنواع الشرذمة والتفتيت الاجتماعي والإلغاء للآخر السياسي(من طائفية وعشائرية وعائلية), وأزكت شعورا واحدا أوحدا عبر مؤسسات كاريكاتورية من شبيبة وطلائع ومنظمات إتحادية , عمال وطلاب وأطباء ومحامين...إلخ , هو الولاء للسلطان وإدامة حكمه وجوره وفساده لاستباحة الوطن والمواطن ونهبهما , بدلا مما ادعاه ويدعي إعلاميا سواء حماية الأرض والذود عنها في مواجهة الأعداء وما يتربص به أم لجهة المواطن وأمنه ولقمته واطمئنانه على نفسه وأولاده , مستندا بهذا بكل أنواع الاضطهاد والقهر وتغييب القانون واستبداله بقانون الحاكم ومقاساته كما جرى دائما ويجري بالتوازي مع تخاذله أمام العدو وتآمره معه أحيانا .
أم ثلة من المواطنين آلت على نفسها عدم السكوت دفعا لانهيار الوطن والمواطن
فتصدت للسلطان الجائر وممارساته في محاولة منها لحمايتهما والدفاع عنهما , والدعوى لبناء مقومات الصمود أمام العدو ببناء دولة القانون والمساواة , ومحاربة الفساد وسياسة التفتيت التي يتبعها السلطان الجائر الذي واجه هذه المعارضة ومطالبها بالموت أحيانا أوتغييبها خلف الشمس أحايين كثيرة , حفاظا على كرسيه هو , مدعيا أن كرسيه هي الوطن وأن شخصه هو الشعب , وأن خصمه هو العدو .
ثم لنسأل هازلين:من المعتدي على الآخر في إطار ما تسميه المحكمة المذكورة عبر تسميتها الدولة المعتدية لبنان أم سوريا؟
من عاث في حدود الآخر فسادا واستباح أمن مواطنيه وسلب كرامته ورزقه وحاول بشتى الطرق السيئة والممارسات الرديئة للمسؤولين المنتدبين من قبله وضباط مخابراته في عنجر وغيرها ؟ والتي أفضت أخيرا لخروجه المذل منه , عوضا عن الخروج المشرف الذي أمضى ميشيل كيلو سنوات طويلة من عمره في الدعوة إليه قبل الوصول إلى ما وصلت إليه الأمور بين سوريا ولبنان مؤخرا .
لا يسع المرء جهدا في الاستنتاج أن ميشيل كيلو ورفاقه قد دفعوا في الواقع ثمن ماذهبوا إليه بعيدا في البيان عبرت عنه بعض فقراته في إثارة غضب النظام الدكتاتوري, والتي دعته إلى مالا يرضى عنه وشخصه وما يتهمه ويحمله مسؤولية الاغتيالات في أرض لبنان ومحاولاته المتكررة لإثارة الفوضى فيه , فقد ورد في البيان:( تشهد العلاقات اللبنانية السورية تدهوراً متسارعاً بات يهدِّد بتكريس شرخ عميق بين البلدين الجارين والشعبين الشقيقين. لقد اتسع نطاق هذا التدهور منذ إجراء عملية التمديد للرئيس اللبناني إميل لحود، في انتهاك لروح الدستور اللبناني وفي استهتارٍ برأي أكثرية اللبنانيين، ثم تصاعد، بوتائر شديدة الخطورة، مع ارتكاب جرائم الاغتيال السياسي التي أودت بحياة شخصيات سياسية وحزبية وإعلامية ومواطنين أو طاولتهم وفي المقدمة منها جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. في هذا الصدد، يطالب المشاركون السوريون بضرورة الاعتراف السوري النهائي باستقلال لبنان ومغادرة كل تحفظ ومواربة في هذا المجال. ويعلن المشاركون السوريون واللبنانيون معاً تمسُّكهم الحازم بالحيلولة دون أن يكون لبنان أو سورية مقراً أو ممراً للتآمر على البلد الجار والشقيق أو على أي بلد عربي آخر. وإننا معاً نرى أن الخطوات الأولى في هذا الاتجاه تتمثَّل بترسيم الحدود نهائياً والتبادل الدبلوماسي بين البلدين.) , وورد في المادة الرابعة من البيان ما يعتبره النظام في سوريا تجاوز الخطوط الحمر في عملية نقده (رابعاً: نطالب بضرورة احترام وتنمية الحريات العامة والخاصة وحقوق الإنسان وبناء دولة القانون والمؤسسات والانتخابات الحرة والنزيهة وتداول السلطة ووحدة الدولة وبسط سلطتها على كامل ترابها الوطني. ونؤكِّد على الأهمية الاستثنائية التي تكتسبها مسارات التحوُّل الديمقراطي في حماية الاستقلال وتعزيز قدرات شعبينا في معاركه الوطنية والقومية. بل نصرُّ على أنَّ سيادة نظم ديمقراطية في البلدين يشكل أفضل ضمانة لقيام ورسوخ علاقات متكافئة وسليمة بينهما. لكننا نتمسَّك، في الآن ذاته، بحق الشعبين في أن يختارا، وبكامل الحرية، النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي يتلاءم وتطلعاتهما من دون أي إكراه.)
على ما ورد سابقا لا يمكن للمرء إلا أن يسأل: من الذي يضعف الشعور القومي إذا بل الوطني لدى المواطن في سوريا بل على ساحة الوطن العربي ككل ؟ النظام القهري في سوريا عبر مؤسساته وممارساته وتضليله أم الكاتب ميشيل كيلو وإخوانه فك الله أسرهم وأسر الشعب السوري جميعا قريبا.
#محمود_جلبوط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟