يعتبر الحق في المحاكمة العادلة من الحقوق الأساسية للإنسان. و هناك جملة من المعايير لضمان المحاكمة العادلة بهدف حماية حقوق الأفراد من لحظة القبض عليهم و حرمانهم من الحرية و أثناء احتجازهم قبل تقديمهم للعدالة و عند محاكمتهم من المحكمة الابتدائية إلى الاستئناف و إلى النقض.
و انتهاك الحق في المحاكمة العادلة أضحى يبعث القلق لاسيما بعد بروز هنا و هناك قضايا أكدت بما لا يدع مجالا لأدنى شك أن هناك ضحايا كثيرين ببلادنا حرموا بشكل أو بآخر من حق المحاكمة العادلة, بل هناك منهم من أدينوا ظلما و عدوانا بفعل عدم توفر أدنى شروط المحاكمة العادلة.
فما المقصود بالمحاكمة العادلة؟
بادئ دي بدء لا يمكن الحديث عن المحاكمة العادلة يشهد لها الناس بالعدل و الإنصاف إلا ادا توفر شرطان. أولا الالتزام بإجراء المحاكمة, من بدايتها إلى نهايتها حسب المعايير المنصوص عليها في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان. و ثانيا من الضروري أن تكون السلطة القضائية سلطة مستقلة و محايدة.
فحسب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن لكل شخص الحق في المحاكمة العادلة, اد تنص مادته العاشرة على ما يلي :
" لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة و محايدة نظرا منصفا و علنيا, للفصل في حقوقه و التزاماته و في أية تهمة جزائية توجه إليه".
أما العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية فقد اعتبر المحاكمة العادلة معيارا من معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان الذي يهدف إلى حماية الأفراد من انتقاص حقوقهم أو حرمانهم منها بصورة غير قانونية. و نصت المادة 14 من هدا العهد على ما يلي : " من حق كل فرد أن تكون قضيته محل نظر منصف و علني من قبل محكمة مختصة مستقلة حيادية منشأة بحكم القانون".
و حسب مختلف المواثيق و العهود الدولية, هناك جملة من المعايير الدولية لمقاربة تحقيق محاكمة عادلة, و يمكن إجمالها
فيما يلي :
_ الحق في عدم التعرض للقبض أو الاعتقال التعسفي بأي شكل من الأشكال و في أي وضع من الأوضاع , اد أنه لا يجوز مطلقا حرمان أحد من حريته إلا لأسباب و وفق شروط و كيفيات ينص عليها القانون. و التعسف لا يعني فقط التصرفات المخالفة للقانون, و إنما يعني كذلك عدم اللياقة و الظلم و عنصر المفاجأة و هدا التفسير أقرته لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
_ الحق في الإبلاغ بالحقوق, أب لكل شخص الحق في الإطلاع على ما له من حقوق باللغة التي يفهمها. فحسب المبدأ 13 من مبادئ الأمم المتحدة المتعلقة بحماية الأشخاص الدين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز, على السلطة المسؤولة عن إلقاء القبض أو الاعتقال أن تقوم بتزويد الشخص المقبوض عليه بمعلومات عن حقوقه مع تفسيرها و توضيح كيفية استعمالها.
_ الحق في توكيل محام, اد من حق المعتقل توكيل محام للدفاع عنه في جميع مراحل الإجراءات. و قد نص المبدآن 10 و 17 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة على أن حق المعتقلين الاستعانة بمحام فورا, و بأي حال خلال مهلة لا تزيد عن 48 ساعة من ساعة إلقاء القبض. و من حقه أن يتشاور مع محاميه دون أن يكون دلك على مسمع من أحد, و يسري هدا الحق مند لحظة إلقاء القبض ة أثناء فترة الاعتقال و أثناء التحقيق و أثناء أجراء المحاكمة.
_ الحق في إبلاغ أسرة المتهم بنبأ القبض عليه, و هدا ما نصت عليه القاعدة92 من القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء. اد من حق المعتقل أن يقوم فورا بإبلاغ أسرته بنبأ اعتقاله مع منحه كل التسهيلات المعقولة للاتصال بعائلته.
_ الحق في التحقيق في مزاعم التعذيب, اد أن المادة 13 من اتفاقية مناهضة التعذيب تنص على أن السلطات عليها أن تضمن إجراءات التحقيقات المحايدة على وجه السرعة في جميع مزاعم التعذيب, و أكدت لجنة حقوق الإنسان على ضرورة تولي السلطات التحقيق على وجه السرعة و بروح الحياد في كل شكوى من وقوع التعذيب.
_ عدم الاستشهاد بالأقوال و التصريحات و الاعترافات المنتزعة تحت وطأة التعذيب و عدم الاستناد عليها. و قد نصت المادة 12 من إعلان مناهضة التعذيب أنه ادا تبث ببيان ما كان بنتيجة للتعذيب أو غيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاانسانية ا, المهينة, لا يجوز اتخاذ دلك البيان دليلا ضد الشخص المعني أو ضد شخص آخر في أية دعوى.
_ الحق في افتراض البراءة, اد أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه قانونا في محاكمة علنية تكون قد و فرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. و هدا حق منصوص عليه في مجموعة مبادئ الأمم المتحدة (المبدأ 36) و العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية و السياسية (المادة 14). و يجب أن يكون افتراض البراءة ساريا مند لحظة إلقاء القبض على الشخص حتى يتم تأكيد الإدانة بحكم نهائي بعد استنفاد كل مراحل الطعن في الحكم الصادر. و هكذا فان عبء إثبات التهمة على المتهم عند محاكمته يقع على عاتق الادعاء. و قد علقت لجنة حقوق الإنسان في هدا الصدد قائلة أن معنى افتراض البراءة هو أن عبء إثبات التهمة يقع على كاهل الادعاء و أن الشك في صالح المتهم, و لا يمكن افتراض أن المتهم مذنب حتى يتم إثبات المتهم بما لا يدع مجالا لأي درجة معقولة من الشك
_ الحق في سرعة أجراء المحاكمة العادلة, و هدا ما نصت عليه المادة 9 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية. و قد حددت لجنة حقوق الإنسان درجة السرعة في " أيام معدودة". و هدا لا يتعلق فقط بالوقت الذي بجب أن تبدأ فيه المحاكمة, بل يتعلق أيضا بالوقت الذي يجب أن تنتهي فيه و صدور الحكم.
_ الحق في المساواة أمام القانون
_ الحق في علانية المحاكمة
_ الحق في أوضاع احتجاز إنسانية اد تنص المادة 10 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية على أن كل من يقبض عليه يجب أن يعامل معاملة إنسانية تحترم الكرامة الأصلية في الإنسان, و هدا يفر فرضا توفير ظروف احتجاز معقولة و أن تحترم حقوق المعتقلين.
_ إتاحة ما يكفي من الوقت و التسهيلات للدفاع, و هدا ما نصت عليه المادة 14 من العهد الدولي السلف الذكر.
_ الحق في مناقشة الشهود اد من حق كل شخص أن يناقش شهود الاتهام بنفسه أو من قبل غيره و أن يحصل على الموافقة على استدعاء شهود النفي بنفس الشروط المطبقة في حالة شهود الاتهام(المادة14 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية)
_ الحق في الاستعانة بمترجم اد يجب أن يتاح لكل مشتبه فيه أو متهم أن يستعين بمترجم في جميع مراحل الإجراءات القضائية و أثنائها. و هدا ما نص عليه المبدأ 14 من مجموعة مبادئ الأمم المتحدة و المادة 14 من العهد الدولي السالف الذكر.
_ الحق في عدم إعادة المحاكمة بنفس التهمة اد لا يجوز تعريض شخص مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو برئ منها بحكم نهائي وفقا للقانون (المادة14 من العهد الدولي السالف الذكر).
_ حظر تطبيق القانون بأثر رجعي اد لا تصح إدانة شخص بأي جريمة بسبب فعل أو امتناع عن فعل لم يكن وقت ارتكابه يشكل جريمة بمقتضى القانون الوطني أو الدولي, كما لا يجوز فرض عقوبة أشد من العقوبة التي نص عليها القانون وقت ارتكاب الجريمة (المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان).
_ حق الاستئناف و الطعن اد لكل شخص حق اللجوء إلى محكمة أعلى لطلب إعادة النظر في قرار أدانته و في العقاب الذي حكم به عليه.
_ الضمانات الخاصة في حالة الحكم بالإعدام, اد تنص المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية و السياسية أنه لا يجوز تطبيق عقوبة الإعدام إلا بمقتضى حكم نهائي, و من حق كل محكوم عليه بالإعدام أن يسعى للعفو عنه أو لتخفيف الحكم كما لا يجوز فرض عقوبة الإعدام إلا حينما يكون ذنب الشخص المتهم قائما على دليل واضح مقنع لا يدع مجالا لأي تفسير بديل للوقائع.
و علاوة على مختلف هده الحقوق و المبادئ يظل استقلال القضاء يمثل إحدى الضمانات الجوهرية لمقاربة تحقيق المحاكمة العادلة. فلا يمكن أن تتسم المحاكمة بالعدالة و الإنصاف و لن يعتبرها الناس منصفة ادا كان القضاة الدين يصدرون الأحكام و يوزعون العقوبات يفتقرون إلى الاستقلال و النزاهة و الحياد و لا يتصفون بالبعد عن التحيز مهما كان الأمر و مهما كان الظرف و مهما كان المعني. و لهدا السبب أكدت لجنة حقوق الإنسان على حق المحاكمة أمام محكمة مستقلة و محايدة كحق مطلق لا يجوز بأي حال من الأحوال استثناء أي أحد منه.
و معنى هدا أن القضاء يجب أن يتمتع وحده بسلطة الفصل في القضايا المحالة عليه و يتوجب أن لا تتعرض الهيئة القضائية- سواء كأفراد أو كهيئة- لأي تدخل من أي نوع كان و من أية جهة كانت في عمله. كما يجب أن يتمتع القضاة بحرية الحكم في المسائل المعروضة عليهم استنادا إلى الحقائق الثابتة بموجب القانون و لا شيء غير القانون, بعيدا عن تأثيرات التدخل أو التعليمات سواء من طرف فرع من فروع السلطة أو الحكومة أو الأفراد بصفتهم الشخصية أو اعتمادا على مواقعهم.
أما الحياد فيعني أن على القاضي أن لا يكون له رأي مسبق عن أية قضية أو ملف ينظر فيه, و أن لا تكون له مصلحة في مآل أو نتيجة التي ينتهي إليها النظر في القضية و ألا يسلك سبيلا يرجح مصلحة طرف على طرف آخر. علما أنه يجب أن تتاح له شروط العمل بعيدا عن أي تأثير من الهيئات الحكومية و بعيدا عن وسائل الإغراء و الضغط أو التهديد.
و مهما يكن من أمر فان تركت الساحة للتعصب السياسي فان هدا من شأنه أن يقود إلى تقويض سيادة القانون, و بدلك تتجمع شروط و ظروف انتهاك حقوق الإنسان بمنأى عن العقاب. و في ظل هدا الواقع يشعر نفاد القانون بأن لهم حرية في احتجاز الأفراد عشوائيا و أنهم يستطيعون تعذيب المشتبه فيهم دون خوف من المحاسبة أو العقاب. و هكذا يسود بين المواطنين شعور مفاده أنه لا ملاذ يمكن اللجوء إليه لطلب الإنصاف و تكريس العدالة.
إدريس ولد القابلة مكلف بمهمة بمركز حقوق الناس