|
الارهاب بالصورة والاعلام
فاطمة الزهراء
الحوار المتمدن-العدد: 1914 - 2007 / 5 / 13 - 14:56
المحور:
الصحافة والاعلام
الارهاب بالصورة والاعلام نظمت ندوة دولية عن" الإعلام وتكون الهويات الجماعية بالمنطقة المتوسطية " . وقد حضرت للندوة التي تطرقت لمجموعة من المواضيع المهمة التي لها علاقة بالاعلام وتاثيره على باقي الميادين الحياتية الاخرى. من بين المداخلات ،جاءت مداخلة بعنوان"الصراع الاسرائيلي-العربي في الصحافة الفرنسية" للمشارك جاك والتر. والتي على ضوئها ،حاولت المشاركة في الندوة ،لكن فقط بالتفكير في ما تخلفه الصورة الاعلامية من تاثيرات على المشاهد العربي واقصدبالضبط الصور القادمة من الحرب والاضطهاد والعنف... وارغب ان اشارك المنتدى في ما كتبته عن تفكيري بالموضوع. في مداخلته، تحدث والتر عن الصراع بين فلسطين وإسرائيل، وعلاقة الإعلام بهذا الصراع ، وعن مدى موضوعية أو ذاتية الصحفي في نقل الأحداث والصور. فيرى أن الصحفي محاصر بالصحافة كوظيفة ومهنة توجب عليه الاحتكاك بالميدان ورصد الأحداث والحقائق مما يضعه في محك التفاعل مع الميدان الذي يؤثر فيه كإنسان أولا ، وبانتمائه لقومية معينة تتعاطف مع أحد الطرفين المتصارعين ثانيا. ويكون محاصرا أيضا بكونه باحثا إعلاميا وهذا يحثم عليه الرؤية الموضوعية والذات المنتقدة للإعلام نفسه ولمهنته ثالثا. وقد أشار والتر إلى تعاطف أغلب الإعلاميين مع الجانب الفلسطيني الذي يقدمونه كضحية .لكن البعض يقدمونه كإرهابي ضد الجانب الاسرائيلي. وقد حضي هذا الصراع باهتمام كبير لدرجة أنه وصل عدد الصحفيين الذين يقومون بالتغطية الإعلامية إلى 900 صحفي. هل هذه التغطية الإعلامية من هذا الحجم تعكس فعلا حقيقة الصراع أم هذا راجع لمدى فعالية هذا الصراع في السياسة الدولية وخلق التوترات المرجوة من السيادة الدولية وكونه رهان تلعب به السلطات المحلية وكذا الدولية خدمة لمصالحها وتمريرا لإيديولوجياتها؟ انطلاقا من هذا السؤال سأتناول الصورة في الإعلام التلفزيوني خصوصا وكمثال سأعتمد على صورة محمد جمال الذرة وأبيه للحديث عن الصورة المنقولة من الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي ومدى استعمالها لتغيير الواقع والحقيقة. تكتسي مباحث الصورة اليوم من الأهمية ما يجعلها طلائعية،خاصة وأن تكنولوجيا الصورة والإعلام قد حولت العالم إلى راحة يد يكفي أن نبسطها كي نطلع على ما يدب فيها . إن آثار الصور قد أصبحت جزء من الحياة العامة بأخلاقها الفاضلة وتأثيراتها الإنحرافية، بصورها وأفلامها الخليعة وتلفزيونها . . . .وسواء كانت الصورة موحشة او مخففة عن النفس ،أو كانت مدهشة أو فاتنة ،او كانت يدوية أو آلية، ثابتة أو متحركة، بالأبيض والأسود أو بالألوان، صامتة أو ناطقة، فإنها تمارس الفعل وتحث على رد الفعل، وهو الشيء الأكيد منذ عشرات آلاف السنين .. . ..وإذا كانت الصورة بطبيعتها تحمل في طياتها شيئا آخر بالقوة غير الإدراك، فإن قدراتها –سواء تعلق الأمر بهالة قداسة او بحظوة أو إشعاع ما- تتغير مع الزمن . إن الصورة "مفهوم" يستعصي على التحديد لأنه مجال تلتقي فيه اللغة والجسم والنفسي والعضوي والذهني.إنها تقع في الفاصل والرابط بين المرئي واللامرئي ،وبين المعقول والمحسوس. إن جسمنا بدوره صورة.وجسمنا قذرنا كما قال فرويد،فهو الذي يشكل مظهرنا ومصيرنا النفسي والعقلي والغريزي.من تم ،فالصورة تفتن لأنها تشكلنا باعتبارها صورتنا من جهة وباعتبار حاسة النظر التي ما تفتأ يوميا تختزن الكم الهائل من الصورالتي تتشكل من علاقتها بالنور. إن زمننا هو زمن الشاشة والعولمة والصورة الرقمية، وبدأت الصورة تشتغل وفق مبدإ جديد هو مبدأ اللذة. وأصبحت الصورة التلفزيونية تعتمد على منطق خلق الأحداث وإعادة تركيبها وتوليفها تبعا لمنطق اليومي والعرضي. ولأن الصورة كيان مربك ومخيف أحيلنا، فإن كثرة الصور التي تنتجها الآليات التلفزيونية وغيرها في عصر العولمة تحول المشاهد إلى بالوعة للصور وتصيبه بالعمى،أي بالإنمحاء التام للفرشة الدقيقة النقدية التي تمتلكها كل صورة في ذاتها.فترويض الصورة بالكثرة ينجم عنه تضخم بصري نغدو معه مدعوين إلى غض البصر.إن عالم الصور الحالي يحول الكائنات إلى ذريعة، أي إلى مجرد علامات يتم تأليفها وتوليفها تبعا لمنطق الكشف والحجب...وتتحول الصورة إلى حجاب لواقع تدعي أنها المعبرة الحقيقية عنه. وتتضمن مشاهدة التلفزيون في زماننا هذا أيضا إلى المشاهدة أو التعرض للعنف والمعاناة والموت. وعلى سبيل المثال نذكر صورأحداث 11 شتنبر2001 :هجوم الطائرات على برجي مركز التجارة العالمي، وصور سقوط تمثال صدام حسين الذي يشير إلى سقوط بغداد، وصور تعذيب سجناء سجن غريب والبث المباشرلتقتيل البوسنيين والإفغان وصورة قتل الجنود الإسرائيليين للطفل الفلسطيني البريء محمد الذرة وهو بين ذراعي أبيه .وهنا يذكرنا ريجيس دوبريه في كتابه" حياة الصورة وموتها" بأن مثل هذه الصور فتحت قلوبنا وعقولنا على المعاناة والقمع اللذين لم يكونا قابلين للرؤية هكذا من قبل.ومن نتائج هذا ،خلق نوع من الرأي العام العالمي الذي له تأثيره الخاص عبر العالم. انطلاقا من هذه المعطيات والدلالات التي تمتلكها الصورة وتأثيراتها على كل المستويات، أرجع إلى الصراع الفلسطيني –الإسرائيلي ومدى تمثيله وتمثله عبر الصورة.وسأعتمد على نفس المثال السابق لقتل محمد جمال الذرة ووالده وسأحاول أن أقرأ هذه الصورة من منطلقي الشخصي محاولة ربطها بما جاءسابقا. قبل ذ لك أشير إلى سؤال مهم: لماذا تم التقاط هذه الجريمة ؟ ولماذا تم ترويجها بشكل يبدو مبالغا فيه مقارنة مع جرائم ومذابح أخرى قد نسفت أعدادا من الفلسطينيين؟ ولماذا أخذت وقتا أطول في وسائل الإعلام بكل أنواعها؟ إن هذه الصورة هي تجسيد لعلاقة متينة ورابطة متينة لأب عربي وإبنه. صورة يتمثل فيها كل عربي وكل أب وكل طفل وكل أم أنجبت الطفل حتى ولو لم تكن واضحة للعيان. إذن في مجملها هي صورة لأسرة، لنواة المجتمع العربي. عندما يطلق الرصاص ، يحمي الأب إبنه ويواجه النار وهنا تظهر التضحية والمقاومة التي لم تدم طويلا ،وهذه هي الرسالة الثانية الموجهة للمجتمع العربي:"مهما قاومتم ستهزمون لأنكم بدون سلاح وضعفاء".وتقريب الكاميرا من الشهيدين لرؤية وتتبع تلفظ أنفاسهم ما هي إلا وسيلة لتقريب الصورة أي صورة الموت للمشاهد العربي خصوصا، وليكون الذرة وابنه عبرة لمن سيحاول المقاومة أو التصدي. أما إطلاق الرصاص على طفل بريء يحمل رسالة أن حتى الأطفال الذين هم رمز الحياة والاستمرارية فليس لهم وزن ولا يحركون مشاعر الإسرائيلي الذي يمكنه قتل أيا كان حتى الطفل.وهذه طريقة لتصفية ونسف النسل والأجيال . ويبقى التخويف والترعيب والارهاب النفسي هو الهدف الأول من هذه الصورة. بالمقابل تعطي هذه الصورة القوة للجندي الإسرائيلي بالمشاهدة الأولية طبعا دون التحليل والتعمق . ومشاهدة هذه الصورة وأمثالها بشكل مستمر يخلق لدى المشاهد العربي نوعا من الجمود والروتين وتصبح الجرائم عادية وقابلة للمشاهدة وكأن ما يشاهد هو من الخيال أو التمويه التلفزي وليس من صميم الواقع. وبالتالي لا يخلق لديه أي رد فعل وهذا هو المقصود . وفعلا أصبح المشاهد العربي مستهلكا لصور مأساته ومعاناته ونسفه دون أدنى حركة بل أصبح مدمنا على تتبعها وبالمباشر الشيء الذي يجعله يقبع في المنزل "ويولد لديه وهم المشاركة في الانتفاضات أو الحروب" ويترك الشارع للركود والصمت في حين كان الشارع مسرحا للمقاومة، وللاحتجاج، وللانتفاضة، وللاتحاد ،ولتبادل الافكار والخطط...
فاطمة الزهراء
#فاطمة_الزهراء (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعددت الانفجارات والسبب...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|