|
أزمة الرئاسة التركيه، أزمة هوية أم أزمة خيارات تتصل بالجغرافيا والمصالح البعيدة ؟
راسم عبيدات
الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 13:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أزمة الرئاسة التركيه ، أزمة هوية أم أزمة خيارات تتصل بالجغرافيا والمصالح البعيدة ؟ .......بداية لا بد من القول أن كمال أتاتورك ، وكما يسمى أبو الأتراك ، قد أرسى مبادىء الدولة التركية العلمانية عام 1923م ، وهو في هذا الإطار أحدث حالة من القطع ، بل الطلاق مع المؤسسة الدينية ، حيث أنه وعلى سبيل المثال لا الحصر ، قد منع إقامة الآذان ، ولبس الحجاب ، وإطلاق اللحى ، واستبدل العمامة بالطربوش ، وأتاتورك حاضر في آذهان ووجدان الأتراك كباني للدولة التركية الحديثة ، حتى أنه يترك له مقعد فارغ في البرلمان يكتب علية اسمه وينادى عليه في افتتاح جلسات البرلمان ، ويرد أحد الأعضاء أنه موجود ، دلالة على علمانية الدولة ، ولكن منذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة ، حدثت الكثير من التغيرات والتحولات الإجتماعية والإقتصادية والفكرية في المجتمع التركي ، بحيث غدت الأحزاب الإسلامية قوة رئيسة وبل قوة مسيطرة في المجتمع التركي ، والبعض يحاول أن يصور المشكلة على أنها كما تبدو في الظاهر صراع بين التيار الإسلامي ، الذي يعبر عنه حزب العدالة والتنمية الإسلامي ، ومرشحه الذي كان مطروحاً للرئاسة عبدالله غول من جهة ، وبين المؤسسة العسكرية القوية والتيار العلماني من جهة أخرى ، والذي سير مؤخراً مظاهرات ضخمة ناهزت المليون شخص تحت شعارات " لا للشريعة ولا للإنقلاب " ، ولكن المشكلة والصراع المطروحين ينطويان على قضية أخرى ، هي علاقات تركيا الإقليمية وسياساتها في المنطقة ، فقد نجح حزب العدالة والتنمية وتحديداً بعد غزو العراق ، في ممارسة سياسات تميزت بالإستقلال النسبي عن السياسات الأمريكية والأطلسية في المنطقة ، كما مكنتها هويتها الثقافية من التعبيرعن تفاعلات الشارع التركي مع القضيتين العراقية والفلسطينية ، وكذلك مد جسور الثقة مع كل من سوريا وإيران ، و مكانة تركيا ودورها الإقليمي في المنطقة والجوار العربي ، وداخل المجموعة الإسلامية ، يجعلها مصدر الإهتمام الإقليمي والدولي ، ومن هنا نرى أن المؤسسة العسكرية ، والتي لعبت دوراً رئيساً في التأزيم السياسي ، ودفع الأمور إلى التصعيد والتهديد باستخدام القوة من أجل من منع عبدالله غول زعيم حزب التنمية والعدالة الإجتماعية من الترشح لتولي منصب الرئاسة ، له صلة مباشرة بالرؤى والتصورات والمواقف السياسية ، حيث أن الخيار الإقليمي لحكومة العدالة ، والتي أحدثت ما يشبه القطيعة مع مسيرة طويلة من قضية الطلبات الأطلسية والأمريكية خصوصاً، وكذلك فإن المؤسسة العسكرية ، هي حسب الدستور مكلفة بحماية الجمهورية العلمانية ، ، وبالتالي فإن تولي رئاسة الجمهورية ، لرئيس ذو فكر إسلامي ، فهناك مخاطر لفرض رؤيته وفكره وثقافته على المجتمع التركي ، فالرئيس أيضا وحسب الدستور التركي ، يتمتع بصلاحيات واسعة ، ومدة بقاءه في سدة الحكم هي سبع سنوات ، وهو يستمر في ممارسة دوره ومهامه وصلاحياته ، وبغض النظر عن الحكومات تذهب وتجيء مع نهاية فترة ولايتها ، والرئيس له حق تثبيت التعينات أو حجبها ، وكذلك تعيين مدراء الجامعات ، وبالتالي هذا يمهد لتشريع وفرض سياسة التحجيب في الجامعات " اللباس الشرعي " ، وأيضاً تتخوف المؤسسة العسكرية من تعزيز دور الدين في السياسة والحياة العامة ، وهناك نقطة يجب الإشارة إليها ، أنه في حالة السماح لغول أو أردغان بخوض الإنتخابات وفوز أحدهما ، فهذا يعني أن زوجة الرئيس ستظهر محجبة في المناسبات العامة ، وتصبح المسألة أبعد من غطاء الرأس وكونها لها علاقة بالحرية الشخصية ، لكي تصبح نهج ورؤيا وثقافة ، يتم تسييدها في المجتمع ، حيث أن ظهور بغطاء الرأس في المناسبات العامة ، يحرمه القانون والبرلمان والقصر للشخصيات العامة ، وهناك نقاط جوهرية يجب التطرق لها تساعدنا في توضيح الأمور ، أن الأحزاب العلمانية والتي تتمسك بأتاتورك تميزت فترات حكمها ، بدخول البلاد في الكثير من الأزمات الإقتصادية والسياسية ، وكذلك سوء الإدارة والفساد ، والخلافات السياسية وغيرها ، في حين نجح حزب العدالة والتنمية الإسلامية في تحقيق نوع من الإستقرار السياسي والإقتصادي ، حيث حقق الإقتصاد التركي معدلات نمو مرتفع قياساً ، بالفترات السابقة ، وتم مراقبة التضخم وخفضه ، والإصلاحات راعت حاجات مختلف الفئات والطبقات الإجتماعية من مزارعين ، رجال أعمال ، صناعيين وعمال .. الخ ، وكذلك حزب العدالة والتنمية نجح في القيام بإصلاحات اجتماعية وسياسية حسب ما نصت عليه إتفاقية " كوبنهاجن " ، من أجل الحصول على عضوية الإتحاد الأوروبي .ونقطة الإهتمام الجوهرية والمفصلية للمستثمرين الأجانب في تركيا ، هي ليست غطاء الرأس للنساء التركيات ، ولا قوانين الجامعات ، بل ما يهم المستثمر ، هو بالأساس استقرار سياسي ، وحكومة قوية ، والإستمرار في سياسة التقشف وعدم صرف الأموال بدون كوابح وضوابط وبشكل عشوائي ، ونقطة أخرى في غاية الأهمية وهي ، الإحتفاظ بعلاقات جيدة ووطيدة مع صندوق النقد والبنك الدوليين والإتحاد الأوروبي ، واستقرار وثبات في العلاقات مع أمريكيا وإسرائيل وأوروبا ، ومن هنا فإنه منذ عام 2002 ، عام تولي حزب العدالة والتنمية السلطة ، وهو يحافظ على علاقات جيدة مع المؤسسة العسكرية القوية وقوى التيار العلماني ، ولكن هناك العديد من الأسئلة المشروعة ، والتي تثار حول المشهد التركي في المدى البعيد ، وخصوصاً في ظل التطورات الإقليمية والدولية ، هل ستتصاعد الأزمة بين المؤسسة العسكرية والقوى العلمانية من جهة ، وبين القوى والأحزاب الإسلامية من جهة أخرى ، ارتباطا بالجغرافيا السياسية والمصالح البعيدة ، لهذا البلد الهام سياسياً واقتصادياً وإستراتيجياً لتصل حد المواجهة والإحتراب الداخلي ، أم أن النموذج التركي سيثبت قدرته على الإستمرار من خلال الآليات الديمقراطية والدستورية ، وهاتان المسألتان رهنً ، بمدى قدرة الحركة الإسلامية على التكيف مع النظام العلماني الذي يحرسه الجيش من جهة ، ومن جهة أخرى على مدى قدرة القوى العلمانية على التكيف مع حقيقة ، أن التيارات الإسلامية هي مكون طبيعي في نسيج المنطقة ، وتعبيرات شعوبها السياسية ، وينبغي التعامل معها من هذه الحقيقة ، وخارج منطق القهر والرفض المسبق الذي يمكن ، أن يقود إلى ان هذه التيارات تقوم بتنحية المعتدلين وهو ما ينذر بأزمات أشد خطورة . إن ما سيبدو وسيكون عليه المدى الأبعد للمشهد التركي رهن بذلك وبالتطورات الإقليمية والدولية ، وقدرة القوى العلمانية والإسلامية التركية على ضبط إيقاعاتها وخلافاتها على قاعدة وحدة المجتمع التركي الداخلية وفق قواسم مشتركة ، وبما لا يدفع نحو تطور وتصاعد الخلافات بينهما ، وبما يمهد لإنقسام مجتمعي ، يدخل البلاد في أتون الصراع والإحتراب الداخلي خدمة لأجندات وأولويات غير تركية . بقلم :- راسم عبيدات القدس – فلسطين 11/5/2007
#راسم_عبيدات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مفارقات ، لجان تحقيقهم ولجان تحقيقنا ، و - طوشهم وطوشنا -
-
رسالة لكل المقدسيين الحل ليس بالسكين ولا بالعصا ولا بالجنزير
-
عن جدران الفصل وسياسة الفوضى الخلاقة
-
المفاوضات من أجل المفاوضات ، أومفاوضات طحن الهواء وخض الماء
-
واقع الحركة النقابية في مهمة بناء النقابات العمالية / فلسطين
...
-
المبادرات العربية والردود الإسرائيلية عليها
-
على ضوء قضية الدكتور عزمي بشارة / الجماهير العربية وقواها ال
...
-
في يوم الأسير الفلسطيني / الأسرى الفلسطينيون وملف
-
الساحة اللبنانية حبلى بكل التطورات
-
هل إقترب موعد الضربة النووية الأمريكية لإيران
-
ما سر الإهتمام الإسرائيلي الأمريكي بمبادرة السلام العربية
-
فلتان أمني تخت السيطرة ، ومصالحة وطنبة - سوبر -
-
- أولمرت - يترأس القمة العربية - ورايس - تضع جدول
-
المنطقة العربية متوقع أن تشهد صيفا ساخنا
-
هل ما زال ممكنا إعادة إصطفاف القوى المؤمنة بالخيار الديمقراط
...
-
الحكومة تشكلت والقدس غابت
-
في الذكرى السنوية الأولى لإعتقال سعدات ورفاقه
-
سيناريوهات محتمله لردود الفعل العربيه
-
التيار الديمقراطي الفلسطيني ، هل يتوحد أم يزداد شرذمه وإنقسا
...
-
الكارثه تحدق بقطاع التعليم الحكومي في القدس الشرقيه
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|