عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 1913 - 2007 / 5 / 12 - 13:45
المحور:
الصحافة والاعلام
يحلو لكثير من الكتاب والمداومين على القراءة والتصفح الرقمي ,مع اختلاف ميولهم ونزعاتهم السياسية , وانتماءاتهم الإيديولوجية والفكرية , ان يصوروا عملية النشر الورقي راهنيا, أنها جحيم شأن حارق , ورهان تقليدي وماضوي مفلس , مرتبط في جوهره بلهيب الحساسية و الانتماء الحزبي ,وبمقص رقابة مؤسسة مستبدة لا تنام , والعملية فوق ذلك , فيضان جارف من المتاعب المادية, والحرائق النفسية التي لا تطاق.
والانكى من ذلك , ان كتابات هؤلاء , لا تقتصر في مجملها على الإعلام والتنفيس, وإنما تتجاوز ذلك في الدعوة الى الانتقام , مطالبين بتسريع إيقاع موت الورقي , والتعجيل بنهايته , محددين بثقة مبالغ فيها سقفا زمنيا مزاجيا لا يتجاوز 40 سنة لأفوله وانهياره. ولا يغفل هؤلاء الكتاب في مقالاتهم العديدة التي تنشر كل يوم, الكترونيا , الانتصار الحاسم لتصورهم ,خارج أية رقابة ,موغلين في إذكاء المفارقات , ورصد التناقضات, وبسط التأويلات ,بإفراط وتفريط . فإلى أي حد هم صادقون؟؟؟؟
الحقيقة , أن ما يراه هؤلاء الوافدون الرقميون الجدد , من مشاكل واحباطات , تؤثث فضاء النشر والتوزيع الورقي له أسباب نزول , ولعل اقرب التفسيرات الى الواقع , معانات هؤلاء الكتاب الشخصية مع منابر إعلامية محددة ,انعكست او اريد لها ان تنعكس في صورة انفعال لا فت , ويتم تصريفها في شكل سلوك عدواني غريب . والمثير للانتباه ان تصريف ردة الفعل هذه , لا تتسم بالإقليمية , و لا يقتصر نسخها وإلصاقها على قطر عربي بعينه , وإنما يلبسونه لباس العربي , فينسجم بالقوة لا بالفعل على باقي أقطار الوطن العربي, من المحيط إلى الخليج . وهنا تحديدا , وباستحضار معطيات لها علاقة بالظاهرة , ومع قليل تحفظ , هم صادقون.
لكن دلك , لا يعني أنهم مبالغون . إلا حين يصفون عملية النشر الرقمي بالجنة والفردوس المفقود , دونما أدنى تحفظ.معددين مزايه ملاحظين ان العديد من الصحف الامريكية بدات تهتم بالصحيفة الرقمية في مقابل خفض توزيع الصحيفة المكتوبة.... غير عابئين ما لهذا الهامش الرقمي العولمي من مفارقات ومن انزياحات وانزلاقات خطرة ,سيأتي زمن و سياق الاكتواء بحرقتها في المستقبل القريب جدا. ومع ان لهؤلاء حقهم في الرأي , والنشر ,والتدوين , والان الامر في مجمله يندرج في سياق دراسة التفاعل والتغيرات التي بدات تحدثها الانترنيت على المتلقين عموما...
و مع أن كل من الوسيلتين " الصحافة الورقية والالكترونية "لا غنى عنهما في الوقت الراهن لكل بلد طموح ,باعتبارهما وسيلة من وسائل التثقيف والنهضة , والمعرفة العلمية , إلا أن هناك أشواطا ينبغي العالم العربي عموما والمغرب على نحو خاص سواء , يجب ربحها , سواء تعلق الأمر بالتأسيس, أو التجنيس ,.من بين هذه التحديات , الاعتراف الرسمي من طرف الدولة, مرورا بالهيكلة والتاطير القانوني , , وصولا الى ما يترتب عن ذلك من تسهيل مساطر الدعم .
هناك أيضا مسألة تواضع أعداد مستخدمي الانترنت العرب ,والذين تصل أعدادهم إلى 14 مليون مستخدم وفق آخر الإحصائيات ,معظمهم من الشباب , من غير دخول في تفاصيل وملابسات الاستخدام , علاوة على غياب آليات الدعم و التمويل في مختلف صورها, سواء كان تمويلا مؤسسيا , ذاتيا ’ أو بصورة إعلانات, حيث أن هناك حالة من انعدام الثقة بين المعلن العربي, والانترنت بصفة عامة. ناهيك عن التباس الصورة , وضبابية المرحلة .
الى ذلك ,يظل السؤال مطروحا. ماذا يقرا مثقفونا ..وشبابنا. على الانترنيت .؟؟ والى متى يظل التطرق للصحافة الالكترونية خجولا , بل خارج اهتمام الفاعلين الأساسيين , والشركاء في المجال السمعي البصري, وطنيا وعربيا؟؟
والحقيقة ان أوجه المقارنة من حيث المبدأ ,بين النشر الورقي والرقمي وطنيا على الأقل , غير منصفة ,ولا متكافئة. للوهلة الأولى , فمن جهة , على مستوى السياق الكرونولوجي , يبدو التناقض رهيبا.فالصحافة الورقية عرفت تواجدا منذ قرون خلت وتصنيفها كلاسيكي ومعروف . فهي الى جانب كونها مستقلة , أو تابعة لهذا الحزب او ذاك , شاملة أو متخصصة , منتظمة الصدور أم غير منتظمة, هي إما يومية أو أسبوعية أو شهرية.....
على المستوى الرقمي ,لابد ان هناك مسافة غير قابلة للتجسيرعلى صعيد التصنيف , هناك المدونة الشخصية المتخصصة , التي تتيح التجديد اليومي , وهذه الأخيرة وان كانت مفتوحة في وجه الجميع ,إلا أنها لا تدرج المواضيع والآراء إلا بعد موافقة صاحبها. هناك المنتدى , إلا ان الدخول المجاني, وانعدام أي نوع من الرقابة , وإدراج بعض الكلام البذيئ أحيانا يفقد لمسة الجاذبية الرقمية "من هب ودب" له رأي ,وهذا لا يعني انتفاء الإبداع أو غياب السجال الفكري الرصين.
هناك الجريدة اليومية ذات النظيرين سياسية أو حزبية .طبعة ورقية, توازيها طبعة الكترونية. وهناك الجريدة الالكترونية اليومية من غير نظير ورقي... فالسياقات "الصحفية" تختلف سواء من حيث الذات أو الموضوع , وكذلك معايير التصنيف غير البريئة ,والتي تهمس بالولاء لهذه المؤسسة أو تلك ,فضلا عن غياب مؤسسة للرصد الأكاديمي الى جانب الإسقاطات النزعات الذاتية, وهي معايير لا بد ان يستحضرها أثناء تشكل الموقف .
في هذا الصدد يقول الصحفي والكاتب العربي غسان كي: "منذ سنوات، كتبت داعيا الصحافيين الى مقاطعة الانترنت" ويبدوا ان الكاتب الكبير كان مخطئا . اذ عاد ليقول مجددا " الصحافة من الحيلة والذكاء بحيث تسخِّر الانترنت لخدمتها. كل مطبوعة صحافية اليوم لها موقع تنشر عليه. جيل القراء الشباب يقرأ الصحيفة على الانترنت. الصحافيون الأكثر ذكاء مني فتحوا مواقع لهم يستقبلون فيها قراءهم. في مقابل الانتشار على الانترنت، تخسر الصحافة المكتوبة الإعلان وقراء السوق، ولكنها توفر ثمن الورق والطبع المرتفع. هناك صحافة الكترونية ولدت مباشرة على الانترنت، من دون أن تعاني آلام المخاض والولادة على الورق، ومن دون أن تَتَعَمَّد بحبر المطابع"
........
نعم قد نتفق على ان للنشر الورقي منزلقات ومتاعب لا حد لها ولا حصر. تكشف عن ذلك اعترافات و حوارات, مذكرات , وسير . في المقابل يبدو النشر الالكتروني أو الكتابة الرقمية في مرونته وسهولة الولوج طفرة حقيقية على مستوى حريات التعبير عربيا , هو الى جانب كونه ولادة دونما مخاض , ثورة وعي , و صاعقة معرفة لا جدال , لكن , الحكم لصالحه بالسرعة والانفعال المتجلي , يفسد للموضوعية طرحها . مادام لكل إصلاح ضحاياه , ولكل ثورة خونتها, ولكل جديد تبعاته.
كاتب تونسي يلج موقعا الكترونيا أول مرة , يقول يتساءل بمرارة "
هل يأتي اليوم الذي تصبح فيه للكاتب الرقمي نفس مكانة وأهمية الكاتب الورقي؟ الفجوة إذن موجودة.. هناك بديهة ليست منصفة , تقدم الكاتب الورقي نموذجا..
وعندما يتحدث ككاتب رقمي فهو لا يقصد الكتاب الذين جاؤوا إلى الفضاء الرقمي بعد أن اكتسبوا الشهرة والشرعية من خلال أعمالهم وإبداعاتهم المنشورة في وسائط ورقية!! بل يقصد كاتبا بعينه , مقدما ذاته نموذجا .كاتب , لا وجود له خارج الشبكة العنكبوتية ، كاتب لم ينشر أي نص مطبوع ورقي ،ولم يكتب في أي جريدة أو مجلة ورقية !! ليس فيما مضى فحسب , ولكن لا ينوي القيام بذلك لا حاضرا أو مستقبلا".
وفي مقابل هذا الاتجاه , هناك توجه آخر, طراز من صحفيين وأساتذة الجامعة وأكاديميين مشهود لهم بمواقف فكرية , وبغزارة الإبداع والنشر الورقي , لكنهم يرفضون النشر الالكتروني جملة وتفصيلا ..إلا ما كتب عنهم , أو حولهم من اقتباسات ودراسات ’ معتبرين الفضاء مجال للفوضى والقرصنة , والتسيب المعرفي , كما ان أمر ولوج هذا الفضاء كما يتصورونه , أسهل من سوق شعبي , وهو بذلك مرتع لكل ومن هب ودب .
ولعل أهم ما يمكن رصده في علاقة بموضوع القراءة على نحو عام , ما يسميه البعض ب" أزمة القراءة الإلكترونية نفسها ، وهي معضلة شبيهة بالأزمة التقليدية للقراءة الورقية ، والتي ترتبط في بعض جوانبها " بالأمية الالكترونية لدى الطبقة العالمة, والمثقفة , والشبه مثقفة, إضافة إلى تواضع عدد الأفراد الذين لديهم ارتباط بالشبكة العنكبوتية ، إما بسبب وضعف الدخل الفردي, أو تردي الوضع المجتمعي معيشيا ،أو لافتقار مناطقهم الربط بشبكة الكهرباء ,أو نظرا لانعدام الرغبة لديهم في البحث وإشباع ميول القراءة والتصفح لدى شريحة كبيرة من المحسوبين على الحقل المعرفي ، ليقتصر البحث لديهم فقط على كل ماهو ترفيهي , اباحي , أو له علاقة بالمتعة والتسلية،أو بالتعارف السطحي المستعار .
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟