ميثم سلمان
كاتب
(Maitham Salman)
الحوار المتمدن-العدد: 1911 - 2007 / 5 / 10 - 08:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تقديس الرموز الدينية عند المسلمين يصل إلى درجة قتل أي شخص يتناول تلك الرموز بأي انتقاد حتى لو كانت القرينة التي يستند عليها الانتقاد مستلة من بطون المصادر التاريخية المعتمدة من قبل المسلمين ذاتهم. والتقديس لديهم لا يقتصر على الشخصيات الأولى في لإسلام والخلفاء والأئمة بل يستمر ليشمل حتى المراجع الدينية الحالية, فهم يقيمون الدنيا ولا يقعدوها أن تحدث شخص ما بطريقة لا تليق بمكانة تلك المرجعيات أو الأشخاص . فهم هنا يخلطون بين الدين وما فعله هؤلاء الأشخاص خلال مسيرتهم الحياتية , وبهذا الخلط أو الربط يسيئون للإسلام أكثر مما يخدمونه. ولو فرقوا بين فحوى الدين وبين سَّير أولائك الأشخاص الحياتية لكان أفضل لهم واجدي. بل أن الكف عن تبجيل هذه الأسماء , وتقبل انتقادهم بمرونة وبلا تشنج , يساهم في إيقاف الحروب الطائفية التي ما أن تنطفئ بمكان حتى تشب بآخر, وهي منذ بدأ الخلافات على السلطة بين تلك الرموز ما فتئت تحصد أرواح الآلاف من إتباع الطائفتين , فهي حرب دائمة مستمرة , تكون أحيانا طاحنة قذرة فتاكة و تكون باردة تشمل شتم ودسائس وضغينة وأحقاد أحيانا أخرى.
أرجو من الأخوة المسلمين إدراك أن السيرة الحياتية لأي شخصية دينية مهما علت شأنها هي عبارة عن موضوع علمي يخضع للدراسة والتمحيص والنقد والتحليل , وان يدركوا أن تلك الشخصيات ما هي ألا بشر مثلنا لها غرائز كما نحن لدينا وهي تحب وتكره وتأكل وتشرب و لها زلاتها و أخطاءها . وهو ما أكده القرآن عن محمد في سورة الكهف (قل أنما انا بشر مثلكم) إلا أن المسلمين مصرين على إضفاء بعض من التأليه والتعظيم على تلك الشخصيات ويهدروا دم كل من يطالها بالنقد . وفي ذات الوقت يسمحوا لأنفسهم أن ينعتوا كل من يختلف معهم بشتى الأوصاف التي تحمل مضامين دونية عندهم , علناً , في وسائل الإعلام المختلفة وفي مساجدهم من خلال منابر الجمعة . حيث لا مفر للناس من سماع تلك الخطب المفروضة على الناس , فالمآذن ترسل خطبهم للجميع , ناهيك عن الآذان المتكرر خمس مرات في اليوم, ولا يهمهم أن كان هناك من لا يريد السماع , أو ينزعج من هكذا أصوات .فهم يصنفون الآخرين إلى (مرتد, كافر, مشرك, زنديق... و ناصبي ورافضي) لتكون مواد أولية لفتاوى قتل ونسف وهدر دم وحرق ونفي وتهجير... الخ وتثور ثائرتهم أنْ نحن أطلقنا حكم ينطبق على سلوكيات كانت قد مورست من قبل أشخاص ماتوا منذ مئات السنين, حتى وان كانت تلك الوقائع مثبتة بكتبهم المعترف بها .
سأذكر بعض من تلك الأفعال التي أجدها تحتمل إساءات لحقوق الإنسان ارتكبت على أيادي أشخاص يحاطون بهالة قدسية من قبل المسلمين, وهي أفعال لا يسعني تسطيرها كلها سأكتفي بالنزر القليل ومن الذي صادف قراءاتي المتواضعة في كتب التراث الإسلامي . كان محمد النبي وبعد الغزوات يعامل المرأة كغنيمة , حيث توزع النساء على المقاتلين المسلمين بعيد قتل رجالهم , بل انه تزوج إحدى هذه السبايا بعد أن جاءته تنشده المساعدة على مكاتبتها( ثمن الأنعتاق) على احد المقاتلين الذي حصل عليها كسهم من الغنيمة. يقول الطبري في تاريخ الأمم والملوك ج2 ص263 (( ...عن عائشة زوج النبي( ص) قالت لما قسم رسول الله (ص) سبايا بني المصطلق وقعت جويرة بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عمه فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة لا يراها احد إلا أخذت بنفسه فاتت رسول الله (ص) تستعينه على كتابتها قالت فو الله ما هو إلا أن رأيتها على باب حجرتي كرهتها وعرفت انه سيرى منها مثل ما رأيت فدخلت عليه فقالت يا رسول الله أنا جويرة بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء مالم يَخْفَ عليك فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس أو لابن عم له فكاتبته على نفسي فجئتك استعينك على كتابتي فقال لها فهل لك في خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضى كتابتك وأتزوجك قالت نعم...)
كان محمد النبي يبعث السرايا أو كما سماها الباحث خليل عبد الكريم في كتابه النص المؤسس ومجتمعه ((سلاح المهمات الخاصة)) لتصفية المناوئين له والمحرضين عليه بالقول والفعل ومن هذه الفرق الخاصة ما بعثه محمد لقتل كعب بن الأشرف في السنة الثالثة الهجرية بعد أن سمع انه اخذ ((يحرض على رسول الله (ص) وينشد الإشعار ويبكي على أصحاب القليب الذين أصيبوا ببدر من قريش)) تاريح الطبري ج2 ص178 فقال محمد: ((من لي من ابن الأشرف)) ويسرد لنا الطبري وقائع موت الأشرف على يد إتباع الرسول بطريقة بشعة لا تخلو من غدر وجبن بعد أن دعوه خارج بيته للحديث معهم واطمئنوا لعدم حمله أي سلاح (( ..فخرجوا يتماشون فمشوا ساعة ثم أن أبا نائلة شام يده في فَوْدِ رأسه ثم شم يده فقال ما رأيت كالليلة طيبِ عطرٍ قط ثم مشى ساعة ثم عاد لمثلها حتى اطمأن ثم مشى ساعة فعاد لمثلها فأخذ بفودى رأسه ثم قال اضربوا عدوا الله فاختلفت عليه أسيافهم فلم تغنِ شيئا فأخذته وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصنٌ إلا أوقدت عليه نار قال فوضعته في ثُــنْدُؤَتهِ ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ووقع عدو الله وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ بجرح في رأسه أو رجله إصابة بعض أسيافنا ))
وكذلك إرساله لمن يصفي العجوز عصماء بنت مروان التي هجت محمد النبي وأدناه بعض مما قالت:
باست بني مالك والنبيت وعوف وباست بني الخزرج
اطعتم اتاور من غيركم فلا من مراد ولا مذجج
ترجونه بعد قتل الرءوس كما يرتجى مرق المنضج
ألا أنف يبتغي غرة فيقطع من أمل المرتجي
وهذا سرد لطريقة قتلها ننقله من كتاب (المجهول في حياة الرسول) للدكتور المقريزي:
(( أرسل النبي عمير بن عدي إلى عصماء بنت مروان لخمس ليال بقين من شهر رمضان وكانت عصماء عند يزيد بن زيد بن حصن الخطمي وكانت تعيب الإسلام وتؤذي النبي وتحرض عليه وتقول الشعر فجاءها عمير بن عدي في جوف الليل حتى دخل عليها بيتها وحولها نفر من ولدها نيام منهم من ترضعه في صدرها فجسها بيده وكان ضرير البصر ونحى الصبي عنها ووضع سيفه على صدرها حتى أنفذه من ظهرها ثم صلى الصبح مع النبي فقال النبي صلعم أقتلت بنت مروان ؟ قال نعم فهل على شئ ؟ فقال لا ينتطح فيها عنزان! فكانت هذه الكلمة أول ما سمعت من الرسول صلعم وسماه رسول الله صلعم عمرا البصير. الطبقات الكبرى لأبن سعد باب سرية عمير بن عدي.))
أما الخليفة الثاني أبو بكر فهو قاد حروباً ضد من امتنع عن دفع الزكاة لدولته وقتل ما قتل منهم وأتاح فيها لقادته حرق (المرتدين) كما يحدثنا المفكر هادي العلوي في كتابه ( تاريخ التعذيب في الإسلام) في معرض حديثه عن الإعدام حرقاً (( وورد في حروب الردة ما يدل على أن أبا بكر ضمن تعليماته لقادة الجيوش التي أرسلها لمحاربة المرتدين أوامر بالإحراق. وروى الطبري كتابين له في هذا المعنى كما نقل وقائع نفذت فيها أوامره. ويخبرنا البلاذري في «فتوح البلدان» أن خالداً بن الوليد أحرق بعض المرتدين بعد أسرهم وأن اعتراضاً من الصحابة قدم لأبي بكر ضد هذا الإجراء، فردهم أبو بكر قائلاً: «لا أشيم سيفاً سله الله على الكفار» يقصد خالداً.))
ويبدو أن علي بن أبي طالب قد أعجبته تلك الطريقة البشعة بالإعدام فاخذ يحرق الإحياء بالجملة بل انه تحسب له براءة اختراع القتل بالدخان كما يذكر لنا الشيخ أبو جعفر الكليني في كتابة (الكافي) في ((...محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل، عن كردين، عن رجل، عن أبي عبد الله ، أبي جعفر عليهما السلام قال: إن أمير المؤمنين عليه السلام لما فرغ من أهل البصرة أتاه سبعون رجلا من الزط * فسلموا عليه وكلموه بلسانهم فرد عليهم بلسانهم، ثم قال لهم: إني لست كما قلتم أنا عبد الله مخلوق، فأبوا عليه و قالوا: أنت هو، فقال لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله عز وجل لا قتلنكم فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا فأمر أن تحفر لهم آبار فحفرت ثم خرق بعضها إلى بعض، ثم قذفهم ثم خمر رؤوسها ثم الهبت النار في بئر منها ليس فيها أحد منهم فدخل الدخان عليهم فيها فماتوا. * الزط: هم جنس من السودان والهنود))
وفي نفس الباب يستنبط الكليني فتوى شرعية عن أقامة الحد على المرتد حيث يقول (( وبهذا الإسناد أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يحكم في زنديق إذا شهد عليه رجلان عدلان مرضيان وشهد له ألف بالبراءة جازت شهادة الرجلين وأبطل شهادة الإلف لأنه دين مكتوم. ))
فأي عدل هذا؟؟ واحترام لحرية الإنسان بالتفكير؟؟
وهو لم يختلف عن باقي القادة المسلمين بسبي النساء بعد قتل رجالهم و تصفية المناوئين له حتى لو كانوا بالمئات , وفي هذا الصدد يشرح لنا الشيخ محمد عبده ضمن كتاب نهج البلاغة كلام علي بن أبي طالب بحق مصقلة بن هبيرة الشيباني عندما فر إلى معاوية هرباً من علي الذي كان يطالبه بالمال الذي وعد به كفدية لسبايا بني ناجية (( كان الخريت بن راشد الناجي احد بني ناجية مع أمير المؤمنين في صفين ثم نقض عهده بعد صفين ونقم عليه في التحكيم وخرج يفسد الناس ويدعوهم للخلاف, فبعث إليه أمير المؤمنين كتيبة مع معقل بن قيس الرياحي لقتاله هو ومن انضم اليه فأدركته الكتيبة بسيف البحر بفارس , وبعد دعوته إلى التوبة وابائه قبولها شدت عليه فقتل وقتل معه كثير من قومه وسبي من أدرك في رحالهم من الرجال والنساء والصبيان فكنوا خمسمائة أسير. ولما رجع معقل بالسبي مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني وكان عاملاُ لعي على اردشير خره فبكي إليه النساء والصبيان وتصايح الرجال يستغيثون في فكاكهم فاشتراهم من معقل بخمسمائة ألف درهم ثم امتنع من أداء المبالغ , ولما ثقلت عليه المطالبة بالحق لحق بمعاوية فراراً تحت أستار الليل.)) ألم يكن الأجدر بخليفة المسلمين أن يطلق سراح النساء والأطفال بعد أن قتل الرجال ؟ وهو يفترض أن يكون خليفة لكل المسلمين يحكمهم بالعدل والمساواة!!!!
هذه الأمثلة القليلة على بشاعة ما كانت تقوم به تلك الشخصيات , وسارت على نهجها, بل وفاقتها, من جاء بعدهم من خلفاء وقادة أمويين وعباسيين , فقتلوا واضطهدوا وعذبوا وصلبوا وحرقوا وسلخوا الشعراء والعلماء والفقهاء والأئمة المخالفين لهم , بوسائل تثبت مدى سعة المخيلة السادية والقمعية لدى القادة المسلمين . فهل تستحق هذه الشخصيات أن تكون رموزاً مقدسة يُقتل كل من يمسها بالنقد؟؟
اعقد أن المسلمين لديهم ثلاث خيارات:
1- أن يقروا بحدوث هذه الأفعال ويبرروها ويؤمنوا بحتمية التصرف من قبل ذاك الشخص وفق المنظومة المجتمعية التي كانت سائدة آنذاك . وبهذا يكون حقاً العنف والقمع هو اللبنة الأساسية لتأسيس الدين الإسلامي وما فعله آلاؤك الأولين يتقاطع ما نفهمه الآن من حقوق الإنسان , وأن سننهم لا تصلح لزماننا الحالي.
2- أن يستنكروا هذه الأفعال ويقولوا أن كتب التاريخ شوهت تلك الرموز , فهي معصومة من الخطأ وارفع من أن تفعل هذه الأفعال المشينة , وهم جاءوا رحمة للناس وليس نقمة. وعندها عليهم إعلان البراءة من هذه المصادر التاريخية , والإشارة لنا بمصادرهم الموثوقة . وبهذا يفقد المسلمين جزء كبير من تراثهم وأدبياتهم التاريخية.
3- أن يقروا بحدوثها ويستنكروها ويتقبلوا الانتقاد لمن قام بها , وبهذا تسقط قدسية ومعصومية تلك الرموز.
وبما أن المسلمين يحاولون النأي بدينهم عن صفة العنف التي تلصق به , وتصويره على انه دين يحترم حقوق الإنسان , وبما أنهم يعتبرون تلك المصادر التاريخية هي مراجع لا يمكن الاستغناء عنها ؛ فافضل خيار لهم , فيما أتصور, هو إسقاط القدسية عن تلك الشخصيات الدينية , وعزل الدين الإسلامي عن أفعالهم . وهو جل ما نتمناه من أخوتنا المسلمين
#ميثم_سلمان (هاشتاغ)
Maitham_Salman#