جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 1910 - 2007 / 5 / 9 - 11:20
المحور:
المجتمع المدني
بتركيز ذهني، قرأتُ مقالة "الناخب يتحمَّل المسؤولية" لرئيس تحرير جريدة "العرب اليوم" الأردنية الأستاذ طاهر العدوان؛ وقد جاءت محاولة لإجابة سؤال "ما العمل؟"، والذي هو دائما السؤال الذي تُثيره في عقولنا "الأزمة" عندما تشتد وتعنف، ويبدو لنا حلها، أو تخطيها، من الصعوبة بمكان (أُنْظُر نص المقالة).
"نعم" و"لكن".. هذا ما أقوله في تعليقي على العنوان ("الناخب يتحمَّل المسؤولية"). "نعم" إنَّما أقول بها؛ لأنَّ الناخب (ناخب البرلمان المقبل على وجه الخصوص) هو "الضحيَّة"؛ ولأنَّ "الضحية" هي أوَّلا، أي في المقام الأول، مَنْ يتحمَّل مسؤولية "مأساتها"؛ وطالما أثبت لنا التاريخ وأكَّد أنَّ الاستبداد الحكومي يضرب جذوره عميقا في سلبية واستكانة وقنوع الشعب، أي ضحية هذا الاستبداد. وقد أعجبني هيجل إذ لاحظ أنَّ فساد الحكومات مِنْ فساد الرعيَّة، فإذا ارتفع منسوبه هنا ارتفع هناك، وإذا هبط هنا هبط هناك.
على أنَّ علاقة التأثير المتبادل بين الحكومة والرعية تُرينا، ولا بدَّ لها من أن ترينا، أنَّ الرعية ما أن تصنع الحكومة على صورتها ومثالها حتى تشرع الحكومة تعيد خلق الرعية بما يلبِّي حاجتها، أي حاجة الحكومة، إلى البقاء الذي لا يبقي في الرعية إلا ما يجعلها في قصور ذاتي ميكانيكي دائم. الـ "نعم" بلا "لكن"، هي "نعم ظالمة"؛ لأنَّها تُبرِّئ ساحة الحكومة، التي لا نظلمها، ولا نتجنى عليها، إذا ما اتَّهمناها بأنَّ لها مصلحة حقيقية وكبرى في أن يُنْتَخب البرلمان المقبل بهذه الطريقة، وعلى هذا النحو.
"قليل من الأردنيين.." يحدِّثونكَ بإيجابية عن الحال التي سيكون عليها البرلمان المقبل، فالغالبية العظمى من الأردنيين لن ترى من إيجابية في البرلمان الذي ذهب، على سوئه، إلا عندما ترى بعيون يقظة لا تغشاها الأوهام البرلمان الآتي. هذا ليس برأي رئيس التحرير، وإنَّما حقيقة واقعة لا تخالطها خرافة. حتى الحكومة ذاتها تعلم علم اليقين أنَّ قلَّة من مواطنيها تَنْظُر إلى البرلمان المقبل بعيون الثقة والتفاؤل. ومع ذلك، وهنا تكمن المفارقة الكبرى، تنمو هذه "القلَّة"، فتصبح "كثرة"، يوم الانتخاب، وكأنَّه اليوم الذي فيه، وبه، تَظْهَر وتتأكَّد "ازدواجية الواحد"، أي ازدواجية المواطن ـ الناخب. هذا المواطن إنَّما يَنْظُر إلى الانتخابات البرلمانية بعينين اثنتين متناقضتين: عين العقل (أي عين مصالحه وحاجاته الحقيقية والواقعية) وعين العصبية العشائرية والعائلية..
بالعين الأولى يرى الحق حقا، والباطل باطلا، فيقول في الانتخابات والبرلمان الخارج من رحمها ما تمجُّه أسماع الحكومة. أمَّا بالعين الثانية فيرى الحق باطلا، والباطل حقا، فيُقْبِل على الانتخاب.
هل هذا التضاؤل في إيجابية الموقف الشعبي من الانتخابات والبرلمان يُقْلِق الدولة، أو يمكن ويجب أن يقلقها قبل المواطن، وأكثر منه؟ هذا سؤال مجرَّد يشبه سؤال "هل المطر مفيد أم ضار؟". هناك من يستفيد من المطر فيراه مفيدا، وهناك من يتضرَّر منه، فيراه ضارا.
الدولة يمكن ويجب أن تقلق؛ ولكنَّها تفاضِل بين قلقين؛ وقد فضَّلت أحدهما على الآخر، فالدولة ستكون في منتهى القلق لو أنَّها جَعَلَت الانتخابات البرلمانية مستوفية لشروط جعلها تحظى بقبول وتأييد الغالبية العظمى من مواطنيها. إنَّ مصالح الدولة هي التي جعلت ميلها إلى انتخابات كالتي نراها أقوى، وأقوى كثيرا، من ميلها إلى انتخابات تذهب بـ "البرلمان العشائري ـ العائلي" لتأتي بـ "برلمان قومي"، يمثِّل الشعب في وحدته العليا، وليس في انقسامه البائد بحسب المعيار التاريخي والحضاري.
برلماننا هو "مؤسسة الدولة الوحيدة المنتخَبة مباشرة من الشعب". "نعم"، و"لكن"..
البرلمان هو مؤسَّسة من مؤسسات الدولة؛ ولكنه مؤسَّسة لا تزن كثيرا إذا ما قسنا وزنها بـ "ميزان الحكم (والسلطة والقرار)". وبحسب هذا الميزان، نرى في النواب، أي في "ممثِّلي الشعب"، عيونا لا تُبْصِر، وآذانا لا تسمع، وأيادي بلا مخالب ولكن تُصَفِّق، وأفواه بلا أسنان. ونراهم يُقرِّون مشاريع قوانين هُمْ آخر من يَعْلَم حقيقتها وتأثيراتها وانعكاساتها، فالنائب ليس لديه من مرجعية حزبية (سياسية وقانونية..) تجعله قادرا على أن يرى ببصره وبصيرته أبعاد ومعاني هذا الذي يَنْظُر في أمره من مشاريع القوانين.
برلماننا مؤسسة من مؤسسات الدولة؛ ولكنه مؤسسة ليس فيها من السلطة الفعلية للدولة إلا ما يقيم الدليل على أنَّها تشبه ظلا فَقَدَ جسمه. أمَّا "الشعب" الذي ينتخبها مباشرة فلا نراه في الانتخابات إلا بوصفه مُركَّبا انحلَّ إلى مكوِّناته الأولية، وكأنَّ الانتخابات تَفعَل في "الشعب" ما يفعله الماء النقي في قطعة سُكَّر.
"الشعب" ليس حاصِل جَمْع بين العشائر والعائلات، وإنْ تألَّف من عشائر وعائلات، ومن مكوِّنات أخرى. "الشعب" مُركَّب جديد، له خواصه وسماته المختلفة، والتي تميِّزه، ويجب أن تميِّزه، من مكوِّناته كما يُميَّز الماء عن مكوِّنيه (الأوكسجين والهيدروجين).
"التفويض الذي يمنحه الشعب للنواب يعتريه الشكوك..". هذا استنتاج منطقي وصحيح؛ لأنَّ الناخب الذي ينتخِب ويُفوِّض هو الذي كان قبل الانتخابات مواطنا، فأصبح قبيل الانتخابات وفي خلالها، ابن العشيرة والعائلة، فكيف لـ "التفويض" أن يكون من "الشعب" لـ "نوَّابه" إذا ما كانت العصبية العشائرية والعائلية هي التي تصنع المرشَّح والناخب؟!
وإذا فاز هذا المرشَّح العشائري والعائلي فلا يفوز إلا بفضل تشتت الأصوات العشائرية والعائلية. وهذا التشتت هو الذي يُنْتِج ظاهرة "النائب العشائري أو العائلي الذي فاز بالنيابة على الرغم من ضآلة عدد ناخبيه". وهذه الظاهرة تقترن، حتما، بظاهرة أخرى لا تقل سوءا هي ظاهرة "ضياع غالبية الأصوات في الدائرة (التي أريد لحجمها، أي لحجم الدائرة، أن يكون مُلبِّيا للحاجة إلى إنتاج، وإعادة إنتاج، النائب العشائري والعائلي)".
غالبية المصوِّتين كأنَّهم لم يصوِّتوا؛ أمَّا الأقلية من المصوِّتين فهُم الذين بفضل أصواتهم يفوز المرشَّح!
إذا أجمعت العشيرة على أن يكون لها مرشَّح واحد فحسب، وعلى أن يدلي الناخبون من أبنائها بأصواتهم لمصلحته فحسب، يمكننا، عندئذٍ أن نحصل على نائب لا يمثِّل الشعب؛ ولكن يمثِّل عشيرته. أمَّا إذا تشتتت العشيرة انتخابيا، وتشتتت الأصوات في الدائرة، فإننا، عندئذٍ، نحصل على نائب لا يمثِّل الشعب، ولا يمثل حتى عشيرته، ويمثِّل فحسب قلَّة من الناخبين الذين لهم مصالح شخصية في انتخابه.
"المَرْكِب الديمقراطي" يغرق فينا في كل انتخابات برلمانية، فهل من "قشَّة" يتشبَّث بها الغريق؟ إنَّ الدعوة إلى "حملة ضمير" تشبه هذا القشَّة، فانتخاباتنا هي من طبيعة تَجْعَل "الضمير (ضمير الناخب)" الضحية الأولى لـ "المعركة الانتخابية".
إنَّها، أي انتخاباتنا البرلمانية تُجرى في مناخ لا نرى فيه من الضمائر إلا المستتر منها أو المنفصل، فالناخب ولو أدلى بصوته لمصلحة "مرشَّح صالح، على خُلِق عظيم" فإنَّه لن يجيء إلى البرلمان بنائب يستوفي شروط تمثيل الشعب. يجيء إلينا بنائب ملائكي في صفاته الشخصية؛ ولكن هل هذا هو النائب المستوفي لشروط تمثيله للشعب؟!
إنني مع الدعوة إلى أن يُحكِّم الناخب ضميره عند إدلائه بصوته؛ ولكن ما نفع هذه الدعوة في بيئة انتخابية لا تُنْتِج من "المرشَّحين" و"الناخبين" إلا من لديه الاستعداد لمحاربة بديهية هندسية إذا ما تعارضت مع مصالحه الشخصية؟!
الضمائر لا تَحْكُم، ولا تتحكَّم، حيث المصالح الشخصية والفئوية الضيِّقة تعلو ولا يُعلى عليها. إنَّك يكفي أن ترشِّح نفسك في انتخابات برلمانية كالتي نعاينها ونعانيها، وأن تذهب إلى صندوق الاقتراع، حتى تُظْهِر وتؤكِّد لنفسكَ ولغيرك أنَّ مقدارا كبيرا من "الضمير" قد انفصل عنك!
الناخب يتحمل المسؤولية!
طاهر العدوان
قليل من الاردنيين الذين تسألهم عن رأيهم فيما سيكون عليه مجلس النواب المقبل, يجيبونك بالامل والتفاؤل عن الافضل في خدمة البلاد والعباد. ما تسمعه من اجابات اقلّها "لا فائدة ترجى" واكثر الاجابات شيوعا وتعميما بين الناس" ان المجلس القادم سيجعلنا نترّحم على المجلس الحالي!!.
وهذه معضلة, من المفترض ان تقلق الدولة قبل عامة الناس, فعندما تغيب الثقة بمجلس ينفرد بين مؤسسات الدولة بانه المنتخب مباشرة من الشعب, وهو الذي يحمل وجهات نظره امام المؤسسات الاخرى, فان "التفويض" الذي يمنحه الشعب للنواب يعتريه الشكوك وتهزه الامثلة والمقارنات, ويجعل من مراجعة العملية الانتخابية برمتها قضية وطنية بكل ما في الكلمة من اشارات ودلالات.
واضرب مثالاً; عندما يسعى مرشح ما خلف (اجماع عشيرته) من اجل خوض المعركة الانتخابية, فماذا يعني هذا الاجماع بالنسبة للعشائر الاخرى في دائرته الانتخابية؟ ما الذي يعني الشعب الاردني من انتخابه؟ واذا ما اصبحت الدوائر الحالية (على صغرها) تخرّج الى مجلس النواب, نواب عشائر وعائلات, فلماذا لا نضيف كلمة العشائري او العائلي, الى عنوان مجلس النواب, وبذلك لا نتجنّى على ارادة الشعب الجماعية, ولا نساهم في تضليل الدارسين للنظام الديمقراطي, بتطبيقات لا تجد لها تصنيفا في اي انتخابات نعرفها او نقرأ عنها.
تقود الممارسات الانتخابية للمرشحين, الى تقطيع الدوائر الصغيرة, وتقسيمها, واغلب الوقت تقسيم العشيرة ذاتها, وبالتالي, يفرض نظام الصوت الواحد فتح ابواب مجلس النواب امام نواب نجحوا على حالة “تقسيم” الاصوات لا جمعها. وفي النهاية نكون امام نواب انتخبهم بضع مئات او بضع آلاف, اي, نسبة ضئيلة من عدد اصوات من يحق لهم الاقتراع في كل دائرة. واذا اضفنا غياب الكتل واللوائح في المعركة الانتخابية, بما لا يجمع بين مرشح وآخر على برنامج واحد ينافس برامج اخرى عندئذ يحق لنا ان نيأس من كل اصلاح او دعوة له.
لا ازعم بأنني قادر على تصور حل ما, في الشهور القليلة المتبقية ليوم الانتخابات النيابية, فتعديل قانون الصوت الواحد اصبح متعذراً ان لم يكن مستحيلاً, وادخال تعديلات تسمح بـ (كوتا) حزبية وغير حزبية لانتخاب نواب عابرين للدوائر وعلى المستوى الوطني هو ايضا امر متعذر.
لكن ما هو غير متعذر, ويمكن تنفيذه بسهولة, (المراهنة على وعي المواطن), وكنت قد طالبت في مقالة سابقة بـ (حملة ضمير) خلال الانتخابات من اجل حث الناخبين على ادخال ضمائرهم وقناعاتهم في حسابات التصويت والاختيار عند كتابة الورقة التي توضع في الصناديق.
دعونا نأمل ونتفاءل بمواطن يعرف بان الصوت امانة, حقاً لا مجرد قول, انه امانة وطن ومسؤولية شعب وامة, ولا يحتاج الامر الى اختراع معجزة, فلأن الدوائر صغيرة, ولأن قدرة الناخب على معرفة كل تفصيل يتعلق بالمرشح وقدراته واخلاقياته وشمائله ممكنه, فلماذا لا يُحكّم ضميره ويختار الافضل, بدل ان يلقي بالمسؤولية على الدولة وعلى قانون الصوت الواحد كلما ثار جدل او حوار حول اداء وتأثير النواب ومجلسهم.
ان الناخبين لا الدولة وقانون الصوت الواحد من يتحمل المسؤولية الاولى في الاختيار بين نائب قادر على تمثيل الوطن حتى وان انتخب من دائرة صغيرة وعلى نظام الصوت الواحد, وبين نائب لا يرى غير مصالحه الضيقة.
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟