محمد عقا
الحوار المتمدن-العدد: 1909 - 2007 / 5 / 8 - 10:45
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
تكتسي دراسة الاقتصاد المغربي أهمية خاصة , كونها تساعد على فهم و إدراك باقي جوانب الحياة الاجتماعية على
المستوى السياسي و الفكري .لهدا أقدمت على هدا البحث المتواضع جدا ,وإذ أنشر نتائجه فليس إلا بهدف واحد وهو وضع لبنات أولى لاجتهاداتنا القادمة , ووضع مادة أولية للتفاعل مع الآراء الجادة والانتقادات البناءة . و لكون الوضع الاقتصادي لا يمكن وعيه خارج العلاقات التي تربط الناس فيما بينهم وبين الواقع الموضوعي , فإني خصصت هدا المقال لتناول نمط الإنتاج السائد في المغرب و ا انعكاساته على الحياة الاجتماعية و كدا السياسية المنتهجة لتأبيد هدا النمط و الحد من انعكاساته السلبية على الطبقات المسيطرة .
1 . نمط الإنتاج السائد :
قبل التطرق إلى علاقات الإنتاج , أود أن أقدم فكرة أولية عن الاقتصاد المغربي من خلال السلع المنتجة : و حجمها , و سعرها الإجمالي بالدرهم ( 1 درهم يساوي حوالي 11 أورو ) . و لهدا الغرض , ارتأيت اعتماد الإحصاءات المقدمة من طرف الحكومة المغربية وإن كانت لدي بعض التحفظات عليها . فهده الإحصاءات تغفل بعض السلع المنتجة داخل المغرب كالقنب الهندي ( الكيف ) و الدعارة ولأنها محظورة دوليا لآثارها السلبية على المجتمع وتدر على بعض رموز النظام أرباحا طائلة فإنه يتجنب الانتقادات القوية يتجاهلها .
وهده الإحصاءات أيضا لها حدود موضوعية تجد أسبابها في كون عدد من وحدات الإنتاج تخفي من حساباتها الرسمية جزءا من إنتاجها بهدف التهرب الضريبي , و عدد آخر من الوحدات غير منظمة وبحكم صغر حجمها وها مشيتها لاتقد م حسابات . وحسب بعض الدراسات , فالاقتصاد الهامشي الذي لايقد م في الإحصاءات الرسمية , كان يمثل خلال الفترة من 1999 إلى سنة 2000 حوالي 17 % من الناتج الداخلي الخام
(Limites du calcul du PIB AU Maroc / Direction de la statistique Pierre Lelien )
1 . 1 السلع المنتجة :
من خلال ما يسمى الناتج الداخلي الخام , يمكن الإطلاع على تركيبة السلع المنتجة خلال سنة محددة وسعرها الإجمالي في السوق . وفي ما يلي الناتج الداخلي الخام لسنة 2005 كما قدمته المندوبية السامية للتخطيط
( الأسعار الجارية بمليون الدرهم ) :
الفلاحة و الصيد و تربية المواشي 64695.00
المعادن 8197.00
البترول و المحروقات 73.30
تكرير البترول 9219.40
الكهرباء و الماء 19535.90
الصناعة 75789.30
البناء و الاشغال العمومية 24216.40
التجارة 55039.10
النقل و الاتصالات 34601.30
الايواء و المطاعم 9441.50
خدمات اخرى مسوقة 45056.70
مؤسسات مالية 24187.00
خدمات بنكية 24716.00-
مجموع القيمة المضافة 345637.40
ضرائب و رسوم وحقوق 34427.30
الادارة العمومية 77556.00
الناتج الداخلي الخام 457620.70
إن التقسيم المدرج أعلاه يعبر عن مختلف قطاعات الإنتاج حسب السلعة . ولأن دورة الإنتاج تبتدئ من أول تعامل للإنسان مع الطبيعة إلى مختلف التحولات التي تطرأ على المواد الطبيعية إلى حين استهلاكها , فإن كمية العمل المستهلكة داخل مختلف هده القطاعات ( بما فيها النقل و الاتصالات و الإدارة العمومية أي الدولة) هي التي تحدد قيمة العمل الاجتماعي الذي يحدد قيمة السلع المادية المنتجة داخل البلد .
1 . 2 علاقات الإنتاج :
باستثناء الفلاحة باقي النشاط الاقتصادي ينظم داخل وحدات إنتاج جزء منها في ملكية الدولة و هو في تراجع مستمر نتيجة عملية الخوصصة , و الجزء الآخر الأكبر داخل وحدات تعود فيها ملكية أدوات الإنتاج لأفراد ( مقاولات فردية ) أو مجموعة من الأفراد . تخضع هده الوحدات لمبدأ الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج الذي يضمنه الدستور و تنظمه مجموعة من القوانين كقانون الشركات و مدونة التجارة . و صاحب القرار ( داخل هده الوحدات بمقتضى القوانين المذكورة ) هو المالك الخاص لهده الوسائل و يتشكل دخله من أرباح السلع التي تنتجها الوحدة لاجل بيعها في السوق داخل المغرب أو خارجه . أما القوى المنتجة فهي تتشكل من قطاع كبير من الناس مضطرون لبيع قوة عملهم اليدوي و الذهني لكسب قوتهم اليومي , و إنتاج فائض القيمة وتنظم علاقتهم بمالك و سائل الإنتاج بقوانين على رأسها مدونة الشغل التي تحدد سقفا لعدد ساعات العمل الأسبوعية و ساعات العمل العادية في اليوم و كدا الحد الأدنى للأجور كما تضمن له حرية عرض قوة عمله وبيعها داخل المغرب كما يظهر من المقتطف " لكل الحق في شغل يناسب حالته الصحية ومؤهلاته ومهارته , كما يحق له أن يختار عمله بكل حرية و أن يمارسه في مجموع التراب الوطني " ( من ديباجة قانون رقم 99. 65 المتعلق بمدونة الشغل ) .
بناءا على ما سبق , و دون الغوص أكثر في تفاصيل هده القوانين التي تحتاج إلى مناقشة مستفيضة في مناسبة قادمة , فإن نمط الإنتاج السائد في المغرب هوا لرأسمالية . ما يهمني هنا هو تناول المبادئ العامة التي تتأسس عليها القوانين و بالتالي علاقات الإنتاج , و لأن مؤسسات الإنتاج التابعة للدولة تثير في نقاشها الكثير من التضليل , يجب التوقف عندها قليلا . أولا : هده المؤسسات تنتج سلعا لبيعها في السوق بسعر محدود و جني فائض القيمة , وتوظف عمالا يبيعون قوة عملهم مقابل أجر , ولأن أدوات الإنتاج لهده المؤسسات في ملكية الدولة , فإن فائض القيمة الذي يوفره العمال في هده الحالة يعود لميزانية الدولة بشكل عام . وعلى هدا المستوى يطرح السؤال عن توظيف فائض العمل لفائدة من ؟ . و قبل الجواب على السؤال, أوضح أن الدولة في كل مجتمع طبقي هي مجموعة من الأدوات لإخضاع الطبقة المستغلة ( بفتح الغين ) و قمعها , وتحتاج دوما إلى ميزانية يتم تمويلها من طرف كل المجتمع . لدلك , فوجود مؤسسات إنتاجية في المغرب , يذهب فائض القيمة الذي توفره إلى ميزانية الدولة هو من جهة يخفف من حاجة النظام إلى فرض المزيد من الضرائب على الجماهير الشعبية . ومن جهة أخرى فهده المؤسسات كغيرها من مؤسسات الدولة لا تعدو غير كونها ملكية خاصة للطبقة الرأسمالية كطبقة وليس أفراد. وهي لم تلجأ إلى هدا الشكل من الملكية إلا مضطرة , و سيتضح هدا الأمر أكثر إدا عدنا قليلا إلى السنوات الأولى من الاستقلال الشكلي . خلال هده السنوات كانت الرأسمالية التي نشأت في أحضان الإمبريالية , لا تتوفر على رسا ميل كبيرة لتوظيفها في بعض القطاعات ( الاتصالات و البريد – النقل – الماء و الكهرباء – الفوسفات – تكرير البترول ...الخ )التي يتميز وجودها بضرورة قصوى , لدلك اختارت أن تركز رأسمالها في القطاعات الإنتاجية المفضلة نظرا لنسبة الأرباح العالية و أن تتدخل في باقي القطاعات كطبقة عن طريق الدولة التي تسطير عليها للحفاظ على نمط الإنتاج السائد .
والآن بعض أن برهنت الدولة عن شراستها في مواجهة الحركات الاحتجاجية و المعارضة لكسب ثقة الرأسمال الإمبريالي , و بعد أن حققت الرأسمالية المحلية تراكما مهما للأرباح فإن النظام طرح مؤسسات الدولة الإنتاجية للبيع في إطار عملية " الخوصصة ".
و قبل التطرق إلى قطاع الفلاحة, لابد من تسجيل بعض الملاحظات على جزء من الطبقة الراسمالية لها وضع خاص يدفع البعض إلى الحيرة في تصنيفها وهي الملاكون العقاريون و تحديدا ملاك الأراضي. هؤلاء يمتلكون بطرق مختلفة أراض ( شراء, إرث....الخ ) وليسو ملزمين لإضافة أي قوة عمل لها لبيعها في أي لحظة . على الأقل هدا ما يظهر على المستوى الشكلي , أما إدا أخدنا بعين الاعتبار أن العامل خلال ساعات عمله يضيف قيمة معينة للسلعة التي ينتجها آنذاك و يضيف قيمة أخرى لمجموع السلع داخل المجتمع . لدلك فقيمة القطعة في نقطة محددة داخل المغرب تحدد أساسا بقيمة العمل الاجتماعي المبذول داخل المجتمع عموما وداخل نفس النقطة بالإضافة إلى العمل المضاف على نفس القطعة قبل بيعها . و هدا ما يفسر اختلاف ثمن الأرض حسب القرب من مركز حضاري او من الطريق الرئيسي وغيره. وفي الأخير فالملاكون العقاريون ليسوا طبقة مستقلة في مجتمعنا بل جزء من طبقة الرأسماليين , يتقاسمون فيما بينهم فائض القيمة المنتج في البلد و يتميزون عن بعضهم بالسلعة التي يبيع كل واحد على حدة .
في قطاع الفلاحة يجب تمييز وحدات إنتاج أنشأها رأسماليون يمتلكون الأرض ويستعملون أدوات إنتاج متطورة و يوظفون عمالا مقابل أجر وتسري عليهم مدونة الشغل المطبقة على باقي القطاعات الرأسمالية. و إلى جانب هده الوحدات هناك أخرى صغيرة و هي الواسعة من حيث القاعدة الاجتماعية المرتبطة بها , تعود فيها ملكية الأرض عموما لرب الأسرة و تعتمد على أدوات إنتاج متخلفة وتوظف عادة كل أفراد الأسرة بدون أجر محدد سلفا , و تلجأ إلى عمال بأجر محدد و ساعات عمل محددة بشكل متقطع و موسمي . اعتماد هؤلاء الفلاحين بشكل كبير على عوامل الطبيعة ’ يعرض منتجاتهم بشكل شبه دائم للإتلاف و تتعرض سلعهم المعروضة للبيع لمنافسة شديدة من طرف الوحدات المتطورة مما يقلص نسبة أرباحهم إلى أدنى الحدود .
و يمكن اعتبارها وحدات إنتاج رأسمالية متخلفة مما يدفع العاملين بها باستمرار لمغادرتها والالتحاق بالبروليتاريا في المدن . وفي البادية لا يجب إنكار أن بعض المناطق مازالت تعيش علاقات من مخلفات الإقطاع "كالخماس" و "الرباع" و غيرها من الأسماء التي كانت تطلق على الفلاحين الدين كانوا يشتغلون مع الإقطاعي في أرضه مقابل جزء محدد من الإنتاج يتم الاتفاق عليه سلفا , كما كان الحال أيام الاستعمار المباشر مع "الكلاوي " و أمثاله . و عن التحول الذي عرفه الإقطاعيون في المغرب يلزم المزيد من البحث لتوضيح وضعيتهم الحالية , كما يلزم البحث أيضا في تطور ملكية الأرض في المغرب , بحيث أن جذورها تعود إلى الحروب الطاحنة قبل الاستعمار المباشرالفرنسي الاسباني,
1. 3 الارتباط بالإمبريالية :
في ظل الاستعمار المباشر تطورت برجوازية محلية , تواطأت معه في قمع المقاومة الوطنية . و لما بدأ يشتد عود هده الأخيرة , و اتجهت حسابات الإمبريالية إلى الرحيل عن الوطن كان التحالف بين الطبقة الرأسمالية الناشئة وشبه الإقطاع الذين كان أغلبهم قواد قبائل و الإمبريالية الفرنسية و الإسبانية على انسحاب المستعمر المباشر و بناء الدولة التي تضمن مصالحهم المشتركة . وخلال الفترة التي تلت اتفاقية أيكس- ليبان منتصف الخمسينات عرف الإقطاعيون تحولات جذرية , معظمهم تحولوا إلى ملاكين عقاريين كبار أو الاستثمار في قطاعات رأسمالية تجارية أو صناعية , وتعرض بعضهم إلى الإفلاس و البلترة . كما أن الرأسمالية المرتبطة بالإمبريالية رغم أنها تمثل أقلية داخل المجتمع عرفت تراكما هاما بنفس القدر الذي زاد ا اندماجها مع الإمبريالية , وهي حاليا الطبقة السائدة على المستوى الاقتصادي إلى جانب الرأسمال الإمبريالي بشكل مشترك في بعض القطاعات الإنتاجية أو بشكل منفرد في البعض اللآخر و هي بالنظر إلى ظروف نشأتها و تطورها , تعي أن التخلي عن هده العلاقة هي عملية انتحار و لأنها بكل تأكيد تفكر في مصلحتها فهي تقمع ليس فقط الجماهير الشعبية , بل حتى الفئات الرأسمالية التي يمكن أن تنمو بشكل مستقل عنها من خلال مختلف السياسات الجبائية و غيرها .و قد حافظ الرأسمال الفرنسي و الإسباني على مركز الصدارة مند مغادرة الدولتين الاستعماريتين المغرب . فخلال سنوات 2001-2004 احتل الإتحاد الأوربي المرتبة الأولى في الاستثمارات الخارجية المباشرة للمغرب بنسبة 84,3 % منها فرنسا 46,6 % و إسبانيا 23,20% . أما الرأسمال الأمريكي فلم يمثل سوى 10,9% من هده الاستثمارات رغم الحضور السياسي القوي للولايات المتحدة الأمريكية في بلادنا . و قد وصلت خلال نفس الفترة هده الاستثمارات و القروض الخاصة الأجنبية في المغرب إلى 79,30 مليار درهم . ( المصدر: التقرير المالي و الاقتصادي 2006 ) .
و بشكل عام الرأسمالية السائدة ببلادنا, لا تساهم إلا بشكل محدود في نقل التكنولوجيا و تطوير قوى الإنتاج, و لا تتطور إلا في إطار الحدود المرسومة سلفا من طرف الإمبريالية و التي تسمح في النهاية بتخفيف حدة أزمتها الداخلية و تأبيد سيطرتها الدولية . فهي من جهة تستثمر في القطاعات الاقتصادية التي تستنزف خيرات البلاد الطبيعية ( الفوسفاط و غيره من المعادن – الصيد البحري – و بعض المنتجات الفلاحية ...) و من جهة أخرى تستغل وجود جيوش واسعة معطلة وانخفاض الأجور لنقل بعض قطاعات الإنتاج التي عرفت انخفاضا كبيرا في نسبة الأرباح بأوربا كالنسيج , التي تنتج بالمغرب و تصدر إلى الخارج . و هناك أيضا بعض القطاعات المتطورة كالصناعة الإلكترونية وصناعة الطائرات مثلا , سعيا منها إلى رفع نسبة الأرباح في بلدانها الأصلية تنقل إلى المغرب الجزء منها الذي يوظف عددا كبيرا من العمال .
عموما فالتحالف القائم بين الرأسمال المحلي و الإمبريالي خلق وضعا اقتصاديا يضيق إلى حد كبير المجال لتطوير بورجوازية و وطنية , لأنه في مختلف قطاعات الإنتاج لا يستطيع الرأسمال غير المرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر أن يجني أرباحا تسرع عملية التراكم و التطور, و بالتالي فمحكوم عليه في فترات معينة من تطوره إما الاندماج في التحالف القائم أو الانهيار . لدلك فالرأسمال المحلي يضع نصب عينيه هدا الاندماج و ليس غيره و يفكر في مصلحته و ليس مصلحة المجتمع ككل. و فيما يلي سأناقش انعكاسات نمط الإنتاج السائد على مختلف مجالات الحياة الاجتماعية.
2 . انعكاسات نمط الإنتاج السائد :
لن أتناول هنا الانعكاسات السياسية و الثقافية, بل سأقتصر على تناول بعض الانعكاسات الاقتصادية على غالبية الجماهير الشعبية, على العجز التجاري مع الخارج, و على العجز في ميزانية الدولة.
2 . 1 . رمي حوالي 70% من المواطنين خارج دورة الإنتاج:
إن الرأسمال بشكل عام يفكر في مصلحته , و الرأسمال المحلي في المغرب مندمج من حيث المصلحة و زيادة نسبة الأرباح بالرأسمال الإمبريالي , و بالتالي هو مرتبط بشكل كبير بإستراتيجيته على المستوى العالمي . و تطوير قوى الإنتاج على مستوى البلد فهي تأتي في الحسابات الأخيرة لاختياراته , أما بناء اقتصاد وطني يؤمن الاستقلال السياسي فهي غير واردة في الحسابات السائدة على الإطلاق .
لدلك فالمغرب حاليا يعتمد بشكل كبير في تلبية حاجياته الداخلية على الخارج. إذ أن ثمن منتوجات القطاعات الاقتصادية لسنة 2005 هو 345 637, 40مليون درهم و إدا حذفنا ثمن الصادرات أي 104 884 , 50 مليون درهم , فإن ما يتبقى للسوق الداخلية هو 240 752 , 9 مليون درهم و بمقابل هدا استورد المغرب ما قيمته
175 148 مليون درهم خلال نفس السنة أي حوالي 72 , 75 % ثمن منتوجات المغرب الموجهة إلى الداخل .
و لأن الرأسمال المحلي يتطور ضمن القنوات المرسومة من طرف الإمبريالية , فإنه حكم على الاقتصاد المغربي بأن يتطور ضمن هده الحدود بإبقاء البلد سوقا لقوة العمل الرخيصة و مصدرا للمواد الطبيعية الرخيصة كذلك . وكما رأينا فيما سبق من خلال الناتج الداخلي الخام , فهدا الاقتصاد هش و غير قادر على إدماج غالبية السكان و لا توفير و سائل عيشهم .
فخلال سنة 2005 وصل عدد سكان المغرب 30 مليون و 991 ألف نسمة, و تقدم الإحصاءات الرسمية أن الساكنة النشيطة المشغلة وصلت 9 ملايين و 913 ألف نسمة. ما يعني أن 68 % من السكان خارج دورة الإنتاج و بالتالي فهؤلاء محرومون من دخل لتوفير وسائل العيش. خاصة إدا علمنا أن الأجور في غالبيتها لا تسد الحاجيات الضرورية للفرد , و أن الأسعار في تزايد مستمر مما يساهم في مزيد من تدهور الأوضاع المعيشية للغالبية المتكونة من الفلاحين الصغار و العمال ( الدين يبيعون قوة عملهم اليدوي و الذهني ) , و غالبية موظفي الدولة .
و لتوضيح هده الفكرة أكثر يمكن أن نقوم بمقارنة الناتج الداخلي الخام لسنة 2005 بالأسعار الجارية لنفس السنة , مع نفس الناتج بأسعار المنتوجات لسنة 1980 ( أو ما يسمى الأسعار الثابتة لسنة 1980) . سيتضح أن نفس الناتج الداخلي الخام سيتغير ب 2,76 مرة بفعل تغير الأسعار : ( الأسعار بمليون درهم )
بالاسعار الجارية بالاسعار الثابتة 1980
القطاع الاول 64696.00 20501.00
القطاع الثاني 137032.00 51126.00
قطاع الخدمات المسوقة 178337.00 65370.00
الادارة العمومية 77556.00 28563.00
المجموع 457621.00 165560.00
تأثير الأسعار 2.76 = 165560 / 457621
أما مقابل هدا التغيير فإن الأجور ظلت إما جامدة أو عرفت تغيرات طفيفة من سنة 1980 إلى سنة 2005 .
ويمكن أن نلمس انعكاسات نمط الإنتاج السائد في كل مظاهر الحياة الاجتماعية في المغرب . فالمدن التي عرفت توسعا و تطورا هي أساسا تلك التي توفرت في ظروف تاريخية على بنيات من موانئ ومطارات كبيرة تمكن الرأسمال الإمبريالي و حليفه المحلي من إنجاز عمليات الاستيراد و التصدير ( مركز الدار البيضاء نموذجا ) . فيما تعرف باقي المدن إما تطورا بطيئا أو تدهورا متزايدا , رغم أن بعضها كانت خلال فترات تاريخية مراكز حضرية مهمة ( كفاس مثلا ) . أما القرى ماعدا بعض الاستثناءات المحدودة , فهي في غالبيتها تعيش الإهمال و النسيان لأنها لاتثير شهية الرأسمالية السائدة ببلادنا, فالإمبريالية نتيجة البحث العلمي طورت وسائل الإنتاج الفلاحي في بلدانها و لم تعد اليوم في حاجة كبيرة إلى المنتوج المغربي ( نموذج إسبانيا و الولايات المتحدة الأمريكية ) الذي أصبح يعيش تراجعا على مستوى الأثمان في السوق الدولية و بالتالي نقص في نسبة الأرباح الحافز الأساسي لاختيارات الرأسماليين . و الإنتاج الموجه للاستهلاك الداخلي يواجه بتدهور القدرة الشرائية لغالبية الجماهير الشعبية و منافسة منتوجات الإمبريالية على مستوى الأسعار ليتحول المغرب إلى مستورد لقسط هام من حاجياته الغذائية , بحيث أنه استورد في سنة 2004 لوحدها ما قيمته 4940,70 مليون درهم من القمح blé ) ) .
و حاليا فسكان القرى في وضعية نزوح دائم نحو المدن الكبرى , و نحو البلدان الأوربية فبعدما كانوا يشكلون غالبية سكان المغرب مند خمسينات القرن الماضي لم يتجاوز عددهم سنة 2005 , 12800 ألف نسمة أي
41 , 3 % من مجموع السكان , و يمثلون بنحو 5320 ألف نسمة أي بنسبة 53 , 67 % من مجموع الساكنة النشيطة المشغلة بالمغرب . أما ثمن المنتوجات الفلاحية خلال هده السنة بالأسعار الجارية فلم يتعدى 64695,90 مليون درهم أي ما يعادل 18,72 % من الناتج الداخلي الخام . و هدا ينعكس على معدل الدخل الفردي بشكل عام , دون أن ننسى أن الكثير من الأسر القروية تعيش الآن في أحسن الأحوال على تحويلات أبنائها العاملين بالمدن أو بعض البلدان الأوربية و تضطر إلى تسليم بناتها الصغار كخادمات في البيوت بالمدن في ظل أوضاع شبيهة بالعبودية من أجل لقمة العيش .
2 . 2 العجز التجاري مع باقي العالم :
لما يستثمر الرأسمال الإمبريالي في المغرب , فإنه يروم تحقيق أهداف أساسية من بينها :
- توسيع نشاطه في بلدنا و تسريع تراكم الرأسمال على مستوى المركز ( البلد الأصل ) من خلال الزيادة في كمية الإنتاج و كمية الأرباح معا , و هو في هده الحالة ينتج للسوق الداخلية و يلقى جميع التسهيلات لنقل فائض القيمة إلى الخارج مثل شركات ( أمانديس , ريضال , ليديك و غيرها ). و هو في هده الحالة يحتاج إلى استيراد مواد التجهيز و بعض مواد الاستهلاك من الخارج , و يحتاج لتمويل هده العمليات للعملة الأجنبية في المغرب .
- نقل جزء من نشاطه من بلدان المركز إلى البلد المضيف للرفع من نسبة الأرباح مستغلا قوة العمل الرخيصة أو القرب من المواد الطبيعية المتوفرة في البلد. وهو في هده الحالة ينتج من أجل التصدير ويحتاج إلى استيراد مواد التجهيز و مواد أولية أو مواد نصف مصنعة ( و للحفاظ على وضعيته الإمتيازية ) فإنه يرفع شعارا تضليليا هو فتح الحدود و العولمة , في نفس الوقت الذي يمارس ضغطا كبيرا لمحاصرة المغاربة داخل الحدود و فرض شروط تعجيزية على دخول بلدان المركز . ..
و إن كان يساهم في دخول العملة الأجنبية من خلال تحويل ثمن السلع المصدرة إلى الداخل , فإنه كذلك يستفيد من جميع التسهيلات لتحويل الأرباح إلى دول المركز .
و هو في هده الحالة يمكن أن يقوم بشراكة مع الرأسمالية المحلية لا تؤثر على مسار قراراته المركزية و اختياراته على المستوى العالمي , لكنه في أحيان أخرى يكتفي فقط ببيع منتجاته التي تستعمل كأدوات إنتاج ( آلات و غيرها ) للرأسمالية المحلية التي تستثمر في إنتاج سلع يحتاجها سوق المركز الإمبريالي ( منتوجات المعادن , الصيد البحري . . . الخ ) أو السوق الداخلي ( كبعض المواد الغذائية ) . وهنا فالرأسمالية التي تستعمل أدوات ساهم في إنتاجها البحث العلمي على مستوى المركز الإمبريالي ( الذي يسعى إلى التفوق فيه و احتكاره ) لن تكون نسبة أرباحها أفضل إدا اختارت هي أن توجه جزء من فائض القيمة الذي تجنيه إلى تطوير البحث العلمي في الداخل لدلك فهي لاتشغل بالها بهدا الموضوع بقدر ما تسعى للتحالف أكثر مع الإمبريالية و تحقيق الأرباح على هامش إنجازاتها . قدمت هده النقط لفهم النشاط الاقتصادي الدائر بالمغرب و مبادلاته التجارية مع بقية بلدان العالم و الظروف المتحكمة فيها و هده الشروط السالفة الذكر هي التي تتحكم في حجم الإنتاج و أثمان و حجم السلع المصدرة و المستوردة , يضاف إليها أن المغرب لا يتوفر على منتوجات يتم استهلاكها على المستوى الدولي بكميات كبيرة ( كالنفط ) . لدلك فإنه يعيش عجزا مزمنا في ما يسمى الميزان التجاري مع الخارج. و فيما يلي الأرقام المسجلة سنة 2004 ( بمليون درهم) مفصلة حسب السلع
:
ا لواردات الصادرات تغطية الصادرات للواردات
المواد الغذائية و المشروبات و التبغ 13605.60 15582.40 1976.80
الطاقة 26214.30 1761.81 24452.50-
المواد الخام ذات الأصل الحيواني و النباتي 7624.30 2579.30 5045.01-
المواد الخام( مشتقات المعادن) 3169.30 6053.20 2883.90
المواد نصف المصنعة 36682.40 23141.20 13541.20-
مواد التجهيز الفلاحي 1229.30 20.70 1208.60-
مواد التجهيز الصناعي 33678.20 6628.50 27049.60-
السلع الاستهلاكية 35400.40 31984.80 3415.60-
الذهب الصناعي 317.50 144.60 172.90-
157921.20 87896.50 70024.70-
إذن فالعجز المسجل سنة 2004 الذي يقدر ب 70024,70 مليون درهم يمثل 15,80 % من الناتج الداخلي الخام مقابل 52182,70 مليون درهم سنة 2003 أي ما يعادل% 12,40 من الناتج الداخلي الخام . و بمعنى آخر فتغطية الصادرات للواردات انخفض إلى 55,70 % بعدما كان سنة 2003 61,70 % . و كما يتضح فإن السلع المصدرة يهيمن عليها:
-السلع الاستهلاكية : 36,4 % من مجموع الصادرات تمثل منها سلع قطاع النسيج و الملابس 82,23 % و هده السلع هي في مجملها بنسبة 96,80 % دخلت المغرب بشكل مؤقت لاستكمال تصنيعها و تصديرها
( Régime d’admission temporaire)
- المواد نصف المصنعة : 26,30 % تمثل منها مشتقات الفوسفاط 43,80 %
- المواد الغذائية 17,70 % تمثل منها منتوجات الصيد البحري 46 % .
أما السلع المستوردة فيهيمن عليها:
- المواد نصف المصنعة: 23, 23 % من مجموع الواردات
- السلع الاستهلاكية: 22, 42 %
- مواد التجهيز: 22, 10 %
- الطاقة: 16, 60 %يمثل منها البترول 55, 40 %.
- المواد الغذائية 8, 6 %: يمثل منها القمح 36, 30 %.
تركيبة السلع المصدرة والمستوردة و مستوى العجز المسجل في كل مجموعة منها يبرز مرة أخرى الضعف و الهشاشة التي يعاني منها الاقتصاد المغربي . و إدا أردنا أن نتناول تركيبة هده السلع من زاوية أخرى يمكن أن نميز بين السلع التي تدخل المغرب بشكل مؤقت لاستكمال التصنيع و تصديرها Régime d’admission Temporaire و لا يؤدى عنها الحقوق الجمركية و لا الضريبة على القيمة المضافة , و بين باقي السلع . و سنرى الآن أرقام سنة 2004 ( بملايين الدرهم ) :
الواردات الصادرات تغطية الصادرات للواردا
نظام الدخول المؤقت 40105.40 65010.40 24905.00
باقي الصادرات و الواردات 117815.80 22886.10 94929.70-
157921.20 87896.50 70024.70-
وعلى هدا المستوى فالعجز التجاري خارج العمليات التي تتم في إطار نظام الدخول المؤقت
AT سيصبح 94929, 70 مليون درهم, و نسبة تغطية الصادرات للواردات ستصبح 19, 43 %. و إدا كانت السلع التي تدخل المغرب بشكل مؤقت لاستكمال التصنيع و الخروج بعد دلك , تتأثر بشكل مباشر باختيارات الرأسمال الإمبريالي , و هده الأخيرة تأخذ بعين الاعتبار التحفيزات الجبائية للبلد المضيف , و انخفاض الثمن في سوق العمل لهدا البلد و القرب من أماكن تسويق السلع و غيرها من العوامل , فيجب أن نأخذ دائما في الحسبان إمكانية انتقال هده القطاعات إلى أماكن أخرى خارج المغرب , و الإجابة على التساؤلات المطروحة آنذاك . .
و بدون المزيد من التفصيل فتناول تركيبة الإنتاج في المغرب و التبادل التجاري مع بقية العالم تعطينا صورة تقريبية عن حجم الاستقلال السياسي للبلاد , و عن موقع النظام القائم في السياسة الدولية , خاصة أن الامبريالية في سعيها إلى توسيع نشاطها العالمي و رفع فائض القيمة الذي تجنيه ترغم باقي البلدان على اعطاء صفة الإلزامية و القانونية لمكاسبها كإلغاء الحقوق الجمركية و إلغاء بعض الضرائب أو تخفيضها من خلال التوقيع على الاتفاقيات الدولية و النظام المغربي وقع في هدا الباب على العديد منها على سبيل المثال :
- اتفاقية إنشاء منظمة التجارة العالمية في أبريل 1994
- اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الاوربي في 1999
- و اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2004
و إدا كان جزء من فائض القيمة يذهب إلى خزينة الدولة تحت تسميات جبائية مختلفة , فإن تقليصه بالتوقيع على هده الاتفاقيات أو بسن قوانين تحت عنوان تشجيع الاستثمار , سينعكس على ميزانية الدولة سلبا في شكل عجز متصاعد , كما سنرى فيما بعد .
2 . 3 عجز ميزانية الدولة :
ا عتمادا على التقرير الاقتصادي و المالي 2007 لوزارة المالية , يمكن تلخيص الميزانية المطبقة خلال 2005 كما يلي :
ميزانية الدولة لسنة 2005 . بملايين الدرهم :
المداخيل الجبائية
الضرائب المباشرة 43241.00
الضرائب غبر المباشرة 38439.00
حقوق الجمارك 12409.00
حقوق التسجيل و التمبر 6369.00
المدخيل غير الجبائية (خارج الخوصصة) 10373.00
مداخيل الخوصصة 6899.00
مداخيل بعض الحسابات الخاصة للخزينة 3911.00
مجموع المداخيل 121641.00
مصارف السلع و الخدمات
الموظفون 62020.00
الباقي 36131.00
الدين العمومي
الخارجي 2389.00
الداخلي 14930.00
المقاصة 11269.00
الصنادق الخاصة 4926.00-
مصاريف الاستثمار 20084.00
مجموع المصاريف 141897.00
عجز الخزينة العامة 20256.00-
سجلت الميزانية العامة سنة 2005 عجزا بلغ 20 256 مليون درهم , أي حوالي 4,43 % من الناتج الداخلي الخام متجاوزا الحد الذي رسمته الدولة لنفسها . و يفسر تقرير وزارة المالية هدا بالعجز عن خفض النفقات العمومية نتيجة ظرفية غير ملائمة تميزت بدعم المنتجات النفطية بسبب ارتفاع أسعارها بالأسواق العالمية , و نفقات المغادرة الطوعية للموظفين , و تحويلات لصالح الصندوق المغربي للتقاعد و كدا شركات عمومية في وضعية صعبة , و بمحاربة آثار الجفاف . . . الخ صحيح أن ميزانية الدولة خلال هده السنة تحملت نفقات استثنائية لكن في نفس الوقت فإنها استفادت من مدا خيل يمكن اعتبارها استثنائية بالنظر إلى التوجه العام لسياسة النظام .
أقدرها ب 24785 مليون درهم , و تتمثل في مدا خيل الجمارك ( 12403 M dh ) و مدا خيل احتكارات الدولة ( 5491 M dh ) وعائدات الخوصصة ( 6899 M dh ) .
فعائدات الجمارك تتناقص نتيجة التزامات النظام بعد التوقيع على اتفاقية منظمة التجارة العالمية وتسير بشكل تدريجي نحو الإلغاء , و مدا خيل الاحتكارات تتناقص بتقليص عدد المؤسسات الإنتاجية التي تعود لملكية الدولة , و عائدات الخوصصة سوف تلغى بعد تخلص الدولة من كل هده المؤسسات التي تمتلك رأسمالها بشكل كامل أو جزئي . إن انخفاض هده المداخيل يسير بشكل مواز لحاجة النظام إلى تقوية دولته لإخضاع مجتمع حوالي 70 % من أفراده خارج دورة الإنتاج و بدون دخل كما رأينا سابقا و الجزء الآخر منه لا يتوفر على دخل يضمن الكرامة للإنسانية . لدلك و إن كان النظام يجتهد في التقليص من بعض النفقات , فإن دلك يبقى بدون أثر كبير على مستوى الميزانية ككل – فنفقات صندوق المقاصة ( تمثل حوالي 7,9 % من مجموع مصاريف الدولة ) التي يتحكم من خلالها في ارتفاع أسعار بعض السلع , يلوح الآن بإلغائها . فإن كان الآن بشكل تدريجي يقاصها , فإن ما يقتصده في هده العملية سرعان ما يتم صرفه و أكثر منه على مختلف أجهزة القمع تحسبا للانتفاضات الشعبية المرتقبة . أما مصاريف الديون ( 12,20 % من نفقات الدولة ) , فهو يقدر جيدا عواقب أي تماطل في تسديدها خاصة الدين الخارجي للدولة الذي وصل أواخر 2005 حوالي 115 871 مليون درهم , و مازالت تمثل نسبة مهمة رغم انخفاض نسب الفائدة على المستوى العالمي . و إدا أخدنا النفقات التي تستحوذ على الجزء الأكبر من ميزانية الدولة بنسبة 69,17 % سنة 2005 و الموجهة لاستهلاك السلع و الخدمات فإنها تشكل أساسا من أجور الموظفين ( 43,70% من مجموع نفقات الدولة ) . و هنا يجب الإشارة إلى أن النظام ينظر إلى غالبية المجتمع بأنه يشكل فائضا كبيرا على حاجة الإنتاج أو الاقتصاد بشكل عام و بالتالي فإن صرف مبالغ من فائض القيمة على مؤسسات التعليم و الصحة و غيرها من المجالات الاجتماعية , ليس إلا تبديرا يجب القطع معه . لدلك فسياسة التقشف التي ينهجها على مستوى ميزانية الدولة لا تمس إلا التقليص من الموظفين و الخدمات في هده المجالات . أما المصاريف الموجهة لباقي مؤسسات الدولة كأجهزة القمع مثلا فهي تعرف اتجاها تصاعديا لأنها تشكل أداة لحماية الرأسمالية السائدة و استمرارية النظام .
و بهدا فالنقص في جانب من هده النقات يقابله زيادة في جوانب أخرى , و سنلاحظ دلك من خلال أجور الموظفين التي وصلت سنة 2003 : 53225 مليون درهم , و سنة 2004 : 56559 مليون درهم و سنة 2005 : 62020 M dh , وفي القانون المالي 2006 : 59569 M dh ثم في القانون المالي 2007: 62781 M dh . إدا كان النظام غير قادر على إعادة التوازن لميزانية الدولة من خلال التحكم في الشق المتعلق بالمصاريف فإنه يراهن كثيرا على الشق المتعلق بالمداخيل خاصة الجبائية التي تمثل 82,60 % من المجموع سنة 2005 . و سأعرض فيما يلي بعض مقتضياتها , إلا أن ما يهمني هنا هو حجم مساهمتها في ميزانية الدولة , بحيث يمكن ملاحظة أن الضرائب المباشرة و غير المباشرة و حدها تمثل حوالي82680 مليون درهم , و إدا قارنا هده الأخيرة مع عائدات الضريبة على الشركات نجدها متقاربة .
و إجمالا يمكن تحديد أهم معالم أزمة نمط الإنتاج السائد ببلادنا في العجز عن إدماج غالبية المجتمع القادرة على الإنتاج , و العجز عن توفير وسائل العيش الكريم للمجتمع , و الاستمرار في مراكمة العجز على مستوى المبادلات التجارية الخارجية و ميزانية الدولة , مما يدفع إلى المزيد من استنزاف خيرات البلد و المزيد من تفقير الشعب عبر زيادة الضغط الضريبي و سنرى الآن كيف سيدبر النظام هده الأزمة ؟
3 . سياسة اقتصادية لتدبير الأزمة :
3 . 1 . رؤية صندوق النقد الدولي:
في نقط سابقة تم تناول تواجد الرأسمال الإمبريالي ببلادنا بشكل مباشر و غير مباشر , وهنا لن أعيد ذكر ما سلف ولكن ما يجب أن نعلمه أن هدا التواجد لن يكون بدون تواجد و توجيه سياسي ان لم يكن هدا الرأسمال هو الموجه الرئيسي بالمغرب . ويشكل صندوق النقد الدولي إحدى المؤسسات العالمية الهامة التي يمارس من خلالها هدا التوجيه. فهده المؤسسة بالإضافة إلى مهام أخرى تعنى بدراسة و تقييم اقتصاديات البلدان ورسم السياسات الاقتصادية لها, و بالعودة إلى التقرير رقم 32948-MA لهدا الصندوق يمكن إجمال تقييمه للمغرب في:
- سوق الشغل ) Rigide ) لا يتسم بالمرونة.
- سياسة جبائية تحمل المقاولات مصاريف عالية
- نظام صرف لايشجع الأهلية الدولية للبلد
- حماية عالية للسوق الداخلية
إنها ليست سوى التعبير عن أهداف الرأسمال الإمبريالي و حلفائه المحليين في توفير سوق شغل رخيص يطلق فيه العنان لطرد العمال دون أدنى مشاكل و تحميل العبء الضريبي أو الجزء الأكبر منه للعمال و ليس للرأسمال و التسريع بإلغاء الحقوق الجمركية على السلع الوافدة للسوق المغربية . و المتتبع لأحوال بلادنا يعرف أن هده التوجيهات تأتي في المرتبة الأولى لوضع السياسة الاقتصادية , و تنبني على رؤية إستراتيجية واضحة للإمبريالية يتم تأكيدها في كل مناسبة . فخلال الزيارة التي قامت بها لجنة صندوق النقد الدولي للمغرب نشرت خلاصات أولية مؤرخة بالرباط 2006 / 06 / 20 كتدابير يجب الالتزام بها لإنجاز التنمية و الإقلاع الاقتصادي تتمحور حول :
- العمل على تقليص العجز في ميزانية الدولة إلى ما دون 3,5% من الناتج الداخلي الخام عبر التخلي عن المصاريف الاجتماعية ( التعليم , الصحة ...الخ ) أساسا .
- العمل على تطوير و فعالية المؤسسات المالية في البلاد
- و العمل على إدماج الاقتصاد المغربي في الاقتصاد العالمي عبر المزيد من الخضوع لشروط الرأسمال الإمبريالي .
3 . 2 . رؤية النظام:
إدا كانت المصالح مندمجة و متداخلة بين الإمبريالية و الرأسمالية السائدة بالمغرب , فإن الرؤية و الإستراتيجية لن تكون إلا مندمجة و متكاملة أيضا . و سيتضح هدا أكثر بالعودة إلى التقرير الاقتصادي و المالي 2006 الذي قدمته وزارة المالية . يأتي في هدا التقرير أن الحكومة المغربية أنجزت دراسة إستراتيجية خلصت إلى أن مفتاح التنمية في المغرب هو خلق صناعة موجهة نحو التصدير بنسبة 70 % على الأقل .
إن هده المبادئ و الأهداف العامة هي التي تنبني عليها السياسة العامة للنظام المغربي , و لهدا الغرض فقد أعادت صياغة مختلف القوانين بالبلاد حتى تساير هده الاتجاه بحيث أخرج إلى حيز الوجود " الميثاق الوطني للتربية و التكوين " , " مدونة التجارة " , " مدونة الشغل " , " مدونة الضرائب " و "قانون الإرهاب " ........ و غيرها , و أعاد هيكلة العديد من مؤسسات الدولة كالمحاكم التجارية , إدارة الضرائب و مختلف الأجهزة لتهييئ أرضية مناسبة لإخضاع المجتمع لسلطة الإمبريالية و حلفائها .
و هنا سأقتصر فقط على تناول أهم النقط في النظام الجبائي التي تخدم هده الإستراتيجية , التي يعترف حتى واضعوها بعدم نجا عتها . فمن بين خلاصات تقرير صندوق النقد الدولي رقم 32948 - MA , نجد أن من 83 دولة اختارت تحرير اقتصادها بين 1960 و 2006 فقط 20% استطاعت أن تستفيد من مراحل تطور سريعة
. و دائما فهدا التطور من منظور نفس المؤسسة أما إدا أخضعناه للمساءلة فيمكن أن نخلص إلى نتائج كارثية لهدا المسار .
3 . 3 . النظام الجبائي :
بشكل عام فالضرائب باختلاف مسمياتها هي اقتطاع جزء من فائض القيمة لتمويل الدولة التي تخضع كل المجتمع للطبقة السائدة. وفي المغرب صاحب النظام الجبائي السياسة العامة للنظام , و كانت كل التعديلات تأتي لتوجيه الحياة الاقتصادية و التحكم في تطورها . وأهم هده التعديلات هي التي رافقت بداية ما يسمى مسلسل التقويم الهيكلي خلال الثمانينات و أخرجت إلى الوجود:
- قانون رقم 30-85 المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة
- قانون رقم 24-86 المتعلق بالضريبة على الشركات
- و قانون رقم 17-89 المتعلق بالضريبة العامة على الدخل
و ظلت هده القوانين تطبق لسنوات مع التعديلات التي تدخل عليها كل مرة إلى حدود 2005 و 2006 التي عرفت منهجية جديدة في التعامل مع هده النصوص القانونية لأنه أصبح من الصعب التعامل معها في ظل التشتت و عدم الانسجام. لدلك تم تجميعها و اختزالها في مدونة الضرائب التي تنقسم إلى قسمين رئيسين : كتاب المساطر الجبائية الذي تمت صياغته لأول مرة سنة 2005 و كتاب الوعاء الضريبي الذي تمت صياغته لأول مرة سنة 2006 . و رافق هدا إعادة هيكلة لإدارة الضرائب و اعتماد أساليب متطورة في اشتغالها كالإعلاميات لتطوير فعاليتها.
وهده التعديلات و إن كانت بعيدة عن الاستجابة لمطالب الجماهير الشعبية بل تستهدف الإجهاز على مكتسباتها , فإنها كذلك لا تمثل إلا خطوة للمزيد من الهجوم عليها . فالإمبريالية تطالب مثلا بأن تتساوى نسبة الضريبة على الشركات مع الدول التي تحسبها في نفس مستوى المغرب كتركيا التي خفضت هده النسبة ابتدءا من يناير 2006 من 30% إلى 20% و دول أوربا الشرقية و آسيا الوسطى التي وصل فيها المعدل إلى 20% أو رومانيا التي تطبق 16% . و ببلادنا , ثمن أي تخفيض على هدا المستوى يكون مضاعفة باقي , الضرائب المفروضة على المواطن كما جرت العادة و خاصة الضريبة على القيمة المضافة .
لايمكن هنا الإلمام بكل الإجراءات في هدا المجال و لكن سأتطرق إلى البعض الذي يكتسي أهمية خاصة .
- الضريبة على الدخل ) Impôt sur le revenu ) : تفرض عادة على الدخل الفردي من مزاولة مهنة , على الأجور , على عائدات و أرباح رؤوس الأموال المتحركة , و كدا العائدات و الأرباح العقارية للأفراد .
هنا يمكن الإشارة إلى أن الدخل الفلاحي معفى حتى سنة 2010 , و هدا لا يعد ميزة أو التفاتة نحو الفلاحين في غالبيتهم لأن حصيلة هؤلاء السنوية حسب أبسط نظام محاسباتي دائما سلبية , و بالتالي فهم لا يتوفرون على ربح صافي يمكن فرض الضريبة عليه . أما ما يحققونه خلال السنوات الجيدة فلا يكفي لسد خسائر السنوات السابقة التي تتراكم عليهم كثمن لحب الأرض. و المستفيدون حقيقة من هدا الإعفاء هم الرأسماليين الكبار الدين يحققون أرباحا طائلة من الاستثمار في القطاع الفلاحي أو يحولون الأموال عبر طرق التهرب الضريبي في القطاعين التجاري و الصناعي لحساباتهم الخاصة و تقديمها كعائدات من الفلاحة . أما إدا عدنا إلى نسبة هده الضريبة من الدخل أو الربح فهي عالية تصل إلى 40 % على الدخل ابتداء من5000 درهم إلى 10000 درهم شهريا , و 42% للدخل الشهري الذي يفوق 10000 درهم و هي نسب لا يمكن أن تلقى القبول خاصة إدا علمنا أن 5000 درهم كدخل فردي شهري في المدن المغربية الكبرى لا توفر أكثر من استمرار الحياة بمعناها الضيق .
- الضريبة على الشركات ) Impôt sur les sociétés ) : تفرض عادة على الأرباح السنوية للأشخاص المعنويين من مزاولة نشاط تجاري أو صناعي . نسب هده الضريبة الأكثر تداولا هي 39,6% لمؤسسات القروض وشركات التأمين و إعادة التأمين , و 35% لباقي الشركات . و إدا علمنا أن الشركات المصدرة تستفيد من إعفاء 50% من الضريبة بعد إعفاء خلال السنوات الخمس الأولى و نفس الامتياز يمنح لمقاولات الفنادق التي تحقق مبيعات بالعملة الصعبة . و تستفيد المقاولات داخل المناطق الحرة ) zones Franches )
من إعفاء 3/4 من الضريبة بعد إعفاء تام خلال السنوات الخمس الأولى , فإن نسبة 39,6% أو 35% تصبح عقابا للشركات التي توجه منتوجاتها للمواطن المغربي .
- الضريبة على القيمة المضافة ) La Taxe sur la Valeur Ajoutée ) هي ضريبة غير مباشرة يؤديها المستهلك متضمنة في ثمن السلعة التي يقتنيها . لها أهمية خاصة و تتجه نحو الارتفاع مع التدهور المتزايد لعائدات الجمارك التي أصبحت تمثل ما يعادل 54% من عائدات الضريبة على القيمة المضافة , و كدا مع انحصار عائدات الخوصصة بعد تفويت جل المؤسسات التجارية و الصناعية التابعة سابقا للدولة . توزع جميع السلع و الخدمات على لوائح تفرض على كل واحدة الضريبة بنسبة محددة ( 7% . 10% . 14% . 20% أو رسوم خاصة ) و لائحة تتضمن الإعفاءات تتقلص تدريجيا حتى أن القليل من المواد الأساسية لازال يظهر عليها ( الحليب , الخبز , السكر الخام و اللحم ) , أما الباقي فهو موزع على اللوائح الأخرى : العجائن الغذائية مثلا ( 10 % من ثمن السلع ) الزبدة والشاي ( 14% ) و القهوة و الكوفتير ( 20% ) و بالنظر إلى أن الاعتماد على هده الضريبة أصبح كبيرا للحد من عجز ميزانية الدولة , فإن مع كل تعديل يأتي به قانون المالية , يسجل اتجاه السلع و الخدمات نحو النسبة الأكثر ارتفاعا : خدمات المحامين العدول المحررين , البيطريين و الأعوان القضائيين , و العمليات البنكية و القروض انتقلت خلال 2006 من 7 % إلى 10% أما الدراجات الهوائية و الأغذية المركبة فمن 7% إلى 20 % , و مستغلي مدارس السياقة فمن اللائحة المعفاة إلى لائحة 20 % و مع توالي السنين تحرر النص القانوني تدريجيا من مقولة الخدمات و المواد الأساسية للمواطن . فهدا الأخير يؤدي حاليا 7 % عن ماء شبكات التوزيع العمومي و 14% عن الطاقة الكهربائية و 20 % عن خدمات الهاتف . إن العبء الضريبي يساهم بشكل كبير في تدهور القدرة الشرائية للمواطن المغربي , فالإنسان الذي يؤدي 20 % كضريبة على القيمة المضافة أثناء مصاريفه هو نفسه الذي تقتطع من أجرته 42 % كضريبة على الدخل و هو نفس الإنسان الذي يتابع صرف هده الأموال على دبابات ترهبه أو تقتله أثناء التعبير عن رأيه و يتألم ببرودة حين تمنح للصناديق الفارغة و تمول سفريات ألف ليلة وليلة .
لقد افرز نمط الانتاج السائد بالمغرب طبقة رأسمالية ترتبط بالامبريالية و تتطور على هامشها . و تمثل نمودجها الفئات الكبرى المندمجة بشكل كامل مع الامبريالية ببلادنا و هي التي تمتلك اكبر الوحدات الانتاجية و ثمسك بادوات الدولة و ترسم طريق النمو للفئات المتوسطة و الصغرى. وهده الاخيرة في الظروف الحالية بحكم الفردانية و الانانية الثي تتحكم فيها وبحكم سعيها وراء زيادة الارباح و سرعة تراكم الرأسمال غير مؤهلة لثحسين أوضاعها الا لسلك الطريق المرسوم أو الانقلابات العسكرية . أما باقي المجثمع المتشكل من الجيش الاحتياطي للرأسمالية – أي غالبية الجماهير التي تعيش عطالة تامة أو مقنعة- في المدن و البوادي و العمال و موظفي الدولة – بما فيهم حاملي السلاح- هم الدين يثحملون كل النتائج السلبية لنمط الانتاج السائد وهم المؤهلون للقيام بعمل دؤوب و دو نفس طويل لثغييره . هدا مع استثناء الأفراد الدين تشتريهم الرأسمالية باعطائهم مسؤوليات كبيرة داخل أجهزتها و منحهم دخل يعزلهم عن طبقتهم الاجثماعية.عندما تتحرك هده الجماهير المقهورة بشكل منظم وواع وقوي لتغيير أوضاعها انداك يمكن أن تلتحق بها بعض الفئات من الرأسمالية تحت شعار الوطنية و الديمقراطية.
:M DH مليون درهم
#محمد_عقا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟