|
رسالة الآخر هي رسالة حياة
رشا أرنست
(Rasha Ernest)
الحوار المتمدن-العدد: 1909 - 2007 / 5 / 8 - 10:45
المحور:
سيرة ذاتية
أحياناً لكثرة تعلقنا بأشخاص يصعب علينا الحديث عنهم عندما يقتدي الأمر ذلك . أحسست بهذا الشعور و أنا أحاول مرات و مرات أن اكتب عن راهبات صغيرات القلب المقدس الفرنسيسكانيات . اجهل سبب صعوبة الكتابة عنهن و لكن ما اشعر به في قلبي أن كل ما استطيع كتابته لن يعبر عن مدى حبي الشديد و امتناني لهن
صعوبة الكتابة عن أشخاص اثروا في حياتنا تأتي من عمق محبتنا لهم ، فنظن أن ليس هناك كلمات تصف كم نحبهم و أحياناً كثيرة نخشى أن نقول اقل مما يستحقون . أول جملة عرفتها عن الأم مرجريتا كاياني مؤسسة هذه الرهبانية و التي كانت دائماً ترددها هي " علمني يا الله أن أعرفك أكثر و أحبك أكثر " ، كانت دائمة الحديث إلى قلب الله الحنون ، عشت هذه المقولة بحياتي و أنا ارددها داخل قلبي . لم أعشها فقد مع علاقتي بالخالق و إنما عشتها مع كل من عَرفتهم بحياتي ، و خاصة راهبات صغيرات القلب المقدس بنات مرجريتا ، فكلما عرفتهن أكثر أحببتهن أكثر. خلال السنوات الماضية استطعت أن ازور الأربع أديرة للراهبات في المعادي بالقاهرة ، إسنا بالأقصر ، كفر الدوار بدمنهور و بالطبع بيتي الثاني كان ديرهن بأبوتيج مدينتي . و لكل دير من أديرتهن انطباعاً محفوراً بذاكرتي و ذكريات لا تنتهي . لم أدرك بحياتي معنى أن يكون طفلا يتيم إلا عندما زرت دير الراهبات بكفر الدوار ، حيث يوجد هناك ثلاثون فتاة تتراوح أعمارهن بين الثلاث سنوات و الأربعة عشر سنة . يعيشون في دير من وجهة نظري هو من أجمل الأديرة بمصر . يكبرون وسط سبع راهبات ، هن العذارى الحكيمات . ما جعلني اعرف قسوة اليتم هي قصة حياة كل طفلة في هذا الدير الذي يطلق عليه أهل كفر الدوار ملجأ الراهبات و هو بكل مقاييس الملاجئ التي نعرفها و نسمع عنها لا تمتد بصلة إليها . فما نشاهده عبر أفلام السينما من قسوة و جرائم و ضرب داخل دور الأيتام لم أشاهده . فقد شاهدت فتيات لهن من الأمهات سبعة . يعملن طوال النهار لتعويض الفتيات عن قسوة الحياة ، يسهرن على تدبير حياة فتيات لا ذنب لهن في وجودهن في هذا العالم . تعجبتُ كثيراً عندما عرفت قصة كل فتاة ، فمع الأسف لم تكن بينهن طفلة واحدة يتيمة بمعنى الكلمة فاقدة الأم و الأب أو إحداهما . و إنما هن فتيات دمر الفقر حياة أهلهن ، و أصبح دير الراهبات هو ملجأ لهم و احن عليهن من منازلهن التي دقها الفقر المدقع . كل فتاة منهن أدركت منذ دخولها أول يوم لدير الراهبات أن هذا هو بيتها الذي يحمل الآمان ، صعبة هذه الحياة التي تجعل من البيت غربة و من الغربة بيت . فعندما يعلمون أن علي كل واحدة منهن الذهاب لقضاء يوم مع أهلها يظهر على وجهوهن العبث و كأن الذهاب أمر غير محبب . فما يشعرن به وسط العذارى الحكيمات أقوى و آمن من ما سيجدونه في منازلهن وسط الأهل . لم يكن منزل الفتيات هو الخدمة الوحيدة بدير راهبات كفر الدوار و إنما هناك يوجد مستوصف كامل يعمل يومياً لخدمة كل أهالي المدينة و القرى المجاورة بمسيحيها و مسلميها . يعمل فيها ستة أطباء باختلاف تخصصاتهم و معهم راهبة من السبعة متخصصة في علاج الحروق مع ممرضتين عاملتين بالمستوصف . داخل المستوصف لا يوجد فقر بين إنسان و آخر ، الكل متساويين في الرعاية و الاهتمام ، فربما يصل عدد المرضى في اليوم الواحد إلى أكثر من 200 مريض اغلبهم من المسلمين ، الذين يأتون و كلهم ثقة في هؤلاء الأطباء و الراهبات
في كل مرة ادخل هذا الدير اشعر و كأن هناك جيش يعمل في صمت ، جيش سلاحه الحب و العطاء ، و مهمته كيف نعرف الآخر و نحبه . الآخر الذي يعيش معي و الآخر الذي يأتي إليّ طالباً المساعدة أو المشورة . و في كل الأحوال أنا و هو مشتركين في الحياة . نعيش فيها بإرادة من الخالق و نختار كيف نعيشها بإرادتنا . وجود راهبات في الكنيسة نعمة من الله تفوق كل تصوراتنا البشرية ، و ما نعلمه و ننظره نحن اقل بكثير مما يوجد . علينا فقط الوقوف لحظة واحدة لنتأمل كيف ستكون بلدنا لو لم تكن هناك مُكرسات ؟ يُكرسن حياتهن لخدمة حياة الآخرين ... هذه المهمة التي نحن دائماً في أمس الحاجة إليها ، ليس فقط في الراهبات في المسيحية و انما أيضاً في كل انسان باي ديانة اخرى ، مهمة أن يكون هناك من يُكرس حياته لخدمة المحتاج ، الفقير ، اليتيم ، المُهمش ، و كل الذين فقدوا الكثير من متع الحياة مهمة ضرورية في حياة العالم ، نشعر في احتياجنا لها اكثر مع كثرة الفقر و الحرب و قسوة الحياة نصلي الى الله أن يُرشد أبناءه المختارين دائماً لهذه الرسالة العظيمة و أن يبارك خدمة كل مَن اختار الآخر رسالة لحياته .
#رشا_أرنست (هاشتاغ)
Rasha_Ernest#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بشراً متساوون
-
قتل و اختطاف الصحافيين وسيلة إنذار لا أكثر
-
نظرة في واقع مجروح
-
رسالة إلى ........
-
أساقفة الكنيسة الأرثوذكسية و هاوية التكفير
-
أحبُكَ و أنتظر
-
همس الليل
-
أفكَاري
-
النظري و العملي لاحتياجات ذوو الاحتياجات الخاصة
-
أرفض
-
شهداء لبنان يصرخون لا تستسلموا يا أبناء الأرز
-
شباب يطلب فرصة
-
عائداً إليكِ
-
الاعدام رفض لرحمة الله
-
أحببت
-
العشرة الطيبة
-
موعد
-
عيناه
-
المشهد الأخير من حياة رئيس
-
لستُ فتاة عادية
المزيد.....
-
لحظة تصدي رجل هارب لشرطي أمريكي أدخلته في حالة حرجة.. شاهد م
...
-
بروتوكول تعاون عسكري بين مصر والصومال وسط خلاف بين مقديشيو و
...
-
برلين تؤكد أن التحقيق في تفجير -السيل الشمالي- لن يؤثر على ع
...
-
نائب نمساوي يدعو إلى وقف المساعدات لأوكرانيا بسبب تورطها في
...
-
سامي الجميّل في بلا قيود: تطرف حزب الله وإسرائيل يصعب إيجاد
...
-
إيران: إصابة أم بالشلل النصفي بعد إصابتها برصاص الشرطة بسبب
...
-
فلسطيني يستخرج شهادة ميلاد توأمه.. ويعود ليجدهما مقتولين مع
...
-
عدد القتلى في غزة يقترب من -40 ألفاً- منذ بدء الحرب، ووزير إ
...
-
لإفساح المجال لوجوه جديدة في اليابان.. كيشيدا يعلن عزمه الت
...
-
زيلينسكي: قواتنا أسرت أكثر من 100 جندي روسي في كورسك صباح ال
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|