|
حرية الاعتقاد ليست عنصرية !!
رفعت فكري سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 1909 - 2007 / 5 / 8 - 10:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بعد أن أصدرت المحكمة العليا في شهر مارس الماضي حكماً بأحقية المسيحي الذي أشهر إسلامه في أن يعود إلي ديانته المسيحية أصدرت محكمة القضاء الإداري يوم الثلاثاء 24/4/2007 الدائرة الأولى برئاسة المستشار محمد الحسيني حكماً مضاداً يغلق الباب أمام أي مسلم من خلفية مسيحية العودة إلى ديانته الأصلية على اعتبار أن في ذلك تلاعب بالدين الإسلامي وأكدت المحكمة في حيثيات الحكم أن هناك فارقاً كبيراً بين حرية الاعتقاد وهي مكفولة وبين التلاعب بالتنقل بين الديانتين. وقالت إن ذلك يمثل خروجاً على الدستور والنظام العام، وأشارت المحكمة إلى أنه لما كان لكل دين من الديانات السماوية أحكام خاصة به، وكان الدين الإسلامي في أساسه قائماً على حرية الاعتقاد وحرية الدخول فيه دون إكراه مع احترامه الكامل للديانات السماوية الأخرى، إلا أن أصول أحكامه التي ارتضاها كل من دخل فيه تمنع من ولد على الفطرة أو ما اعتقده بعد ذلك بإرادة حرة كاملة الخروج عليه بدعوى الارتداد إلى دين آخر.وتعليقاً على هذا الحكم الخطير لنا بعض الملاحظات :-
أولاً :- إن الحق في حرية الدين يُشكّل حجر الزاوية للديمقراطية .وهو المقياس الحيوي في تشكيل وصون نظام سياسي مستقر ولذلك فإن تقييم أوضاع الحرية الدينية يعتبر مؤشراً هاماً في تشخيص الصحة العامة والاستقرار لدولة ما وتكمن الحرية الدينية في صميم أي مجتمع عادل وحر ولذلك فإن حرية الضمير أو حرية الاعتقاد هي حق كل فرد في أن يؤمن أو لا يؤمن ، في أن يعتقد في شيء أو فكرة أو لا يعتقد ، في أن يعتنق عقيدة مغايرة للعقيدة السائدة أو معارضاً لها. وحرية الاعتقاد حرية مطلقة فلا وصاية لشخص أو لسلطة على الضمائر ولا مصلحة لها في حمل شخص على التمسك بدين يعتقد بطلانه أو التخلي عن دين يعتقد صحته. والتقصير في حماية حرية الأديان والحقوق الإنسانية الأساسية الأخرى، يُنمي التطرف ويقود إلى عدم الاستقرار والعنف .
ثانياً :- تعتبرحرية الضمير أو الاعتقاد من الحقوق الراسخة في القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وهذه المواثيق صادقت عليها مصر فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 18 على هذه الحريات إذ يقول :- 1- لكل فرد الحق في حرية الفكر و الضمير والديانة ويشمل هذا الحق حريته في أن يدين بدين ما وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره وفي أن يعبر منفرداً أو مع آخرين بشكل علني أو غير علني عن ديانته أو عقيدته سواء كان ذلك عن طريق العبادة أو الممارسة أو التعليم. 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره .
هذه النصوص وغيرها تؤكد على حرية الإنسان في اعتناق ما يشاء من فكر أو عقيدة أو دين. وحرية الانتماء للدين هي القناعة الشخصية بالإيمان بذلك الدين عن فهم ودراسة بحيث يصبح الفرد مؤمناً وداعياً في نفس الوقت. ومع هذا فإن مبدأ حرية الإنسان في الانتماء لأي دين التي وردت في الفقرة الأولى من المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وردت لتحسم الأمر أمام كل الدول والمجتمعات بأن هذه الحرية أساسية للإنسان فهو حر في اعتناق الدين أو التحلل منه أو تغيير دينه.ولقد جاء نص المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية :- 1- لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة. 2- لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
ثالثاً :- لقد وقعت مصر على هذه المواثيق والقوانين الدولية ومن ثم فهذه المواثيق صار لها قوة القانون المصري وفقا للمادة (151 ) من دستور جمهورية مصر العربية التي تقول ( رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد ابرامها والتصديق عليها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة ).هذا فضلا عن المواد الواردة في الدستور المصري والتي تؤيد المساواة وحرية الاعتقاد فالمادة (40 ) من دستور جمهورية مصر العربية تقول ( المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ). كما تؤكد المادة (46) على حرية الاعتقاد إذ تقول ( تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية ).
رابعاً :- من الواضح إن مفهوم حرية الاعتقاد لدى محكمة القضاء الإداري يختلف عن مفهوم الحرية المعروفة في العالم أجمع فحرية الاعتقاد هي حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من عقيدة وحريته في إقامة شعائر هذه العقيدة علناً وبحرية, وحريته في الدعوة إليها طالما يفعل ذلك بطريقة سلمية ودون إكراه والأهم حريته في أن يتحول من أي دين إلى آخر .فهذه هي حرية الاعتقاد في تعريفها الحقيقي ولكن المؤسف إن حرية الاعتقاد في رأي بعض الناس – كما في حكم المحكمة الشائن - هي طريق ذو اتجاه واحد نحو دين واحد, . ولهولاء نقول إذا كانت حرية الاعتقاد مقيدة في حدود اعتناق دين واحد فقط, في هذه الحالة تصبح حرية الاعتقاد مجزأة ومشوهة وعرجاء وفي هذه الحالة لايجوز أن نتباهى أو نتغنى بحرية اعتقاد . إن حرية الاعتقاد هي طريق ذو اتجاهين ولم تكن أبداً طريق ذو اتجاه واحد .
خامساً :- إن حكم محكمة القضاء الإداري يتنافى كلية مع الإسلام السمح المستنير الذي يقول ( لا إكراه في الدين ) ( ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) كما أنه يتجاهل السياق التاريخي لأحكام الردة . كما أن هذا الحكم يطعن في الصميم جميع الاجتهادات الفقهية التي قدمها مسلمون مستنيرون دفاعاً عن حرية الاعتقاد وعن حقوق الإنسان .
سادساً :- إن عظمة أي دين تتجلى في عدم إرغام الناس في البقاء فيه لأن عظمته هي التي تجذبهم وتشدهم وتجعلهم يتمسكون به هذا فضلاً عن أن الدين العظيم لايدعو أتباعه لأن يرغموا الآخرين على البقاء فيه رغم عدم إيمانهم به فمامعنى أن نجبر شخصاً أن يكون مسلم الديانة بالبطاقة الشخصية ولكنه في حقيقة الأمر- فكرياً وضميرياً وقلبياً - قد يكون بهائياً أو مسيحياً أو لاأدرياً أو لادينياً ؟!!
سابعاً :- لست أدري ماذا قصدت المحكمة بقولها عن العودة إلى المسيحية ( إن ذلك يمثل خروجاً على الدستور والنظام العام ) ألم يكفل الدستور حرية العقيدة في المادة 40 , 46 ؟!! من المؤكد أن هيئة المحكمة استندت في حكمها على المادة الثانية من الدستور تلك المادة التي تقصي بقية الأديان والتي تمنع أي شخص من الانتماء إلى البهائية . أعتقد أن كبار مفكري مصر ومثقفيها كانوا محقين عندما طالبوا بتعديل المادة الثانية تحسباً لإساءة استخدامها كما حدث في هذا الحكم وغيره من الأحكام وكما سيحدث مستقبلاً !!! ثامناً :- إن الحكم الصادر عن محكمة القضاء الإداري يعتبر وصمة عار في جبين مصر وسبة في وجه الحضارة وطعنة في صميم الحرية وانتهاك واضح وفاضح لحقوق الإنسان حيث أن احترام حقوق الإنسان وأولها حقه في حرية الاعتقاد أصبح اتجاهاً انسانياً عاماً وقانوناً دولياً , وإذا أردنا أن يحترمنا العالم المتحضر من حولنا فليس هناك من خيار أمامنا سوى التخلى عن هذه العنصرية البغيضة !!
#رفعت_فكري_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقدنا ينفرط بسبب التعصب الأعمى ورفض الآخر
-
?!!!!!! (المعتدون على الكنائس أهم مختلون ( عقليا ) أم مختلون
...
-
الإساءة لكافة الأديان أمر مرفوض داخليا وخارجيا
المزيد.....
-
لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
-
“هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024
...
-
“شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
-
بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
-
السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
-
مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول
...
-
المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي
...
-
المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
-
بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|