هل تنتقل فلول البعث البائد إلي الخليج للعمل السري فيها تحت غطاء الحماية التي يوفرها البعض من شيوخ الخليج لهم بقصد العطف عليهم أو باتخاذهم مطية في لعبة سياسية في المنطقة أو التصرف تحت غطاء ما تمليه عليه القيم والشهامة العربية .
يقيناً أن ضمن فلسفة العمل السري للحزب الصدامي ومن خلال التجارب العملية التي مرت على العراق والواقع العربي وهو يرزح تحت سلطتهم ، أن هذا الفكر لابد من أن يلدغ من يرعاه أو يتحالف معه أو يتعاطف ويقدم له أية خدمـــة مهما كانت كبيرة أو صغيرة ، ولابد أن يعض اليد التي تمتد اليه بالمساعدة أو العطف ، إضافة إلي استهانته بهذه الجهات حين تقدم على التعاطف أو التنسيق في المواقف ليعتبر ذلك نوعاً من أنواع الضعف ، ومنفذا يمكن الولوج منه لنخر الجسد المقابل .
يتذكر الجميع أن الفلسفة السياسية التي كان يؤمن بها حزب صدام تقضي باعتبار شيوخ الخليج عملاء للإمبريالية وينبغي العمل على إسقاط إماراتهم ومشيختهم ، وتحرير البترول من قبضتهم وتصرفهم ، وتوظيف ذلك لصالح البعث بقصد توظيفه في المعركة القومية ( كذا ) ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية .
هذه هي الواجهة العلنية والهدف المعلن في هذا الأمر ، أما الهدف غير المعلن فهو الحلم غير المشروع والخيال المريض في السيطرة على منابع النفط في العالم للطاغية الذي سيطر على عقل السلطة العراقية في غفلة من الزمن العراقي المر .
أن هذه الأفكار لم تتبدل بالرغم من قيام علاقات ستراتيجية سياسية وإقليمية بين بعض شيوخ الخليج وبين نظام صدام حسين ، وتطورت هذه العلاقات أحياناً إلي علاقات شخصية .
الذي صار في العراق أن التعليمات تقضي أن لايتم أعلان هدف السلطة الصدامية والحزب البعثي في ضرورة العمل على إسقاط أنظمة حكام الخليج والاستيلاء على دولهم و إماراتهم ، وتبقى التعليمات السرية والخاصة التي يتم تداولها والتي تركز على الهدف الأساس الذي كان الطاغية صدام يضعه نصب عينيه في الاستيلاء والسيطرة على منطقة الخليج برمتها دون استثناء .
ولم تكن الكويت لوحدها الهاجس الذي يجيش بعقل الطاغية ، فقد كان يحلم بإمبراطورية نفطية يتحكم بها في مستقبل العالم ، ليكون نداً للولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .
من خلال هذه الإمبراطورية يحقق أحلامه السادية والمريضة في تمكنه من شراء رؤساء دول وملوك وإخضاع أحزاب وتجمعات سياسية عالمية لأرادته ورغبته الشاذة ، بما يمتلك من عنصري القوة والمال في العالم إضافة الى شبكة قوية من المخابرات والأعلام ، فيقوم وفقاً لهذا الحلم بإسقاط ملوك وأبدال رؤساء وإعفاء وزراء في غير العراق .
وقد لعبت أجهزة المخابرات والاستخبارات والأمن العام والخاص في العراق دوراً مهماً في هذا المجال ، حين عمدت إلي إنشاء خلايا نائمة تتكون من العراقيين والعرب في دول الخليج بهدف تحقيق حلم صدام في إسقاط سلطة حكام الخليج ، وقد تم تفعيل هذه الخلايا بين حين وآخر بصدد نقل المعلومات الأمنية والعسكرية عن جميع شيوخ وأمارات المنطقة الشخصية ، حيث يتم رصد تحركات وسلوك الحكام والأمراء ورصد المعلومات الأستخبارية عن القوة والخلافات والجيش والأمن العام في تلك الدول ، و ترسل جميعها إلي دائرة متخصصة في جهاز المخابرات العراقية العامة ( قسم الخليج العربي ) ، أو إلي مركز أمني تابع لجهاز المخابرات العراقي يعمل تحت الغطاء الأكاديمي وهو مركز الدراسات الستراتيجية للخليج العربي .
لم يكن أحداً مستثنى من شيوخ الخليج فالجميع كان هدفاً للرئيس العراقي البائد ، وكان الطاغية يتحدث في أكثر من مجلس من مجالسه الخاصة عن استخفافه واستهزاءه بشيوخ الخليج ، وكان كثيراً ما يتندر عليهم كدليل على عدم اعتقاده بقدرتهم على قيادة و حكم بلدانهم الخليجية الصغيرة .
وكانت عملية غزو الكويت الصفحة العلنية الواضحة في هذا الأمر ، ولم يتوقف الطاغية بعد ذلك أذا استمرت الدبابات العسكرية تندفع باتجاه المملكة العربية السعودية وحدود البلدان المجاورة للكويت .
أن صدام حسين لايؤمن بقيم وضوابط في الخلق والدين والعمل السياسي ، وأذا ماتذكرنا الحادثة التي أوردها الكاتب المصري محمد حسنين هيكل أيام الحرب العراقية الإيرانية حين أتصل الرئيس البائد صدام بالملك فهد بن عبد العزيز يخبره أن في نيته ضرب الكعبة بصواريخ أرض أرض بعد أن يتم استكمال كل الدلائل التي تشير إلي كون الصواريخ إيرانية ، لكن الملك فهد تخوف وأرتجف من هذا الأمر وطلب منه عدم التفكير به مطلقاً .
فأننا نستطيع أن نتلمس على جوانب من العقلية التي يتصرف بها صدام للوصول إلي طرق امتلاك ناصية السلطة في هذه البلدان .
وبقي الفكر الصدامي ومبدأ البطش والقوة العاملان الأساسيان في النهج البعثي لديمومة السلطة الصدامية ، وليس غريباً أن يتم تحويل جميع المؤسسات الدبلوماسية العراقية إلي خيوط في شبكة المخابرات العراقية ، وأن يتحول الملحق الثقافي أو الصحفي إلي عنصر مخابرات ويقوم بعمليات الاغتيال السياسي تحت غطاء الحماية الدبلوماسية ( عملية اغتيال طالب السهيل في بيروت وحردان التكريتي في الكويت والحكيم في الخرطوم والنايف بلندن ) ، مثلما ليس غريباً أن تكون شبكات المخابرات العراقية في منطقة الخليج العربي أنشط من غيرها من المحطات وتستطيع السيطرة على منافذ عديدة في هذه الإمارات وتتغلغل في مفاصل أعلامها وفضائياتها وقضاياها الداخلية .
أن الوجود المخابراتي في منطقة الخليج ليس بقصد محاربة أمريكا والصهيونية أو أيران ، أنما لتحقيق الهدفين الأساسيين و هما التجسس على قدرات هذه الدول والتحري بدقة قوتها وضعفها وتفاصيل حياة شيوخها والأمر الثاني مضايقة المعارضين للسلطة الصدامية والعمل على طردهم والضغط على السلطات الخليجية لإبعادهم عن المنطقة .
ولغاية الفترة الأخيرة التي كان النظام الصدامي في دورة الاحتضار ويدعي ما ليس فيه ويزعم أنه قادر على مواجهة قوات التحالف الدولي وقدرته على الاستمرار في قمع الشعب العراقي ، جاء مشروع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات القاضي باستقالة الطاغية من كرسي السلطة وتوفير حماية له ولعائلته ولزمرته والعمل على عدم ملاحقته دولياً ، وقد جوبه العرض ليس بالاستخفاف فقط بل بالرفض والشتائم والكلمات البذيئة التي تدلل على مدى الإسفاف والانحطاط الأخلاقي الذي وصلته السلطة في الزمن الصدامي .
وأنطلقت الأصوات النشاز من خارج العراق تشتم رئيس دولة الأمارات وتســـفه رأيه وتصفه بالمخرف والعميل ( تصريحات وزير الخارجية صبري الحديثي وتصريحات محمد الدوري ومحسن خليل ومحمد سعيد الصحاف ) ، وكان في نية القيادة البعثية البائدة الهروب باتجاه سوريا ، الا أن التحالف قطع عليها الطريق فأعادت سورية أغلب الهاربين إلي العراق ، بعد أن تمكن البعض منهم الهروب خارج العراق مذعورين خائفين من شعب العراق تحت أغطية متعددة .
أصدرت القيادة البائدة تعليماتها للزمر البعثية قبل أن تنهزم بالتجمع في محطة الإمارات العربية المتحدة لتعيد ترتيب نفسها وتنظيمها ، وستكون الآمارات العربية من بين الأهداف والمشاريع التي ستعمل فيها .
فهل أن سلطة الأمارات العربية المتحدة من السذاجة بحيث يمكن أن تمر عليها كل هذه الإشارات والأفعال والحوادث لتدخل رأسها في مآزق خطير مثل هذا ؟ وهل في مصلحة الأمارات العربية أن تراهن على عودة صدام البائد إلي السلطة وتخسر شعب العراق ؟ وهل أن الأمارات تحتضن فعلاً أزلام السلطة البائدة والهاربين من سلطة القانون والمحاكمات العراقية أمثال محمد سعيد الصحاف ومحمد الدوري ممثل صدام السابق في الأمم المتحدة وشاكر حامد عنصر المخابرات العراقي المطرود من قناة الجزيرة لانكشاف صفته ، وهي بهذا الأمر تخالف الفقرة الثالثة من قرار مجلس الأمن المرقم 1483 الذي يقضي بعدم منح ملاذ آمن لأعضاء النظام السابق والذين يتحملون نوعاً من المسؤولية في ارتكاب الجرائم وتقديمهم للعدالة ؟
وهل يتم غض النظر عن محطة المخابرات العراقية في الأمارات وتنظيم الحزب البائد بعلم الأمراء ؟ أم أنها لعبة سياسية تفرضها الولايات المتحدة على الإمارات ؟ أم أنها طيبة الحاكم المتمسك بقيم العرب وكرمهم وهو ما سيؤدي إلي ندم شديد وكبير لن تعض معه الأمارات أصابعها ندماً فقط ، بل سيتحمل شعب الأمارات وزر هذه التصرفات غير الحكيمة والتي لن تكون نتائجها طيبة على مستقبل شعب الإمارات ، أضافه إلي تضرر منطقة الخليج من وجود وانتشار هذا الوباء الذي أبتلي به شعب العراق .
أذ نجد من الغريب أن تجد هذه الفلول لها من يقدر لها أعمالها الإجرامية ويمنحها الآمان والحماية ، في حين لم يكن المواطن العراقي يجد مثل هذا الأمر من دولة الإمارات التي لم تقدم على التدخل في الشأن العراقي قبل هذا الوقت ، ولم تعمل على الوقوف بوجه الطاغية وسلطته القمعية مطلقاً رغم معرفتها بحقائق كثيرة ، فما الذي يدفعها ألان للوقوف بصف الطاغية ومد يد العون له ولزمرته المنحرفة ؟ وما الدافع الذي تندفع منه دولة الإمارات لتكون أرضها وأعلامها محطة يعيد بها زمر البعث المنهار والبائد فلولهم وتشكيلاتهم والتي ستكون دولة الإمارات من بين أهدافهم الخفية أو المؤجلة ، وستثبت الأيام القادمة صحة ذلك .
أن التظاهرات التي يقوم بها العراقيون في الخارج أمام أبواب سفارات الإمارات والاستنكار العالمي الذي ينطلق من كل بلدان العالم ، إضافة الى الكتابات والصحف التي تستنكر هذا التصرف الغريب من دولة لامصلحة لها في أيجاد عداوات وكراهية بينها وبين شعب العراق .
لقد أدخلت دولة الإمارات نفسها في عنق الزجاجة ، ودخلت اللعبة السياسية الخطرة طرفاً من أطرافها ، لكن قيادتها ستخسر شعب العراق أولاً ومن ثم شعب الإمارات الذي يطمح أن يعيش بهدوء حال شعب دبي أو الشارقة أو البحرين ا والكويت أو سلطنة عمان في منأى عن الاشتراك في عمليات التطاحن السياسي والقومي والطائفي والأنحياز إلي جهة الباطل في القضية العراقية ، بدلاً من الوقوف قريباً من شرار النار .