قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 1912 - 2007 / 5 / 11 - 06:52
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لفت انتباهي ظهور قنوات فضائية عربية متخصصة بقراءة الطالع وعلاج الأمراض على الهواء ! وزخم المتّصلين بأصحاب برامج قراءة الطالع من موريتانيا الى الكويت الى عرب في دول أوربية ، وإعجابهم بمعرفة خباياهم ومن ماذا يعانون وقدرتهم " الإعجازية " على علاج حتى الأمراض العقلية !. ففي أكثر من حالة ، كان المتصّل يذكر ما يعانيه أحد أفراد عائلته من هلاوس وأعرض شيزوفرينيا ، فيقدّم له جناب الشيخ أو الشيخة وصفة على الهواء بكتابة آيات قرآنية بالزعفران ، وتنقيعها بالماء وشربها في الصباح لثلاثة أيام ، ويعدّه عن يقين بأن الجنّي الذي في رأسه سيخرج مذعورا ! مع أن صاحب هذه الأعراض يحتاج الى أن يدخل مستشفى للأمراض العقلية يحظى فيه برعاية طبية وعلاج دوائي منتظم .
والمخجل ، أن ثقافة الخرافة قد شاعت بينا نحن العرب ، وصارت في القرن الواحد والعشرين أكبر حجما واوسع انتشارا منها قبل خمسين سنة !. فإلى جانب هذه القنوات الفضائية ، هنالك عشرات البرامج عن الحظ والأبراج في قنوات عربية أخرى ، وصفحات في مئات من الجرائد الرجعية والتقدمية! تقرأ للناس ما سيحصل لهم من مجرّد معرفة أسم الشخص وأسم أمه وتقسيم ناتج جمع الأحرف على "12" لمعرفة رقم برجه ما اذا كان ناريّا أو مائيا أو ترابيا أو هوائيا ،وكلّ بمواصفاته ..من الأسد الناري العصبي الى الدلو المائي الهادئ الطبع .
فلماذا يقبل الناس على قراءة الطالع ؟ ولماذا يؤمن كثيرون بـ"الشيخ أو الشيخة " اكثر مما يؤمنون بجرّاح الجمّلة العصبية والطبيب النفسي؟!.
نرى ، نحن السيكولوجيين ، أن قراءة الطالع والأبراج لا يلجأ إليها إلا الإنسان المقهور من حاضر يعيشه ، والعاجز عن السيطرة على مستقبله ، من أجل خفض القلق لديه والشعور بالطمأنينة . فحيثما ضغط الاضطهاد على الناس وأضناهم القهر والحرمان ..أقبلوا على قراءة الطالع والأبراج . فاكثر ما يشغل الإنسان هو التفكير بالمستقبل . ولأن المغلوب على أمره عاجز عن مجابهة حاضر يصفعه بما يوجعه ، وخائف متطير من مستقبل مجهول ..فان تفكيره يستسلم الى الأقدار ليجد في " القدرية " بعض العزاء الى النفس والتمويه عليها بحيلة لا شعورية بأن القدر اذا قسا مرّة فأنه آتيه بالفرج في الثانية . وعلى هذا الإيقاع يعزف " الشيوخ والشيخات " ومقدمّو برامج الأبراج في القنوات الفضائية .
والمفارقة ، أن علم التكنولوجيا وفّر التلفزيون والأقمار الاصطناعية ليوظّفها من لا نعرف نواياهم الخفية في إشاعة الخرافة بين الناس الذين يعانون من مشكلات صحية واقتصادية واجتماعية ، حلّها من اختصاص الدولة ..التي شجعت بذكاء خبيث ظهور قنوات فضائية تبث ثقافة العرّافين ..لتشغل الناس عن التفكير بمصدر شقائهم وقهرهم وحرمانهم ..السلطة عليها اللعنة !.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟