هاهو يوم الحداد الوطني الأكبر يقترب باقتراب الذكرى الرابعة والثلاثين من يوم الأول من سبتمبر 1969، يوم الانقلاب المشؤوم على الحكم الدستوري الشرعي، ليبدأ معه ليل الوطن الطويل، ولابد لليل الطويل أن ينجلي بصبح قريب بإذن الله.
تمر السنون وتطول، وينحدر القذافي ونظامه من هاوية إلى هاوية جارا معه في تدهوره المريع وانزلاقه المتسارع الشعب الليبي إلى قيعان سحيقة من الجهل والمرض والفقر والتخلف الحضاري. تمر السنون وتطول المعاناة ولكنها تطول لتقصر لان للشعب الليبي قلب حر ونفس أبية وتاريخ عريق في رفض الظلم والجور ومقاومتهما.
السنة الانقلابية الأخيرة شاهد قاسي للازمة الليبية، ومثال فاضح للطبيعة الخطيرة للنظام، والتي كان من أهم محطاتها ومؤشراتها:
• تفاقم المعاناة المعيشية للشعب الليبي بسبب التبديد السفيه لثروة المجتمع العامة المتركزة في يد العصابة الحاكمة، وانتشار سوء الإدارة، واستشراء الفساد المالي، وتراجع عمليات التنمية الاقتصادية، وانكماش منظومة الخدمات والبنية التحتية والقاعدة الإنتاجية. والذي تطور أخيرا إلى انحراف خطير نحو انسحاب الدولة الرسمي من دورها ومسئوليتها الاجتماعية تجاه الشعب عبر ما يسمى ببرنامج "الخصخصة وبيع القطاع العام" المتهافت، مما يترك أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة، وهم جل الشعب، عزل أمام تصاعد الضغوط الاقتصادية المتنامية.
• تأزم أوضاع الدولة الليبية (أرضا وشعبا ونظاما) بسبب عمليات تمرير وترسيم تحويلها إلى إقطاعية قذافية وراثية تسودها قوانين العشائرية وعلاقات قرون التخلف والإقطاع ، تمهيدا لتنصيب أحد أبناء القذافي.
• تراكم الاحتقان الشعبي تحت السطح، بسبب الطبيعة البوليسية الصارمة لنظام حكم القذافي، والباحث عن منفس لتفجير احتقاناته.
• تصاعد ظاهرة بطالة الشباب إلى مستويات خطيرة، انعكست في انتشار ظواهر السرقة والعهر والمخدرات والتسول ونمو ظاهرة الهجرة الاقتصادية واللجوء السياسي في المهجر.
• تعمد التفريط بالسيادة الوطنية الليبية، عبر ارتهان الوطن ومقدراته لجهات خارجية، والذي ليس آخره الاعتراف بالمسؤولية عن "كارثة لوكربي"، وعقد صفقات تتحول معها هذه الكارثة إلى بالوعة للمال العام، وقبل ذلك السماح للعسكر الإيطالي بالعودة إلى المياه الإقليمية الليبية والقيام بمهام الخفارة والتفتيش.
وفي الأثناء يواصل القذافي إفراز أوهامه اللامنتهية، والمضيعة للوقت والجهد والمال، والتي من آخرها تأليفه لـحلول نهائية لمشاكل عالمية ينشرها في موقعه الالكتروني الممول بأموال النفط الليبي، في حين يفشل -وباستحقاق- عن حل أبسط المشاكل المتراكمة في ليبيا، بل يتعمد تجاهل هذه المشاكل والتغاضي عنها. كل هذا يجيء ليكشف بجلاء ويؤكد بحسم عن الخلل الكامن في شخصية القذافي، الغير متزنة سياسيا، والتي عجزت عن الترقي إلى "رجل دولة متحضر"، مما يجعل منه شخصا خطيرا على مصير الشعب الليبي وعلى الأمن والتقدم العالميين، بتهديده للاستقرار المحلي والإقليمي والدولي، وبالتالي شخصا منبوذا وغير مرغوب فيه. إن وجود القذافي في أي عمل جدي هو حكم مسبق بفشله، وان أساليب تفاديه وشراء هدوئه، لن تكون حلا بأي حال طالما لم يعالج وجود القذافي السياسي جذريا.
وقد شهدت السنة الانقلابية الفارطة بروزا ملحوظا لتدخلات أولاد القذافي في الشؤون العامة، وتكالبهم على استلاب المال العام، وإنفاقه على الأهواء والنزعات الرخيصة، وتسخير كل إمكانات الدولة لزيادة نفوذهم وسيطرتهم على كل مفاصل البلاد وإمكاناتها، وكانت تدخلاتهم المفضوحة حتى في تعيين وإقالة المسؤولين، وأصبحت محن الرهائن المحتجزين حول العالم سوقا رائجة، وغدت إجراءات إطلاق سراح مجموعة من سجناء الضمير والسياسة الليبيين منة يمتنها أبناء من سجنهم دون وجه حق، وأكثر أحد أولاد القذافي من إطلاق الوعود الفضفاضة والتلويح بخطوات إصلاحية، في محاولات لرصف الطريق لوراثته لسلطة غير شرعية اغتصابها والده في سبتمبر 1969، ولشق الصف المعارض عبر تلك الوعود الخلابة التي لم تلح. ويقينا فإن هذه التكتيكات الانتهازية لن تنطلي على الرأي العام الليبي والعالمي، ولن تفلح في تسويقه كحاكم مقبول لان الشعب الليبي يرفض بالكامل نظام والده، وفكرة وراثته.
إن علاقة الديكتاتورية والعوز بالإرهاب علاقة وثيقة أثبتتها أحداث معاصرة وجارية، وهي درس مهم عن الأثر السيئ الضار لممالأة الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة على حساب السلم والاستقرار والتقدم في العالم. إلا أن المثير للاستغراب، هو غياب هذا الدرس، عند تناول بعض الأطراف للقضية الليبية، بدعوى محاولة احتواء نظام القذافي وإعادة تأهيله على حساب معاناة الشعب الليبي، متجاهلة بذلك قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الجيد، ومتناسية تاريخ وطبيعة نظام القذافي النزقة.
وهكذا وبمناسبة ذكرى الأول من سبتمبر الحزينة، نؤكد في بياننا هذا الموجه أساسا إلى شعبنا الليبي الصامد، وقوى معارضته الوطنية في الداخل والخارج، وكذلك إلى أجنحة نظام الحكم الفاشي، والى القوى الإقليمية والدولية المهتمة بالقضية الليبية، على ما يلي:
• التزامنا الجماعي والمتجانس في العمل من أجل إقامة بديل دستوري وطني ديمقراطي.
• رفضنا لتسويق بعض الأطراف الليبية (في الحكم أو خارجه) والدولية بحل تنازل القذافي عن الحكم لأحد أبنائه، مع منح الضمانات بعدم ملاحقة القذافي قضائيا، فإسقاط نظام حكم القذافي ومقاومة توريث السلطة، وكذلك تقديم المسؤولين من نظام حكمه للمحاكمة على ما ارتكبوه من جرائم الإرهاب والفساد هي حقوق أصيلة وعادلة للشعب الليبي ومطالب شرعية لقوى معارضته الوطنية.
• دعوتنا إلى كافة القوى الوطنية المخلصة (مؤطرة ومستقلة) إلى الالتحام معنا بالانضمام إلى ميثاق منطلقات وثوابت وأهداف النضال الليبي.
وفي الختام، استلهاما لتاريخنا الوطني المجيد ووفاء لتضحيات الشهداء والسجناء الأبطال، وإحساسا بمكابدات أمهاتنا الثكلى وأخواتنا الأرمل الحزانى والأيتام المكلومين وأهلنا المغبونين، نجدد عهدنا الموثوق الغليظ للشعب الليبي باستمرار السير في طريق النضال من اجل تخليص ليبيا من ربقة نظام القذافي الفاشي، كخطوة ضرورية لتحقيق آمال وأهداف الشعب الليبي في الحرية والرفاه.
ودائما، فإذا كان الأول من سبتمبر، يوم حرقة الأحرار وحزن الكرام، فانه لن يكون يوم يأس وقنوط ولا يوم تباكي ولطم، بل يوما للتذكير بشحذ الهمم وإعداد المستطاع توكلا وعملا لمواصلة مقارعة نظام القذافي الهمجي.
عاش نضال الشعب الليبي والجنة والخلود للشهداء الأبرار
لجنة ميثاق منطلقات وثوابت وأهداف النضال الليبي
تمثل اللجنة كل من:
1) التحالف الوطني الليبي
2) الحركة الليبية للتغيير والإصلاح
3) التجمع الجمهوري من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية
4) المؤتمر الليبي للأمازيغية
5) الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا
6) عدد من المستقلين المعارضين
28 اغسطس 2003