أكثر من جهة نادت ولازالت تنادي بمقاطعة المواد والمنتوجات والخدمات ذات الصلة بشكل أو بآخر بإسرائيل أو بحليفتها التاريخية والاستراتيجية: الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا التصرف من قبيل أضعف الإيمان بالنسبة للمواطن العادي الذي يعاين يوميا تقتيل الشعب الفلسطيني في ظل صمت العالم ونكايته. لكن المطالبة بالمقاطعة، بالإضافة للمواد والمنتوجات الظاهرة والمعروفة. يجب أن تطال كذلك المصالح الإسرائيلية والتصدي إليها.
وهناك مصالح إسرائيلية كثيرة ببلادنا وفي أكثر من بلد عربي. لاسيما وأن الإسرائيليين تمكنوا من التسرب بمختلف الأشكال في جملة من القطاعات الاقتصادية وتمكنوا من إرساء مصالح أكيدة تساهم في تمويل الآلة الحربية الإسرائيلية مباشرة.
وقد يقول قائل أن العلاقات انتهت رسميا مع إسرائيل منذ 23 أكتوبر 2000، في عهد نتنياهو، مع إقفال مكتب الاتصال الإسرائيلي، على مختلف الأصعدة ومن ضمنها العلاقات الاقتصادية والتجارية إلا انه في الأيام الأخيرة قامت مجموعة من الفعاليات المغربية بتوجيه التماس إلى عبد الرحمان اليوسفي لمطالبته بمنع استيراد أي منتوج قادم من إسرائيل إلا أن وزيرنا الأول لم ير من الأجدى أن يولي الاهتمام لهذا المطلب لهذا كافي زيادة للتساؤل حول استمرار العلاقات التجارية بين بلادنا و إسرائيل، لكن ألا توجد علاقات من تحتها" لا " تخفى على القائمين على الأمور، و من ضمنهم الوزير الأول ؟.
فمن الأكيد كذلك أنه كانت هناك علاقات تعاون على الصعيد العسكري مع إسرائيل لا سيما بعد معاهدة أسلو سنة 1993وهذا ما تطرقت إليه أكثر من جهة و لم يتم تكذيبه في حينه.
و لا يخفى على أحد أن في منتصف تسعينات القرن الماضي لم يفت الإسرائيليون أي فرصة للاستثمار ببلادنا. ألم يتم توقيع اتفاق بين الخطوط الملكية الجوية و شركة عال الإسرائيلية عندما كان سيربح بريدكو وزيرا للسياحة ؟ كما أنه في تلك المرحلة بالضبط سمعنا عن مشاريع بين رجال أعمال مغاربة و إسرائيليين رغم أنها لم تر النور كلها و لم تجسد على أرض الواقع مثل مشروع هنا مردخاي في القطاع السياحي بأكادير و محاولة المجموعة المالية الإسرائيلية كول بيس بروجكت إحداث فرع لها بالبيضاء من طرف دافييد عامران وهو ضابط سامي سابق بالجيش الإسرائيلي هذه المشاريع لم تكتب أن تر النور لكن أليس هناك مشاريع أخرى أنجزت فعلا ألم تستثمر رؤوس أموال إسرائيلية في قطاع التجهيزات و التكنولوجيا الفلاحية، لا سيما فيما يرتبط بالماء و السقي ؟ ألم تتكلف شركة " تاهال " بتطهير المياه ببن سليمان و استعمالها في سقي ملعب بهذه المدينة ؟ ألم يكن هناك حضور إسرائيلي بارز في مشروع ضيعة التجارب بأزمور ؟ ألم تنشأ شركات ترميم آلات و تقنيات السقي و شركات الملاحة البحرية بمساهمة رؤوس أموال إسرائيلية ؟ فمن الأكيد أنه في تلك الفترة قامت عدة وفود مغربية بزيارة إسرائيل و عدة وفود إسرائيلية بزيارة المغرب، و أغلب عناصرها كانوا من رجال الأعمال و أصحاب رؤوس الأموال في السبعينات كانت الشركات الإسرائيلية تبيع تجهيزات فلاحية للمغرب مباشرة، و بعد ذلك استمرت هذه المبيعات بواسطة الشركة الهولندية " سلويس و كروت " و غير من الشركات الأوروبية لا سيما تلك المستقرة بقبرص، و في هذا المضمار ساهم البنك الدولي في تمويل جزء من واردات بلادنا في هذا المجال و بهذه الطريقة و لجت منتوجات شركة " نيطافيم " إلى الضيعات المغربية و لا زال الرأي العام يتذكر فضيحة بذور الطماطم المستوردة من إسرائيل
و في هذه الفترة تمكنت بعض الشركات الإسرائيلية مع أخرى أوروبية مثل فيف كونترول " و هي إسرائيلية " و ريكافيم و قيل أنها إسرائيلية إسبانية شركة " زيماك " و شركة «تاهال" و شركة "سوبروما" و شركة "حيفا شيميكال" و شركة "مارتيشيم".
فشركة "زيماك" المحدثة بالدار البيضاء سنة 1983 هي في الحقيقة فرع لشركة "زيم" للملاحة و التي تساهم فيما الدولة الإسرائيلية بأكثر من 48% في رأسمالها و هي تؤمن رحلة بحرية مرة أو مرتين أو ثلاث مرات بين أشود ) حيفا – برشلونة – الدار البيضاء ( وشركة تاهال فهي متخصصة في تكنولوجيا السقي الزراعي، ساهمت في إقامة مشاريع بين سليمان و بوجدة أما شركة ريكافيم فقد أنشئت سنة 1993 كشركة إسبانية و هي فرع لشركة " نيطافيم الإسرائيلية و هي متخصصة كذلك في التكنولوجيا الفلاحية و هناك كذلك شركة "سوبرومان" المتخصصة في شتائل الموز و بذور الطماطم.
أما شركة " حيفا شيميكال" هي متخصصة في الأسمدة و ممثلة من طرف الشركة الفلاحية لسوس و هناك شركة مارشيم" و هي ممثلة من طرف الألمنيوم الفلاحي لسوس.
ولقد حضر رجال أعمال إسرائيليين لبلادنا للمشاركة في المؤتمر العالمي للماء في شتنبر 1997 المنعقد بمراكش إلا أنه ابتداء من سنة 1999 أصبحت الأمور تجري في الخفاء اعتبارا لتوسع مدى الجولة الثانية للانتفاضة الفلسطينية لكن هذا لم يمنع رواج و ترويج المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا حيث تم تسجيل سنة 2000 ارتفاع المبيعات بنسبة 18% على الأقل.
فمن المعلوم أن تقنيات السقي الإسرائيلية تغطي أكثر من 32000 هكتار ببلادنا، علما أن 60% من الفلاحين الذين يتعاطون للبواكر يفضلون التجهيزات و التقنيات الإسرائيلية، لا سيما التي تدعي «بابريلا" و " ووادانيلا" من الصعب التخلي عنها من طرف الفلاح المغربي لأنها تهم أكثر من 5000 هكتار و لأن منتوج الطماطم المصدر يحقق رقما للمعاملات يناهز مليارين من الدراهم، علما أن 85% من الفلاحين يستعملون البذور الإسرائيلية.
فكيف تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى بلادنا في حين لا وجود لأي علاقات تجارية ؟ الجواب بسيط جدا، إن الشركات الإسرائيلية تبيع امتياز تلفيق سلعها لشركات أوروبية ) إيطالية أو أسبانية ( و بالتالي يختفي المصدر الأصلي و الحقيقي للمنتوج، أو أن فروع شركاتها بالمغرب تقوم بفتحها و تأسيسها شركات إسبانية، و هذا ما هو حاصل بالنسبة لشركة «ريكافيم" و هي ممثلة في أكثر من مدينة ببلادنا، و التي تعتبر رسميا تابعة للشركة الأم ريكابير برشلونة و لكنها في واقع الأمر هي فرع من فروع نيطافيم و هي شركة إسرائيلية عابرة القارات.
أما بأية و وسيلة تصل المنتوجات الإسرائيلية إلى ببلادنا فهناك خط بحري تؤمنه شركة "زيماك" و هي فرع لشركة زيم أن المنتوجات تنتقل من حيفا ) أشدود ( إلى برشلونة و من هناك تأتي إلى الدار البيضاء كمنتوجات أوروبية.
و إذا علمنا أن جملة من المساعدات المسلمة للمغرب من طرف الإتحاد الأوروبي هي مرصود لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات المرتبطة بها فهذا يجرنا إلى التساؤل التالي: فهل هذه المساعدات مرصودة لاقتناء تجهيزات السقي و التقنيات منتوجات إسرائيلية ليس إلا ؟ و يبدو أنه لكل هذه الأسباب و غيرها لم يبادر الوزير الأول للإجابة على ملتمس توقيف قبول المنتوجات الإسرائيلية ببلادنا. وكل هذا يجرنا كذلك إلى التساؤل حول و جود لولبي إسرائيلي بالمغرب ؟ ولعل أول المجالات التي قد تستقطب الأنظار، المجال العسكري.
فلقد كتب الكثير هنا و هناك حول إمكانية حدوث تعاون عسكري بين المغربي و إسرائيل و هناك مؤشرات قديمة في هذا الصدد.
لقد جاء في كتاب أحمد البخاري أن تعيين الجنرال أفقير سنة 1959 على رأس الأمن الوطني عوض محمد الغزواني كان بإيعاز من "إيسير هاريل" رئيس الموساد، و كذلك الشأن فيما يخص اضطلاع المخابرات الأمريكية بإعادة هيكلة المصالح الخاصة بالمخابرات المغربية.كما أنه في كتاب" أنيس بنسيمون " المعنون " الحسن الثاني و اليهود أن الجنرال أوفقير كان على علاقة بالموساد و انه ساهم في تسهيل مهمة المنظمة السرية: " ميسيكري" المحدثة من طرف إسرائيل للإشراف عن ترحيل اليهود المغاربة إلى أرض الميعاد.
و لعل اللوبي الإسرائيلي بدأ في إرساء دعائمه ببلادنا مع بداية الترويج للكذبة الصهيونية الاستعمارية مع تهافت المتشبثين بأهدابها و على رأسهم آنذاك " أنظري شوارق" الكاتب العام للرابطة الإسرائيلية العالمية و هو الذي اهتم أكثر من غيره بدراسة أحوال اليهود شمال إفريقيا، كما ساهم بشكل كبير في تسميم عقول الشباب اليهود المغاربة آنذاك عبر الجريدة الصهيونية " نوار " و هكذا… كانت البداية لتكوين اللوبي من طرف الصهاينة و المتصهينين. و يفيدنا التاريخ حول أولى هجمات هذا اللوبي بمناسبة صلاة " بيصاح" { أي السنة القادمة في القدس }، إذ تم استغلالها للكذبة الصهيونية ببلادنا على يد أحد " رسل " الصهيونية و أبرز مؤطريها آنذاك بالمغرب " برو سيبير كوهن " فمنذ بدأت تقوية قاعدة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا للحرس على تحقيق كلما من شأنه خدمة المشروع الصهيوني آنيا و مستقبلا لقد عمل اللوبي الصهيوني العالمي على خلق صلات بين المغرب و إسرائيل منذ خمسينات القرن الماضي و يذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد أن طرح قضية تمثيلية للشعب الفلسطيني من طرف منظمة فتح دون غيرها، كانت بفعل هذا اللوبي لأن إسرائيل كانت تريد التخلص من دور عاهل الأردن { الملك حسين آنذاك } في القضية الفلسطينية، لا سيما و أنه كان الوحيد الذي يستطيع إحراج الكيان الإسرائيلي قانونيا بالمطالبة بالعودة إلى خطوط ما قبل يونيو 1967 ارتكازا على مضمون قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر في وقت للم تكن فيه منظمة التحرير الفلسطينية قد ظهرت بعد.
كما أنه من المحتمل أن يكون ذلك اللوبي قد لعب دورا كبيرا في تمكين الموساد من الاستماع على مؤتمرات القمة العربية المنعقدة في الستينات.
فلقد جاء في كتاب:" المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل " أن الجينرال الدليمي حمل سنة 1976 أول رسالة من رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين: إلى الرئيس أنور السادات.كما جاء فيه أن اللوبي الإسرائيلي بالمغرب عمل جاهدا من أجل ترتيب أول اجتماع سري بين مبعوث الرئيس السادات { حسن التهامي } و مبعوث رئيس الوزراء الإسرائيلي { مناحيم بيغن } و { الجنرال موشي ديان } في شتنبر 1977 و من القضايا التي ساهمت في كشف قوة اللوبي الإسرائيلي ببلادنا و أساليب و آليات الدعوة إلى التطبيع مع إسرائيل , فمن المعروف أن بلادنا كانت الداعية و الراعية لأمل عقد مؤتمر اقتصادي بين العرب و إسرائيل سنة 1992 في الدار البيضاء . و كان هذا المؤتمر محاولة جريئة في تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية ،و قد اعتبرها البعض من بصمات فعل اللوبي الإسرائيلي بامتياز
كما أن تتبع جملة من المواتيق و الممارسات و المهام من شأنها توضيح وجود لوبي إسرائيلي ببلادنا.
فالكل يعلم حاليا أن سيرج بير ديكو، و هو الوزير السابق للسياحة تربطه علاقات وطيدة بحزب" ميفدال " الإسرائيلي و هو حزب يميني متطرف. و قد عمل سيرج هذا على إعداد العدة لتنظيم مؤتمر المنظمة الصهيونية العالمية بمراكش سابقا.
ومن الأحداث التي تسير في هذا المسار عقد لقاء سري سنة 1999 بفندق" الميراج " بطنجة جمع بين مسؤولين مغاربة و مسؤولين إسرائيلين، لم يعلم أحد ما دار فيه.
كما انه من بصمات اللوبي الإسرائيلي ببلادنا الحملة المسعورة التي استهدفت الفنان السنوسي.
و كل هذه المؤشرات تدفع إلى الاعتقاد بوجود لوبي إسرائيلي ببلادنا و لعل من هذا المنطق يجب النظر في إشكالية المقاطعة.
إدريس ولد القابلة