أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية














المزيد.....

البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1904 - 2007 / 5 / 3 - 11:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الدعوة للحوار التي وجهها للنخب الثقافية الصديقُ الكاتب سعد هجرس بجريدة نهضة مصر القاهرية بتاريخ 26، 27 /4/2007 ليست مما يمكن تجاهله ، لاسيما وأنها تأتي في لحظة تاريخية مائزة ، أشار إليها – ومعه الأستاذ عنايت بأنها فارقة بين العصر الصناعي ، وعصر إقتصاد المعرفة ، لا ينفع معها التمترس بما عهدناه من معارف تقليدية مريحة .

في الغالب الأعم أتصور ألا تستهوى هذه الدعوة رموز الفكر اليمينى ، لكن الأخطر أن يزَّاور عنها مثقفو اليسار ، ممن جمَّدوا " النظرية " ، وأدخلوا " فكرهم " في المعلبات الأيديولوجية من طراز " حتمية انتصار الإشتراكية " و " البروليتاريا هي طليعة المناضلين " ... الخ ، دون التفات منهم إلى واقع المتغيرات الثقافية ، التي برهنت على أن الحتمية وهمٌ ، وأثبتت – على المستويين الإقتصادي والسياسي أن البروليتاريا أزيحت فعلياً عن الموقع الاستراتيجي الذى احتلته بخارطة الإنتاج العالمى في القرن التاسع عشر وإلى منتصف القرن العشرين.

ولا غرو أن يأخذ هذا التجاهل للواقع المتغير أمثال هؤلاء المثقفين بعيداً عن ميدان العلم الذى تخضع فيه النظريات لمعيار القابلية للدحض والتكذيب Falsifiability Criterion بخلاف الأيديولوجيا التي تدَّعى اليقين فتصبح – بما هي كذلك – وعياً زائفاً . ومن أسف فإن أمثال هؤلاء المثقفين (من قصد إليهم راجى عنايت ) لواقعون بين براثن الأيديولوجيا بنوعيها الديني والعلماني سواء بسواء .

على غير ذلك تماماً ، يدرك المثقف الحقيقى أن العلوم الإنسانية قد نشأت في الغرب بمحاولة منه أن يمنهج بحوثها ، وأن يضبط مصطلحاتها ، وأن ينتج منها المعرفة الصحيحة بنفس الدقة المعهودة في العلوم الطبيعية . وحين تبين استحالة ذلك – لاستعصاء البشر على التصنيف والتوكيد – ظهرت الحاجة إلى " السوسيولوجيا " التي تربط بين الإقتصاد والسياسة والثقافة في منظومة متكاملة . فالنشاط الإقتصادي غير منبت الصلة بالسياسة التي تُسَيِّر أمور الناس ، ولا هو مقطوع النسب بثقافتهم التي تشكلها أنماط إنتاجهم ، ووتائر سلوكهم ، وجملة أفكارهم المنبثقة عن هذا السلوك وعن تلك الأنماط الإنتاجية ... إلخ

فأما العلاقة بين الإقتصاد والسياسة ، فإن درجة تطور المجتمع هي التي تحدد أيَّ الفرعين يتبع الآخر . وآية ذلك أن المجتمعات الرأسمالية المتقدمة تسمح للإقتصاد أن يقود السياسة ، موجهاً إياها لتنفيذ غاياته ، بينما نرى مجتمعات ما قبل الرأسمالية Pre-Capitalism تهيكل الإقتصاد تبعاً لما تراه السلطة السياسية صالحاً . والمثال الأوضح على ذلك : الإتحاد السوفيتى السابق ، ومصر الناصرية ، حيث كانت الرغبة في الوصول إلى الإشتراكية – دون المرور بمرحلة الرأسمالية الكلاسيكية – ناجمةً عن دواع سياسية بأكثر مما كانت استجابة لتطور اقتصادي منطقى .

وأما العلاقة بين الإقتصاد والثقافة فأوسع وأشمل. فبينما تتمسك ثقافة معينة ( النمط الآسيوى ) بالمألوف والموروث تحسباً لمخاطر المغامرة والتحديث ، في تجاهل منها لقانون التغير الدائم في الطبيعة وفي الحياة الإنسانية على السواء ، نرى ثقافة أخرى ( أوربا بدءً من القرن 15 ) تتخلى عن مفاهيمها الموروثة من عصور الجمود اللاهوتى لتواكب نشاط بورجوازيتها الوليدة في اختراعاتها ، وكشوفها الجغرافية ، وأبحاثها العلمية ، وفتحها لمناطق المواد الخام ، وللأسواق بمؤازرة القوة العسكرية ، حتى ترسخت في بنية تلك الثقافة فكرة المركزية الأوربية ، بما يعنى ألا سبيل لمجتمع يسعى للتقدم إلا بأن يسلك السبيل الأوربى ، أي بالتبعية للغرب.

ذلك بالضبط ما تشير إليه دراسات سوسيولوجيا التنمية في أمريكا الآن حيث تطالب أمريكا الدول النامية بوضع خطة من محورين ، أولهما : العمل على تجاوز الثقافة التقليدية المناوئة للتقدم . وثانيهما : بناء اقتصاد حديث بتشجيع الاستثمارات الأجنبية ، وتبنى القيم والنظم الغربية ( ثقافة الديمقراطية ). وصحيح أن هذا التوجه من شأنه تحرير الإقتصاد من التبعية للسياسة ، لكنه بالقطع لن يحرره من التبعية للمركزية الأوربية ( الرأسمالية العالمية الآن ) فما الحل ؟

في تقديرى أن الحل يتبدي في قيام المثقفين بدورهم المفتقدَ ، تبصيراً لشعوبهم بالأخطار المحدقة من كلا الجانبين : الجمود المعرفي والقصور الإنتاجي والاستبداد السياسي ( باسم الأصولية دينية كانت أو مدنية ) من ناحية ، ومن أخرى التبعية للغرب ( باسم الحداثة ) مشيرين في الوقت ذاته إلى تجارب معاصرة ناجحة في هذا السياق مثل تجربة الصين ، وتجارب دول أمريكا اللاتينية كالبرازيل وشيلى وبوليفيا ، لا بغرض تقليدها ، ولكن لاستخلاص عناصر الإبداع فيها تمهيداً لتأسيس إبداعنا الخاص .

إنما إذا رأت النخب الثقافية أن فيما يطلب منها يعنى إضافة لوغاريتم جديد إلى لوغاريتمات عنايت ، فأنا أقترح على الصديق هجرس أن يسحب دعوته النبيلة ، وأن يأتي برفش مثل رفشى لنحفر بهما قبراً لأحيائنا الموتى!





#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصيدة أُقَلِّبُ الإسكندرية على أجنابها
- تفسير غير تآمري للتعديلات الدستورية المصرية
- إضراب عن الماء
- الإخوان -المسلمين- وغيرهم ثقافة مُحاصَرة ومحاصِرة
- * المدربون
- *قصيدة الكمائن
- مصر وثقافة الحصار
- البلطة والسنبلة - هل المريون عرب
- ثقافة الإرهاب تمهد لضرب الوحدة الوطنية
- *نورا العربية لا تغادر بيت الدمية
- *الطابع المزدوج للثقافتين الأوروبية والعربية
- *الشعر يمحو باليد الأخرى
- إعدام الشاعر عماد الدين النسيمي
- مسرح شعري في مصر الفرعونية ؟!-الفصل الثاني
- قراءة تجريبية في دراسات المسرح الشعري - الفصل الأول
- الطريق إلى المسرح الشعري - مقدمة منهجية
- * الكتابة على سِفْر الاختيار
- * المدخلُ إلى علم الإهانة
- *قراءة سوسيولوجية للوحة العشاء الأخير- شفرة دافنشي الأخرى
- *الحرية بين العلم والدين والفلسفة


المزيد.....




- هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب ...
- حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو ...
- بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
- الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
- مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو ...
- مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق ...
- أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية ...
- حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
- تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مهدي بندق - البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية