|
لماذا أحلم بحبل المشنقة حول عنقك؟
محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب
(Mohammad Abdelmaguid)
الحوار المتمدن-العدد: 1904 - 2007 / 5 / 3 - 11:39
المحور:
حقوق الانسان
رسالة مفتوحة إلى الطاغية حسني مبارك رعشةٌ غريبة انتابتني كأنها قادمةٌ من وخز الضمير بعدما رأيتُ لفترة طويلة صورًا وفيديو كليبات ومشاهد لعمليات تعذيب واهانة واغتصاب لمواطنين مصريين في أقسام الشرطة وتخشيباتها وفي مكاتب مأموريها.
دعني أعترف لك وهو ما يغضب كثيرين من المصريين مني مُعتبرين أن هناك ثأراً شخصيا بيني وبينك، باعتبار أن هذا الثأر لا علاقة لهم به وهي شهادة حسن سير وسلوك تُحسب لهم في ميزانك، بأنني ظللت لفترة لا أتذكر طولها وعرضها وثقلها ألعن فيك، وأصب جَمّ غضبي على كل من لا يلعنك في منامه ويقظته.
أحسبك شاهدت جميع هذه الأفلام والوثائق وقرأت التقارير، وحكى لك مستشاروك عما تم فعله بأبناء بلدك. وأغلب الظن أن أحدهم همس في أذنك وأنت تتلذذ بهذه المشاهد بأنَّ هؤلاء أوغاد يعارضونك، وكلاب لا تستحق أن يُلقي إليها ابنك بعظام من بقايا موائد رجاله ورجال شقيقه.
حبست دموعي وأنا أشاهد الأم المشلولة توافق على كل الانتهاكات والضرب والذل والتعذيب والسجن ضد ابنها البريء، إلا ما حدث عندما ألبسه رجال أمنك قميص نوم حريمي وجَرّوه من رقبته أمام الجيران والأحباب والأقارب والاخوة وربما خطيبته أيضا.
كان المواطن المصري الذي تم اشعال النار في جسده في منتصف الليل محظوظا، فقد حمل معه إلى رب العباد شكواه، أما هذا الذي يقول بأنه كان يضغط على أعصابه ويضم فخذيه جيدا لئلا تدخل العصا كلها في فتحة الشرج فقد قتلتني كلماته مئة مرة في دقائق معدودة، ولو أرهفت السمع قليلا فربما اخترقت أذنيك لعناتي عليك قبل أن تصل إلى السماء السابعة.
أتفهم تماما أن يقوم الأمريكيون بارسال من يعجزون عن اجباره على الاعتراف كذبا، ليقع بين ايدي جلاوزة نظامك، لكنني أتعجب من الحد الفاصل بين الانسان وفيه روح الله وبين إبليس متجسدا فيك وقد استلقيت على مقعد هزاز في قصر العروبة، وتشاهد بنشوة وتلذذ وشبق واستعذاب كل التفاصيل اللعينة لمواطنيك، وكلابك ينزعون عنهم ملابسهم، ويتم الاختيار بين ورق مقوى أو عصا رفيعه لتدخل في الدبر، ويضحك أمناء الشرطة والمخبرون والمرشدون والمسجلون كخطرين وكل منهم يُمَنّي نفسه بأن يسعدك، ويبهجك، فمصريوك لم يعودوا يستحقون أقل من هذا.
كان الضرب بالجزمة على وجه القاضي ممثل العدالة تجربة لجس نبض ردود فعل عشرين ألف قاض، فصمتوا.
وكان التحرش بالنساء والاعلاميات والصحفيات أمام وكالات الأنباء جس نبض لمعرفة الحد الأقصى قبل الأمر باغتصاب جماعي يقوم به كلاب أمنك ضد كل المصريات، من أمهات وأخوات وزوجات وفتيات في عمر الزهور يحلمن بالعفة، فصمتت مصر، وصَكّ رجالُها وجوهَهم.
ماذا يفيد حلمي في حبل مشنقة يلتف حول عنقك قبل أن يقرأ عليك ممثل العدالة قائمة بكل جرائمك، فقد نجحتَ بالدخول إلى المنطقة الأكثر وعورة وحساسية وسرية في النفس المصري، وعبثت بأزرارها، وقمت بتخريبها.
لذا لا يكترث المصريون لو كتبت أنا أو غيري لهم آلاف الحكايات، وحاولت اقناعهم بأن مصر لاتزال بلدهم.
إنهم لا يصدقونني ويظنون أنني أسُبّك وأشتمك وألعنك انطلاقا من ثأر شخصي بيني وبينك.
لو علم كل مصري أن هذا الثأر الشخصي بين كل منا وبينك لما بقيت في قصرك يوما أو بعض اليوم.
لو فكر كل مصري لدقيقتين أو أقل أو أكثر بأن ابن بلده الذي أجبروه على ارتداء قميص نوم حريمي ليكون رمزا لكل مصري في عهدك هو في الواقع شقيقه أو والده أو ابنه،لانتفضت مصر كلها وهربتَ أنت مع أسرتك كما تهرب الفئران المذعورة.
هل تصدق بعد كل ما فعلته أنت بشعبك فإن كثيرين يجدون لك تبريرات لا نهائية، ويرفضون تَحَمُّل المسؤولية الأخلاقية والأدبية والانسانية والوطنية والدينية؟
رسالتي تلك بعيدة تماما عن الحديث في تفاصيل كل جرائمك، فقد اكتشفت أن المصريين لا يقرأون، وأنهم يكتفون بعنوان المقال وسطرين أو ثلاثة، وأنهم يعتبرون أنفسهم في معركة ضد منتقديك، فيبحثون عن أعذار واهية، فهذا الشخص لا يقيم في مصر، ولا ينبغي أن يُعَلّمهم أصول النقد، ولا يحق له تنبيههم لما يحدث لأنهم في قلب مصر يكتوون بالنار ويرفضون من يقوم بتذكيرهم بها.
لكنها رسالة تختلف عن كل كتاباتي السابقة، فهي تمنيات بأن يلعنك الله في الدنيا والآخرة.
أكتب منذ أربعين عاما، ورسالتي تلك تخرج عن كل أصول الكتابة ومفردات اللغة المتعارف عليها بين الطيبين والودعاء والمسالمين وحتى أنصاف المعارضين.
أكتب عن حلمي في حبل مشنقة حول عنقك، شريطة أن تمر أمام عينيك على شاشة ضخمة كل صور الانتهاكات في عهدك الأسود، وترى مواطنك المصري الذي أجبره ضابط الأمن أن يلعق عضوه الذكري أمام أمه وابنته، وأن تسمع صراخ شاب مصري يدعو كل مخبر وأمين شرطه الآخر أن ينزعوا ملابسه، ويقتلوا فيه كل ذرة رجولة كان يحتفظ بها لزمن أسود قاتم قد تكون فيه بارقة أمل.
أعرف أنك تعرف كل التفاصيل وأكثر منها، وما أسرده الآن قطرة من سبعة بحور تلف الدنيا، لكنني أريد فقط أن أُشهد الله ونفسي وضميري وأخلاقي وكل من صَدّق هذا القلم أنني ماض في معارضتك وكشف إبليسيتك، وأنني أحتقر وأزدري كل من يجد لك مبررات سواء في الصمت تجاه ما يحدث أو تأويل كلامي أو العبث بموضوعي اشغالا للآخرين عنه.
لم أشعر في حياتي بأن الانسان فعلا في أسفل السافلين إلا بعد مشاهدتي صور التعذيب التي تأمر بها كلاب أمنك.
غاضب أنا على كل صامت، وكل من يعرف تفاصيل ما يحدث في مصر ثم يغمض عينيه، ويتحدث في موضوعات أخري، ويحيل الأمر إلى القدر، وإلى صانع القَدَرِ كأننا حيوانات لا تحمل قَدْرا صغيرا من الأخلاق والمباديء والقيم والمثل والانسانيات.
غاضب أنا على كل من يقرأ كلماتي، ويحذف منها لعناتي عليك، ويبتسم ظنا منه أن الكتابة ليست اشتعالا وحرقا ووخزا للضمير، لكنها تأدية واجب، أو رفاهية عاطل، أو وصف غير دقيق لقلم لا يعيش انجازاتك.
غاضب أنا على الجميع وعلى نفسي وعلى الكون كله، فإذا كان من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا، فإن من أجبر هذا المواطن على ارتداء ملابس نسائية، أجبرنا جميعا، كل رجال مصر في الداخل والخارج على ارتداء نفس الملابس، وأن العصا التي دخلت في دبر المواطن، وكلاب أمنك يضحكون ملء وجوههم البشعة قد أدخلوها في مؤخراتنا جميعا.
أقدم اعتذاري الشديد للغة الضاد التي أحبها وأحترمها وأحنو عليها، وتمد قلمي ولساني بما تجود به على عاشقيها، لكن رسالتي تلك خارجة من بركان فيه حمم تقذف كل من يقف في طريقها.
الآن .. الآن فقط سمحت عيناي لدموعي بأن تنزلق على وجهي، ومعذرة لكل من ليس به عمى أو صمم وآذت أذنيه وعينيه كلماتي.
#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)
Mohammad_Abdelmaguid#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدونة تجديد الدعوة للعصيان المدني في مصر
-
المسلمون خصوم المسلمين، فكيف لنا أن نتحاور؟
-
يا ولاد ستين ألف كلب
-
الفلسطينيون يحققون أهداف اسرائيل
-
القول السديد في بلاهة العقيد
-
لماذا يخاف السوريون من السوريين؟
-
دماء على أنياب الرئيس التونسي
-
حوار بين كلب الشارع و ... كلب السلطة
-
هل المصريون سعداء بالذل أم تعساء بالخوف؟
-
العراق ... هزيمة كل المتصارعين
-
متى يغضب السوريون على الرئيس بشار الأسد؟
-
عانس سعودية تبث أوجاعها لقساة قومها
-
محاولات مضنية للبحث عن الرئيس حسني مبارك
-
البيان والتبيين في أوجاع مصر وأحزان المصريين
-
المؤسسة الدينية السعودية تدعو لاغتصاب الأطفال
-
مبارك يصنع المرشدين من صعاليك الإنترنيت
-
طز في الشرفاء والأحرار و ... الوطنيين
-
الإنترنيت .. الخطر القادم على البشرية
-
السعوديون ينحازون للملك، فمتى ينحاز الملك للسعوديين؟
-
آلة موسيقية تتحدث إلى مسلم متشدد
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|