أصدر الأزهر فتوى عجيبة وغريبة لا تقل غرابتها عن مواقفه السابقة اتجاه قضايا مهمة وخطيرة حدثت على الساحة العربية والاسلامية ، تكاد هذه الفتوى مضحكة حتى البكاء لأن هذه المؤسسة المعروفة بواقعها وبقيمتها كان يجب أن تكون مواقف لجنتها " لجنة الفتوى" أكثرحكمة وعقلانية في هذه الظروف الخطرة التي يمر بها العراق والشعب العراقي، وان تتأكد من مواقفها الدينية والدنيوية والعلمية وأن لا تنجرف بدون اوجه حق إلى مواقع تُخذل فيها مواقفها بتداعيات القضية العراقية وتعلن على الملأ مواقف تكشف سيايتها السابقة تجاه قضايا المسلمين في الأقطار العربية وغير العربية.
كما نلاحظ إلى جانب ذلك تلك الفاتوي التي تصدر هنا وهناك وحسب المصالح الآنية والذاتية الضيقة والتبعية المُرة التي تظهرها وكأنها فتاوي قادمة من عالم آخر ليس له صلة بما يدور في عالمنا الراهن. وهكذا يُحَمل الدين الاسلامي مواجع وأخطاء هذه الفتواي التي تمر كأي خبر سياسي عادي لا يثير أهتمام أكثرية المسلمين الذين فقدوا الثقة في مثل هكذا فتاوي.
ان العجيب والغريب في هذه الفتوى التي اعدها السيد نبوي محمد العش عضو " لجنة الفتوى " في الأزهر كونها لم تدرك حقيقة ما جرى في العراق وكيف خُذِل العراقييون من قِبل الأزهر ولجنته أو أي مرجعية دينية أخرى في الدول العربية عندما كان حزب البعث العراقي بقيادة صدام حسين يستغل الدين الاسلامي بدون أوجه حق ليس ضد العراقيين فحسب بل ضد الجميع بما فيهم الدول المجاورة وهم يتذكرون حرب الثمان سنوات ضد دولة ايران المسلمة واحتلال دولة الكويت العربي المسلم وما جرى لهذين الشعبين من مآسي على يد من يدعى أنه حامى حمى الاسلام والمسلمين. وكان الازهر وغيره قد اطبق شفتيه إلا ببعض الكلمات الفاقهة وكأن الامر لا يعنيه.
ليس دفاعاً عن مجلس الحكم العراقي الانتقالي لأن كلمة الانتقالي تعني أن هذا المجلس سوف يمهد لبناء العراق ويخلصه من الاحتلال إذا ما دعم من أكثرية الشعب العراقي ونحن لا نغالي إذا قلنا أن هذا الدعم موجود، أو من قبل الأقطار العربية والإسلامية وغير الاسلامية.
لكن اتهامه بهذه الطريقة البائسة غير المنطقية " فاقد الشرعية الدينية والدنيوية" تجعل الاتهام نفسه نكتة مبكية تحرف الواقع والحقيقة بشكل مكشوف لأن الشعب العراقي يعرف من اين قدمت شرعية المجلس الحاكم الانتقالي ، والفتوى غالت في طلبها من الاقطار العربية والاسلامية أن لا تعترف بمجلس الحكم العراقي الانتقالي، وقد صدق ظنّ الكثيرين حيث لم تتلتزم العديد من هذه الاقطار بهذه الفتوى وبالعكس فقد التقت المجلس وسوف تعترف به عاجلاً أم آجلاً بعدما تدرك حقيقة الأمر وخطورة المرحلة ليس على العراق وإنما على الأقطار العربية نفسها، كما ان دولاً اسلامية وغير اسلاميةحذت وستحذوا أيضاً الطريق نفسه، وهكذا سيكون الازهر وفتوى لجنته في موقف صعب يضعف من قيمته الدينية والدنوية والسياسية والعلمية، لأن الفتوى ستكون في خبر كان كما هي الفتاوي الأخرى التي صدرت سابقاً ولم تعار بأهمية تذكر، فكيف يرضى القائمون على الازهر وضعاً لا يحدس عليه كهذا، وهو وضع لا نهدف ولا نريده له باعتباره مؤسسة عريقة في المجتمع العربي والاسلامي.
وعلى ما يبدو ان البعض لم يستفيد من الماضي والتاريخ ولا يتعلم من التجارب ومن قوة المثل " لايصح إلا الصحيح" ولهذا لو دققنا في كلّ الفاتوي التي صدرت سابقاً لوجدنا أكثرها تتناقض بشكل جلي مع ما يدور من أحداث ووقائع، وفي الكثير منها مواقف توفيقية لا تعالج بشكل جذري أكثرية القضايا حساسية في الواقع العربي والإسلامي وفي مقدمتها علاقة بعض الدول العربية مع اسرائيل المحتلة للأراضي العربية وهي ( دولة كافرة كما جاء في فتوى اللجنة ضد الدول التي شاركت في احتلال العراق وهي مسيحية) وكيف تتعامل الحكومات الاسرائيلة مع الاراضي العربية المحتلة ومع الشعب الفلسطيني وآلاف الضحايا الناتجة من الاحتلال وتدنيس الاماكن المقدسة وفي مقدمتها المسجد الاقصى الشريف.
ولوعدنا إلى الوراء قليلاً إلا يحق لنا أن نسأل الازهر ولجنة الفتاوي ان يعلن موقفه الديني قبل الدنيوي من المقابر الجماعية التي امتدت على جميع اراضي العراقي، او أنه سيعتبر تلك المقابر الجماعية غير حقيقية و نكتة او تمثيلاً مثلما فعل البعض من فاقدي الضمير.. هذه المقابر الجماعية التي اهتز لها الضمير العالمي والانسانية جمعاء، اليس كان من واجهة حق أن يعلن عن مواقفه خلال 35 عاماً مما لاقاه الشعب العراقي من ارهاب واضطهاد وقتل وحروب جائرة واستعمال الاسلحة الكيمياوية ضد مدينة حلبجة المسلمة وابادة القرى الكردية ذات الأكثرية من المسلمين وضحايا الانفال الذين يعدون بعشرات الآلاف؟
إلا يستحق كل ذلك كلمة تقال أو رأي أو فتوى ضد اعمال النظام الشمولي الذي قام بمسح مدن وقرى عراقية مسلمة عن وجه الارض لمجرد معارضتها له؟
إلا يستحق العرقييون فتوى تؤكد استغلال الدين لقتل البشر بدو وجه حق؟
إلا يستحق حوالي أربعة ملايين عراقي هجروا أو هربوا من العراق وأكثريتهم من المسلمين كلمة حق تقال من اجلهم؟ أم أنهم خير مشمولين بالنظرة الاسلامية للجنة الفتاوي في الازهر؟
ان التحريض من أجل زيادة وتعميق الفتنة واستمرار الاضطراب الامني ومساندة التخريب والتمير وزعزعة الاستقرار ووقوع الضحايا الابرياء ، ما هوإلا فاقد للشرعية الدينية والدنيوية وليس المجلس الحاكم الانتقالي في العراق.
هذا التحريف المنافي لكل القيم الدينية والانسانية الذي يدفع الدول العربية والاسلامية من عدم مدّ يد العون والمساعدة للشعب العراقي لكي يتخلص من واقعه المؤلم وكذلك الاحتلال.
كان الاجدر بالازهر ولجنته أن تكون الفتوى أكثر حكمة وواقعية بدلاً من الاستعجال.
أن يكون أكثر تأنياً في أصدار مثل هكذا قرارات ومواقف تدل انها اتخذت مسبقاً وكأنها نادمة على سقوط النظام الشمولي ورحيله أو هي مازالت تدعم ذلك النظام وفلوله التخريبية، وكان على لجنة الفتوى أن لا تأتي بالآية الكريمة " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير آل عمران 28"
لأن ذلك يتنافى مع الحقيقة فأكثرية أعضاء المجلس تلتزم بشرع الله وليس العكس مما تدعيه الفتوى، بل ان الأكثرية منه كانت تناضل ضد الحكم الشمولي وهي مضطهدة منذ سنين طويلة، وهذا المجلس لا يتعامل مع قوى الاحتلال دينياً انما سياسياً وفق مرحلة ومنية معينة من أجل صالح العراق، كما أن هذه الآية الكريمة تدين الازهر ولجنته لأن العديد من الأقطار العربية تتواجد فيها ولحد الآن قوات أجنبية على شكل قواعد أو غيرها ، فلماذا لم يصدر الازهر فتوى تدين تواجد القوات الكافرة في هذه البلدان؟ أم يرى أن تطبيقها على العراق بدون تطبيقها على دول أخرى تخدم مصالحه في الوقت الراهن.
وكما ذكرنا سابقاً أن هناك أراض عربية اسلامية محتلة من قبل اسرائيل وفي مقدمتها أراضي حزيران 1967، فضلاً عن الممارسات اللانسانية التي تمارسها قوات الاحتلال ضد الفلسطينين مسلمين ومسيحين.. إلا يستحق كل ذلك فتوى جديدة وقوية من قبل الازهر ولجنته تطالب بعدم التعامل مع قوات الاحتلال وفي مقدمتها دولة مصر الذي يقع الازهر فيها بينما العلم الإسرائيلي يرفرف في سماء القاهرة..
نحن لسنا بصدد الاساءة إلى أحدٍ ولكن إذا كان بيت احدهم من زجاج عليه أن لا يرمي بيوت الآخرين بالحجارة، وأن يكون منصفاً في تعامله وصادقاً في دعواه.
ان الشعب العراقي الذي اكتوى بنيران الاستبداد والحكم الجائر المنافي لكل القيم الدينية والانسانية خَبَر هذه الاساليب منذ زمن بعيد ، كما خَبَر الكثير من الفتاوى التي ذهبت أدراج الريح لأنها لم تكن لتخدم الاسلام والمسلمين بشيء الآ اللهم التفرقة وخلق البلبة والتطاحن وهذه جميعها ضد شريعة الله عز وجل، فلم يأخذ المسلمون بها، ولو كانت المؤسسات الدينية تقف بشكل صادق وحقيقي مع متطلبات شعوب الاقطار العربية وتعلن مواقفها بصراحة وبعلانية لما تمادى بعض الحكام على انتهاج سياسة الارهاب والاضطهاد والتعسف ولما استغل الدين الاسلام لمآرب الاحتفاظ بالكراسي وبالحكم حتى لو اقتضى الحال على مئات الآلاف من جماجم البشر..
ولو كانت الفتاوي التي اطلقت محل تنفيذ وتطبيق لأخذ بها.. ولكن لشديد الأسف كان العكس وسيبقى العكس إذا لم تر هذه المؤسسات وفي مقدمتها الازهر مصالح أكثرية الناس والدفاع عن حقوقهم الدينية والدنيوية.
كان على الازهر ولجنته أن يرى حالة الفوضى وعدم الاستقرار والانفلات الأمني والتخريب والقتل والسلب وعدم الاستقرار فيقوم بأصدار فتوى يدعو الناس للتعاون والوحدة في هذه الظروف الحرجة ، لا أن يحرض بقوله وهو غير حقيقي " كل دولة أيدت هذا المجلس أو تعاونت معه سواء كانت عربية أو إسلامية، فينبهها أخوانها حتى تعود لشرع الله وحظيرة اجماع المسلمين في هذه الحياة ، فإن استجابت حسب ذلك لها، وإن لم تستجب فلا يجوز التعامل معها حتى تعود إلى صوابها"
فهذا القول ليس على صواب ومنافي للواقع والحقيقة عندما يتهم أعضاء المجلس وجميعهم من المسلمين أن يعودوا لشرع الله وحظيرة إجتماع المسلمين وهو يعرف جيداً ما هي الخلافات بين المسلمين أنفسهم لا بل بحلقة اضيق بين العرب ، وإذا كان القصد من خلال هذه الفتوى أن يقوم نظام دموي جديد وطاغية آخر لا يهمه أمر الناس مسلمين أو غير مسلمين فسوف يكون ذلك فضيحة لكل مؤسسة تتطالب الشعب العراقي بذلك.
نحن واثقون تماماً أن هذه الفتوى ستكون بلا جدوى، وأنها ستزيد الشعب العراقي وقواه الوطنية الشريفة تصميماً على أنجاز مرحلة الانتقال لكي تصل السفينة إلى مرفأ الحكومة الوطنية المنتخبة ديمقراطياً وسن الدستور الدائم الذي سيعرض على الشعب العراقي لإقراره والأخذ بتطبيقة وبالتالي أنهاء الاحتلال الاجنبي ونيل العراق استقلاله الوطني الكامل بدون نقصان.. عند ذلك سيكون العراق مثالاً يقتدى به ليس في المنطقة فحسب وإنما لكثير من الدول التي تنتهج فيها حكوماتها نهجاً مخالفاً لارادة الجماهير الكادحة..
27 / 8 / 2003