صدام لا زال حياً و... " ليخسأ الخاسئون"
/ ألمانيا
ما بقي من نظام البعث المنهار في العراق رئيس طريد مختف عن الأنظار، تعيش عائلته لاجئة في كنف ملك الأردن، ربما لن يلتقي بها مرة أخرى، ووارى الناس نجليه المجرمين على شاكلته فلم يتجرأ على توديع جثمانهما يوم الدفن، مما يذكّرنا بما حدث لأبناء المعارضين واللاجئين العراقيين في عهده الدموي..... نظام خلّف وراءه بلاداً تعصف بها العواصف العاتية وعشرات المقابر الجماعية وقادة عسكريين رموا نياشينهم اللامعة وسراويلهم المرصّعة وتفرّقوا كالغربان في دجى الليل عندما جاءتهم الضربة على رؤوسهم بعد أن أقسموا اليمين لسيدهم بأنهم سيدافعون عن عرشه بأرواحهم ودمائهم.. وهنا لابد من تذكيرهم بما فعله الطيارون اليابانيون حينما شعروا بأن بلادهم ستخسر الحرب إذ راحوا ينتحرون واحداً بعد الآخر بمهاجمة حاملات الطائرات الأمريكية وقواعدها في عمليات لم يشهد التاريخ مثيلاً لها من قبل، أما قادتهم فكانوا يطعنون أنفسهم بالسيف لكي لايصيبهم عار الهزيمة ونذكرهم بما قام به قادة الجيش النازي عندما كانوا يخسرون معركة من المعارك حيث كانوا يطلقون على رأسهم النار، ومنهم من قتل كل أفراد عائلته بنفسه ثم أقدم على الانتحار لكي لايشهد الهزيمة.. أما قادة صدام ورجال حكمه فهاهم يتم صيدهم كالفئران والجرذان واحداً تلو الآخر في الأرياف والمخابىء دون مقاومة ودون كرامة..
لقد زال نظام مرّغ العراق في دم أبنائه وبناته عقوداً من الزمن وأدخل الحزن والألم والحسرة في قلوب كل العراقيين الذين لم يرضخوا له، بل حتى الذين تبعوه كما يتبع العبد سيده.. وحقيقةً لايدري المرء هل سيستسلم صدام حسين لقوات التحالف أم سيقبض عليه حياً أم سينتحر بعد كل ما جرى حتى الآن؟! والأيام ستكشف الحقيقة .. ومنهم من يقول بأن صدام حسين أضعف من أن ينتحر أو أن يتجرأ حتى على الاستسلام وسيظل في مخابئه إلى أن يعثر الأمريكان أو حلفاؤهم عليه ويقتادونه إلى معتقل من معتقلاته الكثيرة والشهيرة..وهاهم ألوف من يتامى صدام حسين من مثقفي العرب لايزالون يحاربون العراق دفاعاً عن صدام ودنانيره القذرة التي كان يغدق بها عليهم.. وعندما تقول لهم بأن حكم سيدهم قد انتهى بلا رجعة فإنهم يرددون " فليخسأ الخاسئون!!" ..
عندما هاجم صدام حسين ايران بناء على طلب أسياده وقف معه هؤلاء الجنود من حملة الأقلام المأجورة وأعلنوها معركة حامية الوطيس ضد " العدو الفارسي" و "التحريف الشيعي" وانقلبوا من معربدين سكارى في صالونات ونوادي القلم على ضفاف النيل وبردى والكورنيشة إلى مدافعين عن "الإسلام الصحيح الذي سينقله بعث صدام التكريتي إلى قلب إيران بعد أن يحرره من الملالي الرجعيين..." وعندما كان العقلاء يحدثونهم بأن صدام حسين سيخسر الحرب ويخرج من الأهواز مكسور الرقبة كانوا يرددون " فليخسأ الخاسئون!!" ...
ولما هاجمت جحافل صدام حسين بلاد الكرد بعد أن نفض الاتفاق حول الحكم الذاتي معهم ودمرت قواته القرى والأرياف بمساكنها ومساجدها ومدارسها وسدت الينابيع بالاسمنت وهجرت مئات الألوف من العوائل إلى صحارى الجنوب العراقي وقتلت ما لا يمكن معرفته حتى الآن من شباب الكرد واغتصبت نساءهم وباعت منهم من باعت إلى ملاهي مصر وغيرها حاول هؤلاء المطربون الشواذ تبرير كل هذه الأفعال الشنيعة الخارقة لكل الشرائع وحقوق البشر بأن الكرد يرفضون السيادة العربية التي قدمت لهم الحضارة والتقدم، وبأن " التاريخ لم يعرف فاتحاً أرحم من العرب" وأن كل المآسي التي يتحدث عنها الكرد ليست سوى " حملة امبريالية صهيونية مسعورة " لتشويه سمعة النسر العربي والبعث العربي والسيد العربي... فإذا بالحرب تكشف حقائق المذابح والمجازر للدنيا كلها.. وعندما قال لهم الناس : صدام سيخسر كوردستان مثلما خسرعربستان راحوا يرددون مقولة سيدهم: " فليخسأ الخاسئون!!" ....
ونتذكر جميعاً كيف أنه اقتحم الكويت واغتصب الكويت وأذل شعبها وأهان رجالها واستولى على ذهبها وأرشيفها الوطني وضمها للعراق.. فصاح العقلاء في العالم كله: هذه ليست بلاد تنتج القرنبيط وانما ينبع منها البترول عصب الصناعة والحضارة العالمية فاتركها وعد إلى بلادك .. راح المشاركون في جوقة المدح والثناء يقبلون صور صدام ويأملون في أن يقتحم الأردن وسوريا والقدس وينهي المشكلة الفلسطينية ثم يرمي فرسان الحكم في مشارق الوطن العربي ومغاربه واحداً بعد الآخر، كما فعل السلطان صلاح الدين الكردي، وشتان ما بين قائد عظيم حارب حتى الرمق الأخير في حياته يتقدّم عساكره ويتمتّع بقلب تشهد على عظمته الإنسانية كلها وبين مجرم من مجرمي التاريخ الحديث .. ومن هؤلاء الأيتام الذي تركهم وراءه صدام حسين من كان قائداً لشعب يريد الحرية وقف عدة مرات أمامه ليقبل صدره مرات ومرات.. فلما نهرهم أصحاب العقول سارع حملة الأقلام المأجورة لنجدة سيدهم بالكلام دون الأفعال وهم يرددون : " فليخسأ الخاسئون!!"...
وعندما اشتدت عليه المآزق طالبه العقلاء من أهل البدو والحضر، من العراق العربي والعجمي، من الجنوب والشمال ومن بلاد العرب كلها بالتنحي عن الحكم ليدرأ عن العراق خطر الحرب الوشيكة فأخذته العزة وركب الشيطان عقله وسطّر أتباعه الذين باعوا ضمائرهم رخيصة آيات الولاء له والتحدي لمن تسوّل له مهاجمة العراق وقالوا بأنهم سيدافعون عنه " بالروح والدم" وادّعوا بأن صدام حسين سيقهرالمعتدين ويجعل بغداد وما حولها مقبرة للغزاة وسينتقل بعدها إلى "تحرير فلسطين".. وما هي إلا ثلاثة أسابيع حتى تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود والقصة معروفة كيف بدأت وكيف انتهت .. ولكن إعلاميي صدام حسين القابعين وراء طاولات التلفزيونات العربية كانوا يستخفون بكل قول حكيم ويرددون مع سيدهم " فليخسأ الخاسئون!!"
اليوم بعد أن سقط نظام صدام حسين وتم حل حزب البعث وجيش القدس وفدائيي صدام وكل أجهزته القمعية ورميت بصوره إلى مزبلة التاريخ وانهارت جدارياته التي كانت رمز جبروته ووحشيته الفائقة فإن اليتامى الذين خلّفهم وراءه صدام حسين يبحثون عمن يدفع لهم مستحقاتهم التي لم تدفع بعد، لقاء ما كتبوه دفاعاً عن صدام حسين وضد شعب العراق، ولازالوا مقتنعين بأن صدام لم يقهر بدليل أنه لايزال حياً، ويتساءلون : ألم تكن أهداف أمريكا إزالة صدام .. فها هو يعيش و.." ليخسأ الخاسئون!!"..
وا أسفاه!! فإن من العرب وقادتهم ورؤسائهم وملوكهم من يتحدث باستمرار عن " وحدة العراق وسيادته الاقليمية" ولكنه لم يفعل شيئاً من أجل صون هذه الوحدة لا يوم بدء الحرب ولا أثناءها، بل اكتفى بالضرب على وتر هذه الوحدة وزرع الشكوك حول نوايا الأمريكان والأكراد، أفلا يستطيع الأمريكان حقاً تقسيم العراق وهم متواجدون فيه من الجنوب إلى الشمال؟ أولم يثبت الكرد حتى الآن بأنهم مع وحدة العراق على الرغم من أن لهم حق تقرير المصير وحق تشكيل دولة لهم كبديل عن مطلب الفيدرالية التي يسخر منها بعض المراهقين من المثقفين العرب من أمثال علاء اللامي الذي سيفرح حتماً لو أن تركيا احتلت كوردستان العراق حتى تمنع حصول الكورد على حقوقهم القومية؟! ومن زعماء العرب من يتحدث عن " الديموقراطية وحقوق الإنسان والانتخاب الحر!!" كشرط للاعتراف بالحكم الانتقالي في العراق وبأن العراق لايزال تحت "الاحتلال الأمريكي البريطاني" وهم بأنفسهم لايطبقون هذه الديموقراطية ويكرهون الحرية ويدوسون على حقوق الإنسان ومن جهة أخرى يطلبون من الأمريكان والانجليز حماية الشعب الفلسطيني من سطوة شارون وجيشه الاسرائيلي، بل يتعاونون مع أمريكا وبريطانيا في كل المجالات ويتوددون لهما بكل السبل من أجل البقاء على الحكم ... وإذا ما ذكّرتهم بأنهم يوزنون بميزانين ويكيلون بمكيالين ويضرّون بالعراق وشعبه أكثر من " الاحتلال " نفسه.. فإنهم يقهقهون ساخرين ويرددون مع أيتام صدام حسين " نحن نمثل الأمة العربية ولا نرضى عن صدام حسين بديلاً وليخسأ الخاسئون!!" فإن كانوا فعلاً مع وحدة العراق وسيادته فلماذا لم يدافعوا عن صدام وحكمه الذي كان يدّعي مثلهم كل ادعاءاتهم؟ ولماذا لايرسلون جيوشهم لحماية هذه الوحدة التي يرونها في خطر كبير، فقد يتخلى الكورد عن فكرة "الفيدرالية" ويطالبوا بالانفصال وتكوين دولة لهم؟؟.. أعتقد أن أحد الأسرار الكامنة وراء هذه الازدواجية هو : خوف الزعماء العرب من أن يقترب ضباطهم من ضباط الأمريكان في العراق وجنودهم من جنود الأمريكان ويسمعوا منهم كلاماً عن الديموقراطية فيعودوا إلى بلادهم وهم يحملون مخططات للإطاحة بالحكومات والزعماء..إذ أنهم كانوا حتى الآن أتباعاً مخلصين لأمريكا وحلفائها، ولا أجد أي تبرير آخر لرفض العرب ، البارحة واليوم، العمل من أجل صون وحدة العراق وتمكين شعبه من الوصول إلى حياة في الحرية والديموقراطية.. عفواً : ربما يحلم هؤلاء بعودة صدام حسين إلى الحكم ثانية لتعود حليمة إلى عادتها القديمة من تقبيل الوجنات والصدور ودفع رزمات الدولارات من تحت الطاولات وتلقي الهدايا الثمينة والأزياء الفاخرة للنساء والأتباع وجنرالات الجيوش العربية الذين يريدون أيضاً حصتهم من بترول الشعب العراقي وذهبه..
هنا لابد من القول بأن الشعب العراقي قد انتهى من الدكتاتورية وسيصل إلى الحرية والديموقراطية وسيعود الأمريكان وحلفاؤهم إلى بلادهم وستصان الوحدة الوطنية للبلاد ، ولن يحصل حكام العرب على تلك الأنواع من الهدايا الصدامية، وإذا ما أكثر اليتامى العويل والكلام والتباكي على وحدة أرض العراق وسيادته الوطنية فسيقول لهم الشعب العراقي كله: " لقد فات أوان التضليل والدجل والمراهنة على حرب أهلية في العراق..و ليخسأ الخاسئون!!".