ما زالت منظومة الرواتب والأجور بالمغرب يعاني من انعدام الواقعية والإنصاف، ولا زالت تعيش اختلالا تجعلها تساهم في تكريس الحيف الاجتماعي في مجال توزيع الثروات، بدلا من أن تكون حافزا للإنتاج والابتكار، علاوة على أنها منظومة لا تتسم بدرجة الشفافية المطلوبة في وقت تعيش فيه بلادنا مرحلة انتقالية، لاسيما فيما يتعلق بالدخول الإضافية التي هي الأساس في خلق الفوارق الهائلة بين مختلف فئات الموظفين والعاملين.
ولعل أبسط منطق في هذا المجال يقول أن القاعدة هي دفع أجر مقابل العمل، وأن يكون الراتب الأساسي هو الدخل الرئيسي للموظف أو العامل، وأن لا تتجاوزه الدخول الإضافية، وذلك لدعم وتقوية استقلالية الموظف وولائه لعمله وليس لرئيسه الذي غالبا ما يتحكم في الدخول الإضافية. كما أن هذا المنطق يقول بضرورة أن يكون الراتب أو الأجر كافيا لضمان حياة كريمة. إلا أن منظومة الرواتب وأجور ببلادنا، في الواقع المعيش تخالف هذه الأسس الأبجدية، وبذلك تعتبر أحد العوامل البارزة الكامنة وراء انتشار الفساد والمحسوبية والظلم الاجتماعي. فهل يمكن للموظف العادي (البسيط والمتوسط) أن يعيش بكرامة معتمدا على راتبه الشهري ؟ إنه تساؤل يزعزع كيان المرء الصادق مع نفسه.
فمازال موظفون و عمال و مستخدمون يتقاضون أجور تقل بكثير عن حاجياتهم الضرورية الملحة للحياة و آخرون * قلة لا تكاد تبين مقارنة مع الأولين* تجاوزوا حاجز الصوت و يتقاضون مرتبات طيطانيكية تصل إلى 200 و 300 ألف درهم = 20 و 30 ألف دولار= شهريا. و هده الأجور تؤدى من ضرائب يدفعها المواطنون البسطاء و هده مجرد صورة لما يسمى التغيير الذي تعرفه البلاد
عموما ، يعتبر الراتب الأساسي مجرد جزء، يكاد يكون هامشيا ، من الدخول وهذا من شأنه إضعاف استقلالية الموظف ويحول ولاءه من عمله وظيفته إلى ولاء لرئيسه ، المتحكم في جزء مهم من دخله . علاوة على أن هيكل الرواتب والأجور الأساسية المحددة بالنسبة لأغلب الفئات ( الأغلبية الساحقة للموظفين) لا يمكن أن يكون كافيا، فعلا وفعليا، لضمان الحد الأدنى الحقيقي لحياة كريمة. في حين نجد فئة قليلة جدا من موظفي الدولة تنعم بدخول ضخمة " طيطانيكية " تتجاوز أحيانا كثيرة الراتب الأساسي لأغلب الموظفين مئات الأضعاف.
وفي واقع الأمر من الممكن حاليا مضاعفة الرواتب الهزيلة دون تكلفة إضافية من خلال العدالة في توزيع مخصصات الرواتب والحوافز والمكافآت، وذلك بحضور الإرادة الفعلية لتغيير الوضع الراهن الذي يمكن " حفنة " من الأفراد من الحصول على أضعاف ما يحصل عليه مئات بل آلاف العاملين بالإدارة. وكذلك اعتماد الشفافية، بدلا من النظام الباطني أحيانا والسري أحيانا أخرى، المعمول به حاليا فيما يخص الدخول الإضافية والمكافآت الضخمة غير المبررة لا عمليا ولا منطقيا ولا اقتصاديا ولا اجتماعيا.