|
الثقافه العربيه ازمه الواقع وتحديات المستقبل
هايل عبد المولى طشطوش
الحوار المتمدن-العدد: 1903 - 2007 / 5 / 2 - 12:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لاشك أن التغيرات والظروف التي اجتاحت البشرية في العقود الأخيرة من القرن الماضي طالت وأصابت سهامها كل مناحي الحياة سواء كانت سياسيه او اقتصاديه او اجتماعيه أو ثقافيه او حضاريه مما أدى الى دفع الانسانيه إلى الدخول في مرحله جديدة من مراحل تاريخها وهو ما أطلق عليه مرحله (العولمة ) أي كان لها دور كبير في إخراج كثير من القضايا من افقها المحلي الضيق إلى إطار أوسع وعالم رحب فسيح لتكون متاحة أمام العالم اجمع من دون قيود او حواجز او موانع تعيق مسيرتها وتحولاتها ،ولاشك ايضا ان العولمة بتجلياتها المختلفة فرضت على المجتمعات الانفتاح والتلاقي متناسيه خصوصيات الشعوب الثقافية والحضارية والدينية والاجتماعية مما احدث سجالا عميقا بين الأفراد - سواء على مستوى النخب أو على مستوى العامة - مابين رافض وبشدة للعولمة باعتبارها طمس لهويه وخصوصية الأمم والشعوب وتذويب لقيمها ومبادئها على حساب نشر قيم غريبة عنها وصبغ العالم بصبغه واحدة لا ثاني لها هي الصبغة الغربية ،وما بين مقبل على العولمة بنهم وشغف دون أدنى تحفظ على كل أو جزء من تجلياتها ،فاحدث ذلك سجالات كثيرة على المستويات كافه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ما زالت أحداثها تدور إلى هذه الساعة . يصعب علينا القول ان منطقتنا العربية والاسلاميه بعيدة عن العولمة وتجلياتها وذلك لأنها _العولمة – أصبحت واقعا مفروضا لا يستطيع احد التعامي عنه او التغاضي عنه والانكفاء على ذاته لان ذلك سيلحق به -وبلا شك – أفدح الضرر لان قافلة الحضارة الانسانيه تسير بسرعة فائقة ويكفي أن نعلم أن التطورات التقنية التي حدثت في العالم في العقد الأخير من القرن الماضي تعادل ما حققته البشرية على مدى قرن كامل –بل أكثر من ذلك – لذا فان التقوقع على الذات صعب وشاق في ظل هذه الظروف ،إن ما يهمنا في هذا كله هو –وفي هذا المقام – هو ألازمه الثقافية التي نعيشها وما هو دور تطورات العولمة وتطور وسائل تكنولوجيا المعلومات ونظم الاتصال والمواصلات في تشكيلها التحدي الأكبر للثقافة والمثقف العربي . أزمة الثقافة العربية الراهنة: ان ما جعلنا نشعر بأزمة الثقافة في مجتمعاتنا العربية وكبر حجمها هو ما ورد في هذا التمهيد البسيط لواقع الحال الذي طغت فيه العولمة على كل مناحي حياة الإنسان فدفعته بقوة للبحث عن ذاته اولا ثم عن جذوره ، سواء الجذور الثقافية او الاجتماعية او العرقية ....الخ ، رغم ان ثوب العولمة الخارجي يتحدث عن صهر البشرية كلها في إطار منظومة واحدة من القيم الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ....الخ . ولكن قبل الحديث عن واقع ألازمه من الأفضل ان نعرف مفهوم "الثقافة " و"المثقف" وذلك من خلال وجهات نظر مختلفة لباحثين وأكاديميين وخبرا في مجالات مختلفة لنشاهد التجليات المختلفة لهذة المفاهيم وذلك لكي نتمكن من إعطاءها حقها أثناء البحث والنقاش ،وقد يكون من اقدم التعريفات للثقافة.. وأكثرها شيوعاً حتى الآن وذلك لأهميته وقيمته التاريخية هو ذلك التعريف الذي قدمه (إدوارد تايلور) في نهايات القرن التاسع عشر في كتابه (الثقافة البدائية) والذي يقول فيه إلى أن الثقافة هي: "كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف.. و كل ما يمكن ان يكتسبه الإنسان من إمكانيات وعادات على اعتبار انه عضو ً في مجتمع" . اما المفكر العربي د. محمد عابد الجابري فانه يعرف الثقافة بأنها: "ذلك المركب المتجانس الذكريات والتطورات والقيم والرموز والتعبيرات والإبداعات والتطلعات التي تحفظ لجماعة بشرية تشكل أمة.. أو ما في معناها بهويتها الحضارية.. في إطار ما تعرفه من تطورات بفعل دينامكيتها الداخلية وقابليتها للتواصل والأخذ والعطاء" . أما الدكتور طلال عتريس فانه يعتبر أن الثقافة هي محصلة التفاعل بين ثلاث علاقات مع الله (العقيدة والذات) ومع الآخر (المجتمع والطبقة) ومع الذات (الرغبات والغرائز والحاجات) . ويعرفها د. نبيل علي بأنها : ما يبقى بعد زوال كل شيء، والمعلومات: هي المورد الإنساني الوحيد الذي لا يتناقص بل ينمو مع زيادة استهلاكه، والثقافة تصنع الموارد البشرية كما هي صنيعتها .
تختلف التعريفات تبعا لنظرة الباحث والزاوية التي ينظر منها للمفهوم ولكن القواسم المشتركة للمفهوم تجبر الجميع على التوحد حول نقاط مشتركه ، وفي تعريف الثقافة فان لا احد ينكر ان قاسمها المشترك هو : إنها ما انبثق عنه الفكر الإنساني من إبداع وتعبير وتطور وتمدن ... ساهم في صبغ المجتمع بصبغه (هوية) ميزته عن غيرة من المجتمعات فمنحته خصوصيته التي يعتز بها ويدافع عنها ويغار عليها من الاعتداء او المساس ، وساعدته على تشكيل اسس حضارته ، وهذا ما يؤكد عليه كثير من الباحثين على ان الحضارة هي نتاج الابتداع الثقافي الذي قدمه مجتمع ما ،وهنا يتداخل المفهومان معا (الحضارة ) و(الثقافة ) فيشكلان مزجيا يصعب فصل اجزأة عن بعضها البعض ،لأنهما يشكلان جناحي طائر ،احدهما يمثل الجناح المادي (الحضارة ) والأخر يمثل الجناح ألقيمي والمعنوي وهو (الثقافة ) . ولعلنا في هذا المقام نعرف "المثقف" وخير ما نورده هنا احدث تعريف للمثقف وهو الذي قدمه المفكر العربي د .فهمي هويدي في محاضرة له في مركز شومان الثقافي في عمان في ابريل 2007 وهو :"إن المثقف هو كل من تسلح بالمعرفة ووعى طبيعة عصره وعبر عن ضمير أمته وشرعيته لا تقاس بحجم معارفه وإنما بمقدار التزامه الأخلاقي إزاء مجتمعه " وهنا يؤكد الدكتور هويدي على أهميه الدور الأخلاقي الكبير الذي يقع على عاتق المثقف فغي بناء مجتمعه وحمل رسالته " . تعيش الثقافة العربية ازمه منظورة لا يستطيع احد إنكارها او التغاضي عنها تتجلى ملامحها بنقاط كثيرة ومتعددة قد نستطيع ان نجملها بما يلي : أولا: ألنقطه الأولى التي يجب ان تتصدر ملامح أزمة الثقافة العربية هي ما أوردة الدكتور خالد الكركي في دراسة له بعنوان (الثقافة القومية والثقافة الدينية : صراع أم حوار ) نشرت في صحيفة الرأي الأردنية ، وهي ان الثقافة في زماننا بعيدة ونائية عن واقع الحياة المعاش وغائبة عن مشهد الحياة " ، لذا فهي لا تلعب دورها في صناعه حياة حرة كريمه تقوم على نشر وزرع قيم العدل والتسامح والاحترام للذات وللآخرين لأنها تقبع في وسط زحام كبير من تيارات الشد والجذب المتناحرة التي تعيشها امتنا والتي يحاول كل تيار فيها ان يثبت ذاته ويتفوق على غيرة ، ان هذه التيارات التي مزقت ثقافة ألامه سهلت مهمة دخول ثقافات غريبة -تهدف الى الاستغلال والنهب الحضاري والمادي – الى مجتمعاتنا العربية فمزقت جسد ألامه وعاثت فيه نهبا وتخريبا ، فسادت قيم العنف والتطرف والهيمنة وغياب أدنى حقوق البشر التي اقرها الشارع الحكيم وليس لأحد فضل في منحها لأحد ، وساهمت أيضا بسهوله تقسيم الجسد الواحد وتقطيع أوصاله وأدخلت ألامه في تيارات العولمة ألاقتصاديه الجارفة فادخلنها الى أقفاص الرأسمالية العالمية عنوة عنها رغم انها لا تستطيع الى ذلك سبيلا ، ويدخل في إطار هذة النقطة ما أوردة الدكتور خالد عبيدات من كلام جميل يشخص واقع حال المفكر العربي في دراسته المنشورة بعنوان (دراسة في الفكر العربي ) حيث يقول :"ان معضلة المفكر العربي انه أصبح لا يقيم على ارض الواقع العربي ،...... فالمفكر العربي اليوم في اغلب الأحيان ليس نتاجا لواقعنا وليس نتاجا لهمومنا فهو إما نتاج غربي او نتاج تاريخي وفي كلا الحالتين أصبح ليس منا فرحل عنا وهو برحيله هذا ترك الميدان لحميدان " . ثانيا :حاله الإحباط التي يعيشها المثقف العربي والتي تجعله قاصر عن القيام بما تمليه عليه رسالة الثقافة التي يحملها وهي صياغة منظومة فكريه من القيم الانسانيه التي تساهم في صنع كرامه الإنسان ، ولعل ما عاشه المثقف - باعتباره مواطنا – من أزمات تاريخيه كان لها دور كبير في تكوين تراكمات إحباطية في نفسيته ورثها لغيرة على مدى الأجيال ، ولعل العودة بحركه التاريخ الى الخلف قليلا ترينا مشهدا اسودا قاتم لما عانته البلاد العربية من ظروف صعبه في كافه مناحي الحياة سواء كانت السياسية او ألاقتصاديه او الاجتماعية كان أولها الاستعمار الذي لعب الدور الأكبر في تحطيم منظومة الثقافة داخل المجتمعات وادخل إليها ثقافة مشوهه أراد تسويقها واستأصل بدلا منها قيم الثقافة المحترمة التي كانت تهدف الى حريه العقل الإنساني وحرية الإبداع والفكر البشري ، مما ساهم بولادة ثقافة قاتمة ضعيفة عاجزة عن حمل رسالتها الى العالمين . ثالثا :ساهم الاستعمار الذي جثم فوق كاهل هذه ألامه لفترة ليست بالقصيرة في خلق حاله من الضعف في النظام العربي ككل متكامل دفعت به الى التبعية التامة لهذة القوى المستغلة مما جعله ضعيفا هشا ليس له شخصيه مستقلة فكان لهذا الاستتباع اكبر الأثر على المشهد الثقافي العربي الذي بدا غائبا كل الغياب عن واقع مجتمعه وأمته واضعف دورة في الإسهام بنهضة ألامه وإخراجها من الظلمات التي غرقت بها لفترات ليست بالقصيرة . رابعا : ان حاله التفكك التي تعيشها امتنا نتيجة لتراكمات تاريخيه طويل – سبق سرد جزء منها – أدت الى غياب مفهوم الامه الواحدة المتجانسة التي تجمعها روابط اللغة والدين والتاريخ والنسب والمصير ، وطفت بدلا من ذلك على السطح ظواهر تنبئ عن حاله من التشرذم والتشظي والانقسام أسهمت في جعل كل عرق او طائفة او مذهب يبحث عن ثقافته الخاصة ويعطيها كل الاهتمام والاعتزاز وينسى – بل يتناسى- الثقافة الواحدة للامه الواحدة ، فنشأ فينا ما يسمى بالثقافة المجزؤة او المنقسمة ،فاضعف ذلك من شان الثقافة والمثقفين وقزم من دورهم في صناعه مجتمع القيم النبيلة المحترمة التي جاءت بها الرسالات السماوية التي تنادي باحترام الإنسان والإعلاء من قيمته لأنه محور الكون وأساسه . خامسا : لعبت الظروف التاريخية دورا بارزا في غياب العنصر الأساسي الذي تنشأ في ظله الثقافة وتترعرع وتقوم بما هو مطلوب منها على أتم وجه ألا وهو " الديمقراطية " لأنها ملاذ العقل ومنطلق الفكر ومنبر المنطق الذي يجعل من المجتمعات تنعم بقيم الحرية والعدل والمساواة من خلال حضور الثقافة وأهلها الذي ينهضون بهموم ألامه ويصلحون من شانها من خلال دورهم الذي لا غنى عنه . سادسا :الفقر المعرفي لدى المثقف العربي جعله يدخل كل جحر يسكنه المثقفون في أنحاء الدنيا – وخاصة الغربيين – مما جعله بتسول على أعتاب الثقافات الأخرى يأخذ منها ما تطرحه من أفكار لا تناسب واقعه وأمته وظروفه الحياتية فأصبح يجتر ثقافة الغير ينادي في تطبيقها في بلادة وعلى أبناء جلدته ،مما صنع جيلا من المثقفين بعيد كل البعد عن هموم أمته وواقعها بل انه أصبح ينادي باستعمار جديد من نوع جديد تهيمن فيه ثقافته المقزمه وقيمه الرخيصة الباليه على مجتمعاتنا العربية والاسلاميه فأصبح المثقف عاله على أمته بدلا من كونه عونا لها ،لان المفكر هو صاحب الدور الأكبر في التعبير عن أحلام وطموحات أمته – كما يقول د. خالد عبيدات :"لأنه هو الذي يصنع ضميرها و يمثل عقلها فهو المسؤول إذن عما لحق بها من تدهور بسبب الوعي الغائب عن رؤية صادقه وصحيحة وعما لحق بسياستها وأبنائها عموما من ضمور وعدم تبصر " . سابعا :التعليم هو القاعدة الأساسية لبناء محصله فكريه لدى الإنسان ،فمن الصعب ان تترعرع الثقافة وتنشأ في ظل أجواء من ألاميه والتخلف والرجعية العلمية – وان حصل ذلك تبقى ثقافه مقزمه وهشة - ،وان نظرة متفحصة لواقع التعليم في بلادنا العربية – رغم ما يبدو للوهلة الأولى في المشهد الخارجي من تطور وتقدم في هذا المجال كازدياد عدد الجامعات والمدارس ودور العلم ومراكز البحث والتطوير – يصاب بالذهول والدهشة نظرا لارتفاع نسبه ألاميه وتخلف البحث العلمي وتدني الإنفاق عليه ، وعدم احترام العقول المفكرة بل دفعها الى الهجرة وترك موطنها بحثا عن لقمه العيش او عن الاستقرار النفسي او الحياتي او هربا من واقع سياسي بغيض لا يرحم ، انه سبب بارز في نشؤ أزمة المثقف والثقافة في بلادنا العربية . ثامنا : تضاؤل مساحه الحرية الممنوحة للفكر لينطلق من عقاله وذلك بسبب العلاقة التاريخية الصعبة بين المفكر والسلطان ،حيث ان انعدام ثقه احدهم بالأخر له الأثر الأكبر في خلق ثقافة ضعيفة وهشة وخاصة ان الادوات التي يملكها السلطان هي دائما أقوى مما يملكه المثقف وخاصة في ظل غياب مقومات أخرى او توفر عوامل مساعدة سبق الإشارة إليها ،إنها إشكاليه تاريخيه لا نهاية لها . تاسعا :انصراف المثقفين - رغم حملهم لهموم الثقافة- الى البحث عن لقمه العيش في ظل أوضاع اقتصاديه مقيتة وانشغالهم برغيف الخبز قبل انشغالهم في الإبداع ، وصدق من قال :"قبل ان تسألني ماذا أبدعت اسألني هل شبعت " ان البطون الخاوية لا تفكر ، بل أنها تمقت الفكر والتفكير ، إنها معضلة العصر التي حرفت المثقف العربي عن دربه الصحيح وتراجع دورة العظيم في صياغة مستقبل ألامه وحمل آلامها وهمومها والإسهام في نهضتها ورفعتها وخاصة ان الثقافة هي أهم أدوات صنع التنمية في المجتمعات - وانشغاله بثانويات الأمور . عاشرا :اللغة هي الحصن الرئيسي والملجاء الآمن للثقافة وبدونها لا يمكن لامه مهما كانت قوتها ان تصنع ثقافة معبرة عن تراثها وحضارتها وتميزها ،وقد كانت اللغة العربية في ذات زمان هي الوعاء الذي استوعب كل ثقافات الدنيا بل انها كانت مصدر الثقافات ،فهي لغة الشعر الذي عجزت عن نظمه كثير من لغات الأرض ، وهي لغة الأدب الذي تنعم في افيائه البشرية اليوم ، وهي لغه العلم الذي أسهم في صناعه التقدم التقني الذي افرزه فكر البشرية المعاصر ،لقد كانت بغداد ودمشق والأزهر والزيتونة والأندلس وغيرها من عواصم الديار العربية هي حواضر للعمل ومراكز إشعاع للمعرفة والثقافة والفكر والإبداع ، إما اليوم فلا احد يستطيع ان ينكر تراجع الاهتمام باللغة العربية والعناية بها على حساب الاهتمام بالغات الأخرى ويتضح ذلك جليا من خلال مشاهدة حضورها في المحافل الثقافية الدولية وعلى قنوات الشبكات العالمية للمعلومات ،انه تراجع رهيب ينذر بخطر كبير قد تكون له أثار لا تحمد عقباها ،وهذا مظهر هام وبارز من مظاهر ألازمه التي تعيشها الثقافة العربية اليوم ،يستدعي منا جميعا النهوض بهمه عاليه لمواجهته . ان ما أوردته من ملامح لازمه الثقافة العربية هو فيض من غيض ،ليس الهدف منه السرد فقط بل لعله يكون الحافز والدافع نحو النهوض من الكبوة ومعالجه مكامن الخطر والخطاء لإصلاحها ، وخاصة ان أهم مميزات امتنا أنها امه مرنه قابله للتأقلم مع الظروف والتكيف مع المستجدات لأنها أمه قد تنام ولكنها لا تموت فسيأتي زمان العرب وستنهض ألامه من كبوتها وتصحو على ثقافة عريقة تستمد معاصرتها من أصالتها لا تتنكر لماضيها وتحترم حاضرها وتبني لمستقبلها وتؤسس لتاريخ جديد فيه من الإشراق واللمعان ما يخطف أبصار الطامعين ويعمي أعين الحاقدين . الثقافة العربية وتحديات المستقبل : ان التغيرات التي عاشتها وتعيشها البشرية وخصوصا منذ بداية القرن العشرين الى اليوم وخاصة التطورات الهائلة التي حدثت في العقد الأخير من القرن الماضي والتي أفرزت نظاما عالميا جديدا ومرحله إنسانيه جديدة هي العولمة وما ظهر من ثورة هائلة في نظم الاتصال والمواصلات والتطورات التقنية الهائلة كلها عوامل كان لها اكبر الأثر في تشكيل تحديات من نوع جديد ينفرض على واقع الحياة العربية وكان أكثرها تأثرا هو الثقافة لأنها روح ألامه وهويتها ،وقد نستطيع ان نجمل هذه التحديات في نقاط سريعة نعطي لها بعض التفصيل وذلك للمزيد من المعرفة حولها مع تصورات واقتراحات لما يجب أن نقوم به لنستوعب هذه التغيرات المتسارعة من حولنا لندخل في ركاب الانسانيه ولا نبقى حبيسين في ذواتنا منغلقين عما يدور حولنا، ولعل من ابرز هذه التحديات ما يلي: 1. الثورة الهائلة في التكنولوجيا والتي شملت نظم الاتصال والمواصلات والتي جلبت معها أنماط جديدة من الثقافة –وخاصة المرئية - والتي أصبحت شبكه الانترنت والفضائيات أهم أدواتها بما تحتويه من معارف –ثقافة - رقميه كان لها الدور البارز في إنتاج ما سمي (بالثقافة الرقمية ) ، وهنا يبرز التحدي الأكبر أمام ثقافتنا العربية لكي تثبت ذاتها وتظهر على السطح بقوة إما هذا العملاق المعرفي الهائج الذي يلتهم الأضعف ويبقي على الأقوى ، وان المراجع لمصادر ثقافتنا العربية يرى أنها تنطلق من ركائز شديدة القوة والمتانة لأنها ثوابت لا تقبل التغيير ولكنها تستوعب الآخر بما يحمله من ثقافة ومعرفه وعلوم ،واهم هذة الركائز هي القران وألسنه اللذان يشكلان مصدرا يعجز اللسان عن وصفه من مصادر الثقافة والمعرفة والعلم والأدب والفلسفة ، وتشكل اللغة العربية مرتكزا أخر لا يقل قوة عنهما وذلك لأنها لغه القران الكريم وأداة خطابه ووسيلة الثقافة التي أرادها الله للعالمين والتي لديها القدرة على استيعاب كل معارف وعلوم الدنيا ، وهذا الكلام ليس تبجحا لان التاريخ شاهد عليه حيث استطاعت اللغة العربية ان تستوعب علوم الرومان واليونان والقدماء أجمعين وتترجمه وتضعه على طبق من ذهب كإرث حضاري يغني المعرفة الانسانيه ويزيدها رسوخا وشموخا ، ان التقنيات الحديثة تفرض علينا ان نجعل من لغتنا أداة للمعرفة على نوافذ شبكه الانترنت العالمية ليطلع الآخرين على نتاجنا ومعرفتنا ولنفرض أنفسنا على الساحات الثقافية والعلمية والمعرفية العالمية وذلك بعد غياب طويل ،إننا قادرون على استيعاب كل مضامين العلوم والمعارف وتضمينها لغتنا القوية وجعلها أسس لثقافة جديدة تؤسس لعموم ومعارف رقميه يجب أن تكون في متناول ومقدور كل واحد من أبناء ألامه .
2.لا شك أن عولمة الثقافة وثقافة العولمة هي من اكبر التحديات المعاصرة لثقافتنا العربية وهي لا تنفصل بالضرورة عن النقطة السابقة وذلك لان التطورات التقنية هي إفراز كبير من إفرازات العولمة وأداة من أدواتها فبغير التكنولوجيا المتقدمة لا تستطيع العولمة تحقيق أهدافها والتي نمن أهمها صهر الكرة الارضيه كلها في منظومة واحدة من القيم والمفاهيم وإلغاء الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادي ، وخاصة ان بلادنا العربية مستهدفه سياسيا واقتصاديا وكذلك ثقافيا ،فهناك هجمة قويه على الثقافة العربية من جوانب شتى تهدف إلى تغييب المشهد الثقافي العربي عن الحضور الدولي والإسهام في مسيرة الحياة الانسانيه ، وان خير ما نورده هنا هو ما قاله د. نبيل علي "بان الثقافة العربية والإسلامية تتعرض إلى التشويه والإساءة باستخدام الإنترنت دون أن يتاح لنا الدفاع عنها ونشرها وتسويقها بسبب عدم مواكبة المعلوماتية فمواقع الإنترنت العربية (سواء كانت باللغة العربية أو اللغات الأجنبية) هي في الغالب ساذجة ومحدودة ولا تكاد تساوي شيئا بالنسبة للمواقع الأجنبية " ، وهنا لابد من التمسك بالثوابت والخصوصية مع الأخذ بما هو جديد ومواكبه كل تطور واستيعابه ضمن المنظومة الثقافية العربية . 3.النظام الدولي الجديد وتغير وجه العلاقات الدولية هو من اكبر التحديات التي تواجه الثقافة العربية ، حيث تغير وجه التاريخ بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي وغيابه كعملاق يحفظ التوازن عن الساحة الدولية ،كل ذلك كان له الدور الأكبر في بروز وظهور أشكال جديدة من الثقافة أهمها كما اشرنا الثقافة الرقمية وثقافة الصورة التي تبهر الألباب وتسحر الأنظار ، وأيضا نشؤ مفاهيم ثقافيه جديدة تقف كالجبل الشامخ في وجه الخصوصيات هي أيضا ما اشرنا إليه وهو ثقافة العولمة التي لا تهدف إلا إلى نشر وترسيخ مفاهيم وقيم الثقافة الغربية وإلغاء العقول الأخرى وأهمها العقل الشرقي والعربي خصوصا ، وخاصة في ظل النداءات الكثيرة التي بات العالم يصحو عليها كنهاية التاريخ وصراع الحضارات التي ليس لها نتيجة إلا سيادة النمط الغربي الحضاري وانتصار القفاه والحضارة الغربية باعتباره نهاية المطاف الذي ليس بعدة بعد. 4. التحديات الداخلية التي تنبع من جسم ألامه ذاتها والتي ابرز ضعف إرادتها وشخصيتها وخضوعها وتبعيتها لغيرها ، وبروز ظواهر مرضيه مقيتة في جسدها أهمها النزاعات العرقية والمذهبية والطائفية والحزبية والتي لا تؤدي إلا إلى انشغالها عن الحفاظ على ثقافتها التي هي الحصن الأخير الذي تحتمي فيه هويتها كأمه خالدة ذات رسالة إنسانيه مقدسه ، ساهم ذلك كله الى تفكيك أوصالها وضعف قوتها فعاد لها الاستعمار من جديد بأثواب مختلفة ومسميات جديدة أهمها إقناع المواطن بأنه مهضوم الحقوق ومسلوب الإرادة ومكمم الفم ولابد من انقاذة وحمايته ونشر قيم الحرية والتسامح وحقوق الإنسان في ربوع أرضه ، رغم ان كل هذه القيم هي جزء أصيل من ثقافته وحضارته وبناءة الكلي ،ولكن يبدو ان النتيجة كانت عكسية حيث ازداد العنف والتطرف والإرهاب والاقتتال والانقسام والانشغال عوضا عن التقدم والنهوض مما ساهم في تراجع دور الثقافة على حساب أولويات أخرى سياسيه واقتصاديه . حلول ومقترحات : نضع هذة التحديات أمام القارئ العربي الكريم على اختلاف مستواه الاجتماعي وموقعه ومركزة الوظيفي او الثقافي لعله يساهم وبالقدر الذي يستطيع في الحفاظ على ما تبقى من ارثنا الثقافي العظيم ويسهم أيضا في محاوله استنهاض الهمة لبناء ثقافة عربيه معاصرة تمزج ما بين الأصيل وتحافظ عليه ولا تفرط به وما بين المعاصر وتستوعبه وتصهره في بوتقتها القادرة على ذلك من اجل الخروج من عنق الزجاجة الذي استعصى منه الخروج ولعل حاله الولادة المتعسرة التي تعاني منها ثقافتنا تنتهي على خير وسلام ،وفي هذا المقام ولكي نقوم بدورنا لابد من طرح بعض الاقتراحات والأفكار التي تنطوي على بعض الحلول علها تصل إلى مسامع وأنظار من كان لديهم القدرة على تحويلها من كلمات نظريه إلى وقائع عمليه تسهم في نهضة الثقافة العربية وتعيد لها رونقها والقها ،ومن هذه الاقتراحات نذكر ما يلي بإشارات سريع والتفصيل نتركه للقارئ الكريم : 1.الاستفادة القصوى من ألشبكه العالمية للمعلومات (الانترنت ) وذلك لبناء ثقافة عربيه جديدة تواكب المستجدات العالمية السريعة القائمة على سرعه الاتصال والتواصل وخاصة إذا ما علمنا ضعف وقله وسذاجة وهامشيه المواقع العربية على شبكه الانترنت ، وكذلك غياب اللغة العربية عن نوافذ المعلومات على هذه الشبكة مقارنه بغيرها من اللغات حيث أن 88%من المضامين التي تبث عبر شبكه الانترنت هي باللغة الانجليزية و 9 %باللغة الالمانيه و 2%بالفرنسية ، و 1%بباقي اللغات العالمية فما هو نصيب اللغة العربية من هذه النسب . لابد اذن من السير إلى ما يسمى بالثقافة الرقمية التي أصبحت تقوم على نشر ثقافة العلم والمعرفة التقانيه ومزج التراث بالثقافة وبالتقانه المتقدمة وتكوين الوعي العلمي ونشر الثقافة العلمية بين الأفراد . 2.الانفتاح على الثقافات الأخرى وتعميق ما يسمى بالتلاقح الحضاري والاستفادة التام من معطيات الثقافات الأخرى والاستفادة مما لدى الآخرين من رصيد ثقافي وحضاري واستيعابها ضمن منظومة الثقافة العربية وذلك لان الانطواء والانكفاء والانكماش لا يولد سوى التخلف والتراجع والتقهقر عندها يتقدم الآخرون ونبقى نحن على ما نحن عليه،وخاصة ان التقارير تشير الى وجود فجوة حضاريه هائلة بيننا وبين العالم وخاصة في موضوع الترجمة التي تعتبر الوسيلة الاساسيه للاطلاع على ثقافة الآخرين حيث تبين التقارير أن نصيب العرب من الترجمات خلال الفترة من عام 1970- 2003 ثمانية ألاف عنوان من أصل مليون ونصف المليون عنوان تقريبا ، وان العالم العربي يترجم سنويا حوالي 330 كتابا أي بمعدل كتاب لكل مليون شخص مقابل 519 كتاب في المجر و 920 كتاب في اسبانيا لكل مليون شخص ،وقدر بعض الباحثين ان مجموع ما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون اليوم بنحو عشرة آلاف كتاب وهو ما تترجمه اسبانيا في عام واحد " إن هذه الأرقام مذهله بل هي مخيفه لأنها تكشف عن مدى قصورنا في الاطلاع على ثقافة الآخرين وعلومهم ، بينما لو قارنا ما ينفق على البذخ والترف والأمور الثانوية من أموال لوجدناها تفوق ما ينفق على البحث العلمي والترجمة والنشر والتأليف مئات بل ألوف المرات !!!. 3. النقد الذاتي والمراجعة المستمرة لواقع الحال وتصحيح الأخطاء وتلافي السلبيات قدر الإمكان وذلك لأنة النقد الذاتي من أفضل سبل التصحيح والتجديد إلى الأفضل . 4.ان من أعظم سبل تطوير الثقافة وإعادتها الى تألقها هو توفير الأجواء والمناخات المناسبة للعقل العربي لينطلق من عقدته ويحلق في فضاءات العلم والمعرفة وذلك في إطار أجواء من الديمقراطية الحقيق وحرية الفكر وحرية الرأي والتعبير . 5. الثقة المطلقة والإيمان العميق لكل القائمين على شؤون الثقافة العربية بان هذه ألامه وثقافتها وحضارتها لا تندثر ولا تضمحل ولا تختفي ولا تموت حتى وان أصابها الخلل والقصور فان هذا الحال لن يدوم وان الثقافة العربية كما هي ألامه العربية ستنهض ذات يوم من كبوتها وتعود إلى مركز الصدارة في القائمة الانسانيه . وأخيرا يجب ان نعلم جميعا أن الزمان يتطور وان الدنيا تتغير وان التحديات تختلف ما بين زمان وأخر، لذا فان تحديات الثقافة العربية تختلف من زمن الى أخر ومن عصر إلى أخر فالثقافة لم تعد مشكله كتاب أو مجله او محطة فضائيه بل أنها أصبحت تحتاج إلى جهود المجتمع كله بقطاعاته المختلفة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية والعلمية .. الخ سواء كانت رسميه ام شعبيه ومؤسسات مجتمع مدني وقطاعات خاصة لتتضافر معا وتسهم في تطوير وبناء النسق الثقافي المتين . ونختم بكلمات المفكر العربي فهمي هويدي حيث يقول :"رغم تراجع دور المثقف وضعف الضمانات المتوفرة له ورغم قوة وسائل التبليغ التي وفرتها ثورة الاتصال فان دورة كمعبر عن العالم يظل باقيا ووظيفته كحارس للقوى الاخلاقيه لم تتأثر ولا تزال المجتمعات اشد ما تكون حاجه الى هذا الدور اذ وحدهم المثقفون المخلصون هم القادرون على ذلك لا السياسيون ولا رجال الأعمال ولا العسكر لان لكل منهم حساباته التي يتنزه عنها المثقف الحقيقي نبي هذا الزمان " ومن جميل الكلام أيضا ما قاله الدكتور خالد الكركي الذي يبعث الأمل في النفوس بعد طول اليأس حيث يقول :"إنني أرى الثقافة العربية حاضرة بل وارى الفكرة القومية حاضرة دون ان اجعل أي حزب قومي وعاء نهائيا لها ولا أي نظام سياسي عربي حاضنا أخيرا لها ". المراجع : - د.عبد العزيز التويجري ، العالم الإسلامي في عصر العولمة ،دار الشروق ،2004. - محمد مرهف حسين أسد ،العولمة رؤية إسلاميه ، دار وحي القلم ، دمشق ،2003. - د.عبد الرشيد عبد الحافظ ، الآثار السلبية للعولمة على الوطن العربي وسبل مواجهتها ، مكتبه مدبولي ، 2005. - هايل عبد المولى طشطوش ، العولمة تأثيرات وتحديات ، دار الكندي ، 2007. - د.خالد الكركي ، دراسة (الثقافة القومية والدينية :صراع او حوار ) جريدة الرأي الاردنيه ،2007. - د .خالد عبيدات ،دراسة في الفكر العربي ، جريدة الرأي الاردنيه ،2007. - محمد جابر الانصاري ،انتحار المثقفين العرب وقضايا راهنه في الثقافة العربية ،المؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،1998. - د.نبيل علي ،الثقافة العربية وعصر المعلومات ، سلسله عالم المعرفة ،الكويت ،2001. - صحيفة الرأي الاردنيه ،العدد 13358 ،تاريخ 29 /4/2007 ، ص 2 .
#هايل_عبد_المولى_طشطوش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية كشكل من أشكال الحكم
المزيد.....
-
ماذا فعلت الصين لمعرفة ما إذا كانت أمريكا تراقب -تجسسها-؟ شا
...
-
السعودية.. الأمن العام يعلن القبض على مواطن ويمنيين في الريا
...
-
-صدمة عميقة-.. شاهد ما قاله نتنياهو بعد العثور على جثة الحاخ
...
-
بعد مقتل إسرائيلي بالدولة.. أنور قرقاش: الإمارات ستبقى دار ا
...
-
مصر.. تحرك رسمي ضد صفحات المسؤولين والمشاهير المزيفة بمواقع
...
-
إيران: سنجري محادثات نووية وإقليمية مع فرنسا وألمانيا وبريطا
...
-
مصر.. السيسي يؤكد فتح صفحة جديدة بعد شطب 716 شخصا من قوائم ا
...
-
من هم الغرباء في أعمال منال الضويان في بينالي فينيسيا ؟
-
غارة إسرائيلية على بلدة شمسطار تحصد أرواح 17 لبنانيا بينهم أ
...
-
طهران تعلن إجراء محادثات نووية مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|